Thursday 2nd March,2000 G No.10017الطبعة الاولى الخميس 25 ,ذو القعدة 1420 العدد 10017



أحاول أن أجد لك ثغرة
د, فهد المغلوث

حينما تشعر وأنت في أمان الله ان هناك من يتصيّد أخطاءك، من ينتظر منك هفوة ولو بسيطة، من يحاول ان يجد لك ثغرة يدخل اليك منها كي يعاقبك او يحاسبك عليها فكيف تتصرف؟
وما هو رد فعلك حيالها؟ بل الاكثر من ذلك، حينما تسمع بنفسك من يقول لك ذلك, فكيف ترد عليه؟
من الطبيعي جدا في موقف كهذا او اي موقف آخر مشابه ان تتضايق ويصيبك نوع من القلق الدائم لأنك سوف تشعر انك مراقب في حركاتك وسكناتك وتصرفاتك بل ربما اعدت النظر في ذلك الانسان.
من الطبيعي ان يساورك هذا الشعور خاصة حينما تكون انسانا واثقا من نفسك وطموحا وعمليا وليس في قلبك اي حقد او حسد او حتى ملامة على أحد لانه نوع من الاجحاف وليس له ما يبرره, ألست هكذا تقول؟!
من الطبيعي ان تشعر بذلك الشعور لانه شعور انساني ولكن من غير الطبيعي ان يكون ذلك القلق والخوف والتوتر الذي يساورك هو سببا في قتل طموحك وبداية وصولك الى مرحلة الاحباط ومن ثم مرحلة اليأس والتي تقودك الى ان تهمش دورك بنفسك وهذا ما يريده المثبطون ممن يحاولون جاهدين وضع العراقيل أمام طريق المجتهدين وإيقاف زحف طموحهم المتنامي يوما بعد يوم,, فهل ترضى بذلك؟ هل ترضى لكل من هب ودب ان ينال منك وانت من انت في الخلق والذوق والجدية والطموح؟
ان مجرد احساسنا ان هناك من يحاول ايجاد ثغرات سلبية ضدنا هو احساس متعب للغاية يقودنا الى الانصراف عن الاشياء والامور الجميلة التي كنا نقوم بها او تلك التي نستعد للقيام بها يجعلنا نشعر اننا اقل من كل الناس في كل شيء رغم اننا احسن منهم في كل شيء! ويكفيك ان تشعر مجرد شعور ان هناك من يشفق عليك ويرثى لحالك لأنك وصلت للمرحلة التي انت فيها من اليأس وقلة الحيلة.
وما اصعبه من شعور وما أقساه!
ان مجرد احساسنا بأن هناك من يحاول ايجاد ثغرة فينا، فهذا لا يعني وصولنا لمرحلة التشكيك في انفسنا او التفكير في امور سلبية بل ان في هذا مدعاة لان يجعلنا نفكر ونفكر بشكل ايجابي فيما وراء هذه الكلمات التي تبدو سلبية ومتعبة في ظاهر الامر، بل الاكثر من ذلك، انه يحتم علينا ان نطرح العديد من التساؤلات التي يجب ان نجيب عليها نحن دون غيرنا ومن تلك التساؤلات الهامة:
من هؤلاء الذين يحاولون ايجاد ثغرة فينا؟ وهل هم جادون في مسعاهم ام ان المسألة لا تعدو كونها كلاما استهلاكيا؟
هل يستحقون ان نفكر بهم وبكلامهم وان نعطيهم جزءاً من وقتنا.
ما مدى معرفتنا بهم ومعرفتنا لهم؟ اقصد ما مدى قربهم منا وبعدهم عنا وهل علاقتنا بهم قوية ام سطحية؟ فأحيانا من يحاول ايجاد الثغرات فيك هو شخص يحبك وقريب منك بأفكاره وقلبه.
ما هو مستواهم الثقافي والفكري؟
هل ما نقوم به امر مشروع ام لا؟ وهذا السؤال بالذات على جانب كبير من الاهمية، لانك حينما تسأل نفسك اياه وتكتشف ان ما تقوم به ليس فيه إساءة لك او ما يغضب الله منك او يتعارض مع قيم ومبادئ اجتماعية فان في هذا الاكتشاف راحة نفسية واية راحة، في زمن اصبحت فيه الراحة النفسية سلعة نادرة وغالية الثمن!
هل ما تقدمه انت وتقوم به متقبل ومقدّر من قبل افراد المجتمع او الاشخاص المحيطين بك ام لا؟
ان مجرد احساسك ان ما تقوم به لغيرك هو محط اعجاب وتقدير يجعلك تستمر في عمل الخير ولا تلتفت لمن يحاول ان يقلل من قيمة عملك او ينال منك بشكل او بآخر.
من هم هؤلاء الاشخاص المثبطون؟ هل هم اشخاص عمليون؟ هل قدموا للمجتمع شيئا يستحق الذكر والشكر؟ ام انهم من أؤلئك الذين ليس لهم من همٍّ سوى وضع العراقيل امام كل انسان طموح يريد ان يعمل ويعطي وينتج؟
ان حياتنا الاجتماعية مليئة ولله الحمد بهذه الاصناف, وهذه الفئة يمكن ان نضعها تحت اصناف عدة، فئة غير قادرة على عمل شيء رغم ان لديها كل المقومات التي تساعدها ولكنها تعودت الكسل والاعتماد على الآخرين.
وفئة اخرى ليس لديها شيء مطلقا وتعتقد ان الناس مثلها لذا فهي تحاول ان تنال منهم حتى لو سلكت مسالك غير مقبولة كما لا ننسى ان للفراغ دورا كبيرا في ذلك فالانسان حينما لا يكون لديه عمل يؤديه او هواية يستمتع بها فانه سوف يلتفت لغيره ويقلل من قيمة الآخرين.
كما لا ننسى ايضا ان هذا الشخص الذي يقول لك انه يحاول البحث عن كل ثغرة فيك، فقد يكون انسانا معجبا بك يحاول ان يبث فيك روح الامل والتفاؤل والاقدام ولكن الشطارة تكمن في معرفتك لهذا الانسان والتفريق بينه وبين الآخرين.
اننا دائما ما نقول ان حلاوة النجاح تكمن في مشقة وتعب الوصول اليه، وانت كإنسان حينما تكون نظرتك للامور ضيّقة وحينما ترى ان كل شيء يوجه اليك او يقال لك بمثابة نقد فانك بالفعل تصبح محل نقد.
ان ارض الله واسعه والبيئة التي نشعر اننا لا نستطيع التنفس فيها بحرية يجب الا تكون هي مقبرتنا، فالانسان يغير من طبيعة نشاطه ويعدل في مكان اقامته وعمله بشكل يشجعه على العطاء والابتكار ان النمطية والتقليدية والتكرار جزء لا يتجزأ من شخصيتنا التي تعودنا عليها كما انها جزء وسبب الواقع الذي نعيشه ونشتكي منه ولكننا لم نفكر جديا في تغييره ولو بشيء بسيط جدا.
قد يقول قائل وهل بيدي شيء من الامر؟! بل كيف اغير ما اريد تغييره وغيري هو الذي يرسم لي طريقي ويخطط لي مايريده هو لا ماأري ده أن ا؟! الخ من تلك الاجابات المتوقعة.
ورغم صحة هذه التبريرات بالنسبة للكثير من الافراد في مجتمعنا الا اننا نستطيع ان نقول انه رغم ذلك كله بامكاني ان اجد مساحة كافية لأتنفس منها هواء نقيا بعيدا عن الهواء الفاسد الذي طالما تنفسته رغما عني فأفسد رئتي.
بإمكاني ان اغمض عيني متى شئت وللفترة التي اريدها لأعيش ما اريد ان اعيشه ,, صحيح انها لحظات كاذبة قد يتصور البعض ولكن هل نحرم انفسنا حتى من الاحلام تلك الاحلام التي نعلم يقينا انها تريحنا وتدخل السعادة لقلوبنا وتبعد عنا شبح التعاسة الجاثم على قلوبنا بفعل ما حولنا من اناس وما حولنا من ظروف!
بإمكاني لو اردت ان اصم اذني عن كل شيء لا اريده وأتظاهر باني اسمع ما يريد الآخرون سماعه مني اما في حقيقة الامر فانني اسمع ما اريد سماعه وأتمناه.
ان الناس قد يضايقوننا خارجيا بحكم رؤيتنا لهم واحتكاكنا بهم بل وحتى داخل المنزل فإننا قد نواجه مثل هذه المضايقات من اهلنا من أمنا وابينا احيانا وهذا ليس عيبا أن نذكره لان هناك حالات كثيرة جدا تشتكي من مرارة واقعها مع اهلها.
وهنا وتحت هذه الظروف لا ينبغي لك سوى الجلوس في غرفتك الوحيدة لتختلي بنفسك, والسؤال هنا: اذا كانت الغرفة هي المكان الوحيد الذي يلجأ اليه بعد الله، أفلا يفترض ان تكون تلك الغرفة شيئا آخر فيه كل وسائل الراحة والجمال؟ لماذا تكون تلك الغرفة هي الاخرى سوداوية متشائمة؟ ولماذا يشير كل ما فيها بضيق الصدر والكآبة؟
أليس هذا المكان الصغير بحاجة لانتعاش بحاجة لتغيير ولو طفيفا في ديكوراته او نقل اثاثه من مكان لآخر او تغيير الوان جدرانه بألوان جميلة تنعش القلب وتدخل السعادة على النفس؟
ان هناك اشياء بسيطة جدا نحدثها على انفسنا ولكن مفعولها وتأثيرها النفسي كبير وكبير جدا خذ بعض التصرفات التي يتصرفها البعض منا داخل غرفته والتي لا يمكن ان يعبر عنها الا بأنها افعال طفولية عن البعض الآخر فهذه التصرفات تكاد تكون متنفسا لنا من كل الضغوط والتوترات المفروضة علينا ومن مصادر الضيق والكبت والاحباط التي نتعرض لها بشكل يومي.
ان الفكرة ببساطة شديدة هي اننا لا نستطيع ان نحصل على كل ما نريد ونتمناه، فلماذا نحرم انفسنا من ابسط الاشياء وهي مشروعة لنا؟ لماذا نستكثر على انفسنا اقل الاشياء ونحن نعلم يقينا انها اقل مما نستحق؟
لماذا نوجه كل طاقاتنا وجهودنا في مراقبة وتتبع ما يقوله الآخرون عنّا ونتضايق لسببه ونحن نعلم انه غير صحيح؟
لماذا نشقي قلوبنا بأنفسنا ونذهب للتعاسة بأرجلنا؟ من سوف يسأل عنا اذا مرضنا؟ من سوف يأبه بنا حينما نقول آه من اعماق قلوبنا؟
الحياة قاسية ولاشك وتحتاج مهارة خاصة في كيفية التعامل معها وبالذات مع من فيها وربما تكون اولى استراتيجيات التعامل الجيد هو إدارة ظهرك لكل ما يضايقك ويحجب البسمة عن شفتيك فماذا يعني ان تحب شخصا ويدير ظهره لك؟ فهل تعتقد انك انت الخاسر؟ ابدا فالعكس صحيح.
وتذكر شيئا آخر وهو ان كنت تعتقد مجرد اعتقاد انك رخيص عند غيرك فأنت غال عند غيره وهذا ربما يجعلك تعرف من انت ثم ماذا ي عن ي ان يبحث الآخرون لك عن ثغرة؟ ليكن ما يريدونه المهم هو انت ، ماذا تريد؟ وفقك الله وسدد خطاك وجعل الخير رفيق دربك.
* همسة *
تلك الثغرة,.
التي أحاول ايجادها فيك,.
تلك الأخطاء,.
التي أتصيّدها عليك,.
ولم اعثر عليها بعد!
ليتني أجدها فيك,.
ليتني أظفر بها,.
***
لا لكي استخدمها ضدك,.
ولا لكي انتقدك بها,.
ولا لكي آخذها عليك,.
أبدا,.
فلست كذلك,.
***
بل لأثبت لنفسي,.
كم أنت رائع في كل شيء,.
لأنني من كثر مزاياك.
من تعدد سجاياك,.
أصبحت ابحث عن مساوئك!
عن شيء واحد,.
ولو بسيطا,.
يثبت لي,.
أنني على خطأ!




رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved