أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 30th March,2000العدد:10045الطبعةالاولـيالخميس 24 ,ذو الحجة 1420

الثقافية

بدايات
بين السدرة وسوق الزل
يقع منزل والد الفتى في الجهة الشمالية الشرقية من مسجد الشيخ، وكان لايبعد المسجد كثيراً عنه، وكان والده يطلب منه أن يأخذ بيده ليدله على المسجد لعدم وجود أخيه الأكبر فتشجع وخرج معه وعندما وصل باب المسجد طلب منه العودة للمنزل حتى لا يضيع في الطريق رغم قصره، إلا أنه اتفق مع والدته أن تطل عليهم من فتحة صغيرة في جدار السطح الطايه وكان الذي يطل منها يرى باب المسجد وطلب والده من والدته أن ترقب الفتى حتى لا يضيع عند عودته، وقف والده عند باب المسجد ليستمع إلى تصفيقها كعلامة لعودة ابنها للمنزل، وهكذا اعتاد على إيصال والده في صلاتي الظهر والعصر والعودة عند إيصاله للمسجد، إذ إن الفتى مازال صغيراً لم تجب عليه الصلاة بعد, أما أوقات صلوات المغرب والعشاء والفجر فيذهب لوحده ليستدل على الطريق بعصاه أو يرافقه أخوه أو من يكون معهم من الأقارب، بعد أيام تشجع الفتى وخرج مع والدته وهي تروي الماء من البازان بطرف الشارع وأمسك بطرف عباءتها خوفا من الضياع أو الخطف إذ إنها كثيراً ما تنبهه وتخوفه حتى لا يخرج من البيت بمفرده.وفي أحد الأيام تعرف إلى أحد أبناء الجيران كان يكبره قليلاً ويعرف المدينة قبله، لذا فقد شجعه على مرافقته إلى شارع السدرة الذي يقع فيه السوق وتباع فيه الملابس والذي ينتهي به سوق منزلهم، ذلك اليوم أضاع الفتى مرافقه بسبب كثرة الناس في الشارع ووجود عدد من الدكاكين فأخذ الفتى يبكي بصوت رفيع وما أن رآه رجل ممن كلف بالمحافظة على النظام ويسمون النواب إلا وأخذ يلاطفه ويخفف عنه وعندما سأله عن اسمه واسم أبيه إلا وذكر له ماطلب فمن الصدف أنه يعرف والده ويعرف منزله أخذ بيده مع السوق الذي فيه منزلهم وعندما قرب من المنزل عرف طريقه فطرق الباب وأخذته أمه في حضنها، وعند عودة والده من الخارج قابل الشخص الذي أحضره وأخبره بخبر ضياع ابنه، وعندما عاد والد الفتى إلى المنزل قدم لأمه طاقية كهدية له مقابل ضياعه وأنه في المرة القادمة سيحضر له عند ضياعه مرة أخرى جوخ وهي بدلة أو مجموعة ملابس علية القوم, وكانت هذه بالنسبة له أو لأمه أبلغ درس ولو على شكل تهديد.وإن ينس لا ينسى أنه ذات يوم كان يمشي داخل المنزل خلف والدته يطلب منها شئياً وهي تصده وصادف أن خرج والده من المجلس وسمع بكاءه ولم تكن العصا بمتناوله فما كان منه إلا أن حمل الفتى فوق رأسه وضرب به الأرض فصادف أن كان على الأرض ماعون معدن وعاء فسقط عليه فقفز الماعون ليصل للسقف فيعود عليه من شدة الضربة، وما كان أحد ليجرؤ على الاعتراض أو التدخل ولو حصل صدفة لزادت ثورته.بعد صلاة الفجر ينتظر والده شروق الشمس في المسجد فيصلي ركعتين ثم يعود للمنزل لتناول القهوة وما يتيسر من قطعة خبز وشاي فإذا صادف أن هذا الصباح يوم جمعة أخذ بيد الفتى ليكتفي بإبعاده عن طريق السيارات أو الحفر ووالده هو الذي يدله على الطريق, يخرجان من المنزل باتجاه شارع دخنةالشيخ محمد بن عبدالوهاب فمسجد الجفرة فحي الشرقية فينحرفان يميناً ليصلا إلى جنوب المقيبرة سوق الأرزاق الرئيس للرياض آنذاك يقع في هذا المكان مسجد بزاويته الشرقية الجنوبية مجمع للتكارنة الذين يمتهنون الحلاقة والحجامة فكان له عميل يعرفه ما أن يراه إلا ويحضر له تنكة خالية ليجلس عليها ويبدأ أولاً بحلق شعر رأسه ثم يبدأ بحجمه بأن يجرح أعلى الرقبة وأسفل الأذنين بجروح صغيرة بالموس يبذح فيضع كأساً من زجاج مثل فنجان الشاهي له أنبوبة في الجزء العلوي من الكأس فيقوم الحجام بوضع فتحة الكأس على المكان المجروح من الجسم ويمصه بواسطة الأنبوبة بفمه فيدخل جزءاً من الجسم واللحم داخل الكأس ويبدأ في تجميع الدم الفاسد داخل الكأس فيتركه مدة قد لا تقل عن نصف ساعة وينتقل بالمحجم إلى مكان آخر مثل أعلى الظهر وأسفل الساقين والكتفين, أحياناً يكتفي بمرة واحدة وأحياناً يعيد الكرة عدة مرات في حالة استمرار تدفق الدم وقد تستغرق العملية قرابة الساعة، بعد إعطاء الحجام أجرته, يمسك بيد الفتى إلى الجهة الغربية من المقيبرة فينحرف به والده قليلاً ناحية الجنوب لحي الحساني حيث منزل الشيخ/ عبدالعزيز بن هيشة أحد موظفي دار الإفتاء لتناول القهوة وللاجتماع ببعض المشايخ للاستماع إلى قراءة منه في أحد كتب الحديث أو التفسير وإذا مر قرابة الساعة وقبل أذان صلاة الجمعة الأول بمدة لا تقل عن الساعة استأذن والده وقرأ دعاء كفارة المجلس سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك,, إلخ .ما أن يعودوا للمنزل ليجدد والده وضوءه يذهب مسرعاً للمسجد لوضع المهفه المروحة اليدوية بمكان والده بالروضة وأمام المنبر، فيعود ليصحب والده للمسجد قبل أو أثناء الأذان الأول للجمعة.يذكر أن والده بعد صلاة العصر في أحد الأيام طلب منه أن يواصل سيره للصفاة فيتركان مسجد الجامع الكبير والذي لم يكتمل بناؤه بعد على يمينهما متجهين للشمال ليدخلا في شارع آل سويلم وعند زاوية مسجد آل سويلم الذي يكون على يسارك تتجه إلى الغرب مع سوق ضيق متجه إلى العطايف بعد نهاية المسجد بقليل تنحرف يساراً فشارع سد يذكر الفتى أن والده قرع الباب فخرج إليه رجل أسمر ورحب به وأرسل من يخبر عمته بقدوم الشيخ المطوع قدمت إحدى الخادمات وأخذت بيده إلى الداخل, الفتى لا يعرف ماذا تم بعد ذلك, المهم أنه عند خروجهم من المنزل عائدين ناولت الفتى ثوباً من الصوف وقالت هذا من ثياب فيصل لمحمد، أخذه والده ووضعه في إبطه وعندما وصلا لمنزلهم ناول أمه الثوب وقال قيسيه عليه، وكان فصل الشتاء في بدايته فلبس الثوب فرحاً به وكان على قياسه إلا أنه لاحظ شيئاً غريباً لم يعتده ولم يسبق أن شاهد احداً يلبس مثله وهو أن كم الثوب مشقوق ومطرز وبه فتحتان متقابلتان، من حديث والده مع والدته عرف أن هذا يسمى كبك والعياذ بالله وأنه من المنكرات، وليس للفتى رأي ليقوله وإنما في اليوم التالي وجد أن والدته تقدم له الثوب ليلبسه فوجد أنها قد قطعت له الكم واستبدلته بقطعتي قماش آخر بلون مغاير إذ إن الأول صوف بني فوصلت به كمين من قماش صيفي أبيض، خرج به مرة فوجد البعض ينظر إليه ويضحك فرفض الخروج به مرة أخرى خارج المنزل, وسمع بعد ذلك من والده أنهم زاروا منزل الأمير لوقوع ابنه من حصان إبليس بسكليت الدراجة وخوفا عليه من أهل الأرض بسم الله طلبوا من المطوع أن يقرأ عليه وقد أعطوا الفتى ثوب الأمير الصغير, وكثيراً ما يسمع بعد العصر بمناد ينادي بصوت رفيع زري وشنان فيخرج ليجد رجلا ً كبير السن يحمل على حماره مجموعة من القرب القديمة الجلدية والتي قد تمزقت أو لا تصلح للاستعمال وهذه القرب هي الوسيلة الوحيدة إلى جانب الزير لتبريد الماء بالمنازل أو المساجد وغيرها إلى جانب القرب القديمة الشنة يعلق بعض القيطان وهي العميلة التي تضاف لعباة المرأة البشت وكانت لها في هذا الوقت قيطان ضخمة تصل للأرض ولها حجم كبير ملفوفة بالزري, أو قصب الزري لبشوت الرجال القديمة فهذا يجمعها ويعيد بيعها للخياطين وغيرها من الشنان الجلود يعاد ترقيع القرب بها, فكان ذلك الرجل يشتريها من أصحاب المنازل أو يستبدلها بأوانٍ أو ملابس أخرى على طريقة المقايضة .كما يحضر من ينادي فرقنا,, فرقنا فكثيراً ما تفتح الأبواب لتجلس النساء داخل المنزل وهو خارجها ويدخل بضاعته لهن من خلال فتحة الباب الصغيرة الموارب وغالباً ما تكون بضاعته من القماش، فإذا رغبت إحداهن شراء قطعة او أكثر تبدأ المساومة على السعر،وكان يحمل القماش بصرة على ظهره وبيده وحدة القياس وهي الذراع قبل أن يرفض استعمال المتر، ويذكر أن ابن عمته صار يمتهن هذه العملية فكان إذا حضر يدخل للمنزل ويعرض بضاعته بشكل مباشر، أفضل من غيره الذي يبقى خارج المنزل.بعثه والده ذات يوم للنجار سعود بشمال غرب المقيبرة ليعطيه الذي وصاه عليه فسلمه ربطة من الخشب بها واحدة كبيرة وعندما وصل للمنزل وجدها مغارف ملاعق من خشب ومعها مغرفة كبيرة والبقية يستعملها والده وضيوفه عند وجود عزيمة كبيرة ليشربوا بها المرق, وقد بقيت هذه المغارف لديهم مدة طويلة فهي من حيث القوة لا تتعرض للكسر وغيره, يذكر أنه قد حل بالرياض ضيف معهم لوالده هو قاضي رحيمة رأس تنورة الشيخ/ محمد الذييب وكان من نصيبه أن يحضر معهم الغداء مع بعض المشايخ، عند اكتمال الضيوف، وعند إدارة القهوة عليهم من قبل أخيه الأكبر ناداه الضيف المهم وقال له عندكم طايه سطح فأجابه بنعم, فقال أبا أشوفها دلني عليها وعندما أوصله لها طلب من الفتى أن يتركه لوحده فعرف أنه يريد الوضوء هناك إذ إن المنازل آنذاك قلما يوجد بها حمامات أو يكون بمدخلها صهروج للوضوء, فغالباً ما يكون ذلك في داخل المنزل فالصهروج هو المكان الذي يتوضأ فيه وبه تجمع أواني جمع الماء من قدور أو قرب أو برميل وهذا لا يحصل إلا نادراً أو سمور وهو البرميل الذي يسمح باسخان الماء بواسطة الكولة وحدة الطبخ بالقاز.بعد العصر يذهب مع والده للحراج ابن قاسم وكان يقع شرق المسجد الجامع بالصفاة، أما الجهة الجنوبية للمسجد فكان بها مباسط صغيرة يفترش الأرض من لديه ما يبيعه من ملابس أو أوانٍ أو مسامير وأقفال أو كتب ودفاتر وأقلام وغيرها وكان من بضاعته قليلة يمكنه عند حلول الظلام أن يأخذها معه لمنزله ويعيدها في اليوم التالي أو يكون لديه دولاب خشب مثبت بالأرض يدخل به بضاعته ويقفل عليها, أما الدكاكين المشهورة فهي عبارة عن صناديق مصفوفة كغرف من الخشب لا يزيد الواحد عن مترين أو ثلاثة بينها ممر ضيق لا يتسع لأكثر من اثنين قامت مكانها بعد ذلك أماكن المصارف المالية والتي أصبحت نواتاً للبنوك فيما بعد.أما الجهة الواقعة في زاوية المسجد من الشرق الجنوبي فهذا سوق الزل الهدم والدكاكين المميزة الكبيرة ولها أبواب حديد، ويوجد بالسوق محرجون مميزون، ويجلب بها البشوت ودهن العود البخور ومكتبة أبابطين الأهلية وهذه لا يرتادها إلا التجار والشيوخ.الجهة الغربية للمسجد أيضاً مباسط ودكاكين ملابس ومجموعة من المكتبات يذكر منها السلفية والطالب والتلميذ والأدبية وغيرها.
محمد عبدالرزاق القشعمي

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved