لافتة متى يعود الوعي إلى المنبر؟ عبد الحفيظ الشمري |
تتوفر الامكانات وتأتي الفرص، وتهيأ كافة السبل لأن يقول المبدع شاعرا كان أو قاصا ما يعتلج بذاته أو ما يتوق الى الافصاح به,, لكنه ومع اول كلمة على المنبر هذا الكيان السحري العجيب تضيع منه الكلمات ويغرق في بحر أحزانه حتى هذا الهيكل المتعالي لا ينقذه من مأزق كهذا.
فالمبدع أمام الحضور لا يرى سوى هذه الهالة من الواجبات التي يجدر به ان يقدمها بشيء من الاهتمام لهذا المنبر الذي يتطلب الاقتران به قوة في الطرح وجزالة في المعنى.
الا ان المنبر لم يعد هو ذلك الحلم الذي ينشده الأديب والمثقف المترع بالعديد من النوايا التنويرية لأن هذا الكيان أصبح أشد اظلاما في عينيه وأشد بعدا عن دوره الحقيقي.
وتعود هذه الأسباب فيما يبدو الى ان المبدع والمنبر لهما حالتا نقيض,, فالمنبر يؤيد قول الحقيقة، وجلجلة الخطاب، وحماسة القول فيما الأديب قاصا كان او شاعرا يود ان تصل الفكرة أو الخاطرة التي يحملها الى ذهن القارىء بأبسط الطرق.
فالأجدى ألا تكون هذه الخطابة والسجع والبلاغة هي المحرك الذي تدور عليه حياة المنبر لكيلا يكون المشهد مجردا من المعاني المثالية الهامة,, أو تكون هذه الحالة شبيهة بالتمثيلية الرخيصة التي تدور بين المتلقي والملقي بشيء من الآلية المجردة من أي حياة.
وفي هذا السياق يمكن لنا ان نتلمس الأسباب المنطقية لفشل النشاط المنبري لدينا ربما أبرزها ان المنبر ومن وجهة نظر الكثيرين قام من اجل الخطابة الرنانة، والانشاد المجلجل لذلك نلمح انتهاء دوره، وفناء حياته وربما أصبح في هذه الظروف أكثر تسطيحا للمادة الأدبية التي تقدم من فوقه.
ولكي ننقذ الابداع الأدبي من مأزق المنبر يجب ان نبحث عن حلول تعيده الى الاهتمام وذلك من خلال الاعتماد على اللقاءات المفتوحة حول طاولة مستديرة لتلتقي هنا وجهات نظر الملقين بالمتلقين وبشيء من الهدوء والوئام، والتقارب.
لنستمر على هذا الطرح المباشر والحميمي الهادىء حتى تعود الى المنبر حياته، ووعيه كرمز للرأي، ومنطلقا يصوغ منه المبدع الحقيقي أفكاره واستشرافاته لمراحل حياة الانسان التي سيسجلها التاريخ فربما تقرأ بعد حين.
وعودة المنبر الى حياته في هذه الآونة الأخيرة قد تكون مليئة بالشكوك والمخاوف، فالعالم لم يعد بحاجة الى خطيب يدلج الخطب العصماء او الى شاعر مفوّه يصوغ الكلمات,, لم يعد المخلوق مرغوبا فيه الا في ردهات الترف الشعبي الذي لا يشنف أذنا، ولا يطرب قلبا,, لتبقى صياغة الواقع للمنبر صعبة التصور وقابلة للتصديق.
|
|
|