Tuesday 11th April,2000 G No.10057الطبعة الاولى الثلاثاء 6 ,محرم 1421 العدد 10057



برامج العمل الإسلامي الخارجي والنموذج السعودي
د, ماجد بن عبدالعزيز التركي *

* مدخل: المرحلة الأولى :
خرج العالم العربي من مرحلة الاستعمار بانطباعات فكرية، وأنماط سلوكية متعددة، ابتدأ بها وحدته الجديدة من البناء المدني لحياته، في ظل قيادات سياسية تبنت هذه الانطباعات والسلوكيات، ونشأ في مقابلها الدعوة إلى الارتباط الفكري بالاصول الدينية والعقدية، والسعي إلى العودة الكاملة للحياة الإسلامية الشاملة، وقد اختلفت مستويات هذه المواجهة بناء على قوة الارتباط الديني، ومستوى التأثر بالفكر الاستعماري، والحياة العلمية الدينية.
في هذه المرحلة بدأت الجهود الواعية في الساحة الاجتماعية في محاولة لإعادة ربط الأمة بقيمها وأفكارها الكبرى، واستمر النمو الطبيعي لهذه البرامج في العالم الإسلامي، حتى تحولت إلى جهود أكثر تنظيماً وانتشاراً على مستوى العالم، وجاءت مبنية على التجربة والوعي بهذه المرحلة، وقد كان لها الدور الأساسي في الحد من الانحراف الفكري والسلوكي للأمة سواءً على مستوى الأفراد، أو التوجهات الرسمية إلى حد ما.
وقد قوبلت هذه البرامج في أشكالها المختلفة بمستوى من القبول المتفاوت بين حكومات العالم الإسلامي، وذلك بحسب ارتباط هذه الحكومات بالإسلام عقيدة وشريعة، إلا أن هذه البرامج ظلت تتطور وتتعدد أشكالها بحسب حاجة الساحة الإسلامية لها.
وامتدت هذه البرامج خارج الوطن العربي، ونشطت في أوروبا وأمريكا على وجه الخصوص في ظل القوانين الديمقراطية، واستفاد منها كثير من أبناء العالم الإسلامي الذين انتقلوا لتلك البلاد، إما للدراسة وإما للعيش هناك على شكل تجمعات قومية أو أقليات إسلامية.
في هذه المرحلة ابتدأت برامج العمل الإسلامي الخارجي في أشكال بسيطة جداً، وبدأت الجمعيات والمراكز الإسلامية تنظيم برامجها الخاصة لاستمرار البناء الفكري لأفرادها، كل منها حسب إمكاناته، لا تهدف في الغالب إلا لمجرد الحفاظ على هوية أفرادها، وتميزهم في ظل مجتمع إسلامي مصغر، كما سعت الجاليات الإسلامية والتجمعات المختلفة للمسلمين للعمل على الحفاظ على الهوية الدينية سولكياً وفكريا لدى أفرادها، وخاصة الشباب منهم الذين ظهرت عليهم بعض ملامح الانحلال.
وبدأت الأقليات في العمل على حل مشاكلها، ابتداء من توفير اللحم الحلال، وتخصيص غرفة صغيرة للتجمع وأداء الصلاة، وتجاوز العقبات القانونية أثناء تطور برامج العمل وتوسع مجالاته.
عندها تعمقت التجربة العملية، وبرزت أوجه عمل عديدة تلبي احتياجاتهم الدينية والفكرية والثقافية والاجتماعية، وبدأت تنتظم داخل تجمعات وجمعيات إسلامية، سجلت رسمياً وبدأت مزاولة أعمال المرحلة الجديدة من برامج العمل الإسلامي.
* المرحلة الثانية:نشوء المنظمات والمؤسسات الإسلامية الخارجية :
كان من لوازم المرحلة، وبعد تجربة عملية لابأس بها، أن تنتظم البرامج والنشاطات في ظل مؤسسات وهيئات قانونية تمنحها مزيداً من الحرية في العمل، وتنطلق بصفتها الرسمية إلى مجالات عمل أرحب وأشمل ، فالنجاح يدفع إلى التقدم في الخطوات، فنشأت مراكز ومؤسسات للجاليات الإسلامية، وغالباً ما تكون خاصة بصفاتها القومية، وأخرى بالتجمعات الطلابية على اختلافها، وتجاوزت المرحلة تجاربها إلى أن شكلت اتحادات تجمع هذه المؤسسات، وتنسق برامجها، وتحل مشاكلها في عالمها الخارجي.
إلا أن هذه الاتحادات لم تستطع تحقيق أهدافها بالشكل المطلوب، نظراً لما تعاني منه هذه المؤسسات من السيطرة الحزبية، والضغوط، والارتباطات العرقية بين تجمعاتها، في ظل ضعف الإنتاجية وضعف البناء الفكري والثقافي والروحي لأبنائها، مقابل قوة الدعم المالي المقدم من عامة المسلمين وخاصتهم في البلاد الإسلامية الذين تدفعهم لذلك عاطفتهم الإسلامية العارمة، ولا سيما أمام برامج دعوية وعلمية في بلاد غير إسلامية، فعمرت المساجد، وشيدت المدارس، وأنشئت مقرات راقية للاتحادات والمراكز الإسلامية، فانطلقت منها البرامج، وتنوعت مجالاتها، فمن حلق القرآن الكريم إلى الدروس العلمية المتنوعة، والمدارس النظامية، وقفزات بعيدة تصل إلى تنظيم المؤتمرات والملتقيات العلمية التي تعالج القضايا والمشكلات الرئيسية المشتركة، وتتجاوزها إلى قضايا البلاد الإسلامية.
لقد كشفت هذه المرحلة عن أحد أوجه عجز الأمة الإسلامية، فلم تستطع تحقيق لمّ الشمل واجتماع الكلمة، سواء كان ذلك على مستوى الجماعات في أشكالها المختلفة، أم على مستوى الأفراد حيث تظهر في كلتا الحالتين الاجتهادات الفردية والمصالح الشخصية، وهذا الحكم ليس على عواهنه، ولا يلغي صلاح الصلحاء من الأمة، ولا اجتهادات الموفقين، ولكن يؤكد من جانب آخر أن هذا التوفيق هبة إلهية يحفظ به سبحانه بقية جذوة خير تضيء في الأمة، وتذكي نبتة الخيرية والشهادة فيها، فلا تزال الأمة تعاني من ترسبات تشدها إلى الأرض، وتمنعها من العلو والارتفاع، وحتى وهي تعيش فرص البناء في الظروف التي ترى أنها مناسبة.
فإن كان هم الدعوة، والسعي لإصلاح الأمة، هدفاً رئيسياً لهذه البرامج وتلك الجهود، كان جديراً بجمع الكلمة وتوحيد الصف، إلا أن الانتماءات الحزبية على وجه الخصوص، كانت كفيلة ليس فقط بعدم جمع الكلمة، بل بإحداث الشقة والخلاف، وعجائب أوجه النزاع وتباين الرأي، وكان ذلك جلياً في برامج المؤتمرات والملتقيات العلمية على وجه خاص، وكأنما هي فرصة نقدمها لأعداء الإسلام للشهادة على خلافات الأمة وتنازعها.
ولو أن الأمر توقف عند هذا الحد، لكان في حد المعقول وإن كان مخزيا بحد ذاته ولكن المرء يضحك ضحكة ألم وتحسر لتجاوز مجال الخلاف إلى البرامج الإغاثية التي نشأت في أساسها لتقديم العون المادي لمحتاجيه.
* المرحلة الثالثة:برامج العمل الإسلامي المستقلة، والنموذج السعودي الأمثل :
في مقابل برامج العمل الإسلامي المرتبطة بالمؤسسات والجمعيات، والمراكز الإسلامية العامة، وما شابهها، والمنتشرة في أوروبا وأمريكا، برزت برامج أخرى، تميزت بالاستقلال والبعد عن أي ارتباط حزبي أو انتماء سياسي، وجاءت تلك البرامج من دافعين:
الأول: شبه ردة فعل، وعدم رضا سواء تجاه تلك البرامج، أو ما تفضي إليه من نتائج، أو فيما يتصل بالنواحي التنظيمية، وتكرار الجهود.
الثاني: إشباع حاجات علمية ودعوية وإغاثية لم تستطع المراحل السابقة تحقيقها.
وانطلقت البرامج الجديدة في أشكال متعددة، منها:
1 الندوات والملتقيات والمؤتمرات العلمية، وكان لها دور أساسي في ضبط الاتجاهات، والحد من تسييس العمل الإسلامي، وكسب العديد من الأصوات المعتدلة، وتحييد أصوات أخرى.
2 تبني المراكز الإسلامية المعتدلة، وإنشاء مراكز أخرى مستقلة ينطلق منها نشاط فعال بعيد عن التشنجات السياسية.
3 إنشاء أقسام خاصة للدراسات الإسلامية والعربية، سواء على هيئة معاهد مستقلة أو كليات وأقسام مرتبطة بهيئات علمية عليا، وكان لهذا النوع الأثر الفعال في تخريج دفعات علمية واعية من أبناء الأمة الإسلامية، أحدثت كثيراً من التوازن في الساحة العلمية.
4 عقد دورات خاصة للعلوم الشرعية والعربية، ذات مستويات علمية متعددة، عنيت بقطاعات مختلفة أئمة المساجد، الدعاة، الشباب، النساء ، وقد حظيت هذه الدورات برغبة عارمة من أبناء المسلمين لما تحققه من زيادة الوعي والمعرفة الشرعية، وتواصل الارتباط بالدين الإسلامي وخاصة على مستوى الشباب.
وقد كان لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، الريادة الكبرى في مجالي الدورات الشرعية، والمعاهد المتخصصة، وسواء في فكرة برامجها أو كثافتها، وسعة انتشارها، وقد واصلت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد العناية بهذه البرامج، والسعي لإعادة تنظيمها وبرمجتها بشكل أفضل مبني على التجارب السابقة، وظهر ذلك في المؤتمرات والدورات التي عقدتها الوزارة منذ إنشائها، والصدى الكبير للنتائج التي حققتها، ومنها التأكيد على عناية المملكة واهتمامها بقضايا المسلمين ومشكلاتهم وخاصة في مجال الأقليات المسلمة.
* النموذج السعودي:
وقد تميزت هذه المرحلة من العمل الإسلامي المنظم، بانطلاق برامج عمل أكثر عمقاً وتميزاً، وصدرت عن هيئات ومؤسسات ذات تنظيم أدق، قدمت من خلال برامج عملها نموذجا ً رائعاً للعمل الإسلامي الهادئ والرصين، أمكن بحق أن يطلق عليها النموذج السعودي ، ويمكن الإشارة هنا بإيجاز إلى شيء من ذلك:
1 مؤسسة الأمير سلطان الخيرية :
قد ينظر العامة إلى أن هذه المؤسسة مؤسسة ناشئة، وأنها للتو بدأت برامجها والسعي في مناشطها ولكن هذه النظرة إن وجدت مغايرة للحقيقة، فالنظرة للمؤسسة تسبقها نظرة أخرى لمؤسسها وصاحب شعارها، صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الذي يحمل سجلاً شرفياً عالياً في مجال خدمة الإسلام والمسلمين، فتاريخ المؤسسة يبدأ من تاريخ المؤسس الذي قدم الكثير في هذا المجال، والمؤسسة ولاشك تسير الآن على ذات النهج وبنفس الخطى ويؤمل منها الكثير.
والأشواق تترقب مبادرة إضافية من سموه الكريم، بأن تأخذ المؤسسة بعداً آخر في مجال العمل، يتجه في شيء من التخصص إلى المجال الخارجي المتصل بشؤون العالم الإسلامي الثقافية، والعلمية والإنسانية ، والقائمون على المؤسسة لديهم من الخبرة والتجربة ما ييسر التخطيط لهذا المجال ورسم برامجه المفيدة.
2 الهيئة العليا لجمع التبرعات :
التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، وقد شهد العالم بكافة مستوياته هذا النموذج من العمل الذي دخل معترك أكثر مشكلات العالم تعقداً على الإطلاق، وساهم بفعالية في إشباع احتياجات تلك المشكلات في جو من الهدوء والروعة والاعتدال، فمن قضية الشعب الفلسطيني إلى مشكلة الصومال، ومن ثم مواكبة آلام مسلمي البوسنة والهرسك، وقد تنوعت برامج الهيئة وتعددت أشكالها حسب احتياجات كل من تلك القضايا، وقد وقف العامل أمام هذا العطاء المنظم بكل احترام وتقدير، وسجلت من خلالها صفحة مشرقة تضاف للسجل السعودي الحافل.
3 مؤسسة الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية :
وإن كانت هذه المؤسسة قد تميزت بالعمل والإسهام في البناء الثقافي والفكري للعالم الإسلامي، إلا أنها وكفى به من هم، قد أسهمت من وجوه متعددة في مجالات البر والإحسان ورفع المعاناة عن كثير من أبناء العالم الإسلامي، حيث كانت لها يد طولى في مجال المساعدات الإغاثية من خلال إدارة مختصة رعت هذا الأمر ولا يزال خير هذه المؤسسة يتواصل في مجالاته المتعددة.
4 برنامج الملك فهد الإغاثي :
جاء هذا البرنامج من مبادرة أبوية كريمة لخادم الحرمين الشريفين أيده الله قدم من خلالها تبرعاً شخصياً لأبنائه مسلمي الشيشان، إسهاماً منه حفظه الله في التخفيف من معاناتهم.
وقد رعت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عملية إيصال هذه المبادرة الكريمة إلى مستحقيها، وقد توجت هذه المبادرة بأن حملت اسمخادم الحرمين الشريفين الملك فهد ، وأولى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز، عنايته الشخصية لهذا البرنامج، ومتابعة تقديم مساعداته، مما كان لهذه الرعاية الأثر الكبير في نجاح البرنامج في مهماته، وإعانته في أن يكون نموذجاً متميزاً من نماذج العمل الإسلامي السعودي، مع تقديم أسلوب جديد في مجال التعاون الإغاثي مع المنظمات الدولية، وقد صدر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة في جنيف بيان صحفي خاص عن هذا الجانب مما يسجل كنموذج أصيل.
* النماذج السعودية المتميزة عديدة ولله الحمد والسابقة قدمت تجارب متعددة سواء في مواقعها الجغرافية، أو في مجالات عملها حيث شملت التعليم، والثقافة ، والإغاثة والدعوة وحققت نجاحاتها في هذه المجالات، مما يقودنا للإشارة إلى النضج السعودي المتمثل في تتويج هذه المرحلة الهامة من مراحل العمل الإسلامي بإنشاء مجلس متخصص يرعى هذه الشؤون، وهو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي يرأسه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ويضم في عضويته عدداً إضافياً من أعلام هذا البلد، يُعنى برسم السياسة العامة لبرامج العمل الإسلامي على اختلافها، ويتجاوز إلى ما يتصل بالبرامج والأعمال والمناشط.
ومما ينتظر من هذا المجلس أن يحدد بكل دقة وعملية ملامح المرحلة الجديدة في مجال برامج الشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية، ويؤصل الملامح الأساسية للنموذج السعودي في هذا المجال، الذي يرتقب أن يكون نموذجاً يحتذى به على مستوى العالم الإسلامي أجمع.
*المدير التنفيذي لبرنامج الملك فهد الإغاثي
أستاذ السياسات الإعلامية المساعد
E:MAIL -MAJ- ALTURKI @ NASEEJ.COM

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

لقاءات

منوعـات

نوافذ تسويقية

القوى العاملة

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved