Thursday 24th February,2000 G No.10010الطبعة الاولى الخميس 18 ,ذو القعدة 1420 العدد 10010



الشعر الجديد

هذا الشعر الجديد، الذي يكتب الآن ويملأ مساحات النشر، ويصرّ يوميا على أخذ حقه كاملا، من الحضور، ما موقفه الفني من محاولة بعض الانواع الأدبية منافسته على الصدارة في قائمة اهتمامات الذائقة العربية، وفي قائمة استجابات الذائقة الانسانية، في كل مكان في العالم، ومن أين يستمد كل هذه القوة وهذا الصبر، وهو يراهن كل يوم على نفسه، وينتصر؟
هذا الشعر، جديد، أي أنه لا يُشبه ما كُتب من قبل، ولن يشبهه شعر جديد سوف يُكتب من بعد.
في الاربعينيات من القرن العشرين بدأ الشعراء يتخلون عن قواعد الخليل في الاوزان والقوافي، ونجحوا في وقت مبكر شعراء التفعيلة .
في الخمسينيات من القرن العشرين بدأ الشعراء يتخلّون عن الايقاع الخارجي تماما، ونجحوا في وقت متأخر شعراء قصيدة النثر .
شعراء التفعيلة، وشعراء قصيدة النثر، الرواد والتابعون، والى السبعينيات حققوا انجازا شعريا هائلا، بمختلف مدارسهم الفنية وتوجهاتهم الايدلوجية.
النقلة الكبرى تحققت، وخرج على قواعدها وانماطها ومدارسها شعراء السبعينيات، ومن ثم جاء الجيل الجديد الآن شعراء الثمانينيات والتسعينيات وقد استوعبوا التجارب السابقة كاملة، بالاضافة الى استيعابهم للتراث، بشكل ومضمون، اكثر وعيا من استيعاب السابقين له، وبصحوة فنية وذائقة وحساسية جديدة وغير مشروطة، وأصبحوا يمثلون الآن الشعر الجديد، مجتمعين ومتفرقين.
الشعر الجديد ، شعر عالمي إنساني، ومحلي في الوقت نفسه، محلي ليس (فئويا ولا عشائريا، ولا مدينّيا) وإنما شعبي يكشف عما هو مشترك بين افراد المجتمع، وعالمي انساني حين ينجح الشاعر في تحويل ما هو ذاتي الى مشترك انساني ذي أفق مفتوح، مدركا أن معاناة الانسان واحدة، في كل زمان ومكان، وان الانجازات الفنية لن يبقى منها إلا ما يجد كل إنسان فيه نفسه، حيث ينهض الشاعر الجديد بأناه متجاوزا همومها وهواجسها واحلامها الخاصة الى الانا المشتركة وفضاءها الانساني الرحب، منطقلا من التخصيص الى التعميم ناقلا تحولاته الخاصة بكل ما تحمل من جدلية حضور وغياب وتباين وتناقض ورؤى ونقد إلى التحولات الأكثر عموما واستيعابا للتجربة الانسانية بشمولها، مانحا تجاربه الديمومة وهو يكتب في الواقع لاعنه، وهو يرقى باليومي ولمألوف الى مصاف الشعرية وبالتجربة الخاصة الى التعميم، ويجوهر اللحظات الاكثر خصوصية.
الشعر الجديد: شعر مقطّر، بلا زوائد ولا زينة ولا اكليشيهات، وحداثته جديدة، ومختلفة عن الحداثات السابقة، وهو يبحث عن الشعرية في العادي والهامشي والمنسي والمسكوت عنه، وفي العلاقات الانسانية البسيطة، عبر اساليب تعبير أكثر قربا من الانسان في حركة وجدلية حياته اليومية، فاتحا آفاقا جديدة تؤسس لها ذائقة جديدة وحس جديد وادراك متطور وواع للتبدلات الدائمة للواقع المحيط به.
الشعر الجديد: غير مشروط بحداثات سابقة ولا يهيم في مستقبل بعيد غامض، ولا يلتفت الى الوراء، ويمارس اختراقات متوالية، من حيث انه اكثر الانواع الأدبية تفلتا من الشروط والقيود والقواعد والانماط والمناهج والنظريات والمقاييس والعادات التي يرهن النقد نفسه لها غالبا، ومن حيث وقوع بقية الأنواع الأدبية وفي هذه النقطة بالذات بين النقد والشعر,, مراوحة بين أقصى درجات الحرية الابداعية وبين اقصى درجات الالتزام المنهجي، عدا عن ان الابداع والانجاز الحقيقي في النقد مشروط بالابداع والانجاز المتحقق في الانواع الادبية التي يجادلها، ومن حيث ان النقد منجز يمكن الاستغناء عنه وتعديله,, عدا عن ارتباطه بزمانه وبيئته الى حد كبير خلافا للإبداع الادبي والفني والذي لا يمكن تجاوزه الا بالاضافة اليه.
الشعر الجديد: استطاع تسجيل حضور حقيقي في الحياة والواقع، بعيدا عن شعارات الرواد،و عن الغياب في طلاسم المستقبل الغامض، من خلال مجادلته لنفسه ولواقعه، ومن حيث توظيفه لتقنيات الفنون والانواع الادبية الاخرى، ولأجمل عناصر الثقافات الثلاث الشفوية والكتابية والبصرية ، بعيدا عن الحشو المتوافر في الأنواع الاخرى، وقريبا من واقع الانسان المعاش، اليوم.
عبدالله سعد اللحيدان

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

تغطية خاصة

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved