Sunday 20th February,2000 G No.10006الطبعة الاولى الأحد 14 ,ذو القعدة 1420 العدد 10006



الثكل لنا,, ولكِ الجنة بإذن الله,,!
أسيمة الشهيل

عندما قرأت خبر وفاة الأميرة عفت آل ثنيان حرم الملك فيصل -رحمهما الله- أحسست بغصة من يبتلع جمرة في أوج نضارتها, واجتاحتني أحاسيس ثكل الأم بما يشبه أحزان اليتم العنيدة التي تأبى أن تغادر القلب لتحرّره من كل ذكريات المحبة والألفة والرعاية والامتنان العميق, تشرفت بمعرفتها -رحمها الله- بحكم عملي مع كريمتها الفاضلة الأميرة سارة الفيصل، منذ البدايات الأولى لتأسيسها جمعية النهضة النسائية الخيرية في الرياض, كانت الجمعية في مرحلة التأسيس الأولية تحتاج إلى الجهود الشخصية للعضوات, كجمع تبرعات الحليب والأدوية والأغذية والبطانيات وملابس الأطفال وما شابه ذلك، من البقالات والصيدليات والدكاكين في الأحياء المحدودة جداً، عندما كانت الرياض مدينة ناشئة لا يتجاوز عدد أحيائها التجارية أصابع اليد الواحدة (شارع الوزير البطحاء الثميري الديرة الصفاة).
وكانت النشاطات الترفيهية التي تدرّ مدخولا للعمل الخيري (مثل دعوات العشاء الخيري والحفلات السنوية واللوحات الفلكلورية والمسرحيات ومعارض بيع المطرزات وتحف الثرات)، كانت أيضا تعتمد على الجهود الشخصية للعضوات: كخياطة الملابس وتأليف المسرحيات وإخراجها بمعرفة متواضعة جدا، وإلقاء المحاضرات، اضافة إلى ولادة المجلة النسائية الأولى في المملكة السعودية والتي أسميناها (الضياء) التي لم تحفل الصحافة السعودية بالاشارة إليها، لأنها صدرت قبل ربع قرن ونيف عن مجهود شخصي بحت وشديد التواضع, حيث كنا نطبعها (على الآلة الكاتبة) ونخططها باليد ونصمّم غلافها وندبّسها لنبيعها على العضوات والمدعوات, بين ذلك كله كنا نذهب لزيارة الأميرة الأم أم محمد الفيصل لنحظى منها بالترحيب والتشجيع والدعم وأيضا الانتقاد, كانت -رحمها الله- تنهض من مقعدها قبيل دخولنا إلى مجلسها ثم تبدأ بالمشي نحونا لتصافحنا وهي أقرب ما تكون إلى باب مدخلنا, فتحمرُّ وجوهنا خجلا من تواضعها وفيض روحها النبيلة في ترحيبها وحرارة لقائها ولهفتها وتكريمها لنا بهذه البشاشة الروحية النادرة، وهي زوجة الملك,, ونحن فتيات لم نتجاوز العشرين إلا ببضع سنوات, ثم تبدأ بسؤالنا عن أهلنا وأطفالنا ورأينا بمدارس الأولاد ومناهج الدراسة والصحف المحلية، وبما نراه ونعتقده ونقترحه بكل صراحة, وكنا نفعل,, أي نجيب بكل صراحة ونحن على ثقة من سعة صدرها واهتمامها برغبتها في نقل رأينا للملك فيصل -رحمه الله-.
ثم تأتي المرحلة الصعبة من الزيارة حيث تسألنا عن أعمال رجالنا, ماذا فعلوا مؤخراً وما هي المؤتمرات التي حضروها، وما هي المشاريع التي يحضرون لها, وكنا جميعا نتزوّد بآخر المعلومات عن أعمال أزواجنا في الوزارات قبل زيارتها, ثم تأتي المرحلة الأخيرة والأصعب من الزيارة، وهي مرحلة الانتقادات, سألتني مرّة عن سبب توقّفي عن إلقاء المحاضرات في الجمعية وأنا المسؤولة كعضو في مجلس الادارة ومسؤولة عن اللجنة الثقافية، وأكملت: ألا ترين القصور الكبير الصادر منك تجاه نساء البلد؟ , عندما أخبرتها أننا لم نجد تجاوباً من السيدات وان قاعة المحاضرات تكون فارغة من الحاضرات, أشارت إليّ بوجوب ايجاد الحوافز لاغراء السيدات بسماع المحاضرات, وأستمررنا في تنفيذ اقتراحاتها حتى أصبحت القاعة تغص بالحاضرات, مرة أخرى انتقدتني لأن المسرحية التي قدمناها في الحفل السنوي لجمعية النهضة كانت طويلة ومملّة, فقدمت لها عذري بأنني أكتب المسرحة وأخرجها وأدرب البنات بدون خبرة، اللّهم إلا الخبرة التي آخذها من رؤيتي للأفلام, ولم تقنعها الحجة ولا العذر, فالأولى بنا أن نقدّم مسرحيات قصيرة وهادفة من أن نقدم مسرحية طويلة ومملة, وبعد ذلك جاءنا الدعم من وزارة الإعلام, حيث طلبت من مسؤوليها -طيب الله ثراها- أن يمدونا بالنصوص ويساعدونا بالإخراج, هكذا كانت الأميرة الأم، تنتقد لتوجهنا وتعلمنا المسار الصحيح، وتلحق ذلك بأن تدعمنا بكل ما يعنيه الدعم من معنى, من جهة أخرى كانت أميرتنا الفاضلة تحنو بسبب وبدون سبب, كانت تسأل: هل أنت سعيدة؟ أأنت بحاجة لأي دعم أو مساعدة في حياتك؟ في ذلك الوقت لم تكن الدنيا قد أساءت إلينا بعد, وكان أكبر دعم نحصل عليه، هو أن نتشرف بحضورها للحفل السنوي لجمعية النهضة، ونرافقها في افتتاحها للمدارس وكليات البنات وزيارة مؤسستها الخيرية دار الحنان وحضور دعوات العشاء بمعيتها في قصر المعذر, كل من عرف الأميرة الأم عفت الثنيان كما عرفتها سينفرط بين يديه عقد الذكريات وسيشعر بضآلة الأبجدية وعجز اللغة عن تصوير المشاعر التي تغلبه ولا يغلبها.
إلى صديقتي وزميلتي في عمل الخير، صاحبة السمو الملكي الأميرة سارة الفيصل وإلى شقيقاتها الكريمات وأشقائها الأفاضل أنجال الملك فيصل -طيب الله ثراه- أقول: ان كانت المنطقة الشرقية أبعدتنا عنكم جسداً ومكاناً، فإننا معكم روحاً وقلباً ونشاطركم الأحزان,, إن موت الوالدة -طيب الله ثراها- سينمو في داخلي مثل شفرةٍ تخز سطح الجلد في البداية، ثم تشق طريقها شيئاً فشيئاً نحو القلب والرئتين.
وعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- انه قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له وللأميرة عفت -بإذن الله- نصيب كبير من ذلك كله فيما خلفته وراءها من الصدقات الجارية، وما أنشأته من مدارس وكليات، وأخيراً وليس آخراً في أنجالها الكرام وبناتها الفاضلات فقد أحسنت نشأتهم وتربيتهم وتوجيههم، فكانوا لنا جميعاً قدوة تحتذى عند الرجال والنساء.
نسأل الله أن يتغمدها بواسع رحمته ومغرفته ويسكنها فسيح جناته إنه مجيب الدعوات.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

تغطية خاصة

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved