Tuesday 14th March,2000 G No.10029الطبعة الاولى الثلاثاء 8 ,ذو الحجة 1420 العدد 10029



البداية والنهاية للحافظ إسماعيل بن كثير 701/774هـ
تحقيق الدكتور/ عبدالله بن عبدالمحسن التركي
حمد الجاسر

منزلة كتاب التاريخ لابن كثير رحمه الله ورواجه مما هو معروف، وما بذل في سبيل تحقيقه متميز، وواضح من جميع الجوانب، سوى ناحية واحدة، وهي مما ذكر المحقق الكريم في منهج التحقيق الذي يقصد به خدمة نص الكتاب بالدرجة الاولى، والتعليق عليه، بحيث يخرج في صورة صحيحة يقل فيها الوهم واللبس او الخلط 1 .
ثم ذكر المنهج الذي سار عليه المحقق، وقد تحقق، سوى قوله: التعريف بالاماكن 2 ولعل الاستاذ الدكتور عبدالله المشرف على هذا العمل، كان له من اعماله في وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد ما شغله عن هذا الامر، فوكله الى مساعديه من الاخوة في دار هجر فاكتفوا من تعريف الاماكن بايراد ما وجدوه في الكتب القديمة، ومن المعروف ان العلماء المتقدمين رحمهم الله لم يدخروا وسعا في بيان ما تصدوا لبيانه، ومن ذلك ايضاح مواضع السيرة النبوية، ومواقع الغزوات داخل الجزيرة وغيرها، غير ان تلك التعاريف وان كانت مفيدة ونافعة الا انها مخصصة لأزمنة قد مضت، بحيث لا تؤدي الغاية للقراء في العهد الحاضر، وسيأتي ذكر امثلة منها.
من هنا رأيت مشاركة المحقق الكريم واخوانه في دار هجر بأن ابدي بعض ما ظهر لي مما رأيته بحاجة الى التوضيح من اسماء المواضع، واحاول ما استطعت ان اقرب هذا التحديد للقراء، الذين ليسوا من اهل البلاد التي تقع فيها المواضع، وذلك ببيان الموقع بحسب درجات الطول والعرض، وبذكر اقرب مكان مأهول من ذلك الموضع.
وسوف لا اتعرض لايضاح مواقع المدن التي ما تزال معروفة باسمائها القديمة ولا ما يقع في داخلها مما شمله عمرانها، او بلغة ذلك العمران، وانما اقتصر على ايضاح مواقع الامكنة التي ما تزال مجهولة، وخاصة في جزيرة العرب لان ما عداها مما هو خارج عنها قد اوضحه المتقدمون من العلماء لصلتهم به، بخلاف الجزيرة التي لم يتيسر لأولئك التعرف على امكنتها في الماضي لعدم استقرار الامن بين ربوعها في الازمنة الماضية.
وحيث ان اسماء المواضع الواردة في هذا الكتاب ورد ذكرها في المؤلفات عن السيرة النبوية كسيرة ابن هشام التي لخصها من سيرة ابن اسحاق، ومغازي الواقدي والطبقات الكبرى وهي تشتمل على جميع اسماء مواضع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه، وقد يتصل بها مواضع اخرى يستلزم ايضاحها، مما ورد ذكره في كتب التاريخ، كتاريخ ابن جرير وغيره، وتحديد تلك المواضع مما لا يتسع للحديث عنه في الصحف، ولهذا رأيت افراده في بحث خاص ينشر مستقبلا.
ولا يفوتني هنا ان انبه الى ان الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي واخوانه حاولوا تعريف كثير من المواضع الواردة في هذا الكتاب، ولكنهم لم يزيدوا في ذلك على ما في كتب المتقدمين كمعجم ابي عبيد البكري ومعجم البلدان وامثالهما.
ولا شك ان اولئك العلماء بذلوا جهدهم في هذا السبيل، ولكن اكثر تعريفاتهم كانت ملائمة، ومناسبة لازمانهم، وهي تعريفات لاتفيد الباحث في عصرنا الحاضر، فقد يعرِّف احدهم الموضع بأنه من منازل بنى فلان، ويسمى قبيلة من القبائل، وذلك حينما كانت قبائل الجزيرة منتشرة فيها، وتحل كل قبيلة امكنة خاصة بها.
اما في عهدنا فان تلك القبائل اصبح جلها مجهولا حيث تغيرت اسماء القبائل الى قبائل لها مسميات حديثة، فانتشرت في اماكن القبائل القديمة وتغيرت اكثر مسميات الامكنة باسماء حديثة، وقد يحدد المتقدمون الموضع بأنه واقع بين البصرة ومكة، وهذا ناشىء عن ان الذي عرّف لهم الموضع كان ممن سافر في ذلك الطريق، ومر بذلك الموضع، فحفظ الاسم، ولكنه لا يستطيع تحديد موقعه.
وقد يعرف الموضع بوصفه كأن يقال ماء والمياه القديمة اكثرها نضب فأصبحت مواقعها مجهولة الى غير ذلك من التعريفات التي لا تحدد الموضع تحديدا دقيقا.
ولقد حاولت ما استطعت ان اقرب تحديد الاماكن للقراء في هذا العهد بالوسائل التي يدركونها كما تقدم ايضاحها.
ولا شك ان هذا يستلزم جهدا شاقا غير انني سأبذل جهدي واثقا بأن عمل المرء مهما بلغ من القوة فلن يصل الى الكمال، الذي اختص الله به، ولا الى العصمة من الخطأ الذي يعرض لكل انسان الا من عصم الله سبحانه وتعالى من انبيائه.
ولقد سرت فيما اشرفت على تحقيقه من المؤلفات القديمة على هذه الطريقة فحققت كتاب الاماكن او ما اتفق لفظه وافترق مسماه من اسماء المواضع 3 للحازمي محمد بن موسى 548/584 وقد نشر، كما قمت بتحقيق كتاب الامكنة والمياه والجبال والآثار لنصر بن عبدالرحمن الاسكندري المتوفى بعد سنة 561ه، وآمل ان ينشر قريبا.
ولا تفوتني الاشارة الى ان بعض الاخوة لهم اسهامات واضحة ومفيدة في هذا الجانب، الا ان مما يؤسف له ان المعنيين من المحققين والادباء حينما يتصدون لتحقيق مؤلف قديم، لا يرجعون الى ما الف حديثا من تحديد ما فيه من مواقع، واوضح الادلة على ذلك هذا الكتاب الذي بين يدي القارىء.
ولا اتهم الدكتور عبدالله بجهل تلك المؤلفات الحديثة ولكن المرء كثيرا ما يفوته كثير من الامور، بسبب النسيان، ومنها ما هو بحاجة اليه، ولو رجع الاخوة المساعدون له في تحقيق هذا الكتاب لبعض المؤلفات الحديثة لاستفادوا منها.
ومهما يكن فما بذل في سبيل تحقيق هذا الكتاب يعد من عدم الانصاف وصفه بالتقصير من كل النواحي، لقد رجع المحققون الى مؤلفات كثيرة في الحديث وفي التفسير وفي التاريخ وغيرها، واستفادوا منها، وقابلوا بينها وبين ما اورده المؤلف بما هو منقول عنها، وصححوا عباراته كما اضافوا اضافات اخرى لايضاح بعض الكلمات اللغوية الغامضة او غيرها، ولا يلام المرء بعد الاجتهاد.
واكتفي الآن بايراد انموذج مما حاولت به ايضاح بعض الاسماء التي مرت بي.
1 : الأبواء: ورد اسم هذا المكان في اكثر من موضع، لم يرد في الفهرس منها سوى ثلاثة: 4
1 في ذكر وفاة آمنة ام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانها توفيت وهو ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة، وهي راجعة به الى مكة.
2 كما ورد الاسم عند ذكر بعث سرية حمزة بن عبدالمطلب، وانه كان قبل غزوة الابواء.
3 وورد في ذكر مسيرة قريش الى بدر وذكر المطعمين لهم يوما فيوما: ثم اصبحوا بالأبواء فنحر لهم نُبَيهٌ ومنبّه ابنا الحجاج عشرة .
4 وذُكر في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم بما ملخصه: اول ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الابواء، ثم بُواط، ثم العُشَيرة .
ولم يذكر في شيء مما تقدم ايضاح لموقع الابواء سوى القول: بأنه بين مكة والمدينة، وهذا التعريف كان مفهوما لاناس كانوا يترددون في ذلك الطريق، اما القراء الذين لم يسبق لهم ان مروا به، فهم بحاجة الى ان يحدد لهم الموضع، ولا يكتفى بما ورد في كتب السيرة مما تقدم، فهذا الامام المحدث المشهور الحافظ بن موسى الحازمي 548/584ه الف كتابا سماه الاماكن، اوما اتفق لفظه مسماه من الامكنة 5 المنسوب اليها نفر من الرواة والمواضع المذكورة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه وقطائعه، ومغازي اصحابه والولاة بعده، قال في هذا الكتاب عن الابواء: جبل من عن يمين آرة، ويمين الطريق للمصعد الى مكة من المدينة، وهناك بلد ينسب الى هذا الجبل، جاء ذكره في حديث الصعب بن جثّامة وغيره، ويقال: ان هناك ماتت آمنة انتهى المراد منه, ومصدره رسالة عرَّام بن الأصبغ السُّلمي.
ووادي الابواء من اشهر الاودية الواقعة بين مكة والمدينة، والقبر المنسوب لام الرسول صلى الله عليه وسلم في موضع منه يدعى الخريبة واسم الابواء يطلق على الوادي، لاعلى الجبل الا من قبيل التوسُّع، وتقع قرية الخريبة هذه بقرب جبل عظيم، ممتد بامتداد الوادي غربه، وفي لِحفِهِ يقع القبر، وهذا الوادي طويل ذو فروع كثيرة، وحوضه يقع فيما بين خطي الطول: 30َ/39 الى 50َ/93 وخطي العرض 50َ/32 الى 90َ/32 .
والخريبة في المكان الواقع في اسفل هذا الحوض غربا، واقرب الامكنة المعمورة منه بلدة مستورة اذ سيل الابواء يفيض في وادي مستورة ثم الى ساحل البحر.
ويقع الابواء الوادي وسط الطريق، حتى القرية المعروفة بهذا الاسم حيث ينحرف عنها غربا لاجتياز ثنية هَرشا للمتجه الى مكة، ومنها يمر برابغ فالجحفة الواقعة بقرية بعده .
2 : الأُثَيل: ورد ذكره بهذا النص: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من بدر العصر بالأُثَيل 6 وانه قدَّم زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة من الأُثَيل، كما ورد في قصيدة قُتَيلة بنت الحارث ترثي اخاها النضر بن الحارث الذي امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله:

يا راكبا ان الأُثَيل مظنَّةٌ
من صبح خامسة وانت موفقُ
وفي الكتاب المسمى بالمناسك 7 : من الروحاء الى خيف نوح اثنا عشر ميلا، ثم الى المعلاة ثلاثة اميال، ثم الى الخيام ميل، ثم تخرج منها الى الأُثَيل ميلان، ومن الاثيل الى بدر ثلاثة اميال, انتهى.
وهذا التحديد قبل انشاء بلدة بدر التي امتدت الآن نحو الصفراء ونشأ محل الاثيل قرية الجديدة القائمة الآن وتقع بقرب خط العرض: 51َ/32 وبقرب خط الطول: 54َ/83 ونقل ياقوت عن ابن السكيت: ذو أُثَيل واد كثير النخل، بين بدر والصفراء ويفهم من هذا ان اسفل وادي الصفراء هو الاثيل ثم بدر.
3 : أجأُ: هذا الاسم مذكور في الفهرس في عدة مواضع:
1 في الكلام على اصنام العرب بما نصه 8 : وكان بين أجأٍ وسلمى صنم لطي يقال له فَلس، وتكرر هذا بما نصه: وكان فلس لطيءٍ ومن يليها بجبلي طيءٍ بين اجا وسلمى وهما جبلان مشهوران.
2 ورد اسم اجا في خبر مسير خالد بن الوليد لقتال اهل الردة بهذا النص: ثم سار خالد حتى نزل بأجأٍ وسلمى، وعبأ جيشه هنالك التقى مع طليحة الاسدي بمكان يقال له بزاخة 9 , انتهى.
3 في خبر مسير الحسين بن علي رضي الله عنه الى الكوفة وان الطِّرِمّاح بن عديّ قال له: فان اردت ان تنزل بلدا يمنعك الله به حتى ترى رأيك، فسر معي حتى انزلك مناع جبلنا، وهو اجأُ منعنا الله به من ملوك غسان وحِميَر، ومن النعمان بن المنذر، ومن الاسود والاحمر، والله ان دخل علينا ذِلٌّ قط، فأسير معك حتى انزلك القُرَيَّة ثم نبعث الى الرجال من اجا وسلمى من طيء ثم اقم فينا ما بدا لك، فانا زعيم بعشرة آلاف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم 10 .
وورد في كتاب الاصنام لابن الكلبي عن صنم طيء ما نصه 11 :وكان سدنتَه بنو بولان من طيءٍ، كان الفلس آنفا احمر في وسط جبلهم الذي يقال له اجأ، كأنه تمثال انسان، وكانوا يعبدونه ويهدون اليه ويَعتِرون عنده عتائرهم، ولا يأتيه خائف الا أَمِن، ولا يطرد احد طريدة فيلجأ بها اليه الا تركت ولم تُخفَر حَوِيَّتُه, انتهى.
وقد ارسل اليه النبي صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب سنة تسع ومعه خمسون ومائة من الانصار فهدمه واصاب فيه السيوف الثلاثة مخزم ورسوب واليماني، وسَبَى بنت حاتم الطائي 12 .
وهذا الصنم لا اثر له فقد ازاله الاسلام ولله الحمد.
اما مسير خالد رضي الله عنه حتى نزل بأجأٍ وسلمى فلعل المقصود نزوله في تلك المنطقة بين الجبلين او بقربهما، فأجأ وسلمى جبلان بينهما مسافة من الارض، اما بزاخة فتقع بين الجبلين وهي الى جبل اجا اقرب، وسيأتي تعريفها.
ومعروف ان طريق الحج الكوفي يدع جبل سلمى وأجأ على يساره للعائد من مكة، مارا بفيد في طرف سلمى الشرقي الجنوبي، ويبدو ان الطرماح اعترض الحسين اثناء ذلك الطريق، وعرض عليه النزول في القُرَيَّة التي كانت اذ ذاك قاعدة المنطقة منطقة جبلي طيء، والقُرَيَّة سيأتي تحديد موقعها.
اما تحديد جبل أجأٍ فللمتقدمين فيه كلام كثير، اذ لهذا الجبل ذكر في الاخبار والاشعار، ولا يزال هذا الجبل معروفا باسمه وهو من اشهر الجبال شمال نجد، وهو سلسلة من الجبال متصل بعضها ببعض تتخللها شعاب كثيرة وفةي داخلها بعض القرى مثل تُوارِن وحَقل والأَرخُ وشُوط وبُلطة، ورُمَيض وثرمداء وغيرها، وتمتد سلسلة جبال أجأٍ من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي بما يقارب مائة كيل، في عرض يتفاوت بين خمسة وعشرين وخمسة وثلاثين واعلى قمة فيه ترتفع نحو 1350 مترا على سطح البحر، ويخترقه طريقان للسيارات وطرق اخرى للمشاة ويقع بين خطي الطول: 50َ/14 و54َ/14 وبين خطي العرض: 50َ/72 و05َ/72 وعند الدكتور اسعد عبده بقرب خط الطول: 03َ/14 وخط العرض: 03َ/72 ولعله اراد وسط الجبل.
الحواشي:
1 : ج ا ص 44.
2 : ج ا ص 44 .
3 : في مجلدين طبع سنة 1415ه.
4 : ج 3 ص 423 وج 5 ص 17/20/22/25/26/573 وج 8 ص 11 .
5 : حققه ونشره حمد الجاسر سنة 1415ه، في مجلدين.
6 : ج 5 ص 183/184/189 .
7 : ص 419 ط, دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر.
8 : ج 3 ص 197 .
9 : ج 9 ص 452 .
10 : ج 11 ص 525 .
11 : قسم شمال المملكة من المعجم الجغرافي .
12 معجم البلدان.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

نوافذ تسويقية

الركن الخامس

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved