Thursday 2nd March,2000 G No.10017الطبعة الاولى الخميس 25 ,ذو القعدة 1420 العدد 10017



لامع الحرّ
عبدالله سعد اللحيدان

ليس مُثيراً أوجديداً أن نقرأ سيرة ذاتية ترصد أحداث العمر أو بعضها، فالكتب التي اشتغلت على هذا النوع أو السياق الإبداعي قديماً وحديثاً، محلياً وعربياً وعالمياً كثيرة، بعضها لم يتجاوز الأعراف، سيرة ذاتية سردية، أو ممنتجة، وبعضها تداخل مع الرواية بشكل أو بآخر,, بنسبة أو بأخرى، وبعضها اعتمد الفضائحية وحشر المشاهد الحسيّة الجسدية لجلب الانتباه وتحقيق الشهرة،وبعضها اختلف فقط شكلياً لكي يُعرف، وقليل أو نادر فيها من استطاع التجاوز والاضافة والاختراق وتسجيل حضور إبداعي لافت ومميز.
وليس الجديد أو المثير هنا أن نقرأ سيرة في رواية أو رواية تشتغل على السيرة وتحقّق نجاحاً في الرؤية والموقف والشكل والبُنى والتقنيات،وتسجّل أو تسرد أحداث العمر أو بعضها.
الاثارة والجدّة والتميز هنا أنها تروي سيرة المكان الحاضر الغائب في الزمان، والزمان الحاضر الغائب في المكان، نوع من الحضور في الغياب والغياب في الحضور، زمكان يظهر ويختفي ويتقاطع جدلياً مع الذات والواقع، الماضي والحاضر والمستقبل, (مهاجر إلى أنصار) كتاب للشاعر اللبناني (لامع الحرّ) حققّ ما أشرنا إليه من نجاحات، رسمه على الورق بعد خروجه من معتقل انصار في 1985م، بعد ان كتبه في شهور المعتقل الطويلة، في عقله وقلبه,, أفكاره وعواطفه,, رؤاه واحاسيسه,, وبها.
بعد خروجه من المعتقل لم يفعل سوى أن قام بتفريغ المادة التي نضجت في الشريط على الورق، الشريط المكوّن من خلايا وأعصاب وخلجات وتموّجات جسدية وروحيّة لا حصر لها.
(أنصار ليس نزهة.
أنصار وحده أرّخ المرحلة الراهنة، ولسوف يؤرخ مراحل قادمة، ولسوف يمتد دافعاً ذلك الحلم الجميل.
أنصار عنوان خالف الأعراف السائدة، وأقام عرفه المغاير رغم القيود المكدسة، أنصار الذي عشناه، أعطى الحياة مضموناً جديداً، ووهبها ماشاءت من صمود وكبرياء).
ولهذا، وبعد الخروج من المعتقل في يوم تبادل الأسرى والمعتقلين لم تكن قصيدة الكرنفال التي كتبها في المعتقل كافية لإعادة تفاصيل الرحلة الرهيبة في أغوار الآباد السحيقة لهذا الزمكان الاسطوري واللامعقول.
التجربة التي رسمها على الورق بعد مغادرة كهف العصور الهمجية في نهايات القرن العشرين، لم تكن محصورة في المدّة التي قضاها فيه، بل شملت فترات من تاريخ هذه الهوّة الدموية المظلمة، كانت لازمة لتشكيل الصورة التي وحدت بين الهمّ الخاصّ والعامّ وبدّلت مواقع الأقطاب.
لم يكن ماكتب عن سيرة هذا الحيز الهائل من سطح الكرة الأرضية، رغم استحالة تمييزه على اصغر خريطة من خرائط دول المنطقة، لم يكن خيالاً ولا أضغاث احلام، لم يكن تخيلا ولا أوهاماً، ولاسرداً لمفارقات وغرائب ووقائع سحرية فنتازية,, أو اسطورية.
الابداع هنا والمثير والجديد، أن الواقع الذي مرّ بمرحلة تحولات، من الدم الأحمر إلى أن وصل إلى الحبر الأزرق,, كان واقعاً حقيقيا لامختلقاً ، واقعاً تتفوّق رموزه واسطوريته على خيال من اخترعوا الرموز والأساطير.
لن أفسد على احد متعة قراءة هذا النصّ الإبداعي المفتوح علىكل الأزمنة والانواع الأدبية، فيما هو نصّ تعبوي تحريضي أيضاً:
(كل منا يُدرك ان الفوضى سبب من اسباب تخلّفنا الرئيسه، كل منا يقترف هذا الاثم تحت ستار تبريرات طويلة شرحاً وتعليلاً,, ويبقى الواقع على ما نحن عليه دون تغير، ولو نسبي.
لكننا أسرى.
اسرىأمام عدو شرس منظّم، يجيد اختراق وحدتك إذا وجدت، ويعمل على التفرقة في صفوفك، كلّما تيسّر له ذلك.
عدو يعرف ماذا يريد، أمامه هدف واضح، قد تتغيّر الأساليب، لكن الهدف واضح.
كيف نستمد قدرة على مواجهته؟
لاشيء سوى الانتظام، وحده كفيل بتحقيق ماتصبو إليه، لكن كيف الطريق إلى ذلك؟)
الشاعر اللبناني (لامع الحرّ) له إضافة الى هذا الكتاب (مهاجر إلى أنصار) ديوانان (واجهت نارك كلّها) و (فتى الظلّ يبحث عن يديها)، ويزيد جمال أشعاره وسحرها,, سحر وجمال إلقائه الرائع، مما يجعلني أطلب من لجنة اختيار المشاركين في المهرجان الوطني للتراث والثقافة,, وفي الفعاليات الثقافية للرياض كعاصمة ثقافية لعام 2000، أطلب واتمنى أن نسمتع إليه شاعراً ومشاركاً في هذه الفعاليات، طلبٌ يحمل في طياّته رغبة تراودنا جميعاً في وقف هذا التكرار المزعج لأسماء قديمة أكل عليها الدهر الثقافي وشرب، وملّها الناس.



رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved