Saturday 4th March,2000 G No.10019الطبعة الاولى السبت 27 ,ذو القعدة 1420 العدد 10019



لما هو آت
رأسه عصاه
خيرية إبراهيم السقاف

وقف المعلم عند باب الفصل ولم يتفوَّه بكلمة,.
كلما مرَّ أحدهم بجواره، حرَّك رأسه إشارة أن: ادخل,, ، وكلَّما همَّ أحدهم أن يخاطبه، حرَّك رأسه إشارة: لا تتحدث,, ,,، وكلَّما وقف بجواره أحدهم حرَّكَ رأسه إشارة: امضِ,, ,.
تبادل الجميع النظرات، وهرج كلٌّ بما هو خذ وهات،,, والمعلم يقف في مكانه دون أن يستطيع كائن من كان أن يقصيهم عن السكوت,.
حتى اكتمل عدُّ الفصل,, وتجاوز إلى المدير، والمشرف,, يتحلَّقون حوله، لم يكد يفعل شيئاً سوى الدخول إلى الفصل، ثم الإشارة بيده للجميع أن: اخرجوا,, ,,!!
تعجَّب المدير ورفع صوته: مابك يا أستاذ؟ هل أصابك شيء؟! ولم يُجب؟ ردد المدير، والمشرف، ولحقهما الوكيل والإداري,,، وتبعهم الطالب فالآخر، وهو لم يُجب البتة؟,, والجميع يتكتَّلون، ويمرجون!!
صرخ المدير: أين عصاك أيها الأستاذ؟,, ولم يُجب,.
حتى استوى الجمع في هرج ومرج، في الساحة والحجرة، وعند الدَّرَج ,.
ثم أخذ المعلِّم يتحرك علامة أن سينطق,,، ثم رفع يده ولامس بها فمه، ثم أصدر صوتاً تجريبياً من حنجرته,, وما لبث أن قال:
رأسي ليس عصاي التي أشير بها، ولا عصاي التي أتوكأ عليها، ولا عصاي التي أعاقِب بها، ولا عصاي التي أهتدي بها,.
رأسي كان يُخرج ما في جوفي من الكلام,,، ولقد أردت أن أهتدي به إلى حقيقة ما كان يقول,.
صمت الجميع في هدوء المقابر، والفلاة، وليالي الخوف، ووحشة الأمكنة، وكأن إنساناً لا يكون,, بُغية معرفة ما يقول,.
قال المعلِّم يواصل حديثه:
أجيء كل يوم إلى الساحة أجدها تشتكي الفوضى، والازدحام، وتنفر من الاستهتار وكثرة الكلام، هنا ثُلَّة لا تنتظم، وهنا سلَّة تخلو مما يتناثر فوق الأرض، كان لا بُدَّ أن يودع فيها، وهناك كتب ملقاة على الأرض، وبقايا مشروبات قد ترامت معلَّباتها يُمنة ويُسرة.
وأجيء إلى الفصل الآخر فأقف لحظات كي يكتمل المكان بمن لا بُدَّ أن يدركوا قيمة الزمان؟ وأطرق باب الإدارة فأجده مغلقاً، أحسب أنه جمع نفر يتداولون النقاش فيما يُطوِّر أو يُغيِّر,, حتى إذا ما مرَّ أحدهم خارجاً منه أو داخلاً عنه، رأيته خلواً إلا من رجلٍ إلى الهاتف، أو اثنين أو ثلاثة إلى أقداح الشاي، أو إلى الصحيفة والأخرى، أجيء إلى المكتبة فأجدها قد تراكم فوقها التراب، وعلت أجهزَتها وأوعيتَها موجاتُ من الحزن والصمت كالأرض اليباب,.
وأجيء في آخر المطاف إلى ما قدَّمت بالأمس إلى العقول، فلا ما يشحذ همَّة عصاميٍّ كي تنتفض فرحة وابتهاجاً,,، قِلَّةٌ يُفرحون، والبقية يُبكون,.
قال رأسي: سأكون لسانك وعصاك، لطرفةٍ من الزمن، تحدَّث بي إليهم، أنظر هل يصمتون أو يعجُّون؟، هل يرضون أم يسخطون؟، هل يفهمون أو يُنكرون؟,, ثم أخبرهم بما يكون,, لعلَّهم,, يُدرِكون,.
وقفت إليكم,.
حملت بقاياكم إلى سلالِها,.
مسحت عن كتبكم غبارها,.
أقصيت نثراتكم الورقية وسواها عن شتاتها,.
لكنني لم أستطع لا برأسي ولا بعصاي أن ألج عقولكم، أو أسائل نفوسكم عمَّا فيها، وعمَّا تقول,,.
تجمَّعتم عند الدهشة؟,.
تعارفتم عند الحيرة؟,.
تقاذفتم في أمري: أمجنون فقد وعيه؟ وما بي جِنَّةٌ,,، أم مريض أصابه مسٌّ، وما بي شيءٌ من ذلك,,.
وما فكَّرتم في حسرتي، ولا في جهلكم، ولا في حيرتي، ولا في نقصكم,.
المعلِّمون لا يُعَلِّمون,.
والمريدون يسدرون,.
ومعقل العلم، مخبأ الجهل,.
وموطنُ الخلق، مرتعُ الفراغ منه,,.
والأمور تختلط,.
وباب الفصل الذي وقفتُ عنده هو سُدَّة النهر الذي لا بُدَّ أن يمضي في انسياب,.
فاحملوا عِصِيِّكم وأزيحوا عنها الحجارة,.
وحرِّكوا رؤوسكم كي تجلو فيها العبارة,.
واصمتوا إلى أنفسكم كثيراً وتفكَّروا فيما تكونون عليه، وفيما ترغبون فيه,,.
وعندما ترون، وتعلمون,.
ثمَّة ما يؤكد لكم أنكم ستحتاجون إلى رؤوسكم كثيراً كي تكون عصِيِّكم التي تهشُّون بها على أنفسكم كثيراً.
,, تحرَّك الجمع,, وهم يُحركون رؤوسهم,, وهو يعلم ما يجول فيها,.
لكنه كان يبتسم,, وبيده عصاه يتوكأ عليها ويمضي,,.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

التقسيط والقروض البنكية

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved