Sunday 9th April,2000 G No.10055الطبعة الاولى الأحد 4 ,محرم 1421 العدد 10055



المنهج المدرسي: آراء ومقترحات ودعوة للنقاش الهادف
د, موافق بن فواز الرويلي*

تقوم وزارة المعارف الآن بتنفيذ مشروع وطني طموح ورائد يهدف إلى إحداث نقلة نوعية في مجال تطوير المنهج المدرسي، وقد شكلت الوزارة أسراوطنية للعمل على تحقيق ذلك, وتقوم الأسر حاليا بأعمال يتوقع منها ان تثمر في النهاية كتبا مدرسية مقررة جديدة، تؤلفها وتقررها الوزارة على جميع أبنائنا في جميع مدارس المملكة العربية السعودية, ورغم أهمية المشروع وضخامته وحساسيته، لاحظت عزوفا إعلاميا عن الكتابة والحديث حوله ومناقشة جوانبه، عدا تلميحات متناثرة، يقع معظمها تحت نطاق الأخبار أو يدور في فلك إجراء المقابلات مع المسؤولين عن المشروع1 .
ولعلي لا أجد عذرا مقنعا لمن أتوقع منهم إبداء رأيهم سوى قناعة الجميع بمبدأ ترك الخبز لخبازه .
ولكن الجميع يعرف أن الاعتماد على هذا المبدأ أمر خطير جداً، مهما كان الخباز مؤهلا وماهرا في صنعته، نظرا لأهمية الخبز = التعليم في حياتنا كأفراد وكمجتمع، فكلنا مسؤول ومحاسب يوما ما وبشكل من الأشكال, لهذا أرجو ألا يترك الأمر للخباز وحده، خاصة ان هذا المبدأ أوقع تعليمنا في مصيدة الدوران في حلقة مفرغة وأدى به إلى السقوط في حفرة الجمود التعليمي.
إن الداعي لكتابة هذه المقالة ليس التقليل من جهود المساهمين في المشروع بأي حال من الأحوال، فكفاءاتهم عالية، وأهدافهم سامية، وجهودهم مشكورة ومحاولتهم رائدة, وأغلب القائمين على المشروع تربطني بالكثير منهم علاقات شخصية متميزة، فمنهم أساتذتي الذين تتلمذت على أيديهم، وأعترف لهم بالجميل والمقدرة العالية، ومنهم زملائي الذين أكن لهم كل الاحترام والتقدير، لهذا أقول وكلي ثقة بأن اختلافي معهم في الرأيلن يفسد للود قضية .
كما أنني لا أقصد التقليل من أهمية مشروع تطوير المنهج وضرورته، بل هدفي الأساس هو إبداء وجهة نظري حول المشروع الذي أعده مشروعا وطنيا مهما وحساسا، بالإضافة إلى ذلك أحاول من خلال هذا المقال فتح باب الحوار على مصراعيه لجميع المهتمين في أمر التعليم في هذا البلد لمناقشةجودة التعليم والبحث عن أنجع السبل المؤدية إلى ذلك, وأتمنى ان يشارك في النقاش جميع المهتمين بالتعليم والعاملين فيه، وهم بلا شك كثر، فمنهم التعليميون على اختلاف أدوارهم ووظائفهم، والأكاديميون الذين يهمهم نوع المعرفة وتكوينها ودورها، والمفكرون الذين يهمهم نوع التوجهات والقيم التي يرسخها منهج مدارسنا، والتربويون المهتمون بمجالات التربية المختلفة، والمنهِّجون المهتمون بالتنظير للمنهج وعملياته المختلفة من تطوير وتقويم، وكذلك المهتمون بقضايا القوى العاملة وبرامج السعودة, كما أدعو الآباء للمشاركة، فهم الذين أوكلوا جزءا كبيرا من مسؤولية تربية أبنائهم للمدرسة، كما منحوها كامل صلاحية تعليم أبنائهم، كما ترى هي، دون تدخل يذكر.
كما أوود أن يشارك في هذا النقاش جميع الصحفيين المهتمين بقضايا التحقيقات، لأني أتوقع منهم الكثير، كما أتصور ان من بينهم صحفيا بوسعه تأليف كتاب عن تعليمنا مثل الصحفي الأمريكي شارلس سلبرمان الذي ألف كتابه المشهور صراعات داخل الصف الدراسي Crisis ln The Class Room وهو الكتاب الذي فتح العيون على مشاكل التعليم الأمريكي.
لن أتعرض هنا للأمور الكمية المشرقة والمشرفة بكل المعايير في تعليمنا في زمن قياسي، فهناك من كفاني مشقة الحديث عن أرقام الميزانيات وأعداد المتعلمين والمعلمين والمدارس، فحديثي سيقتصر على إبراز بعض الجوانب النوعية ، وسأبدأ مشاركتي في فتح باب النقاش المرتقب بنصوص مقتضبة جدا مع بعض التصرف مما نشره بعض التربويين والمهتمين بالتعليم نتيجة لأبحاثهم الدقيقة المتأنية أو رؤاهم العميقة التي نظرت للجانبالنوعي لتعليمنا, ثم بعد ذلك سأقارن بين عملية تطوير المنهج في الأمس وعمليات تطويره اليوم ، وبعد هذا سأقدم بعض مقترحاتي التي أرى أن من شأنها جعل نظامنا التعليمي أكثر حيوية وملاءمة وكفاءة وفعالية.
يقول الأستاذ شاكر النابلسي بأن: طموحات التنمية في المملكة العربية السعودية، تتغير، وتكبر، وتتطور، من سنة لأخرى في حين ان أساليب التربية والتعليم، ومضمون هذه التربية والتعليم لا يتطور (2) .
أما الدكتور نور الدين عبدالجواد فيقول: إن التعليم في المملكة العربية السعوديةتعليم لفظي في مجمله، يهتم بسرد الحقائق العلمية أكثر من اهتمامه بكيفية معرفتها والحصول عليها، وبحفظ المعلومات عن طريق ترديدها أكثر من اكتساب الاتجاه العلمي وطرق التفكير الصحيح , كما يصفه أيضا بأنه يعد للامتحان أكثر من إعداده للحياة (3) .
أما الدكتور عبدالعزيز الباتع فقد وصف برامج التعليم الثانوي عندنا بأنها ثابتة على أنماط وتقاليد قديمة متجاهلة الحاضر وطموحات المستقبل (4) .
وقد توصل كل من الدكتور عبدالرحمن الشعوان والدكتور محمد الديحان إلى حقيقة مرة وهي وجود ضعف في المستوى التعليمي عند طلاب المرحلة المتوسطة بشكل عام، وان أكثر جوانب الضعف تتعلق بجانب المهارات (5) .
أما فريق بحث مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الذي درس العلوم في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، فقد توصل إلى القول بان هناك انخفاضاً عاماً في مستوى تحقيق الأهداف المعرفية في العلوم في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وتبين وجود انخفاض متواصل في هذا المستوى مع تقدم السنوات الدراسية (6) .
كما أن فريق بحث مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الذي درس الرياضيات قد توصل لنتيجة مأسوية وهي تدني نسب التحصيل في مادة الرياضيات في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وان هناك تناسباً عكسياً بين التحصيل في الرياضيات والتقدم بالسنوات الدراسية (7) .
وفي بحوث للدكتور عبدالله المقوشي دلت نتائجها على ان نسبة كبيرة من خريجي الثانوية يفكرون تفكيرا محسوسا ، ولم يصل منهم إلى مرحلة درجة التفكير المجرد إلا نسبة ضئيلة (8) .
كما توصل الدكتور عمر المفدى في احدى دراساته إلى ان مرحلة المراهقة في المملكة العربية السعودية تتسم بعدم وضوح الهوية ، لهذا نصح بأن تهتم البرامج الدراسية بالإرشاد التي تؤدي إلى نمو الهوية في هذه المرحلة (9) .
وأخيرا تحدث الدكتور حمزة المزيني عن لغة المناهج المدرسية وموضوعاتها، ويعني بذلك الكتب المدرسية، قائلا إنها المصدر الأول لعيوب التعليم كلها، فهي مكتوبة عموما بلغة رثة لا يمكن لها أن تساعد الطلاب على تكوين ملكات لغوية سوية, أما المواضيع التي تتضمنها فأكثرها لا علاقة له بتربية ملكة التخيل والاستنباط والتحليل, فأغلبها لا يزيد عن كونه جرعات من التعبير الرديء، وهي تنحو إلى تناول الأمور بشكل زاه مفتعل خادع تغلب عليه المبالغة (10) .
ولو عقدنا مقارنة بين عمليات تطوير المناهج في الأمس وتطويره اليوم لعلنا بكل بساطة نقول عن ذلك كله ما أشبه اليوم بالبارحة ,.
ولنبدأ بعرض طريقة التطوير الحالية للمنهج المدرسي، ثم نعود لكيفيات تطويره في الماضي، نظرا لأهمية المشروع الحالي على تعليمنا في المستقبل.
يعتمد مشروع تطوير المنهج الحالي على إنجاز جميع عمليات تطويره عن طريق أعمال الأسر الوطنية لاحظ هنا استخدام الوزارة لمصطلح أسر بدلا من لجان ، وأرجو ان نفكر مليا في تضمينات وتداعيات المفاهيم المرتبطة بالمصطلحين واستخدام كل منهما ، حيث قامت الأسرة الرئيسة بكتابة عموميات المنهج المدرسي وسمت نتاجها وثيقة المنهج , وهو تصور فكري اجتهادي يمثل المرجعية الأساسية لانطلاق مسيرة تطوير المنهج المدرسي في مستوياته المختلفة وتؤسس له إداريا وتنفييذيا, وأوكلت الأسرة الرئيسة مهام وصلاحيات القيام بأعمال الخطوة الثانية من التطوير، التي تشمل وضع الخطط التفصيلية لنوع الحقول والمقررات الدراسية، إلى أسر وطنية تخصصية مساوية في عددها عدد الحقول الدراسية المختلفة التي تقدم تقليديا في مدارسنا, أما الخطوة الأخيرة فهي أن يوكل أمر تأليف الكتب المدرسية التي ستصبح الكتب المدرسية المقررة إلى أسر التأليف ، والتي تقوم بدورها كما أعتقد حسب ما جرت العادة عليه في نظامنا التعليمي بوضع أهداف ومعايير محددة لمواصفات تأليف الكتب المدرسية، ثم تولي هذه الأسر أمر تأليف كل كتاب مدرسي على حدة إلى مؤلف يضع نصوص أو محتوى المادة التعليمية حسب الهيكل التوصيفي للمقرر الدراسي الذي حدد له مسبقا, بعد ذلك تقوم هذه الأسرة كالعادة بدور مراجعة النصوص وتنقيحها، ثم توكل أمر طباعتها حسب العادة أيضاً لناشر يقوم بتولي مهام الطباعة، وبعد هذه المرحلة يوزع الكتاب على جميع المتعلمين في مملكتنا ليصبح كتابا مدرسيا مقررا يدرس في جميع مدارسنا العامة والخاصة الأهلية , وهكذا ينتهي مشروع تطوير المنهج المدرسي عند هذا المستوى، وتصبح عمليات تطوير المنهج المستقبلية محصورة في أعمال الحذف أو الإضافة أو التعديل على نصوص هذه الكتب، وتقوم بهذه الإجراءات إدارة تطوير المناهج بالوزارة.
أما عمليات تطوير المنهج المدرسي في الماضي ، وان لم يكن هنا نمط واضح ومحدد لها، ولكن في الغالب، وحسب ما كان يذكره ويذكر به المسؤولون، فهي مبنية على أساس وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى ما يسمى كتب المناهج المنشورة من قبل اللجنة العليا لسياسة التعليم تبين مكونات كل منهج .
ولو رجعنا لتاريخ تطوير المنهج في هذا البلد لوجدنا ان استعمال مصطلح الأسر نفسه يعود تاريخيا إلى ميكانيكيات وعمليات التطوير السابقة.
والمعروف ان بعض الأسر الوطنية كانت تعمل بجدية حتى ما قبل مرحلة التطوير الحالية, كما اعتمدت الوزارة في السابق على مواصفات للكتاب المدرسي الجيد ، الذي نشرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم كجزء من كتاب، ثم أعادت نشره الوزارة في مجلتها التوثيق التربوي ، كدليل للمؤلفين يستنيرون به في عملية التأليف، كما كلفت الوزارة الكثير من الكفاءات الوطنية والعربية بالقيام بعمليات تأليف الكتب المدرسية المقررة، وكانت إدارة المناهج بالوزارة تقوم بعمليات التعديل والتطوير والمراجعة لتلك الكتب.
ولعلك يا أخي عرفت الآن ان طريقة تطوير المنهج الحالية لا تختلف كثيرا عن الطريقة السابقة، بل هناك الكثير من نقاط التوازي والتطابق والتوافق بينهما، كما ان المحصلة النهائية لكلتا الطريقتين واحدة، وهي لا تتعدى، على أحسن تقدير، إنتاج كتب مدرسية يصبح محتواها هو المنهج المدرسي الذي سيدرسه المتعلمون وسيعلمه المعلمون وسيراقب حسن تنفيذه المشرفون وستوضع على أساسه أسئلة الاختبارات وستمنح بناء على إتقانه التقديرات والشهادات, وأتوقع أن الكتب المدرسية ستكون، كمثيلاتها المستعملة حاليا، كتبا غريبة، وهي عبارة عن كبسولات مضغوطة تغيب منها صورة المؤلف أو يقتل الكاتب كما يقال، ويوضع بدلا من اسمه قائمة بأسماء المصححين والمدققين, ولا أدري ما العلة في اتباع وزارة المعارف لهذه السياسة، هل هي لحماية المؤلف من نقدنا ، أو لتضييع حقوقه، أو ان المؤلف لا يرغب وضع اسمه على الكتاب، بسبب كثرة التعديلات التي أجريت على نصوصه، فلم يعد الكتاب كتابه.
أخي القارئ بمناسبة الحديث حول الكتب والمواد الدراسية أود أن ازف لك خبرا جديدا وهو ان مشروع المنهج الجديد سيشتمل على مواد إضافية جديدة مستقلة، كما صرح بذلك سعادة الدكتور محمد الحامد مدير عام المناهج بوزارة المعارف، وهذه المواد هي: مادة التربية المهنية والنشاط ومادة مهارات التحليل وتطبيقات الحاسب (11) .
وما أريد أن أقوله هنا هل ستدرس المواد الجديدة كما تدرس مادة الجغرافيا أو مادة التربية الوطنية وغيرها؟ وهل لها كتب كبقية المواد الأخرى؟ وهل لها معلمون متخصصون؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأين ومتى تم إعدادهم؟ أو كيف دربوا أو أعيد تأهيلهم؟ وهل تكون وسائل وأدوات مادة التربية المهنية عبارة عن صور جميلة للشاكوش والمنشار والمفك في كتاب مدرسي مقرر؟ وكيف تدرس مادة الحاسب الآلي بلا جهاز حاسب آلي؟ وكيف يكتسب المتعلم مهارات التحليل من مادة مستقلة؟ أم سيقوم المعلمون كالعادة بتحفيظ المتعلم تلك المهارات مثلما يحفظونهتحليل قصيدة من الشعر الجاهلي؟.
وهنا ندرك صحة مقولة ما أشبه اليوم بالبارحة في قضية تطوير المنهج في بلدنا, إن الخروج من مأزق الجمود التعليمي المتوقع يقتضي الأخذ بما سأورده من مقترحات تستند إلى مقدمات أجملها فيما يلي، وهي مقدمات أعدها لازمة لفهم موقفي، وآمل قراءة مقترحاتي من خلالها وبواسطتها:
1, التربية عملية اجتماعية تقوم بها عدة مؤسسات مسؤولة، منها الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام والنادي وغيرها، وكل منها لها أدوار وحدود.
2 يعد التعليم دائما وأبدا أمرا مكلفا، لكنه ضروري للفرد والمجتمع, فالتعليم يقارن عادة بالصحة، فإذا قلنا الصحة مكلفة وهذه حقيقة علينا ان نتذكر بان المرض أخطر وأكثر تكلفة, وعليه، إذا فكرنا بانالتعليم مكلف، فلنفكر ولو للحظة في تكلفة الجهل .
3 تقوم على عملية التعليم المدرسي، وهو الجانب المقصود المنظم من عملية التربية، مؤسسة اجتماعية هي المدرسة وبناء عليه فمدى تحقيق هذه المؤسسة لأهدافها مرتبط مباشرة بجودة البرامج التعليمية التي ترسمها ودرجة إتقان تنفيذها ومقدار محافظتها على مستوى جودتها مع مرور الزمن.
4 - أثر التعليم المدرسي أو ما يسميه بعض التربويين أثرالتمدرس هو محصلة نتاج تراكمي لجميع تأثيرات عناصر النظام التعليمي على المتعلم، والتي تشمل: المنهج والإدارة التعليمية والقيادة التعليمية وطرق التدريس وكيفيات اكتساب المتعلم للخبرات والإشراف والتوجيه والنشاط وتصميم غرفة الصف والمختبرات والمعامل والوسائل والمكتبة والملعب والصف الدراسي والمبنى والجو المدرسي, كما يضاف إليها أثر المنهج الخفي، وهو جميع ما يتعلمه المتعلم في المدرسة من سلوكيات وقيم بطرق غير مقصودة من النظام التعليمي.
5 المتعلمون هم أساس وجود المدرسة، فهي وجدت أصلا لهم، لذا يجب عليها تلبية أهدافهم وتنمية قدراتهم وحل مشكلاتهم وتحقيق احتياجاتهم وتنمية ميولهم وتطوير مواهبهم وشحذ تفكيرهم.
6 المعلمون هم المسؤولون مباشرة عن تفعيل البرامج التعليمية وجعلها واقعاً ملموسا، لذا فإن طريقة اختيارهم ونوع برامج إعدادهم وكيفيات تطويرهم أثناء العمل ونوعية مشاركتهم في عمليات البرنامج التعليمي من القضايا الأساسية.
7 الكتاب المدرسي لا يعني المنهج المدرسي، بل هو مجرد وسيلة تعليمية انتشر استخدامه في المدارس لأسباب تاريخية وموضوعية منها رخص تكاليفه وسهولة التعامل معه.
8 الكتاب المدرسي عبارة عن توليفة منتقاة من التراث يمثل وجهة نظر المؤلف نحو المعرفة والقيم والاتجاهات والمهارات، سواء كانت وجهة نظره ظاهرة أو ضمنية.
وبعد عرضي لهذه المقدمات الأساسية، أود أن أدلي بدلوي في عرض بعض المقترحات لكيفية الانفكاك من الجمود التعليمي الذي نعيشه الآن وسنعيشه لا محالة غدا إذا سرنا في نفس الاتجاهات السابقة ولم نحتط بما فيه الكفاية:
أولا: يجب ان يكون تطوير المنهج جزءا من مشروع إصلاح شامل للتعليم المدرسي، فعناصر التعليم متكاملة وأثرها على المتعلم ذو طبيعة مركبة تراكمية من مجموع تأثير عناصره, ولتوضيح هذا الأمر اضرب لك مثلا في قضية مشروع تطوير المنهج الحالية كمثال للتطوير الجزئي، فأقول: لو قبلنا جدلا أننا وضعنا أفضل وثيقة منهج في العالم، وتبعناها بوثائق تفصيلية دقيقة ورسمنا أهدافا لا يعلى عليها وألفنا أفضل الكتب المدرسية، فمن يضمن لنا نجاح المدرسة في تحقيق أهدافها؟ فالمعروف أن المنهج المدرسي سواء كان نظاما أو خطة ليس مستقلا في ذاته، بل لا بد من تفعيله من خلال العناصر الأخرى التي تؤثر به وعليه في آن واحد، لهذا لابد ان تؤخذ جميع العناصر فعليا بالحسبان عند التطوير, وتفصيل ذلك:
1- المعلم: يلزم لينفذ المنهج معلم كفؤ مشارك بفعالية في البرنامج المدرسي, ولكن عند النظر إلى الواقع نجد اغلب المعلمين لم يؤهلوا تأهيلا مناسبا وكافيا نسبة كبيرة من المعلمين في مدارسنا من نتاج حلول مرحلة ما يسمى معلم الضرورة ، فهم اما خريجو معاهد المعلمين أو الكليات المتوسطة وإما خريجو أقسام جامعية لا علاقة لها بالتربية والتعليم أساسا كخريجي أقسام المحاسبة والاقتصاد والمكتبات وعلم الحيوان وعلم النبات وكليات الزراعة ، او ان اغلبهم لم يدرب تدريبا نوعيا مستمرا أثناء الخدمة في برامج تدريبية تنطلق من تحديد واضح دقيق للوظائف والمهام والكفايات وتقدير شامل للحاجات تقوم وزارة المعارف بواسطة إدارات المناطق التعليمية وعبر جهاز الوزارة بإقامة الكثير من الدورات ولكن العبرة في النوع وليست الكم , إضافة إلى هذا كله فان المعلمين تاريخيا وما زال هذا الوضع قائما يطغى على دورهم تنفيذ محتوى الكتب المدرسية داخل الصف الدراسي وتحت مراقبة الموجهين، فلم يتح لهم النظام المركزي فرص المشاركة في عمليات المنهج المختلفة من تقويم وتخطيط وتطوير, فمشاركة المعلم مقصورة على تنفيذ محتوى الكتاب المدرسي داخل غرفة الصف الدراسي، أو مشاركة نخبوية لبعض المعلمين في التطويرالمركزي كما هو الحال في مشاركة بعض المعلمين الآن في الأسر الوطنية .
2 الإدارة المدرسية: يقتصر دور المدير في مدارسنا غالبا على الجوانب الإدارية في المدرسة من تنفيذ توجيهات الجهات المسؤولة ، وتحتل الجوانب النوعية الفنية أقل المراتب بين مهام مدير المدرسة, وهذا ما أكده الكثير من الباحثين (12) , ماذا يرجى من دور لمدير المدرسة في قيادة المنهج المدرسي وهموم القيادة التعليمية المباشرة له تنحصر في أمور إدارية تنفيذية يومية مثل الحضور والغياب وطابور الصباح وإدارة شؤون المقصف المدرسي.
3 طرق التدريس: من المعروف أن اغلب طرق التدريس في مدارسنا هي المحاضرة والتلقين، وبالتالي فان الطالب يستمع ويسمع ماحفظ، ويندر استخدام طرق التدريس التي تنمي تفكير المتعلم وتشحذه مثل طرق الاستقصاء والاستنباط وحل المشكلات والحوار والمختبر والتجريب والمشروعات ولعب الدور والوحدات, والأسئلة الحائرة هنا هي: هل سيتبع منهجنا المستقبلي تلك الطرق التي تنمي التفكير؟ وهل تؤلف كتبنا المدرسية بشكل يسمح باستخدام تلك الطرق في تدريسها وتعلمها؟ وهل اختباراتنا وتقويمنا لفاعلية التعليم تبنى على أساس هذه الطرق؟ أقول لن يحدث هذا أبدا، ودليلي على ذلك ان أدلة المعلمين الحالية، التي توزع على كل معلم في مدارسنا، تحوي الكثير من وصف لهذه الطرق، ولكن قلما تستخدم فعلا، إما لجهل المعلمين
باستخدامها، أو ان طبيعة محتوى الكتب المدرسية لا يمكن التعامل معه إلا بطريقة بلع المتعلم له وتسهيل تلك العملية من قبل المعلم.
4 المبنى المدرسي: نسبة كبيرة من مباني مدارسنا مستأجرة قد تصل في بعض المناطق التعليمية الى 75% كما هو الحال في وادي الدواسر , وهذا أمر غريب في بلد صرفت بلايين الريالات على التعليم!, لكن هذا لا يعنينا في هذا المقال، ولعله في طريقه للحل عن طريق مشاركة القطاع الخاص في بناء المدارس وتأجيرها على الحكومة لحل الأزمة، بل همنا هنا هو كيف ينفذ المنهج المستقبلي في مدارس إما مستأجرة أو غير معدة كما يجب، فصول ضيقة ونوافذ محطمة ومدارس بلا ساحات ولا ملاعب ولا مختبرات ولا مكتبة.
5 الأنشطة اللاصفية والبرامج الاثرائية: لعل أحسن ما يقال عن وضع هذه البرامج في مدارسنا اليوم أنها في حال يرثى لها، فهي إما معدومة أساسا أو غير مفعلة كما يجب, فبرامج النشاط اقتصرت على ما يسمى حصة النشاط داخل غرفة الصف الدراسي، والتي تعامل كأي حصة اخرى، وما يحدث فيها عبارة عن أمور شكلية غالبا لتضييع وقت الطالب والمعلم, أضف إلى ذلك غياب النشاط الهادف المثري من مسابقات ثقافية ونشاط فني ومعارض ومنافسات رياضية ورحلات علمية وبحوث وبرامج للقراءة الحرة.
ثانيا: إذا أردنا ان يكون المنهج المدرسي متطورا باستمرار ومواكبا للنمو الاقتصادي والاجتماعي وملبيا لحاجات المتعلمين وطموحاتهم واحتياجاتهم، أقترح ان ترفع يد البيروقراطيين في المركز عن تأليف أدوات تنفيذه وهي الكتب المدرسية، ويترك لهم مهام التخطيط والتمويل، ويتولى شؤون التأليف أفراد ومؤسسات مستقلة , وبناء على هذا المقترح تكون أدوار ومسؤوليات تأليف الكتب المدرسية وتبنيها على النحو التالي:
1 تحدد الجهات التعليمية المسؤولة عن عموميات خطة المنهج من أهداف ومعايير ومواصفات وشروط تأليف الكتب المدرسية.
2 يترك باب تأليف الكتب مفتوحا دائما لجميع من يرى في نفسه الكفاءة لتأليف كتب مدرسية بالتعاون مع مؤسسات ودور النشر.
3 يقوم المؤلفون بتأليف سلاسل متكاملة من الكتب المدرسية لكل مادة في البرنامج التعليمي في كل مرحلة من المراحل التعليمية، حتى نضمن التكامل الرأسي بين الكتب في السلسلة الواحدة.
4 تنتقي لجان من الموجهين والمعلمين على مستوى المنطقة التعليمية وفقا لمواصفات ومعايير محددة الكتب المدرسية التي يجدونها ملائمة من بين بدائل كثيرة ومتنافسة ويتبنونها لتدرس في مدارس المنطقة التعليمية لمدة زمنية محددة، ثلاث سنوات مثلا.
5 تتولى الجهات المركزية المسؤولة عملية دفع تكاليف الكتب التي أقرتها المناطق التعليمية وتبنت تدريسها في مدارسها.
ومن شأن هذا المقترح تفعيل وتوسيع أدوار جميع الأطراف المسؤولة عن الكتب المدرسية، فالجهات التعليمية العليا يتمركز دورها في رسم السياسات ووضع الأهداف وتطوير المواصفات ومراقبةالنتاج العام وتوجيهه, كما يتم تفعيل دور الموجهين والمعلمين في المناطق التعليمية في المشاركة بعمليات اختيار الكتب المدرسية من بين الكثير من البدائل اختيارا مسؤولا، كما يولد لدى المؤلفين ومؤسسات النشر روح المنافسة في سوق مفتوح للكتب، وبالتالي نحقق ما نصبو إليه من تحسين دائم وتطوير مستمر للكتب المدرسية.
ثالثا: إذا أردنا لمناهجنا التعليمية ان تكون ملائمة ومتطورة فلا بد من مشاركة الميدانيين مشاركة فعلية حقيقية في عمليات تطوير المنهج المدرسي وتنفيذه وتقويمه, وتكون المشاركة في قيام المعلمين والموجهين على مستوى المدرسة بالتطوير المحلي لجزء من المنهج في البرنامج التعليمي، وذلك بأن يترك مسؤولية تطوير 15% من كل منهج دراسي لكل مادة تعليمية للمعلمين والموجهين، فهم الذين يقومون بتطوير أهدافها ومحتواها ونشاطاتها وتقويمها, ولهذا المقترح انعكاسات إيجابية على الموجه والمعلم, فالموجه يشارك في عمليات المنهج المختلفة وليسمراقبة الإنجاز ، ومشاركة المعلم في التطوير تجعل دوره يتخطى مهام وظيفته التقليدية وهي التنفيذ.
إضافة إلى ذلك تعد مشاركة الموجهين والمعلمين في عمليات المنهج، من تخطيط وتطوير وتنفيذ وتقويم، عوامل محفزة لنموهم المعرفي والمهني، وتسهم في رضاهم الوظيفي، ويولد لديهم الإحساس بالمسؤولية، والشعور بالملكية لما قاموا به من نتاج فكري, وهكذا ينشأ عند الجميع ما يسمىروح الفريق.
في النهاية أرجو منك أخي القارىء فهم دعوتي للنقاش ومواقفي ومقترحاتي بأنها ليست مقصورة على محاولات وزارة المعارف وإسهاماتها في تطوير التعليم ومنهجه، بل ان جميع ما قيل ينطبق على الرئاسة العامة لتعليم البنات, وهذه المؤسسة التعليمية الكبيرة، المسؤولة عن تعليم نصف المتعلمين في مدارسنا، عادة ما تقلد وزارة المعارف في اتجاهات وطرق تعاملها مع المنهج المدرسي, واعتقد ان لديها برنامجا لتطوير المنهج المدرسي للبنات مشابها وموازيا ومماثلا لمشروع وزارة المعارف، وكأنها بذلك تحاول ابتكار أساليب وطرق جديدة في التطوير أو تحاول إعادة اكتشاف العجلة بواسطة منهجيين وخبراء آخرين مختلفين عن أولئك الموجودين بوزارة المعارف في الطرف الآخر من مدينة الرياض!, والغريب في أمر هذه المؤسسة التعليمية والتي تعنى بتعليم بناتنا أنني لم أشاهد إلى اليوم كتابا مدرسيا واحدا يدرس للبنات مؤلفا من قبل معلمة أو موجهة أو حتى مجرد امرأة عدا كتب التدبير المنزلي والتفصيل والخياطة والتربية الفنية, كما أنها تشارك وزارة المعارف في اتباعها لسياسة قتل المؤلف.
أستاذ المناهج المشارك بكلية التربية جامعة الملك سعود الرياض ومستشار التدريب بالمعهد المصرفي مؤسسة النقد العربي السعودي الرياض
muawflg@ksu.Edu.sa
هوامش:
مقابلة الدكتور محمد الحامد والدكتور علي الحكمي، جريدة الرياض، عدد 11603 في 25/12/1420ه.
2 شاكر النابلسي 1988 , طلق الرمل: أوراق في الوحدة والتنمية والثقافة العربية في الخليج، عمان: دار الشرق للنشر والطباعة.
3 نور الدين عبدالجواد 1987 ,العليم الابتدائي عبدالعزيز السنبل وآخرون: نظام التعليم في المملكة العربية السعودية، الرياض : مطابع الفرزدق.
4 عبدالعزيز الباتع 1988 , البرامج الدراسية في المرحلة الثانوية العامة في المملكة العربية السعودية: تطورها ومشكلاتها واقتراحات تحسينها, دراسات تربوية: مجلة كلية التربية جامعة الملك سعود، م5.
5 عبدالرحمن الشعوان ومحمد الديحان1990 , دراسة استطلاعية لضعف المستوى التعليمي لطلاب المرحلة المتوسطة بمدينة الرياض من وجهة نظر المعلمين والموجهين ومدراء المدارس، مركز البحوث التربوية: كلية التربية جامعة الملك سعود.
6 عبدالله الرشيد وزملاؤه1997 , ملخص التقرير النهائي: مشروع تعليم العلوم في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة للبنين والبنات في المملكة العربية السعودية، الرياض: مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
7 سالم سحاب وزملاؤه 1997 , مخلص التقرير النهائي: مشروع تعليم الرياضيات للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة للبنين والبنتات في المملكة العربية السعودية، الرياض: مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
8 عبدالله المقوشي1985 , قياس التفكير التجريدي لخريجي المرحلة الثانوية الذين التحقوا بكلية التربية بجامعة الملك سعود في الفصل الدراسي الأول للعام 1403
1404ه، باستعمال اختبار موضوعي دراسة أولية.
دراسات تربوية ، م2, وكذلك: عبدالله المقوشي1992 قياس التفكير التجريدي لخريجي المرحلة الثانوية الذين التحقوا بكلية التربية بجامعة الملك سعود في الفصل الدراسي الأول للعام 1409 1410ه وعلاقته ببعض المتغيرات, مجلة جامعة الملك سعود، م4، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية1 .
9 عمر المفدى 1992 , ازمة الهوية في المراهقة: حقيقة نمائية أم ظاهرة ثقافية دراسة مقارنة للطفولة، المراهقة، الشباب, مجلة جامعة الملك سعود، م4، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية1 .
10 حمزة المزيني2000 , تعقيب على تقعيب وزير المعارف,, المناهج التعليمية المصدر الأول لعيوب التعليم كله, جريدة الشرق الاوسط، 26/2/2000م.
11 مقابلة كل من الدكتور محمد الحامد والدكتور علي الحكمي، جريدة الرياض، عدد 11603 في 25/12/1420ه.
12 محمد المنيع وغانم العبيدي1982 , دراسة تحليلية للعمل اليومي المدرسي لمديري المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، مجلة دراسات: مجلة كلية التربية، الرياض، جامعة الملك سعود، مج 4, وكذلك: موافق الرويلي وعلي القرني1989 , مؤهلات ووظائف مدير المدرسة: دراسة استطلاعية لآراء مديري التعليم في المملكة العربية السعودية ، مجلة كلية التربية، القاهرة: جامعة عين شمس.
13 جريدة الرياض، العدد 11574، 25/11/1420ه.
14 جريدة الاقتصادية وزارة المالية تتدخل لدعم بناء المدارس الحكومية بالتأجير، العدد 2357، الأحد 20/12/1420ه.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تربية وتعليم

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved