Thursday 24th February,2000 G No.10010الطبعة الاولى الخميس 18 ,ذو القعدة 1420 العدد 10010



بدايات
احتطاب
محمد القشعمي

مازال الفتى يفكر بشقيقه الذي يصغره بسنتين أو ثلاث، وقد تركته والدته نائما في ظل نخلة بالزرع وذهبت لعدل الماء في أحد أحواض النخيل وأوصته بأخيه خيراً عند استيقاظه من النوم ذهب يلهو مع أخته التي تكبره بأربع سنوات، ولكنه سمع صراخ أخيه الصغير فعاد مسرعا ليجده قد تمرغ بالطين فحاول إسكاته ومناداة والدته لترضعه حتى يسكت، فبعد إرضاعه عادت والدته لإكمال عملها وبقي يلاعب الصغير وهو مستلق على ظهره.
بعد أيام افتقد الطفل وعند سؤال أمه قالت: راح لربه، أي إنه قد مات.
وهكذا كلما رزقت والدته بابن أو بنت إما أن يموت عند الولادة أو بعد أشهر منها وذلك بسبب عدم توافر العناية الصحية وكثرة الأمراض الشائعة آنذاك، وانعدام التغذية المناسبة, وقد أخبرته والدته انها قد رزقت قبله بأخ وأخت لم تكتب لهما الحياة وهكذا لحق بهم أكثر من سبعة آخرين, تذكر ذلك الفتى وتأمل حال اطفال اليوم، العناية الصحية الجيدة الآن ساعدت على انخفاض عدد الوفيات بين الأطفال لدرجة كبيرة.
يذكر أثناء لهوه مع أخته وفي إحدى زيارات والده لهم بالقرية، أن رأى والدته تجري مسرعة إلى حيث بئر مهجورة ومدفون جزء منها قرب شجر الأثل المحيط بالمزرعة كسور طبيعي لها من ناحية الشمال المشراق ، وإذا هو يجد نفسه مندفعاً نحو والدته يحاول اللحاق بها، وعندما وصل رآها واقفة بجوار والده بوسط الحفرة وهي تمسح التراب من وجهه وتحاول إخراجه منها إذ كان في طريقه إلى الأثل (لينقض الوضوء أو لينثر الماء كما يقال بالقرية وغيرها) لقضاء حاجته وهو لا يرى طريقه ولم يكن هناك من يدله على طريقه قبل سقوطه، فكان هذا الحدث بداية تحمل الفتى مهمة مرافقة والده عند رغبته قضاء حاجته، فما عليه إلا أن يمسك بطرف العصا المرافقة لوالده دائما, يرحمه الله هو الذي يختار المكان المناسب من حيث الظل أو بعده عن الطريق، ويأخذ بيده بعد انتهائه إلى حيث الماء المسقات ليتوضاً استعداداً للصلاة، يوصله بعد ذلك المسجد ثم يعود للعب
قام من النوم في إحدى الصباحات وإذا به لا يرى طريقه بشكل جيد؛ إذ لاحظ أن هناك ورما كبيراً يحيط بإحدى عينيه، بسبب قرصة من إحدى الحشرات أو الزواحف وهو ما يدعى محجم ذهب يبحث عن والدته فلم يجدها فأخبرته أخته أنها ذهبت مع الحريم لتحتطب من البر وسوف تحضر له (عرجوناً) أو (كمأ) فقع؛ إذ كان الوقف ربيعا، ما ان اقترب منتصف النهار الا وقد اقبلت والدته ورفيقاتها يحملن حزم الحطب على أظهرهن أو فوق رؤوسهن، وما أن رأته وقد تورمت عينه حتى رمت بحزمة الحطب واحتضنته وصاحت إحدى رفيقاتها بأغنية تقول جحيَّم عضه الديب صيحوا له الحطاطيب يذكر أنها أخذت تحلب على عينه من ثديها، وما درى بعد ساعة إلا وقد زال الورم وعاد له نظره كما كان سابقاً.
لقد كان يرى والدته وهي مقبلة تحمل حزمة الحطب على ظهرها تمشي محدودبة الظهر لثقل ما تحمله ويتذكر جدته والدتها والتي تمشي حدباء، وعندما سأل والدته عن سبب إعوجاجها قالت إنها بسبب حزمة الحطب الثقيلة التي تعبت في جمعها ثم أسرعت في حملها للوصول للقرية قبل فوات موعد طبخ الغداء وقد خامرها الخوف على أولادها من الجوع ولم تحسب حساب ما اصابها وبقي عاهة تحملها طوال عمرها, فقد حاول والدها بعد ذلك أن يذهب بها أو يحضر لها من يكويها بالنار وهو العلاج الوحيد (آنذاك) ورفضت العلاج خوفاً من الكي، وبقيت هكذا، وخاف على والدته أن يصيبها ما أصاب جدته.
وكانت جدته لولوة تخصه بالعطف عند زيارة والدته بصفتها ابنتها الصغرى وإذا ذهبت إلى القرية المجاورة تأخذه معها لزيارة عمه الكبير ويخصونها ومرافقها بأفضل ما يقدم من الأكل أو الكِسب التمر اليابس أو العبري إذا كان وقت قطافه وإذا كان الليل يختارون لها الساحة وهو الفراش الوثير وقتها عبارة عما يشبه خيشة كبيرة كيس من الصوف يوضع بها الحشيش اليابس لتعلف به المواشي وقت شح العلف فكانت جدته تضع حاجزا رملياً بين منامها ومنامه حتى لا يتدحرج عليها وهو نائم فيوسخ ملابس صلاتها فينجسها وإذا عاد مع جدته إلى حيث والدته حمل معه ما خف وزنه من عنقود عنب وشمراخ بلح أو قليل من العبري ليفاخر به أبناء عمومته.
وهو لا يحب أن يفقد والدته، ولكنها عندما تذهب لجلب الحطب أو العشاب تحضر معها ما يفرحه من الأعشاب التي تطلع في البر وقت الربيع ويحسن أكلها مثل الذعلوق أو الحنبصيص أو العرجون أو الحميض وكانت لا تمنحه له إلا إذا كان لوحده حتى لا يغتصبه منه من يكبره من أبناء عمه.
والعلاج وقتها لا يكون إلا بالكي بالنار أو مقلاع الضروس الكلاب أو منقاش لإخراج الشوك من اليد أو القدم أو الهلول وهو عشب العشرج عندما ينتفخ بطن المريض فيحجب عن الأكل وخصوصاً عند تعرض أحدهم لكسر في الرجل أو اليد فيمنع من أكل التمر رغم أنه المتوفر دائما ويكتفي بحب القمح البر ويوضع على شكل قرص ولا يخالطه إلا السمن إذا ما توافر.
وكان بالقرية أو بالقرية المجاورة مستشار للعلاج فيكتفى برأيه إذ أنه أو أنها قد سمعت أن المريض بكذا يصلح له هذا العلاج أو ذاك.
ووالدته لديها كلاب قطعة حديد على شكل قلاعة أو ما يدعى الآن زرادية لنزع الضرس أو الناب أو السن عند تلفه وتعرضه للسوس ووالدته مازالت تحتفظ لديها بهذه الآلة، رغم قدمها وتعرضها للصدأ وهي محلية الآن وقد تركتها للذكرى في إحدى نوافذ البيت، وكثيراً ما يأتي أحدهم أو إحداهن لأم محمد لتقلع له ضرسه، وهو يرى إحداهن تمسك برأس المريض وأمه تقف فوق رأسه وقد كمشت ضرسه بالكلاب لتنزعه وهذا يصرخ وهي,,,, بمنتهى قوتها تحاول نزع ضرسه فقد ينكسر أو ينخلع ويذهب جزء منه في حلقه ليبلعه في النهاية، ويوضع قليل من الملح لا يقاف النزف.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

تغطية خاصة

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved