أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 30th March,2000العدد:10045الطبعةالاولـيالخميس 24 ,ذو الحجة 1420

الثقافية

مساقات
المساق 137في الأحوال الشعرية
د,عبدالله الفيفي*
)مقاربات نقدية لحركة النشر اليوم - 2(تعالوا ندافع جهدنا عن قلوبنا,,.فيوشك أن نبقى بغير قلوب,,.,, وكنت قد مهدت لهذه المقاربات بالمساق 135، لكنه نشر منذ أشهر خارج الملحق، ثم عرضت عوارض لم تتح استئناف ما بُدئ، فانقطع تمهيد القراءات عنها مكاناً وزماناً, فلقد كان الدافع وراء هذا المشروع ذلك الغياب الملحوظ للنقد التطبيقي، ولا سيما في ميدان الشعر، لأن الناقد اليوم إما هارب إلى غيابه الماضي أو فار إلى غيب التنظير والايديولوجيا، فهو إما مأدلج بالماضي من ارباب التراث للتراث أو مأدلج بالحاضر، في حداثة وجهه الشكلاني, وفوق هذا وذاك هو في الغالب مهموم بنفسه وبشأن ترقيه الاجتماعي أو الاكاديمي، ولابد له من الانتقاء الحصيف والارتقاء الآمن, هذا إلى أسباب أدق وأنكى، تتعلق بحسابات اجتماعية وحسابات شخصية وحسابات ايديولوجية، تحول مجتمعة دون حركة نقدية راهنة جادة، تتابع وترصد وتقيم وتقوم حتى أضحت الكتابة عن نص أدبي ضرباً من التملق الاجتماعي، والمشايلة الشللية ، في قوائم جاهزة من الأسماء المصطفاة بعناية الأدب إلى وليمة عرس خاص.أما دعوى ديوان العرب الحديث، فثالثة أثافينا الحديثة، التي صارت مهوى أفئدة من يحسن التعاطي معها نقداً وابداعاً ومن لا يحسن، حتى من الشعراء أنفسهم, وكأنما قد كتب على العرب ان لا يكون لهم إلا ديوان يتيم، إما عتيق أو جديد، يجبّ ما قبله، ديدنهم في كل شؤون ثقافتهم وحياتهم, حتى لقد بلغ اعتناق هذه البدعة ببعض غلاة المتعصبين لها إلى التبشير بتحول جذري من الشعرية إلى النثرية، والوقوف مناضلين في وجه أثر ينتمي من وجهة نظرهم إلى عصر رعوي متخلف، أكل الدهر عليه ولم يشرب!, في حين يتعايش هذان الجنسان تعايشاً سلمياً، ويتفاعلان تفاعلاً طبيعياً مثمراً، في تلك الآفاق التي نستقدم عنها القاسم المشترك الأعظم في عقولنا المقرطسة.على أن للزاهدين في الشعر ونقده إلى أسبابهم الآنفة اسبابهم اللغوية والنفسية، فمعالجة العمل الشعري من الرهافة المحايثة بحيث تستعصي على الناقد غير الموهوب، وغير الصبور على تتبع مسارب الماء اللغوي وأنفاس الروح الشاعرة في عروق الكلمات، وكم من ناقد سقط في نقد الشعر وكم من ناقد بين بين، فالشعر يسقط عن صهوته من أقدم عليه ببضاعته المزجاة، حتى لقد اعتقد بعض القدماء والمحدثين أن لا مقدرة على نقد الشعر لغير ناقد شاعر، وان كان في اعتقادهم هذا نظر، على الأقل: حسب دفاعات النقاد المستميتة دون حرفتهم، التي لا يحسنون سواها!.وهكذا إذن يؤول الشعر العربي إلى قوقعته، ليتاح للشعر العامي من جهة أخرى أن يخرج من مخبئه، يملأ الساحة ضجيجاً وعجيجاً وغباراً، كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأشعارنا ليل تهاوى كواكبه, وقد قيض الله له باخرة من الدعاية والإعلام، مع القابلية القبلية الجاهزة والعامية المتأصلة الجارفة فكراً ولغة، ما جعله يطلع على الناس عارضاً رمحه، موهماً من لا تستفزهم من النصوص إلا ظواهرها الصوتية ولا تستثيرهم من الأصوات الا رغاء الإبل وصخب الغوغاء، بالتفوق النوعي والتجاوز الفني والأحقية المكتسبة، وان ما تسنمه من مكانة ليس من فراغ، وإنما هو وليد سبقية ابداعية إزاء تقهقر فصيح، كأن لسان حاله قول أبي الطيب المتنبي :
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق أراه غباري,, ثم قال له الحق,,!
ولا أدل على هذا من شاهد حي فيما حدث في جنادرية هذا العام بين القصيدة الفصحى وحولية كل عام العامية، حيث بدا لكل ذي حس شعري سليم أو ذوق نقدي محايد ذلك البون الفني الشاسع الذي قام بين قصيدة الدكتور صالح الزهراني وقصيدة العميد خلف بن هذال، لمصلحة الأولى، إذ بدت قصيدة العميد مع احترامنا إياه وحبنا متواضعة خجولة حتى في الإلقاء,, ربما لأول مرة, ولكن انظر كيف تسير صحافتنا الغراء ضد رسالتها الصادقة المفترضة، بأيد غير كفؤة في حمل ما أوكلت من أمانة، حين تهمش القصيدة الفصحى مقابل ذلك الاحتفاء المعتاد بالقصيدة الأخرى، نشراً وتعليقاً واشادة.تلك إذن قسمة ضيزي,, لم يكن تخلي بعض اكاديميينا المحترمين من مسؤولياتهم في أقسام اللغة العربية بجامعاتنا مهطعين إلى مضارب الشعر العامي وأتون الممالأة لأربابه إلا واحداً من مظاهر التردي في حبائلها المتنامية الإغراء، باسم البحث تارة، وباسم التراث تارة، وباسم المضامين التاريخية والكنوز التوثيقية تارات وتارات، تلك الكنوز التي يبدو انها ستبقى حجة العاميين الانتاجية إلى ما شاء الله.
يتبع
*آداب جامعة الملك سعود قسم اللغة العربية

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved