Thursday 24th February,2000 G No.10010الطبعة الاولى الخميس 18 ,ذو القعدة 1420 العدد 10010



مع الحالة الشعرية في اليابان
علي الدميني

بمتعة رشيقة أعيد قراءة كتاب سفينة الموت حوارات وقصائد يابانية أعدها واختارها وترجمها للعربية الدكتور عضيمة بمشاركة المستعرب ياماموتو .
ويضم الكتاب حوارات مع بعض الشعراء، إضافة إلى مختارات شعرية مكونة من 67 نصاً لخمسين شاعراً ولد غالبتيهم مابين 1920م 1948م، ويكوّنون بحسب الكاتب ابرز الشعراء المعاصرين في تجربة الشعر الياباني الحديث.
وتعتمد هذه الزاوية على ملاحظات تناثرت في أطراف الكتاب،واضفت لها بعض التعليقات الشخصية.
ولنقف أولاً أمام الثابت في بنية النص الشعري الياباني، حيث يشير الشاعر يوشيماتسو إلى خاصية جوهرية تنتظم الشعر الياباني القديم وهي طغيان موضوعتي الموت والطبيعة اللتين تسيطران على مشهد الشعر الياباني كعنصرين اساسيين في منظومة تقاليد اليابان الفنية الأدبية الثقافية حيث يقول باشو كان صديقاً لفصول العام وحساساً لمرور الزمن والمح فيه بريقاً .
كما يقول شاعر آخر في قصيدة من نوع الهايكو واسمه، سائيكو:
أرغب الموت في الربيع
تحت أزهار الكرز
في منتصف شهر نيسان .
(وفعلاً توفي الشاعر في ذلك الفصل حسب شهادة يوشيماتسو !
أما الثابت ثانياً فان الشعر الياباني في طريقته المكتوبة على شكل التانكا والهايكو شعر إيحائي حسي إيقاعي إلى درجة شديدة حتى إن إيقاع التانكا بحسب يوشيماتسو موجود في قلب كل ياباني، وحتي شعارات رجال الشرطة المرسومة فوق قبعاتهم هي الأخرى على هذا الوزن, لذلك يشعر الياباني لدى سماعه هذا الإيقاع بالراحة واللذة.
وحين نقرأ قصائد هذا الكتاب نلمح أيضاً موضوعتي الموت والطبيعة اللتين تشكّلان شبكة علاقات النص ونسيج بناء الصورة الشعرية، وتحددان المرجعية الثقافية والنفسية للشاعر رغم ما اختطته القصيدة اليابانية الحديثة لنفسها من مسارات انجزت معها تحولات هائلة مفارقة للتقاليد الشعرية القديمة.
ويمكن لنا بقراءة عناوين القصائد ان نرى تلك المعالم التي تلمع بهدوء كأثر لموضوعتي الموت والطبيعة مثلما نرى إلى اثار التعويذة أو الاعتقاد أو الأسطورة المطورة في ا لوجدان لكنها مازالت تتحكم في الذهنية المنتجة لها برغم ما قطعته التجربة الحديثة من طريق مغاير لجذورها البعيدة.
وهذا مقطع من قصيدة للشاعرة كورا روميكو (أقرب الشاعرات إلى قلب د,عضيمه ) بعنوان مزهرية
للمزهرية النحاسية شكل
البرعم (لاحظ الإحالة)
ومع أن زهرة واحدة لاتطلّ منها
فحمرتها الشفّافة
لون الغسق
لون شفتين منفتحتين بخفّه
وقدّها الرشيق
قامة (,,,,) تشتعل.
وهذا الشاعر شيماتسو (القريب إلى قلبي من خلال الحوار معه وما تم ترجمته من شعره)، يقول في مطلع إحدى قصائده:
ماراً بالمكان الذي يُدعى شِعب أناموشي وحتى جبل ينجو كنت أفكر، والأسنان تصطّك.
,, إنها جئوات قديمة، بعض تلالٍ، قطار كان يعبر الحدود بين أوسكا ونارا.
إنه قبر، هكذا أعتقدت، ثم ، ظهر ، مصريان، قديمان، زوجان عجوزان كنت قد رأيتهما في فلم، وكلّماني، ماحدث في الفلم، اليوم ، الآن، هناك، كأنهما قد نهضا .
فيما يعبر شاعر آخر هو ساساكي عن سخريته من طابع التماثل وصرامة الامتثالية لتراتبيات النظام وأخلاقيته في المجتمع الياباني في هذا النص الذي لاتغيب رمزيته وسخريته العالية.
رأس الطابور
بعض ماضي الطابور
وثغر الطابور
يرتّل مستقبل الطابور!
**اما المتحول في هذه الشعرية فهو: الشكل الذي تحرر من الايقاع نهائياً، والسعي لخلق حالة شعرية تعوّض عن غياب الميتافيزيقيا بترشيح رؤى تأملية إلى أعماق النص تفتح العين على مصير العالم كله، لتمنح قارئها الياباني روح الخلاص والعزاء والتخييل بديلاً لمحدودية عالم المحسوس والملموس.
ونورد مقطعين صغيرين يشيران الى ذلك التأمل:
يقول الشاعر ريونتشي في قصيدة بعنون الرائي طيوفاً :
سقوط العصفور يعني أن هناك علواً
خروج الصياح يعني أن هناك اشياء مغلقة
ويقول الشاعر تانيكاوا في سونيتة 32:
الوجود جرح الزمان والمكان
بل والألم يعاتبني
لوغادرت المكان لعادت صحتي إليه.
كما أفسح مجال التحرر من قيد الوزن بإنتاج نص شعري ذي سمة سردية بارزة تسمح بانفتاح سردية النص على إدماج الكثير من التفاصيل والاحالات على مرجعيات مغايرة، كما تشتغل الشعرية اليابانية الحديثة على إنجاز بديلها هذا بإحداث القطيعة مع منجز الشعرية اليابانية التقليدية والانتقال من بلاغة الإيقاع والإيجاز إلى بلاغة خطاب المجاز في كنائيته واستعاريته.
أما لماذا يبقى تأثير موضوعتي الموت والطبيعة متغلغلاً في نسيج الشعر الياباني رغم حداثته، فإن الإجابة يمكن أن تُرى وهي ترقد بوميض عال في مساحة غياب الفلسفة الكليانية عن الذهنية اليابانية وهناك يكمن سرّ التفاسير لكل المنجزات الهائلة من جانب والتشوهات النفسية من الجانب الآخر التي يتميز بها الشعب الياباني العجيب الذي يجيد اللعب على كل المتناقضات بحذق ومكر شديدين بحسب عضيمة .
ويجوز لي الآن القول بأن كتاب غابة المرايا اليابانية ومختارات د, عضيمة من الشعر الياباني وترجماته الأخرى تعد بحق إضافة حقيقية إلى مكتبة الشعر والنقد، وتستحق وقفات تأملية تتجاوز فضيلة التعريف، حيث سندخل تجربة تحتفظ بطابع التميز والخصوبة وكذلك طابع الإلتقاء مع الشعرية الحديثة التي تسود كتابة الشعر الحديث في إرجاء العالم.
ورغم طول هذه الحلقة النهائية، فإنني سأختمها بجزء من نص للشاعرة شينادا التي سنجد أنفسنا معها وكأننا نقرأ نصاً لأحد شعرائنا الحديثين في المملكة والعالم العربي، حيث تقول الشاعرة في مقطع من نص بعنوان لاتربطني
لاتقطّعني،
كما تقطع فقرات الرسالة
وتضيع الفواصل والنقاط
ثم تختمها بالقول إلى اللقاء
لاتنهني مثل جملة قصيرة
فأنا الكتابة اللامتناهية.
وأنا بيت شعر يسيل ويتسع مثل
نهر بلانهاية
وبعد، كمباي مع السلامة ، وشكراً يا د,عضيمة,, شكراً يا (محمدو سان) على هذه الإضافة الممتعة بكل مافيها من لذة الهجاء وفتنة الشعر وسرد التفاصيل.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

تغطية خاصة

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved