Thursday 17th February,2000 G No.10003الطبعة الاولى الخميس 11 ,ذو القعدة 1420 العدد 10003



واقعنا التربوي إلى أين؟

إن مهنة التعليم مهنة جليلة يستحق صاحبها منا كل تقدير واحترام، فهي ليست كسائر المهن الأخرى في أهميتها، ذلك أنها تتعامل مع الإنسان ونفسه البشرية والذي خلقه الله ليكون خليفته على أرضه، وتعامل المعلم مع هذه النفس ليس سهلاً نظراً لما خلق الله فيه من عواطف واحاسيس وعقل ووجدان، فالمعلم في مهمته هذه يحتاج إلى جانب التأهيل العلمي والمسلكي وإلى قوة إرادة على ضبط النفس، وقدرة على الصبر والاحتمال أو دارية بخصائص النفس البشرية وما تحمله في طياتها من مزايا وخصائص ليكون المعلم اقدر على التعامل معها وبما يتناسب والطبيعة التي خلقها الله عليها.
إن المعلم ليجد متعة لا تدانيها متعة إذا ما نجح في مهمته ورآها قد تكللت بالنجاح وحين يرى طلبته بناة المستقبل قد بلغوا شأوهم وانخرطوا في مجتمعهم، كل لما هو ميسر له, فهم نتاج عمله وثمرة جهده الدؤوب وهم غرسه الذي نما وترعرع فأينع وأزهر وأثمر.
إن نجاح أي نظام تربوي أو فشله يعتمد على المعلم، فله اليد الطولى في ذلك كله وهو صاحب العلاقة المباشرة مع الطالب وهو أداة التنفيذ الفاعلة في العملية التربوية برمتها، وما العوامل الأخرى إلا عوامل معينة له على اداء مهمته.
إنني أود ومن خلال تجربتي الخاصة أن أعرض بعض الأمور التي يحسن بنا نحن المعلمين أن نرجع إليها ونحدد موقفنا منها لنكون على بيّنة من أمرنا في سلوكنا وفي مهمتنا التربوية والانسانية معاً.
لقد تفشت بعض صور العنف في مؤسساتنا التربوية، ناهيك عما يحدث من مشاكل أخرى نتيجة احتكاك المعلم بالطالب أو مع زميله داخل المؤسسة وخارجها فهل تقصينا أسباب وجود هذا العنف للحيلولة دون وقوعه أو تكراره وهو عمل من صميم مهمتنا التربوية.
إن معظم ما يقع من أحداث ومشاكل في اية مؤسسة تربوية قد يكون مرده إلى المعلم نفسه بقصد أو دون قصد، ذلك أننا نتعامل مع الطالب في الغالب من قبيل النزعة التسلطية وليس من قبيل النزعة الإنسانية التربوية مطالبينه بتطبيق من علمني حرفاً كنت له عبداً وننسى في هذه الحالة قول الرسول صلى الله عليه وسلم ,,,, إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلما ميسراً وقوله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
ومن هنا آمل أن يسأل الواحد منا نفسه كم مرة انسقت فيها وراء غضبي وانفعالي في تصرفي مع طلابي في الوقت الذي أطالبهم فيه بضبط النفس والسيطرة على الأعصاب؟ مع أن العكس هو الذي يجب ان يكون.
وكم مرة حلت فيها بين طلابي وبين ان يعبروا عن آرائهم بحرية لا لسبب إلا لأنهم يعارضونني في أفكاري أو يقاطعونني في كلامي؟.
وكم من مرة امتنعت فيها عن الاصغاء إليهم للوقوف على مشاكلهم وما يعانونه لمساعدتهم على حلها في الوقت الذي أطالبهم فيه بأن يصغوا إلى كل كلمة أتفوه بها، بل إلى كل حرف أنبس به؟
وكم من مرة يا ترى حاولت تشجيع الطالب على تنمية مواهبه واستغلالها وإن كانت خارجة عن نطاق المنهج المقرر، فلا أحول دون ذلك بدعوى التقيد بالمنهج وضرورة الانصراف إلى الجد والتحصيل.
وكم من مرة عدلت فيها عن إجراء اتخذته بحق طالب بعد أن ثبت لي براءته؟ وانه كان على صواب، وإنما أنا الذي تسرع في إصدار القرار دون التروّي فيه، وكم من مرة عنّفت فيها الطالب وبكلام قاس داخل الصف أو خارجه على مرأى من زملائه ومسمع منهم؟ قاصداً إذلاله أو التشهير به بدافع من الغضب والتسرع ودون العمل على معالجة الامر بالحكمة وبالتي هي أحسن، متناسيا ضرورة وجود احترام متبادل بين الطرفين وأن العقاب إنما هو للعلاج وليس للتشهير.
وكم من مرة أدان الواحد فيها منا الطالب لأمر قام به؟ دون أن نسمح له بأن يبدي وجهة نظره؟ أو حتى الدفاع عن نفسه معلنين ان على المعلم أن يأمر وان على الطالب أن يطيع طاعة عمياء وننسى في الوقت نفسه أن من واجبنا أن نشجعه على الدفاع عن نفسه وحقه وأن نبث فيه روح العزة والكرامة.
وكم من مرة عوّدناه فيها على أن يأخذ زمام المبادرة؟ وأن يقوم بواجبه من تلقاء نفسه؟ دون أن يكون هناك حاجة لانتظار ما يصدر إليه من أوامر ونواهٍ ومن ثم يعمد إلى تنفيذها.
وكم من مرة أشعرناه فيها بأن له كياناً مستقلاً نحترمه ونسعى إلى تقويته؟ وأننا نحترم رأيه ووجهة نظره واستقلاليته، فلا يكون إنسانا يتبع كل ناعق يقدم إن اقدم الناس ويحجم إن احجموا ويصفق لمن يصفقون له.
وكيف له ان يؤمن بلغته ويعتز بها وهي لغة القرآن الكريم طالما يرى النسبة الغالبية على لافتاتنا ومحلاتنا العامة أنها مكتوبة بلغة اجنبية وان معظم محاضرينا ومثقفينا يطعّمون لغتهم الأصلية بلغة أجنبية، وكأن لغتنا لا تفي بمتطلباته في التعبير عن افكاره.
وكم من مرة حاولنا فيها ان نأخذ بيده نحو حل مشاكله في جو من الود والاحترام ونعوّده على تحليل الأمور ودراستها ومن ثم المقارنة بينها لاختيار الأنسب منها والأفضل؟
وكم من مرة حاولنا فيها أن نبعث فيه الرجاء والأمل بالمستقبل باتخاذ طريق الجد والعمل واستمرار المحاولة وألا يستسلم لليأس والقنوط؟
وكم من مرة حاولنا فيها ألا يقبل كل ما يسمعه دون تدقيق او تمحيص؟ وألا يأخذ كل ما يسمعه أو يقرؤه مأخذ البديهيات والمسلمات التي لا تتحمل الجدل ولا تقبل النقاش، وأن عليه أن يتفحص الأمور بعين ناقدة وفكر ثاقب.
ترى هل أصبحت الفرصة لنا متاحة لنحكم على مدى التزامنا بأخلاقيات المهنة في أدائنا لمهنتنا التربوية، ونحكم إلى أي مدى استطاعت أنظمتنا التربوية ان تسهم في بناء وإعداد الفرد وتهيئته للمستقبل وكيف يتأتى للطالب عندنا أن يثق بما نقول ويطمئن إليه وهو يرى غير ما يسمع ويسمع غير ما يرى، نقول ما لا نفعل، ونفعل ما لا نقول؟.
أسئلة وأمور متعددة يجدر بنا كمعلمين أن نرجع إليها ونحدد موقفنا منها.
نسأل الله العلي القدير أن يهدينا دائماً إلى طريق الخير والرشاد وأن يوفقنا إلى كل ماهو خير لأبنائنا الطلاب.
فياض بن صالح الرويلي
مركز الإشراف التربوي بمحافظة طريف

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved