Monday 21st February,2000 G No.10007الطبعة الاولى الأثنين 15 ,ذو القعدة 1420 العدد 10007



قراءة في كتاب لسراة الليل هتف الصباح,, الملك عبدالعزيز دراسة وثائقية
للشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري 3 - 6
د, عبدالله الصالح العثيمين

في محاولة من الشيخ الجليل عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري لاظهار محاسن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وقادة الدولة السعودية الأولى أورد (ص ص 54 55) شيئا مما قاله بوركهارت، نقلا عن ترجمة لكتاب حول البدو والوهابيين قام بها الاستاذ محمد الأسيوطي, وقال الشيخ بعد أن اورد ما أورد من كلام:
قال بوركهارت اشياء كثيرة عن دعوة الدرعية اتمنى ان يقرأها كل عربي ومسلم، وخصوصا ابناء الجزيرة العربية ليروا أنفسهم في فضائل اسلافهم .
والشيخ في قوله الأخير محق, ذلك ان بوركهارت كان من اعظم الرحالة الأجانب عدلا، واصدقهم قولا، في حديثه عن دعوة الشيخ محمد والدولة السعودية التي ناصرت دعوته وقد ذكر الشيء الكثير المفيد عن تلك الدعوة وهذه الدولة، عقيدة، وسياسة، وأمنا، وتنظيما عسكريا وماليا, وكان قد اعتنق الاسلام وتوفي بالقاهرة عام 1817م حيث دفن في مقبرة المسلمين.
وإذا كان الشيخ عبدالعزيز محقا فيما قاله عن بوركهارت فإنه لم يكن موفقا في اعتماده على ترجمة الأسيوطي, ذلك ان هذه الترجمة كثيرة الأخطاء، ويكفي تأمل ما جاء في الفقرة الأولى التي اقتبسها الشيخ من ترجمته لإيضاح انه لا يصح الاعتماد عليها, فمما ورد في هذه الفقرة ما يأتي:
كان (سعود) يسمح لكل شخص بالاذن للقائه, ولقاءاته للعامة تتم بين الثالثة والسادسة صباحا، وبعد الظهر، وفي المساء, ويجتمع بانتظام بعد تناول الافطار مع اتباعه في القاعة الكبيرة والموجودين منهم في الدرعية في تلك الاثناء .
أما ضعف الاسلوب الذي صيغت به العبارات السابقة فواضح, لكن هل من المعقول ان يبدأ سعود لقاءاته بالعامة الساعة الثالثة صباحا، اي قبل الفجر؟
لقد ترجمت ما ورد في كتاب بوركهارت: ملحوظات عن البدو والوهابيين، عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدولة السعودية الأولى, وكان ذلك المؤلف قد وضع ما ذكره عن الشيخ محمد والدولة السعودية في الجزء الثاني من كتابه، وافرد له عنوانا هو مواد لتاريخ الوهابيين, فترجمت هذا، مستعملا العنوان نفسه، حفاظا على ما رآه ذلك المؤلف, وصدرت ترجمتي له عام 1405ه/ 1985م، اي قبل عشر سنوات من صدور ترجمة الاسيوطي, على ان المهم هو ان الترجمة الصحيحة لما نقل من كلام بوركهارت مترجما من قبل الاسيوطي هي:
كان سعود يأذن لكل شخص بالدخول اليه، لكن كان من الصعب، الى حد ما، ان يحصل المرء على مقابلة شخصية معه بدون رغبته الخاصة,, وكانت مجالسه العامة تتم في الصباح الباكر، وبين الساعة الثالثة والسادسة عصرا، ثم في المساء المتأخر، وكان من عادته ان يجمع بعد تناول العشاء في الغرفة الكبيرة (من القصر) كل ابنائه الموجودين في الدرعية, وكل من رغب في حضور مجلسه انضم الى هذه الدائرة الاسرية .
وعندما أراد الشيخ عبدالعزيز التحدث عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب اورد ما قاله الاستاذ احمد امين في كتابه (زعماء الإصلاح في العصر الحديث) عن ذلك المصلح, وللأستاذ احمد امين مكانته المرموقة في ميدان تاريخ الأدب العربي الاسلامي, لكن من غير المفيد الاعتماد عليه في كتابته عن ابن عبدالوهاب، إذ من المرجح جدا انه لم يقرأ كتبه، ولم يقرأ سيرته في المصادر الموثوق بها, ولهذا ظهرت في الكلام المنقول عنه في كتاب الشيخ عبدالعزيز (ص ص 5661) اخطاء عدة منها:
(أ) ذكر سفر الشيخ محمد الى عدة اقطار اسلامية, ولعله نقل هذا عن مقالة مارجليوث التي كتبها عن الوهابية في الطبعة الاولى من دائرة المعارف الاسلامية باللغة الانجليزية, ومارجليوث نقل ما كتبه عن اسفار الشيخ من مؤلف لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب ، الذي سبق ان حققه ونشره الدكتور احمد مصطفى ابوحاكة، ثم حققه وعلق عليه عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، ونشرته دارة الملك عبدالعزيز, وقد ذكر مؤلف (لمع الشهاب) ان ابن عبدالوهاب زار البصرة، وبغداد، وكردستان، وهمدان،و اصفهان، والريّ، وقم ، وقرية ابي لباس، وحلب، ودمشق، والقدس، ومصر، ثم عاد الى بلاده عن طريق السويس، فينبع فالمدينة المنورة، فمكة, وكان اول من فنّد اقوال مؤلف (اللمع) حسب علمي شيخنا حمد الجاسر، حفظه الله، في مجلة (العرب) الغراء، وكنت ممن قام بتفنيد تلك الأقوال في الاطروحة التي حصلت بها على درجة الدكتوراه من جامعة ادنبرا في بريطانيا عام 1392ه/ 1972م، ثم قمت بصياغتها باللغة العربية، واصدرتها في كتاب عنوانه (الشيخ محمد بن عبدالوهاب: حياته وفكره)، وذلك سنة 1399ه.
ولقد احسن الشيخ عبدالعزيز صنعا بتعليقه في الهامش على ما ذكره الاستاذ أحمد أمين عن تلك الاسفار, لكن ما دام الأمر كان في يد الشيخ، وانه لم يكن يكتب دراسة عن ابن عبدالوهاب فهل كان في حاجة الى ايراد ما هو غير صحيح؟
وإذا كان المراد الاتيان بشهادة من أجنبي فقد كان من الأجدر ان يورد ما كتبه مستشرقون غربيون، مثل المستشرق الأمريكي جورج رنتز الذي كان اول من عمل رسالة دكتوراه عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدولة التي ناصرته، والمستشرق الفرنسي، هنري لاووست، المشهور بدراساته عن المذهب الحنبلي، والذي يعد من احسن من كتبوا عن ذلك الشيخ، وبخاصة مقالته عنه في الطبعة الجديدة من دائرة المعارف الاسلامية باللغة الانجليزية.
(ب) ورد (ص 58) عن أحمد امين قوله: اهل بلدة منفوحة باليمامة يعتقدون في نخلة هناك ان لها قدرة عجيبة, من قصدها من العوانس تزوجت لعامها .
وما ذكره ابن غنام الذي كان في طليعة من أرّخ للشيخ محمد، كما كان معاصرا له، ومستوطنا للدرعية هو ان فحل النخل، الذي كانت العوانس تتوسل به، كان في بليدة الفدا قرب الدرعية، ولم يكن في منفوحة.
(ج) ورد (ص 59) عن احمد امين قوله: قام بمثل دعوة ابن عبدالوهاب ابوالعباس التيجاني في المغرب، فأمر بترك البدع ونهى عن زيارة القبور .
ومن المعروف ان التيجاني كان صاحب طريقة صوفية،و ان ابن عبدالوهاب كان، بصفة عامة ضد الطرق الصوفية التي كانت شائعة في زمنه وما يتبعها من رتب معينة، على ان ابنه الشيخ العالم الجليل عبدالله بن محمد، قال:
لا ننكر الصوفية التي هي تنزيه الباطن من رذائل المعاصي المتعلقة بالقلب والجوارح مهما استقام صاحبها على القانون الشرعي والمنهج القويم المرعي، إلا اننا لا نتكلّف له تأويلا في كلامه ولا في أفعاله .
أما القول بان الشيخ محمد بن عبدالوهاب كان ينهي عن زيارة القبور فقول بعيد عن الصحة على اطلاقه, ولا يعقل ان ينهي عن زيارتها والرسول صلى الله عليه وسلم، قد امر بزيارتها, لكنه كان ينهي عن السفر لزيارة القبور، كما ينهي عن ان تكون الزيارة للقبور بمثابة اتخاذها مساجد، او ان يعمل عندها ما هو محرم كالتوسل بأصحابها.
(د) ورد (ص ص 6061) عن احمد أمين قوله: ان ابن سعود رأى نفسه بين قوتين: قوة رجال الدين في نجد المتمسكين أشد التمسك بتعاليم ابن عبدالوهاب والمتشددين امام كل جديد، فكانوا يرون ان التلغراف السلكي واللاسلكي والسيارات والعجلات من البدع التي لا يرضى عنها الدين وكُرر نقل مثل هذا القول عنه (ص 202), بل نص في الموضع الأخير على ان المراد برجال الدين، علماء الدين.
ويتصل بما ذكر سابقا عدة أمور:
الأول: ما اوضحه الشيخ عبدالعزيز، فأحسن، (ص ص 201 و202 و208) من ان المعارضين للمخترعات الحديثة فئة من الاخوان، وان الملك عبدالعزيز ظل يحاور تلك الفئة بواسطة العلماء لإقناعها بوجهة نظره, وبهذا التوضيح العادل يتبين عدم صحة ما ذكره احمد امين.
الثاني: انه حسب علمي لم يحرّم أي عالم نجدي السيارات، ناهيك عن ان تكون هناك فتوى جماعية لعلماء نجد تجاهها.
الثالث: ان ما أفتى حوله علماء نجد كان اللاسلكي (البرقية), وكانت لهم فيها فتوى مقتضاها التوقف في تحليلها او تحريمها، أي انهم لم يحلّوها ولم يحرّموها، ثم صدرت لهم فتوى مقتضاها ان من حرّم الاتبال (البرقيات) او عاب الإمام بسببها فقد اخطأ وارتكب معصية وخالف أمر الشريعة, وبذلك يتبين عدم صحة قول: ان علماء نجد حرَّموا البرقيات.
الرابع : الشيخ محمد بن عبداللطيف كان العالم الوحيد حسب الوثائق الموجودة في كتاب الشيخ عبدالعزيز الذي عارض إقامة البرقية في الرياض وغيرها من بلدان نجد، معللا ذلك بما سيترتب على إقامتها من نتائج سيئة حسب ظنه.
على ان ابن عبداللطيف كان في مقدمة العلماء الذين افتوا بمخالفة من حرّم الاسلكي لأمر الشريعة, ومن رأى ما ذكره من النتائج المتوقعة لاقامة البرقية في الرياض وقرى نجد، ورأى كون معارضته محصورة في نجد وحدها، ادرك ان مكانته الاجتماعية كانت تفوق كثيرا منزلته العلمية.
ولو فرض أن أحدا من علماء نجد قد حرّم اللاسلكي فإن ذلك التحريم لم يكن على اساس انه من البدع التي لا يرضى عنها الدين كما قال احمد أمين ذلك ان علماء نجد كانوا لا يرون بدعة إلا ما كانت له صبغة دينية، عملا او اعتقادا، كما نص على ذلك الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، وقد وضحت نظرتهم الى البدعة في كتابي عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص ص 144 146),وبهذا القدر تنتهي التعليقات على الفصل الأول من كتاب الشيخ عبدالعزيز، وهو الفصل الضعيف في الكتاب كله.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved