Thursday 24th February,2000 G No.10010الطبعة الاولى الخميس 18 ,ذو القعدة 1420 العدد 10010



الغذّامي: من النقد الألسني إلى النقد الثقافي
د, محمد الشنطي

يعرض الدكتور الغذامي لمسألة سبق ان طرحتها البنيوية التوليدية وصاحبها لوسيان جولد مان ولو بطريقة مغايرة وهي تلك التي تتعلق بالوعي الفعلي والوعي الممكن، حيث يرى ان قصيدة بطاقة هوية تقف عند حدود الوعي الفعلي فحسب بينما نص عابرون في زمن عابر يتجاوز المستوى الاول ليتحول الى مستوى اختراقي يداهم الآخر/ المخاطب ويعريه من الوجود ويمضي في تحليله للنصين على هذا الاساس مقارنة بين جملة احملوا اسماءكم وانصرفوا وجملة انا عربي انا اسم بلا لقب ويفرق في فصل تال بين النص والاثر استنادا الى ما قاله ابن سينا وكانت العرب تقول الشعر لوجهين: احدهما ليؤثر في النفس امرا من الامور تعد به نحو فعل او انفعال، والثاني للعجب فقط .
اما فيما يتعلق بالسؤال المفصل عن علاقة النص بالحياة والذي كان من دوافع تأليف الكتاب اصلا، وكان مثار جدل بين الدكتور البازعي والدكتور الغذامي، فان الدكتور الغذامي يرى انه من المحال ان نجد نصا يتخلص من الحياة، فالنص ليس الا شيئا من اشياء الحياة، ونحن نقول ان اللغة كائن حي مما يعني ان النص ايضا شيء حي، كذلك فان من المحال ان يخلو النص من الفن، فالفن هو للفن وللحياة معا حتى لو درس الادب دراسة بلاغية او شكلانية بحتة فان ذلك ضرب من الحياة لانه يقوم على حركة وتفاعل وعلى فعل واثر وعلاقات لذا يكون سؤال الفن للفن ام الفن للحياة.
وفي معرض شرحه لاسلوب تناوله للقصيدة وتأكيده الحاسم لرؤية النص كبنية حية يستدعي مقولة الحاتمي عن النص التي مفادها ان القصيدة مثلها مثل خلق الانسان في اتصال بعض اعضائه ببعض، فمتى انفصل واحد من الآخر وباينه في صحة التركيب غادر بالجسم عاهة تتخون محاسنه وتعفّي معالم جماله، كما يستدعي الخليل بن احمد الذي اسس تصوره على فهم تركيبي يقيم مماثلة تامة ما بين النص والبناء من خلال تشبيه القصيدة بالخيمة ويؤيده بقول القرطاجني وقد اشار الى انه عزف عن ايراد افكار كولروج ورولان بارت مع ان لهما تصورات تفيد في مفهوم النص/ الجسد إذ يقول : ولكنني اكتفيت بما في تراثنا لاسبقيته وينتهي الى انه انما يفيد من ذلك كله في منهجه النقدي فيقول بعد طول شرح واستحضار لمقولات العرب مؤصلا لمنهجه النصوصي: ولذا فاني اسمي منهجي بالنصوصية او بالنقد الالسني، واسمي الاجراء بالتشريحية لان ما نفعله اجرائيا هو ممارسة التشريح فعليا من اجل الوصول الى سبر تركيبات النص وابنيته الداخلية، ثم نأخذ بتفسير العملية تفسيرا نصوصيا يقوم على مبدأ من تفسير القرآن بالقرآن ويعقد فصلا للتداخل النصوصي إذ يرى ان النصوص تدخل في شجرة نسب طويلة ذات صفات وراثية وتناسلية فهي تحمل جينات اسلافها كما انها تتمخض عن بذور لاجيال نصوصية تتولد عنها فالمعارضات الشعرية يستدعي بعضها بعضا وكذلك النقائض والاقتباسات والتضمينات والسرقات وما يسميه الجرجاني بالاحتذاء.
يؤسس لمفهوم التداخل النصوصي في التراث، وكل ذلك من المفهومات الاساسية في طريقة قراءته للنصوص كما يقول فالنص من وجهة نظره بنية مفتوحة على الماضي، وهو وجود حاضر يتحرك نحو المستقبل.
وفي دراسة للدكتور معجب الزهراني عن جهود الدكتور الغذامي النقدية وخصوصا في الخطيئة والتكفير ينسب اليه الريادة في مجال التعريف بالاتجاهات النقدية الالسنية الحديثة، وفي استثمارها وتطبيقها، وهو بهذا يستحضر النقد الجمالي الغائب او المغيب في الخطاب النقدي السائد في هذه المنطقة، وقد تعرض لثلاث قضايا محورية أثارها الدكتور في كتابه.
الاولى: الاطار المرجعي الذي يشكل قطيعة مع النمط السائد ومن ثم التمييز النسبي بين النقد الالسني الصارم والنقد الالسني المرن كما يقول.
الثاني: مناقشة طبيعة التجربة الجمالية التي تكتسب ادبيتها بمدى عدولها او انحرافها باللغة عن الاستعمالات النفعية من هنا تنصب المناقشة على كلمة الشاعرية .
الثالث: مناقشة جماليات التلقي، أي التحول الى القراءة الجمالية التي يباشرها المتلقي من حيث هو طرف رئيس في تجربة الكتابة.
وفيما يختص بسؤال المرجعية فانه ينسب جهود الغذامي الى التيار الألسني المرن ممثلا في انجازات باختن ورولان بارت وتود ورف وجو لياكر يتيفا وبيرزيما وريفاتير وجوناثان كولر اذ يدخل عنصر التأويل الحر الذي يعطي اهمية للذوق الفردي والفهم الذاتي للناقد، وفي سياق المرجعية العربية يقرنها إلى انجازات يمنى العيد وصلاح فضل وجابر عصفور وكمال ابو ديب وعبدالملك مرتاض ومحمد الماكري وسعيد ياقطين وفي اعتقادي ان هؤلاء النقاد ينتمون الى تيارات مختلفة وان جمعهم الاهتمام بجماليات النص، فثمة منزع ماركسي عند البعض وبنيوي محض عند البعض الآخر، واسلوبي عند غيرهم والدكتور الغذامي ألسني نصوصي لا يغفل التأويل ولا الوظيفة الانتباهية للغة، ولكنه يختلف عنهم اما استثماره لبعض تيارات الفكر الفلسفي الحديث كما يرى معجب الزهراني فاعتقد ان هذه التيارات تبدو عنصرا تكوينيا في بعض الاتجاهات الألسنية، وقد استثمرها من خلال مدخلها الادبي في تلك التيارات وليس بوصفها فكرا فلسفيا محضا كفكرة النماذج العليا عند كارل يونج مثلا.
اما فيما يختص بفكرة القطيعة مع التيارات النقدية التقليدية فهي على صحتها النسبية غير ان الغذامي يلتقي مع بعض عناصرها في محاولته استثمار المرجعية التراثية والتأصيل لمنهجه من خلالها.
اما طبيعة التجربة الجمالية فنحن نوافق الكاتب في انه كان مجتهدا بل ومبدعا في تأصيله لمسألة الشاعرية من خلال البيان والنظم والتخييل في تراثنا النقدي فهو يعيد انتاج المصطلح ويؤصله ولا يترجمه كما لاحظ الزهراني فالتركيز على أدبية الادب حيث النزوع الى مزيد من الترميز والتجريد والكثافة او العتامة وكذلك الحديث عن جماليات النص من منظور العلاقات الاخلاقية من النص غير الشاعري وكذلك مفهوم الانفتاح في النص الذي يتحول الى بنية دينامية تتعالق مع غيرها من النصوص وان شاعرية كل نص مرتبطة بما فيه من جمل إشارية حرة وهو ما لا يتوفر في كل النصوص الأدبية، وقد انعكس ذلك على ممارساته النقدية التطبيقية وفي الشكل التوضيحي الذي لخص فيه معجب الزهراني الفروق من بين ماهو شاعري وغير شاعري من حيث اللغة والخطاب والنص والجملة والكلمة ما يوضح اهم مقولات الشاعرية عند الغذامي.
اما فيما يختص بجماليات التلقي القراءة الشاعرية فتتصل بالشاعرية بأكثر من سبب، فهي تقوم على تأسيس الحكم الجمالي المبرر بالذائقة الفردية الخاصة والحرة حيث يتداخل مفهوم الأثر وسيطا بين الكتابة والقراءة كما يقول الزهراني، حيث القابلية للقراءات المختلفة فيحول الاثر الى مفهوم جمالي مركزي في سياق العلاقة بين النص والقارىء.
ويلاحظ الزهراني ان اهتمام الغذامي انصب على الشعر دون السرديات، كذلك تعلق الغذامي بحرية التفسير والتأويل، وتعامل الناقد بحرية ومرونة كبيرة جدا مع النظريات والاتجاهات والمفاهيم والمصطلحات النقدية الغربية فهو يعرضها ويحاورها ويوظفها ويعدل فيها وينقص منها ويضيف اليها، وبهذا يتفق مع عبدالله السمطي الذي يرى ان الغذامي يسعى الى الاستقلال عن المفاهيم النقدية الشائعة التي تطرحها البنيوية ونظريات النقد الحداثي وما بعده، فهو ينقطع معرفيا عن هذه النظريات بقدر ما يتصل.
وأيا ما كان الأمر فان الدكتور الغذامي قد سبق غيره في محاولاته التأصيلية لمنهجه الحديث من خلال الالحاح على الجذر التراثي ومراكمة المقولات والعمل على تطويعها على الرغم من وجودها في سياقات مغايرة، واذا كان غيره قد سبقه الى شيء من ذلك فانه لم يتوفر توفره ولم يعمل على المراكمة الدؤوب والملحاح من أجل هذا الغرض الذي كان هاجسا ملازما له.
النقد الثقافي:
يشير الدكتور الغذامي الى ان اول تجربة للتحرك في اتجاه النقد الثقافي كانت عام 1406ه في بحثه الموسوم نماذج للمرأة في الفعل الشعري عام 1406ه حيث حاول توظيف الاداة النقدية باتجاه استنباط الانساق الثاوية وراء النصوص، ومنذ تلك التجربة وهو في حيص بيص كما يقول مع سؤال نظري واجرائي وجوهري في تكاذيب الاعراب وفي اللباس بوصفه لغة وفي قراءة وجه امريكا الثقافي وفي انساق الذاكرة والراوي وفي اعماق سحارة عتيقة وفي خطابي الفحولة والتأنيث، وظل الامر حتى سمه باعلان موت النقد الأدبي وذلك من اجل البت في السؤال وتحقيق النقلة النوعية الحاسمة ويشير الى ان ما يعنيه بالنقد الثقافي هو شيء آخر مختلف عما يسمى بالدراسات الثقافية.
ويقرر الدكتور عبدالسلام المسدي في سياق حديثه عن النقد الثقافي انه لم يعد مستساغا ان يفحص النقد شؤون الادب ساعيا الى كشف الآليات الخفية التي اثرت في انتاج الصورة الشعرية او ساهمت في صناعة الحبكة السردية دون ان يكون ملما بأسرار الظواهر الثقافية السائدة في المجتمع وبنواميس الرواج المتحكمة في شيوعها، وبأدوات التسويق المسيطرة على اذواق المتلقين كافة ويميز بين الثقافة العامة والثقافة كعلم، والمقصود هنا الثقافة الخاصة قرينة العقل التأليفي ويشير الى ان مقولة موت النقد محض مجاز اعلامي.
ويتحدث عن مسار الفكر الانسان مجددا لحظتين شقيتين على حد تعبيره في رحلة هذا الفكر لاهثا خلف المعنى، مشيرا الى ان اللحظة الاولى تتمثل في تحديد الظواهر للمعنى، فبنية الظواهر هي التي تجسد وظائفها، والالمام بهذه البنية يقضي بتبين اجزائها ثم تحديد علائقها، فثمة طواف بين الجزء والكل، اما اللحظة الثانية فتتمثل في اكتشاف ان الجزء ليس هو المحدد للبداية، وهكذا بدأت رحلة تفكيك المعنى عبر تقويض نواة المعنى وتفجير العناصر المكونة لدلالته حيث مغامرة الابحار الى المتاهات العصية واليوم تتضح السبل أمام العقل التأليفي ليربط بين الادب والمضمون الحضاري دون الالتجاء الى جسر الايديولوجيات، ويحدد بعض اسئلة النقد الثقافي كيف يتلقى الناقد الأدب في زحمة الثقافة الحديثة المتحكمة وكيف يقرأ الاديب النقد تحت سيطرة آليات التواصل المسوقة لمقولات الثقافة الراهنة، كيف يتفاعل منتج النص الحديث مع علم الثقافة الحديث، ويرى ان هذه الاسئلة هي التي ينبغي على النقد الثقافي ان يجيب عليها، ويعرف الثقافة بأنها منظومة الانساق الرمزية الفاعلة في كل مجتمع انساني، في مقابل السياسية هي منظومة الانساق الاجرائية الفاعلة، وفي تمييزه بين النقد الادبي والنقد الثقافي لا يضعهما في مقابل بعضهما البعض، ولكن من خلال الوقوف على الجسر الواصل بينهما، فالنقد الأدبي يتناول النص معتمدا على الزاد الذي يمده به ما وراء النص، اما النقد الثقافي فيتناول النص مرتقيا على مدارجه الى فضاء ما وراء النص، فالنقد الادبي يقلب النص وفق مراتب متناضدة الشرح والتفكيك والتأويل واعادة البناء، مستنجدا بزاد ثقافي متنوع فاستثمر النقد الادبي المكون الثقافي لاغناء انجازاته، اما النقد الثقافي فغايته استكشاف المناخ الرمزي الذي ينشأ فيه النص، ورصد البيئة السيمولوجية التي تشكل على المستوى الذهني القوى الفاعلة الحقيقية في انساق الابداع وآليات التداول وجماليات التلقي حيث علاقة الادب بالثقافة فيما قبل الابداع، وينكر ان يكون النقد الثقافي بديلا عن النقد الأدبي، ويصفه بأنه ضرب من الهوس، فالنقد الثقافي والادبي ينتميان الى موقعين معرفيين مختلفين، مما يثير تساؤلا مهما حول علمية الخطاب الثقافي، وعلمية النقد الثقافي، ويرى انه اذا كان النقد الادبي قد اقترب من الموضوعية والعلمية فان النقد الثقافي اقرب الى ان يكون خطابا نضاليا في الدرجة الاولى بل انه ليطمح ان يقيم جسرا واصلا بين العلمية والنضالية ثقافة اليوم الرياض، الخميس 12/1/1420ه، العدد 266 النقد الثقافي والسؤال الجديد .
وقد حرصت ان الخص مفهوم النقد الثقافي لدى ناقد ومفكر وثيق الصلة بالدكتور الغذامي، ومن الواضح انه يختلف معه في مسألة موت النقد الأدبي، ويؤكد ان النقد الثقافي والنقد الادبي متواصلان، وان بدا ان الغذامي في مرحلة المراجعة وتشكيل الرؤية النظرية التي يرى انها مسألة مجالها قاعات الدرس وليس الصحافة، وبالتالي فان الامر ليس واضحا لدى قارئي الغذامي.
اما ما افضت به مقالة المسدي فيتمثل في ان ثمة عودة الى مربع النقد الذي يرتبط بمحيطه الثقافي، ولكن وفق رؤية جديدة تشق مع الرؤية العلمية التي تبحث عن الانساق والكليات وتعمقها وتستكشف آلية العلاقة بينها وبين الابداع، متخليا عن الرؤية الانعكاسية المباشرة او تلك التي تبحث عن البنى العميقة المرتبطة بالوعي الانساني لواقعه، فقد اصبحت الثقافة وسيطا بين الواقع وبين النقد، وتمت فلسفتها وعلمنتها اتساقا مع منحى النقد الجديد في تبنين الظواهر والمعطيات واستكشاف قوانينها، وبعيدا عن الايديولوجيات، وفيما نلمسه من حديث المسدي عن المهمة النضالية ما يؤدي الى العودة مجددا الى دور الادب في تغيير الواقع، وبهذا يكون ثمة ما يشير على استحياء الى هذا الارتباط الازلي، لقد بدأ النقد الجديد يطرح قضايا كانت محرمة في اوج المد الذي وصل اليه النقد الالسني، واصبحنا نبحث عما هو خارج النص وعن جذوره وفق منحى يلبس مسرح العلم بعد ان استعبدنا النص زمنا وحشرنا داخله، وجعلنا اسرى لتأويلات تنبع من مادته اللغوية.
على انه ليس ثمة ما يحدد هذا النقد الجديد، لان هناك من يرى ان من اهم سمات النقد الثقافي الكتابة عبر لغة نقدية شاملة لا تتقيد بالمصطلحات والمفاهيم النظرية بقدر ما تتصدر بهوية الموضوع نفسه، حيث يصطنع لغة تتسع بدائرة التلقي بحثا وتحتل البساطة والدهشة فيها مساحة واسعة من القراءة، مع كشف النسيج الذي يشكل خلفية النتاج الابداعي، واستثمار آليات المعرفة في قراءة الظواهر وتأويلها حيث يتحول الناقد الى مفكر.
المرأة والبحث عن أنوثة الكتابة عبدالله السميطي
النص الجديد، العددان السادس والسابع ذوالحجة 1417ه ص ,223
وهذا فهم مغاير لما طرحه المسدي، بل انه يقترب اكثر من النقد الذي يتناسج مع واقعه دون تجسد لهذا الواقع والتعامل مع افرازاته الثقافية في انساقها الخاصة فحسب، وفي اعتقادي ان الغذامي في كتبه التي تعتبر اكثر انتماء الى النقد الثقافي كان اقرب الى الفيلسوف، وهذا يتسق مع نزعته التأويلية التي برزت في كتاباته منذ البداية، فهو يعمد الى استنطاق الظواهر والمقولات ويشكل منها رؤيته، دون ان يعنى بفحصها فحصا علميا موضوعيا دقيقا انه يتعامل معها بمنطق الفيلسوف، وهذا ما يفسر حديثه عن التخلي عن الصرامة الاكاديمية في الحديث عن النقد الثقافي، ولربما كان ذلك سبب اتهامه بالاعتماد على المجازات واعتبارها مدخلا فكريا لانه يلج من خلاله الى قوانين الحركة الثقافية او الاجتماعية فالغذامي مولع بالتأويل بعقلية الاديب الفيلسوف وبذور ذلك منبثة في تحليلاته التطبيقية، انه ينطلق من النصوص، ولكنه يعوم مع الدلالات في فضاء واسع لا تحده حدود.
ولذلك فانه في كتبه المرأة واللغة يقرر ان عمله ليس بحثا في ادب المرأة وليس دراسة فنية جمالية، ولكنه بحث وسؤال عن التمفصلات الجوهرية في علاقة المرأة مع اللغة وتحولها من موضوع لغوي الى ذات فاعلة، ومن ثم يعزف على اوتار الفحولة والانوثة انطلاقا من هذه الرؤية الفلسفية التي هي نتاج التأمل في اللغة، وليس في الواقع، فهو ينطلق من مقولات، ولا ينطلق من وقائع، وهذا سر تعلقه بمقولة عبدالحميد الكاتب خير الكلام ما كان لفظه فحلا ومعناه بكرا واعتبارها مفتاحا لفهم العلاقة بين اللغة والمرأة، انه مع ذلك يركز على السياق الاجتماعي ولا يغرد خارج السرب الخاص به بل ينطلق منه، وضع المرأة في هذا السياق يحدد منطلقه للعلاقة بين المرأة واللغة، وليس في هذا تناقض مع ما سبق ان قررته عن نزعته التأملية، فهي ذات خلفية اجتماعية مركوزة في فكر الكاتب، المرأة لم تكن موضوعا لغويا فحسب بل كانت موضوعا في الحياة الاجتماعية، فهي ليست فاعلة بل منفعلة، ولكن الكاتب لا يريد ان يزحزح عنه قيود اللغة وينطلق خارجها ليستكمل بحثه، من هنا كان الاعتماد على اللغة فحسب سببا في تأكيد رؤيته التأويلية النصية.
وربما لا يكون من المنطقي استدراك ماهو مخالف في نظرنا للواقع، لاننا نصطنع موقعا غير الموقع الذي اختاره الناقد، فهو قد اختار اللغة، وبالتالي حلق في فضاء التأويل فكانت نماذجه قولية أدبية ألف ليلة وليلة فالمرأة تسعى من وجهة نظره الى تحرير اللغة من ذكوريتها، فهو لا يقحم نفسه في المسيرة النضالية للمرأة على المستوى الاجتماعي وانما يجعل من اللغة عالما كاملا ولهذا فان من اخذ عليه انه لم يلذ برؤية اكاديمية خالصة، ولم يعمق نظرته الى الموضوع المثار انما وضع على عينيه نظارة المقولة التراثية لعبدالحميد الكاتب فعبدالله السمطي في مقاله المذكور لم يقتنع بأن ذلك يتسق مع الحدود التي ارتضاها لنفسه، انه يشتغل على المجاز لانه من صميم اللغة، ولم يبحث في القوانين الاجتماعية او يستثمرها ونحن نسلم بان المجاز لا يصلح لصياغة قضية حقيقية، ولكنه ينفع لصياغة قضية أدبية نقدية من هنا كان تركيزه على بكارة المعنى وفحولة اللفظ وتتبعه لها، لذلك عمد الى تحليل الاعمال الروائية والابداعية النسائية التي تناولها من هذه الزاوية ومن هنا عزوف الكاتب الحديث عن الاسباب الاجتماعية والنفسية والبيولوجية، وليس بمجد مناقشة الناقد وحواره حوارا منطقيا حول الحكي والكتابة ونسبة الاول الى المرأة والثانية الى الرجل، اننا امام رؤية فلسفية لغوية وليس بحثا معرفيا اكاديميا خالصا.
اما تلك الرؤية المتشائمة التي ترى في تفجير قضية النقد الثقافي على الساحة الادبية مجرد اعلان صاخب مثير عن موت النقد الادبي اثر المحاضرة التي ألقاها الدكتور الغذامي في نادي الرياض كما فعل منذ البداية حول النقد الألسني في المحاضرة التي ألقاها في نادي الطائف، وبالتالي يستدل من ذلك على ان المشهد الثقافي يثبت عجزه عن التعاطي الجاد مع الفعل الثقافي بمقاصد او بوعي تراكمي مثير كما يرى الاستاذ الناقد محمد العباسي لانه يطمح الى ان يصل سؤال النقد الثقافي الى مناطق الثراء المتوخاة فاذا به ينحاز الى مداخلات احادية المنحى وتعليقات انطباعية يرصدها على النحو التالي: فبعد ان قرر الغذامي ان النقد الادبي وصل الى درجة التشبع تمنى السريحي ان يتلمس فيما طرح متكأ المشروطية الجمالية وافتقد ضمنها محمد الشوكاني مسألة التاريخانية، ورآها معجب الزهراني تجريبا لمقولة معرفية، ولم يجد محمد الفال غضاضة من مجاورة النقد الثقافي للنقد الادبي، واصر الهويمل على بقاء وثبات النقد الادبي واعتبر الدعوة مجرد فكرة في مرحلة التجريب واعتبر فائز أبا المسألة برمتها شوائب فردية وادعاءات ريادية عجيبة واعتبر العباس رغبة التحول الى النقد الثقافي عند الغذامي قدرة حقيقية على طرح الاسئلة مبعثها دينامية معرفية، وانها تشير من ناحية اخرى الى استجابة مزاجية مردها موازين القوى الاجتماعية والسلوكية والعرفية القائمة، وان الغذامي صار اميل الى صيغة الناقد المفكر، ويطرح العباس جملة من الاسئلة المهمة كيف يمكن ان يكون شرف المحاولة فعلا تواصليا يستهدف بجد ومثابرة اضافة حقائق معرفية لا مظهرا من مظاهر الترف الفكري او الاستنساخ او الهروب الى الامام وأين موقع النص الادبي فيه ويرى ان النقد الثقافي نشاط ابداعي قديم يصعب تخيل الظاهرة الثقافية والانسانية عموما بدونه كحاضن معرفي وذوقي، فالمناهج النقدية الغربية استندت اساسا في تقعيدها على جانب هام من المذاهب الفلسفية، كما استرفد النقد العربي القديم جهود العقلانية الاعتزالية لكنه كممارسة قصدية ومنهجية لم يتبلور ويدرج مدرسيا الا في نهاية القرن الحالي مشيرا إلى ان إدوارد سعيد الذي أتقن مشابكة المخيلة بالتاريخ، والحرية بالوقائع من خلال الوقوف على العلاقة بين السرديات والتاريخ لفضح المنظومات الفكرية وامراضها على ارضية الثقافة ذاتها، وذلك استنادا الى النص كمنتج انساني ينطلق منه الناقد ويعود به الى الظاهرة,ويشير الى السياق واصفا انجازاته بأنها مجرد تنويهات لا تتعدى تطارح الفكرة واغواءاتها المعرفية، كمناداة محمد بنيس في حداثة السؤال بعدم الاكتفاء بالحفر الادبي داخل النص، وضرورة تجاوزه الى النقد الشامل ودعوة محمد الاسعد في بحثا عن الحداثة الى أهمية الاتكاء على النقد الثقافي كحل لكساح الاداة النقدية وقصورها المزمن عن فض النصوص الادبية وما وراءها، وفي السياق المحلي معجب الزهراني في قراءته نيويورك في ثلاث قصائد محلية ,وفي تقييمه لدعوة الغذامي يرى ان المنطلق الذي نبعت منه الاشكالية لها صلة بفضفاضية المصطلح وليونة حوافه فقد تعامل مع البلوت على انه نص بمعناه اللغوي دون اتكاء على حضور بنائه الرمزي في النصوص الادبية كبنية تحتية، مما جعل الامر يبدو وكانه استقصاء اجتماعي لعادة سلوكية رغم الاقتراب من نسقية وجماعية البلوت كنص، الامر الذي قد يؤدي الى ملاشاة النص لصالح النقد الاجتماعي، والتأكيد على انفتاح النص الادبي كمخزن فكري وشعوري للنزعات والمفاهيم والرغبات يزداد رسوخا ضمن النقد الثقافي الذي لا ينبغي ان ينقطع عن النص الادبي ولا يكون الناقد وارثا للفلسفة والفكر وبالتالي يتحول الى عالم اجتماع كما يقول, الرياض، ثقافة اليوم الخميس 18 جمادى الآخرة 1419ه العدد 16062 .
وهذا يعود بنا الى ما سبقت الاشارة اليه من رسوخ النزعة الفلسفية لدى الدكتور الغذامي واقترابه اكثر من التأمل في اللغة من خلال البعد الاجتماعي، واذا كنا قد لمحنا تحولا في توجهات الناقد من مرحلة الى اخرى فان هذا التحول لا يبعد به عن المنطلق النظري الاول الذي يترسخ في الكليات، ولا يعنى بالوقائع انسجاما مع سعيه الدؤوب الى التبنين والتقنين، فالغذامي منذ البداية يرى النقد فلسفة ونظرية، وليس مجرد اداة للتعامل مع النصوص، بل هو يعمد الى توظيف النصوص في خدمة النظرية، فقد استغرق النقد الادبي زمنا طويلا في خدمة الابداع وجمالياته والآن يريد له الدكتور الغذامي ان يستريح من هذا العناء لذا فهو يعلن موته ليخلفه نقد آخر يتعامل مع النص اللغوي الكلي.
تمت

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

تغطية خاصة

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved