Thursday 2nd March,2000 G No.10017الطبعة الاولى الخميس 25 ,ذو القعدة 1420 العدد 10017



هروب الشعر
منصور الجهني

من أين استدين أياماً صالحة أيها الشعر.
لقد افسدت علي حياتي تماما
هذا المقطع للشاعر عدنان الصايغ، ربما كان يختزل بالفعل طبيعة العلاقة بين الشعر والشاعر، تلك العلاقة التي ظلت دائما موضوع بحث، وتساؤل ، في محاولة لفلسفتها ضمن صيغ معينة ومطمئنة تنظم تلك العلاقة او تفسرها.
لكن الوصول إلى هذه الغاية يبدو صعبا حتى وان كان الشعراء انفسهم انطلاقا من تجربتهم وعلاقتهم المباشرة بهذا الموضوع هم من يحاول إضاءة تلك العلاقة والولوج الى زواياها المعتمة, ذلك أن مايحدث غالبا هو اختزال تلك التجربة ضمن اطر شكلية لاتمس جوهر تلك العلاقة.
فالبعض يفسرها من خلال تلك الطقوس التي ترافق عملية الكتابة، ويرى فيها مدخلاً ضرورياً الى عالم الشعر، متجاهلاً كونها لاتشكل سببا اودافعاً بقدر ماهي نتيجة، او مظهر من مظاهر الفعل الكتابي او الانفعالي المتحقق من خلال الشعر، وليس العكس، هذا إضافة الى الابعاد (الميتافيزية) الآخرى التي يضفونها على تلك العلاقة.
أما الشعراء الذين يرون في الكتابة وظيفة يومية لاعلاقة لها بكل ذلك، مشيرين الى أهمية القصدية أو النيّة المسبقة في الكتابة الشعرية، محاولين إثبات ذلك من خلال انتاجهم الغزير والمميّز أحياناً، فإنهم لايتجاوزن تلك الرؤية الشكلية او الوصفية لتلك العلاقة أيضا.
وربما يتفق الجميع على اهمية الجانب الانفعالي او التفاعلي ضمن هذه العلاقة، باعتبار الشاعر مسكونا بالهم الجمعي او الوجداني وبالتالي هو يكتب استجابة لمحرض اومؤثر خارجي، متفاعلاً مع محيطه، والشعر من خلال هذه الرؤية يبدو منفصلاً عن الشاعر او على الترف يلجأ إليه كلما دعت الحاجة او الضرورة لخلق نوع من التوازن او المصالحة مع هذا المحيط.
هذه الرؤية قد تكون هي السائدة، لكنني اعتقد انها لاتمثل إلا بعض الحقيقة.
فالعلاقة بين الشعر والشاعر، ليست علاقة ايحائية او وظيفية او وجدانية، الى آخر تلك التوصيفات الشكلية، لكنها علاقة مصيرية.
فالشعر يتلبس الشاعر اويسكنه، مضفياً على شخصيته خصوصية معينة تتجسد من خلال العديد من السلوكيات والمواقف التي تميزه عن الآخرين، والتي تدفعه دائما باتجاه الاختلاف والمغايرة، لما هو سائد ومألوف ممايجعله في حالة تصادم مستمر مع محيطه، هذا التصادم هو مايولد شرارة الابداع أو الشعر، عند الشاعر، فالشعر من هذا المنطلق سلوك قسري او اسلوب حياة لا يملك الشاعر إلا أن يتعايش معه، يتجلى ذلك من خلال العديد من النماذج التي تجسد تلك العلاقة عبر تاريخ الابداع، ربما ليس ابتداء من امرىء القيس، وطرفة، والصعاليك، وتأبط شراً أو ربما تأبط شعراً لافرق ، وليس انتهاء بلوركا وناظم حكمت ومظفر النواب ، والعديد العديد ممن قادهم الشعر الى مصائر قاتمة، يعرفها الجميع، إنما بالتأكيد لايمكن حصر تلك العلاقة ضمن هذا المنحى الأكثر تراجيدية، فهناك مستويات عديدة لتلك العلاقة ليس اقلها حالة ، عدنان الصايغ، الذي أفسد الشعر عليه حياته تماماً,,, كما انه لاعلاقة بين الالتزام بتلك القيم التي تمليها هذه العلاقة وبين مستوى الابداع فهناك الكثير من الشعراء الذين تنازلوا عن كبرياء الشعر وتحولوا الى مدجنين اوبراغماتيين مهمتهم تزييف الحقائق، وتلميع ما لا يمكن تلميعه، ومع ذلك فهم يكتبون شعراً جيداً من خلال المنظور الفني للابداع.
لكنني اعتقد انهم لايستحقون تسمية شعراء، بل هم مطربون أو منشدون، وقد تطرب مزاميرهم اهل الحي وقد لا, لكنها في كل الاحوال لاتزعج احدا، وهناك من اختاروا شكلاً امثل لخيانة تلك العلاقة، والتخلص من تبعاتها ، يتمثل في الصمت، بعضهم بوعي، وبعضهم يتساءل: لماذا غادرني الشعر، بينما في الحقيقة هو من لم يستطع التعايش مع الشعر بما يفرضه من شروط قاسية، وما يجره من تبعات فغادر الشعر ، الى الواقع، واحلاهما مرّ.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved