Monday 21st February,2000 G No.10007الطبعة الاولى الأثنين 15 ,ذو القعدة 1420 العدد 10007



في قلب صحراء الربع الخالي ومعجزة فوق الرمال
عبدالله حمد الحقيل

منذ مدة وأنا أترقب الفرصة لزيارة جزء عزيز من بلادنا وجاءت الفرصة حين وجهت شركة أرامكو السعودية الدعوة مع مجموعة من رجال الصحافة والفكر والأدب والإعلام، وذلك للاطلاع على صناعة البترول السعودية وقد تضمن البرنامج جولات ميدانية متنوعة وفي مساء يوم الجمعة الموافق 5/11/1420ه أقلعت بنا الطائرة نحو الظهران وقد كانت تسير بنا بين شعاب نجد وأوديته ورياضه الجميلة ورمال الدهناء الذهبية مردداً قول الشاعر العربي:

يمرون بالدهنا خفافا عيوبهم
ويرجعن من دارين بجر الحقائب
ووصلنا مطار الملك فهد الدولي حيث كان في استقبالنا لفيف من مسؤولي شركة أرامكو ومن قسم العلاقات العامة حيث كان الترحيب والبشاشة وقد بادرنا مدير العلاقات العامة عصام توفيق وزملاؤه بكلمات لطيفة حيث قال: إننا نقدر بكثير من الامتنان تجشمكم عناء السفر واهتمامكم وحرصكم على مشاركتنا وقد خططنا ونسقنا لأن يكون برنامج زيارتكم حافلاً قدر الامكان, ثم توجهنا صوب الفندق المعد للسكن في مدينة الخبر وفي المساء أقيم حفل عشاء على شرف ضيوف الشركة من رجال الصحافة والفكر والأدب، وقد حضر الحفل عدد من مسؤولي أرامكو ومجموعة من أدباء المنطقة الشرقية وجريدة اليوم والمكاتب الصحفية في المنطقة الشرقية وفي صباح يوم السبت توجه الجميع إلى مقر أرامكو السعودية بالظهران لزيارة معرض ارامكو وبئر الخير ومركز تخطيط وتنظيم توريد الزيت بمبنى الادارة ومركز الحاسب الآلي بمبنى ادارة التنقيب وهندسة البترول ثم عقد لقاء واجتماع مع رئيس أرامكو السعودية ونوابه وعدد من المسؤولين بالشركة وجرى حوار مفيد ونقاش مثمر، ثم تناول الجميع طعام الغداء الذي أقامته الشركة على شرف الوفد وتعرفنا خلال الاجتماع على مسؤولي الشركة من شبابنا الطموح الذين نعتز ونفخر بهم ثم جولة على الحي السكني والمكتبة ومبنى التدريب على الادارة ومجمع مباني التدريب مروراً بحي الدانة والدوحة في الظهران.
وفي صباح يوم الأحد فارقنا مطار الظهران على متن احدى طائرات أرامكو السعودية إلى منطقة الشيبة في الربع الخالي وكانت تسير بنا بين البحر والرمال والكثبان الرملية الشاهقة مردداً قول أبي الطيب المتنبي:

إذا مضى علم منها بدا علم
وان مضى علم منه بدا علم
ولكم توحي تلك المناظر بتاريخ عريق وتزخر بذكريات ولقد تحدث المستشرقون والرحالة عن صحراء الربع الخالي حيث بقيت منعزلة عن العالم لقرون عديدة وكان مجرد ذكر اسمها يثير الرهبة والفضول والاحساس بالمغامرة معاً وبسبب كثبانها الرملية الشاهقة وظروفها المناخية القاسية وجفافها الشديد ووعورة مسالكها ظل الناس يعيشون على أطرافها تماماً كما يعيشون في المدن والقرى على ساحل البحر ينظرون الى الصحراء الممتدة أمامهم باعجاب شديد ولكنهم يتهيبون اقتحام مجالها وخلال رحلتنا كانت الشمس مشرقة والسماء صافية الأديم تشرق على الواحات والهضاب والرمال ولقد اخذت هذه الصحراء مكاناً بارزاً في روايات الرحالة والمؤرخين وفي قصائد الشعراء وأساطير الرواة وأخبار القصاص ولقد قيل الكثير من القصائد والروايات والأشعار.
ولقد كنت أرنو لتلك الكثبان الرملية وأكبر صحراء في العالم وما يختفي تحت رمالها من الزيت والغاز ثم هبطنا في مطار الشيبة وكان في الاستقبال مجموعة من الشباب السعودي يتقدمهم نائب الرئيس لعمليات الانتاج بالمنطقة الشمالية الأستاذ يونس أحمد العيدروس ثم توجهنا إلى قاعة الاجتماعات حيث ألقى كلمة ترحيبية وعرضاً موجزاً عن حقل الشيبة وفيلما وثائقياً لمراحل تطوير حقل شيبة, ثم زيارة لمعمل فرز الغاز من الزيت ثم توجهنا نحو الخيمة المعدة لتناول طعام الغداء ثم جولة في ربوع هذه المنطقة حيث مناطق الانتاج ومعامل التكرير والمنطقة السكنية وبعض المنشآت المساندة ورأينا الربع الخالي على الطبيعة بكثبانه الرملية الحمراء التي ترتفع الى 265 متراً وسنجاته ومناظره الجميلة، وانطلقنا في رحاب تلك الرمال والتقاط الصور وكنت ومجموعة من الاخوة نورد ما قيل من قصائد وأشعار وما ذكره الرحالة وما أورده فيلبي في رحلته للربع الخالي فكان الحديث ذا شجون بله بهيج الشجون على حد تعبير الشاعر العربي القديم:

وحدثتني يا سعد عنهم فهجت لي
شجوني فزدني من حديثك يا سعد
وقول كثير عزة:

اخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
وسالت بأعناق المطي الأباطح
ان التاريخ والجغرافيا تتجسد في هذه الصحراء ولقد تحولت اليوم الى مدينة صناعية ومعلم حضاري متميز فلم يعد الربع الخالي خالياً ولقد أطلق عليه سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز خلال زيارته التاريخية وافتتاح منشآت حقل شيبة بالربع الغالي ويقع هذا الحقل في الجنوب الشرقي لمدينة الظهران، ولقد انجزت شركة أرامكو السعودية عملاً عظيماً ومشروعاً حضارياً واقتصادياً كبيراً فقد شاهدنا مدينة عصرية يقطنها 750 نسمة وكلهم شباب سعودي لم تثنهم رهبة الصحراء عن سبر أغوارها والعمل في مجاهلها واكتشاف خباياها حيث انطلقوا للعمل في هذه الأرض التي كانت بالأمس موحشة ومرعبة لعدة قرون.
وقد جاء هؤلاء الشباب بعزيمة الرجال باحثين عما يختفي تحت رمالها من الزيت والغاز فقبل عشرين عاماً اكتشف المنقبون السعوديون حقل الشبية في الأطراف الشرقية من صحراء الربع الخالي وعندما حفرت بئر الاستكشاف بئر شيبة رقم (1) في عام 1968م اكتشفت كميات كبيرة من الغاز ومن الزيت الخام العربي الخفيف جداً الذي تبلغ كثافته 42 درجة حسب مقياس معهد البترول الأمريكي والحمد لله البئر يحتوي على بلايين البراميل من هذا الزيت ذي الخصائص الممتازة.
ولقد بقي البئر ضمن احتياطيات الشركة حتى عام 1995م عندما ظهرت الجدوى الاقتصادية من استغلاله فضلاً عن التقدم الكبير الذي أحرزته أرامكو السعودية في تقنيات التنقيب والحفر والانتاج والمعالجة التي يسرت السير في هذا الاتجاه.
لقد تحدث إلينا الاخوة الشباب عن هذا الحقل منذ بدأ تنفيذ العمل من الصفر تماماً حيث لم يكن هناك طرق ولا مرافق ولا خدمات وكان على كل من يذهب إلى هذه المنطقة ان يحمل معه كل شيء قد يحتاج إليه اضافة إلى وعورة التضاريس وقسوة المناخ صيفاً وشتاء وبعد الموقع عن المناطق المأهولة وضخامة مكونات المشروع أصبح بالامكان تصور حجم التحدي الذي واجهته ارامكو السعودية ولكن كما قيل:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
لقد انيطت بهؤلاء الشباب مسؤولية تنفيذ الأعمال ذات العلاقة بالمشروع على الوجه الصحيح, حقاً ان هذا المشروع الذي شاهدناه على الطبيعة والمرافق والخدمات التي رأيناها لهو من أهم مشروعات التطوير النفطية في العالم بل هو في الواقع أكبر مشروع من نوعه في العالم خلال العقدين الأخيرين خاصة اذا أخذنا في الاعتبار الظروف الطبيعية المحيطة به ومدة انجازه, وبعد زيارة لمنطقة المشروع وشرح عنه بالارقام تتمثل فيما يلي:
انجزت 50 مليون ساعة عمل واستخدم 12500 طن من الفولاذ المصنع وصب 153 ألف متر مكعب من الخرسانة المسلحة ومد خط أنابيب طوله 638 كيلاً وأنابيب بين المعامل طولها 735 كيلاً وازيح 30 مليون متر مكعب من الرمال.
ولقد سألت عن مياه الشرب وكيف الحصول عليها فقال دليلنا لقد حفرت ثلاثة آبار لمياه الشرب ولقد وجد أن ملوحة الماء تزيد على ملوحة البحر فأنشئت محطة للتقنية والتحلية كما جرب حفر بئرين لتصريف المياه، لقد شاهدنا في وسط هذه الرمال المجمع السكني والصناعي ومهبط الطائرات مما يدل على قدرة الإنسان السعودي على الانجاز والتحدي.
إن الحديث عن هذه المنطقة لطويل والمعلومات كثيرة فما رأيت وسمعت يصعب نقله كاملاً وكتابته في هذه العجالة فبناء هذه المدينة السكنية في هذه المنطقة المعزولة من العالم يدل على قدرة أرامكو ومجابهة التحديات وقد حدثنا مدير المشروع المهندس العيدروس قائلاً: ان فريق العمل انجز كامل العمل بصورة لفتت أنظار المراقبين والخبراء من داخل المملكة وخارجها وقد عمل في المشروع أكثر من 13 ألف عامل في وقت واحد وهكذا تم هذا الانجاز وبناء مدينة صناعية نفطية حديثة متكاملة تضم بين جنباتها 25 ترليون قدم مكعب من الغاز و14 بليون برميل من النفط في ثلاث سنوات فقط وهذا عمل جبار وجهد كبير لقد كسرت شركة أرامكو السعودية حواجز نفسية كثيرة واسعدتنا بهذا العمل والانجاز ذلك ان الانسان السعودي من خلال هذه التجربة الصعبة أثبت قدرة وجدارة وكفاءة وانه أهل للثقة انها أعمال ومنجزات وحقائق على الأرض السعودية، وان أبناءها ورجالها وشبابها مفخرة هذا العصر في كل مناحي الحياة بتوفيق الله محققين طموحات الحاضر ومتطلبات بناء المستقبل.
وبعد زيارة لهذه المنطقة وهي بحق معجزة فوق الرمال، والتي تحتاج الى كتاب مستقل يتضمن الدراسات التاريخية والآثارية والجغرافية وما قاله الرحالة والمؤرخون والمستشرقون, وزيارة هذا الجزء الغالي من بلادنا خيال يداعب كل من قرأ التاريخ وسمع عن تطور هذه المنطقة وما يختفي تحت رمالها من الزيت والغاز والخير الكثير ان شاء الله,.
غادرناها والنفوس مفعمة بتلك المشاهد ومليئة بالذكريات مردداً قول الشاعر العربي:

نزلنا ها هنا ثم ارتحلنا
فدنيانا نزول وارتحال

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved