Sunday 20th February,2000 G No.10006الطبعة الاولى الأحد 14 ,ذو القعدة 1420 العدد 10006



الفحص الطبي قبل الزواج من منظور شرعي واجتماعي
د, صالح بن عبدالله المالك

على النقيض من الانطباع السائد بأن علم الاجتماع المعاصر الذي انبثق أخيراً في الغرب من مادة الفلسفة الاجتماعية كان مناوئاً للأديان السماوية في القرنين الماضيين، فان علماء الاجتماع المسلمين، ولا سيما في المرحلة الراهنة وجدوا في التعاليم السماوية مادة خصبة لاثراء نظرياتهم الاجتماعية وإثبات صحتها، واخص بالذكر نظرية المحاكاة والتقليد في السلوك ونظرية المخالطة وقرناء السوء، التي شرحت كثيراً من أسباب جنوح الأحداث ، والتحمت هذه النظرية في الاسباب الدافعة الى ارتكاب الجنوح او الجنايات والجرائم مع كثير مما ورد في الكتاب والسنة أو الأدبيات الاسلامية المختلفة وحقيقة الامر، فان ما ورد في علم الاجتماع من نظريات متعددة، تتعلق بالتكافل الاجتماعي، والضمان الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص مع الأخذ بالاعتبار الفروقات الفردية ومقومات الزواج الناجح، والاسباب الدافعة الى الطلاق وتحسين النسل، قد سبقتها اليها القرآن والسنة او الأدبيات الاسلامية، وأصبح علماء الاجتماع اقرب من ذي قبل الى استلهام نظرياتهم ودراساتهم المختلفة، ووضع الحلول لها من الكتاب والسنة المطهرة من كل الأخطاء.
لهذا جاءت معالجة موضوع الفحص الطبي قبل الزواج في هذا المقال جامعة بين المنظور الشرعي والاجتماعي لاعتقاد الكاتب بأن هذين الجانبين مرتبطان ارتباطا استاتيكياً ثابتا يكمل كل واحد منهما الآخر في دائرة الأسباب والحيثيات والنتائج.
والحديث عن الزواج الذي شرع لعدة أسباب منها: المحافظة على النسل واستمرار الانسان خليفة لله في الارض لبنائها وعمارتها وعبادة الله وحده دون غيره يقودنا في هذا السياق الى بذل الجهد واخذ الاسباب المؤدية بعون الله الى تهيئة كل الظروف الصحية والاجتماعية والدينية والاقتصادية لأولادنا وللأجيال القادمة حتى يكونوا أقوياء صالحين.
وفي هذا المجال لم يغب عن كثير من الدول المتقدمة اقتصاديا العمل بوعي وادراك وتخطيط مسبق لإيجاد معادلة تسعى الى تحقيق التوازن بين الموارد الاقتصادية للدولة من جانب، وعدد السكان من جانب آخر, وقد اضحت القضايا السكانية هاجسا أخذ حيزا كبيراً من تفكير كثير من قادة الدول ومفكريها,, اذ ان تصاعد عدد السكان في كثير من الدول النامية الفقيرة بدأ يضغط على الموارد الاقتصادية,, وستكون النتيجة الحتمية للمعادلة المشار اليها اعلاه هي ارتفاع نسبة عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في تلك الدول التي لم تتحرك الى الامام لزيادة الموارد الاقتصادية المتاحة الممكنة بالخطوات الحثيثة، ناهيك عن تدني المستوى الصحي والعلمي للأجيال الجديدة,,
وفي هذا السياق سوف أبذل جهد المقل في التطرق لموضوعين لهما علاقة بعنوان المقال، هذان الموضوعان هما:
1 تنظيم الاسرة: وهو الاهتمام بالنوع، ولكن ليس على حساب الكمّ، ولن ادخل في تفصيل ذلك خشية الخروج عن الموضوع، ويكفي في هذا الجانب الاستشهاد بكل من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس) وحديثه صلى الله عليه وسلم (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).
2 الفحص الطبي قبل الزواج: وهو الذي يعنينا كثيراً في هذه المقالة,, فمن المعلوم ان الانسان في هذه الارض هو بنيان الله، وقد كرمه الله على كثير من مخلوقاته ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً .
ومن واجبنا المحافظة على هذا البنيان وحمايته من الضعف والهزال والهلاك او الانقراض حتى يبقى هذا الانسان، ولا سيما المؤمن قوياً منيعاً (فالمؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير).
واختيار الزوجة او الزوج وفق اسس علمية وراثية دينية واجتماعية امر مطلوب، ولهذا جاء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم سبقت الاشارة اليه صريحا في هذا الاتجاه اختاروا لنطفكم فان العرق دساس وقوله صلى الله عليه وسلم : هلا نظرت فإن في اعين الانصار شيئاً.
ومن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومما ورد في تلك الآثار ما يكشف لنا بوضوح بأن الاسلام لم يغفل كثيراً من المحددات والموجهات التي تسبق الاقتران بين الرجل والمرأة في ظل عش الزوجية اذا ما اردنا لهذا العش ان يتفيأ ظلالا وارفة من السعادة والصحة والتكافؤ والمودة والرحمة والألفة والعلاقة الدائمة.
يقول الله سبحانه وتعالى:
وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربّك قديرا .
ويقول سبحانه:
والله جعل لكم من انفسكم ازواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة .
من هنا فان النسل اي الوليد القوي في دينه وبدنه غاية من غايات بناء الاسرة وإقامة الحياة الزوجية.
وما سبق من ديباجة يقودنا مباشرة الى صلب الموضوع.
اذا كان النسل القوي في بدنه ودينه مطلباً لا يختلف فيه اثنان فان تحقيق هذا المطلب يتم بإذن الله من خلال اجراء الفحص الطبي للخاطب والمخطوبة اي الزوجين قبل الزواج.
والاسلام لا يبيح ذلك فقط ولكنه يحض عليه للأسباب الآتية:
الأصل في الاشياء الاباحة ولا يوجد في الشرع ما يحظر ذلك.
المحافظة على النسل ضرورة من ضرورات الحياة التي دعا الاسلام اليها والفحص الطبي قبل الزواج يساعد على تحقيق هذا الامر.
الفحص الطبي قبل الزواج يساعد على المحافظة على صحة الانسان وتجنيبه الأمراض الوراثية التي قد تؤدي الى الوفاء قبل الولادة او بعدها.
حرص الاسلام على ابقاء الحياة الزوجية سعيدة دون ان يصيبها ما ينغصها، ولا سيما اذا اعتقد أحد الزوجين ان الامراض الوراثية كانت بسبب الطرف الآخر.
الاسلام يحض على العلم ويطلب الغوص في اعماقه وسبر اغواره ولهذا يقول سبحانه فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ويقول سبحانه أفلا تتفكرون,,, ويقول تعالى وفي أنفسكم أفلا تبصرون .
والطبيب والطبيبة كل منهما صاحب شأن واختصاص في مجاله، وان رأي الطبيب المسلم المختص محترم ويعوّل عليه في الاسلام، فاذا رأى الطبيب ان من الضروري ان يفطر الشخص المريض في رمضان وان الصيام يضر بالصائم أخذ برأي هذا الطبيب ولا سيما اذا كان الصيام يزيد من معاناة المريض ويسبب شقاءه.
وعلى المريض أن يأخذ برأي الطبيب وهذا يتعلق بركن من أركان الاسلام فأخذ رأي الطبيب والعمل به في امور تتعلق بالفحص الطبي ونتائجه قبل الزواج من باب اولى من حيث الإباحة.
يحرص الاسلام على ان يكون المجتمع المسلم قوياً في كل شيء ومن المؤكد ان توارث بعض الامراض او انواع العوق بسبب التوافق بين الزوجين وهو ما يؤدي الى اضعاف المجتمع ويولد مشاكل صحية في المجتمع مثل مرض التلاسيميا او فقر دم البحر الابيض المتوسط.
من مبادىء الاسلام ان لا ضرر ولا ضرار، ودفع الضرر مطلوب ورفع الحرج مرغوب.
واخيراً وهو الأهم فان الضرورة في شريعة الاسلام معتبرة ومأخوذ بها، فالضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه فاذا كانت الضرورة تبيح الممنوع شرعا مثل أكل الميتة او الدم (وهنا لا بد من التأكيد على ان الضرورة تقدر بقدرها ولا يجوز التحايل فيها) فان الفحص الطبي قبل الزواج ليس محظوراً ولا ممنوعاً وقد توجد بعض الامراض الوراثية التي قد لا يعلم الانسان المصاب بها ولا يعرف عنها الا بعد الفحص وقد لا يشعر فيها بأعراض لأنه إما مريض او حامل لمرض ولا يشعر بأي اعراض فيحتاج الى كشف وفحص طبي,, وهناك بعض الامراض تعالج وقد لا تؤدي الى فسخ الخطوبة لانها تعالج ولا تضر ولا تؤثر على الحياة الزوجية, ومن مصلحة الانسان ان يعرف عنها ويكتشفها مبكراً ليتمكن من معالجتها ومعالجة اسبابها وآثارها، وكما يقول الاطباء المختصون، فان الفحص قبل الزواج امره سهل فهو مجرد فحص دم وفحص سريري وفحوصات مخبرية اساسية وفحوصات لبعض الأمراض الموجودة في المنطقة مثل التلاسيميا او فقر دم البحر الابيض المتوسط، وكل ذلك لمصلحة الزوجين والاسرة ولصالح المجتمع بوجه عام.
ان توافر المعلومات عن طريق التوعية الصحية والاهتمام بالاطفال القادمين واخذ الحيطة والحذر لا يتنافى إطلاقاً مع التوكل على الله, وان الاهمال والتراخي في مجال الوقاية والمكافحة والعلاج قد يؤدي الى أنجاب اطفال غير أسوياء.
وأخيرا علينا أن نتذكر الحكمة المشهورة الوقاية خير من العلاج التي يمكن تطبيقها من خلال الفحص الطبي قبل الزواج.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

تغطية خاصة

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved