Saturday 11th March,2000 G No.10026الطبعة الاولى السبت 5 ,ذو الحجة 1420 العدد 10026



الأميرة بسمة بنت ماجد بن عبدالعزيز في حديث لـ الجزيرة عن الأميرة الراحلة عفت الثنيان
بوفاة الراحلة طويت صفحة مضيئة من عمل البر والخير والاحسان

لقاء: ناهد سعيد باشطح
يقول (كوندورسيه) تاريخ النساء فيما لو كتب لكان تاريخ العالم العام
وبعض النساء في تاريخ حياتهن تولد ألف حياة وتفتح انصع صفحات للتاريخ.
الاميرة الراحلة عفت الثنيان آل سعود حرم الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز آل سعود لم تكن امرأة بمواصفات الاعتيادية بل امتلكت مقومات المرأة الاستثناء ضمن مجموعة من النساء يتركن بصماتهن بوضوح في المجتمع, في هذا الحوار تتشرع نوافذ النور في حديث حرم سمو الامير بندر بن فيصل بن عبدالعزيز سمو الاميرة بسمة بنت ماجد بن عبدالعزيز عن الاميرة عفت ,, عن المرأة العظيمة التي تركت وفاتها اثراً في نفوس محبيها من الذين يعرفونها او الذين سمعوا بتميز شخصيتها.
في هذا الحوار تتحدث الاميرة بسمة عن عفت الانسانة والتي حباها الله بصفات استطاعت من خلالها ان تحدث الأثر الايجابي في مجتمعها.
** بدءا يصعب الحديث عن شخصية ثرية مثل الاميرة عفت الثنيان لكننا نأمل ان نسلط بعض الضوء الذي نقتبسه من نور عطائها، ما الذي يدور في ذهنك الآن؟
* اجابت الاميرة بسمة قائلة: الحقيقة انه لم تكن الوالدة عفت رحمها الله امرأة عادية بل كانت شخصية متميزة بكل ما تحمل الكلمة من معنى, ربما لايسع المجال للتحدث عن انجازاتها فقد سبقني الى ذلك من رصد تلك الانجازات ووثقها, لكنني شخصيا لم أر في حياتي امرأة بهذا الذكاء الخارق والنظرة الثاقبة للامور.
كانت يرحمها الله لماحة تستوعب كل شيء بسرعة ولا تحتاج الى وقت طويل حتى تتلمس مواضع الخطأ او القصور فيما ترى، كانت تدرك اي خلل وتطالب بفورية التصحيح, كما كانت دائمة التشجيع للنساء من حولها بأن يعملن من اجل الوطن.
واكثر ما كان يزعجها ان يكون الانسان يتعلم ولا يستطيع استثمار علمه في حياته ويستسلم للخمول او الكسل، هي مؤمنة بأن لكل انسان رسالة عليه ان يؤديها في حياته ودين يجب ان يفيه لوطنه,
** عرف عن الاميرة عفت حبها للعمل والنشاط وتشجيعها الدائم للمرأة، كيف انعكست تلك الصفة على بناتها وحفيداتها وعلى النساء في مجتمعها؟
* الحقيقة ان الوالدة عفت كانت شعلة من النشاط وكانت دائمة التوجيه لبناتها ولجميع من حولها بالعمل الدؤوب كانت تحثنا على العمل ولو بأضعف الايمان اذ انها تدرك ان الله يمنح كل انسان قدرات مختلفة فاذا لم يكن لدى المرأة قدرة على الجلَد والصبر في بعض الاعمال فان اضعف الايمان ان يسند العمل معنويا ان لم تستطع ماديا فالمهم ألا تقعد المرأة مكتوفة الايدي امام مسؤولية بناء مجتمعها, كانت تردد يرحمها الله بأن هذا البلد قدم لكم خيره وواجبكم ان تردوا الجميل بالعمل والاخلاص.
كما انها كانت اذا عرضت لها امرأة فكرة عمل مثمرة للمجتمع فانها تشجع وتدعم وتساند وتهتم بأدق التفاصيل حتى اذا ما نجح العمل سعدت بذلك, وقد تميزت بطاقتها الهائلة يرحمها الله اذ لم يعرف عنها الكسل او الخمول مطلقا, كانت دائما تقول لنا نحن بناتها انا في ايام الشباب كنت اطلع الجبل في الطائف، ولم يكن في ذلك الوقت مواصلات كنا نذهب احيانا من قصر الطائف الى الهدى ركوبا على الخيل والحمير وكنا سعيدين بهذا النشاط .
كما انها يرحمها الله كانت لا تتأخر عن استقطاب أي امرأة متعلمة في ذلك الوقت وتشجعها على العمل لتستطيع تأسيس لبنات قوية يستفيد منها المجتمع وقد كانت تحث الجميع على العمل البنّاء في كل مناسبة تحضرها.
** الاميرة بسمة وانت حرم الامير بندر بن فيصل بن عبدالعزيز، كيف هي علاقة الاميرة عفت ببناتها وايضا تعاملها مع الاحفاد؟
* اول مرة أرى فيها الوالدة عفت كنت طالبة في مدارس دار الحنان كانت المناسبة حفل استقبال لها وكنت آنذاك في المرحلة المتوسطة بعد ذلك كنت اذهب مع جدتي والدة موضي واسلم عليها اذا قدم الملك فيصل رحمه الله الى جدة.
لكن حين تزوجت الامير بندر استطعت ان اتعرف الى شخصيتها المتميزة بشكل كبير، هي بالنسبة لي ام ثانية لم ارها يوما تجرح احدا من حولها او تتدخل في شؤون الآخرين, كانت تحيطنا بالحنان والاحتواء وتنصحنا بما يفيد، علاقتها باحفادها كانت تقوم على الحب والاحترام، يحبها الاحفاد ويهابون شخصيتها القوية ولم تكن تحب ان تمنح الاطفال هدايا في كل وقت كانت تؤكد بأن على اطفالنا ان يعرفوا قيمة الاشياء التي نمنحها، ولذلك يجب ان نعطيهم الهدايا في المناسبات وبشكل متباعد كما انها كانت توجهنا الى اهمية كسب ود الناس واحترامهم بما نحن عليه من صفات حسنة وليس بما ينتظر الآخرون ان نمنحهم هدايا.
** كل هذا التميز في شخصية الاميرة عفت يدفعنا للسؤال عن اسباب التميز ومدى ما اسفر عنه زواج وامتزاج تميز الاميرة عفت بتميز الملك فيصل يرحمهما الله؟
* بالتأكيد الله يمنح عباده قدرات ومواهب والبيئة تساعد الانسان على اظهار قدراته وتميزه بالنسبة للوالدة عفت فلا شك الله منحها قدرات متميزة وصفات حسنة وايجابية في التصرف في جميع شؤون الحياة والقدرة على معرفة التوقيت المناسب في اتخاذ القرار وتنفيذه, وكان بالامكان ان تكون الوالدة كما هي يرحمها الله شعلة من التميز لكن زواجها بالملك فيصل رحمه الله والتصاقها بتلك الشخصية الفعالة والعظيمة جعل تميزها يظهر ومنحها الفرصة لتعطي اجمل العطاء.
اذ لم تكتف بأن تكون زوجة ملك ارادت ان تكون مواطنة حقيقية بخدمتها لوطنها واخلاصها وحكمتها جعل الملك فيصل يثق في كل خطواتها ويساندها كثيرا.
** يقال بأن للاميرة عفت دورا كبيرا عند بداية التعليم للبنات في المملكة، كيف ذلك؟
* اتذكر ان الوالدة عفت كانت تتحدث عن مساندة الملك فيصل يرحمه الله لها في قضايا التعليم، كما ذكرت ان الملك فهد يحفظه الله له الفضل بعد الله في بدايات نشوء رئاسة تعليم البنات بالمملكة فقد كان يدعم تعليم البنات في تلك الفترة التي كان فيها وزيرا للمعارف وقد كان للوالدة دور كبير في التخطيط لذلك,
كما ان الوالدة عفت اهتمت بتعليم البنات حين افتتحت مدارس دار الحنان واهتمت بتحويلها من دار للايتام الى صرح تعليمي متكامل وألحقت بالمدرسة بناتها حتى تشجع الامهات على إلحاق بناتهن بالمدارس والحمد لله حققت حلمها الكبير كلية عفت التي كانت تدعو الله عز وجل ان ترى افتتاح هذه الكلية قبل ان يوافيها الأجل, فقد كانت يرحمها الله تحرص على ان يوفر التعليم للمرأة في المملكة من مراحل الحضانة الى الجامعة في وطنهم محاطة ببيئة اسلامية ومناخ اجتماعي محافظ,
** عرف عن الاميرة عفت تواضعها لكن الذي لا يعرفه البعض انها كانت تعشق العمل ولديها طاقة هائلة للانجاز، هل تتحدثين الينا بشواهد ذلك؟
* اتذكر ان ستائر قصر الملك فيصل في مكة اعدتها بيديها حيث كانت تستمتع بحياكتها، كما كانت تجمع بعض النساء في القصر تخيط معهن المفارش لطاولات حجر القصر, كانت يرحمها الله اذا رغبت في عمل شيء تعزم على صنعه بنفسها ولا تنتظر احدا يصنعه لها، حتى في مدارس دار الحنان عندما فتحت كانت ملابس الطالبات تصنع في منزلها حيث تجتمع واختها مظفر يرحمها الله لإعدادها.
كانت الوالدة تؤمن بأن من يصنع شيئا بنفسه يبدع ويعطيه من روحه, في قصر المعذر كانت تزرع الورد الجوري في حديقتها بنفسها وكان الملك فيصل يساعدها احيانا ربما لذلك فان الورد الجوري هناك ظل اجمل الزهور، كانت تحب هذا النوع من الورد الذي كانت تمتلىء به حجراتها وتسعدها كثيرا ان تتفتح وردة وتقول الحياة جميلة لأن الوردة برعم تفتح ورأى نور الحياة.
** في صالون الاميرة عفت كانت النساء يحرصن على الحضور لما كانت تتمتع به الاميرة من حضور وما كانت تبديه من اهتمام بالحاضرات، هل لك ان تحدثينا عن صالونها؟
* التي تحضر في صالون الوالدة عفت يرحمها الله كانت تأخذ حقها الكامل من الانصات والاهتمام، فالوالدة كانت تحدث كل امرأة فيما تحب ان تسمع وبالضبط في صميم اهتمامها.
كما انها كانت اذا اخطأت اي امرأة بتصرف ما توجهها بطريقة هادئة ورزينة, فقد كان لديها يرحمها الله طرق عجيبة في تعديل الخطأ وارشاد الناس، وكان صالونها ثريا بما يطرح فيه ولا عجب فقد كانت راعيته مثقفة، ومن المعروف ان الوالدة كانت مطلعة على ثقافات متعددة وكانت تتقن الانجليزية والتركية الى جانب العربية، كما كانت تفهم الفرنسية اكثر مما تتحدث بها، وتحب ان تقابل النساء من مختلف الشعوب لتتطلع على ثقافات مختلفة.
وكانت تحب القراءة ولطالما كانت الكتب اكداسا في غرفتها الخاصة تقرأها باهتمام شديد، وفي الصالون لم يكن واحدة من النساء تتحدث عن اخبار او مواضيع سواء عربية او عالمية الا والوالدة مطلعة عليها وتستطيع ان تناقش بوعي ومعرفة في تلك المواضيع.
** المعروف ان الاميرة عفت هي الرئيسة الفخرية لجمعية النهضة، ما هو دورها في تأسيس الجمعية؟
* الوالدة عفت يرحمها الله هي المظلة لكل عمل خيري وقد شجعت ابنتيها الاميرة سارة والاميرة لطيفة على تأسيس جمعية النهضة وكانت لا تبخل على بناتها بكل دعم وتشجيع لمساندتهن في اعمالهن, ومنذ بدايات الجمعية كانت تحرص على الاجتماعات في قصرها وكانت توظف خبراتها لمساندة العمل، وقد كان لها دور بارز من خلال الجمعية الخيرية النسائية بجدة حيث شجعت عقد الاجتماعات الاولية لمجلس الادارة ودعمت الجمعية بكل ما تستطيع.
وفي الماضي كانت النساء اللواتي يتحمسن للعمل الخيري التطوعي قليلات وكانت تهتم بأن تشجع النساء للعمل في الجمعيات، بالنسبة لجمعية النهضة فقد كانت مطلعة على كل شيء وتسأل باستمرار عن سير العمل وعن الانشطة والبرامج التي تنفذها الجمعية واذا بدأنا في الجمعية بأي نشاط وكان من الطبيعي ان يواجهنا بعض الصعوبات كنا نحكي لها وشخصيا كنت احكي لها المستجدات اولا بأول وكانت تهتم بالموضوع وتتابع وتشجع وتساند حتى ننجح في تحقيق ما نأمل.
** شهد عزاءَ الاميرة عفت جمع غفير وذلك لانها كانت قريبة لمن يعرفها وشخصية مبهرة لمن لا يعرفها، حدثينا الى اي مدى تميزت الاميرة عفت بما يحبب الناس فيها؟
* الوالدة يرحمها الله شعلة من الذكاء والاخلاص وقبل كل شيء مخافة الله، لم تكن تجرح احدا مهما كان ولم تكن تحب الحديث في غيبة الآخرين بما يسيئهم، والتي كانت من النساء تحب الخوض في احاديث الوشاة فانها لا تستمر في ذلك الصالون اذ ان الوالدة لا تحب مثل تلك الاحاديث وتعتبرها مضيعة للوقت وعصيانا لله تعالى الذي امر بالمحبة والسلام.
ولا استطيع ان اوفي الوالدة حقها في الحديث عن صفاتها الجميلة، لكنها بطيب تعاملها تترك اثرا قويا في كل من يتعرف عليها, فكانت السباقة دوما الى فعل الاشياء الجميلة ولم تكن افعالها عبارة عن ردود افعال بل كان لها اليد العليا الخيرة والسباقة في كل شيء، وقد كانت كريمة الى ابعد الحدود فلم يعرف عنها يوما انها رفضت مساعدة انسان معنويا او ماديا، وكان الناس يقصدونها من مختلف انحاء العالم ولم تكن تبخل بشيء بل تحرص على استيفاء المعلومات حتى تصنع الخير في مكانه.
ويحضرني في هذه المناسبة قول جميل ذكر في الجنادرية 14 حين كان الاحتفال بمناسبة مرور مائة عام على توحيد المملكة حيث ذكروا ان الملك عبدالعزيز يرحمه الله منحه الله القبول وهذه برأيي نعمة عظيمة من الله يعطيها لعباده المخلصين، كذلك الشخصيات التاريخية البارزة في الخير يعطيها الله نعمة القبول لدى الناس فيحبها الناس في حياتها ويترحمون عليها بعد مماتها.
** تحدثنا عن عفت الانسانة وزوجة الملك وكثير من صفاتها الجميلة، فماذا عن عفت حين تغضب والى اي مدى اتسمت شخصيتها بالهدوء؟
* الوالدة يرحمها الله كأي انسان تغضب لكنها بشكل خاص تغضب للخطأ الذي يرتكب امامها ولا يُهتم بتعديله، كنت دائما اشعر بها غاضبة اذا ما تحدثنا عن الفتاة السعودية ولمست في البعض منهن التمسك بالقشور دون الاهتمام بالجذور الاساسية.
كما انها يرحمها الله لم تكن الشخصية الكتومة الغامضة التي يخاف الناس غضبها او القرب منها بل العكس كانت واضحة لا تخبىء شيئا حين تغضب من انسان ما تواجهه دون مواربة او تزييف ولم يكن الآخرون يغضبون منها لانها كما قلت صريحة وواضحة, وبقدر ما كانت تغضب فانها سريعا ما تهدأ ولا تطيل لحظات غضبها فقد كانت شخصية مرحة مقبلة على الحياة.
** في لحظات الاميرة عفت الاخيرة كيف كانت وكيف كان الوداع لامرأة احبت الجميع واحبها الجميع لعطائها؟
* لطالما سمعت الوالدة تدعو الله ان تلقاه وهي في بلادها بين اولادها وبناتها كما كانت تتمنى ان تموت وهي بكامل ذاكرتها وعقلها الذي لم يتشتت حتى وهي في المستشفى وبين الاطباء كانت تتخذ القرار دون تردد حيث وافقت على اجراء العملية, وحين بادرها الطبيب قائلا: ما شاء الله يا خالة لم تترددي في قرار العملية قالت له: انا اخاف الله ومؤمنة بقضائه.
وقبل اجراء العملية طلبت ان نجتمع لديها جميعا واوصتنا قائلة: يا ابنائي لا تتفرقوا سيروا كما انتم دوما على الصراط المستقيم احرصوا,, على الصلاة عماد الدين واياكم ان تجرحوا احدا من الناس ولاتعتدوا عليهم واحبوهم وحببوهم بكم .
كانت يرحمها الله تهتم بمن حولها حتى في لحظاتها الاخيرة لكنها كانت تشعر بقرب النهاية حيث قالت لي قبل ان تذهب للمستشفى: يا بنتي انا اشعر بقرب النهاية لكنها لم تفقد شيئا من حيويتها ومرحها وهي في المستشفى وكلما دخلت عليها طبيبة او موظفة سعودية شكرت الله على ان المرأة السعودية وصلت الى مستوى مشرف في التعليم والعمل.
وكلمة اخيرة: نحن مؤمنون بالله وقدره وندعو الله عز وجل ان يرحمها ويسكنها فسيح جناته واشعر ان فراقها صعب وان الفراغ الذي تركته في حياتنا كبير وانا شخصيا اشعر بحزن شديد وان صفحة مضيئة من تاريخ المملكة الحي قد طويت! واؤكد ان رسالتها دين في عنق كل امرأة سعودية تحب وطنها وان علينا جميعا متابعة مسيرتها.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved