Tuesday 11th April,2000 G No.10057الطبعة الاولى الثلاثاء 6 ,محرم 1421 العدد 10057



قصة قصيرة
أمُّ أولى,, فقط
حصّة الجهني

وماذا أيضا؟ لست أدري، الرحلة طويلة وقد تعبت من بدايتها ولا أعرف كيف استمر الى ان تنتهي! ثم انني لا أعرف متى ستنتهي، والحكاية القديمة هل يمكن ان أنساها؟.
ما هي إلا حكاية، والحكايات طويلة كرحلتي متداخلة كحياتي، ولابد لي أن أنسى وأن أتجاهل، نعم أنسى,, إن أنا نسيت سيقولون: إنسانة صبورة، وان تجاهلت سيهتفون لي لأنني أحسن التكيّف مع الحياة، هم يريدون ذلك,, ولكن هل أريد أنا؟
أنا لا اريد، أنا لا أرغب بأن تكتب لي بطولات مزيّفة لا أستطيعها، ليفعلوا ما يشاؤون وليقولوا ما بدا لهم، أنا لن أواصل هذه الرحلة، لقد تعبت من الخطوة الأولى,, سيقولون,, سيفعلون,, لا يهم، أنا متعبة وان تصبّرت منهارة القوى وان تجلّدت سأرفض.
أنا لا استطيع أن أكون أما ثانية، لا,, أنا أم أولى فقط، ولم أكنها الى الآن، ولا استطيع أن أعيرها للآخرين.
نعم قد أحب، وأحببتهم بالفعل، لكنني أحببت أطفالا صغارا فقدوا أمهم، أحببت براءة الأيتام، وحنوت على ضعفهم وتصوّرت للحظة أنني سأكون أما ثانية لهم، وفي لحظة عاصفة اعتصر فيها الحنان قلبي قلت: نعم.
لكنني حين رأيت الحقيقة المجردة بدا لي الامر غير ما تدبّرت، الأطفال ليسوا صغارا الى درجة الضعف، ان اصغرهم في العاشرة من عمره، ربما هما اثنان في العاشرة من عمرهما، انهما توأمان ساحران، صغير وأخته، لهما من البراءة والتهذيب ما يسحر القلوب قبل ان يخطف الأبصار، وقد سحرا قلبي فقلت: نعم.
لكنني سأقول: لا,, أجل سأقول: لا، هم خمسة إخوة، وهذان التوأمان أصغرهم، ثم ان الكبيرة فيهم فتاة في العشرين وهي قادرة على الاعتناء باخوتها، ولهم أب مقتدر يستطيع ان يسكنهم القصور ويحضر لهم الخدم وخدم الخدم قد كان التوأمان طعما رمي لي لأقع في الشبكة وقد وقعت، انها شبكة ذلك العجوز المتصابي والدهما، فبقدر ما أحمل لهذين الطفلين من حب وحنو بقدره تماما أحمل كرها ومقتا لوالدهما.
لكن لماذا,, لماذا أنا بالذات؟
الآن زوجته الراحلة كانت قريبتي وهو يعلم أنني وهي صديقتا طفولة، وقد تزوجها صغيرة بل طفلة في الرابعة عشرة من عمرها، كنا صديقتين قريبتين، وجاء هو وفرّقنا بزواجه منها، ولكنّها أصرّت على مواصلتي، ولم تقطع حبل مودتي.
وقد عاشت معه عمرها الفتي، أعطته نضارتها وشبابها، وكان هو قبلها رجلا مزواجا، ما ان يتزوج حتى يطلق، وجاءت هي لتكون شجرة وارفة يستظل بظلها فسكن اليها، واستماله شبابها وأنجبت له البنين والبنات، وقضت عمرها مطيعة له ساكنة بين جنبيه.
والحق أنه لم يقصر معها أبدا، فقد رضي أن يكون زوجا رحيما محبا كما كانت له، حتى جاء المرض واختطفها من بيننا جميعا، لقد افتقدتها، فلطالما سهرت الليالي باكية راثية لها، تذكرت طفولة غضة قضيناها معا، تذكرت حلما ورديا نثرته يوما على مسامعها، وهي كما هي,, كما عهدتها دوما، سكون لا تعتريه العواصف، هادئة رقيقة كما النسمة البرية حين تداعب زهرة ندية.
كنا على النقيض، هدوء وعاصفة، كنت البركان الذي لا يهدأ إلا بين يديها،كنت على الدوام ثائرة حادة الطباع، وكانت حين تثور براكيني تنظر اليّ وقد ارتسمت ابتسامة عذبة على محياها، فتمسح برقتها وحنانها كل هياجي وغضبي حتى مرت السنون وهدأت ثورتي، وتطبعت بما يشبه طباعها، لكنني ما زلت أحمل قلبي الثائر، مازلت أنثر أحلامي وأزرعها بين النجوم، وليس من بينها أن أحل بدلا عنها، أو أن أواصل مسيرة بدأتها، ليتني استطيع، لكنني لا اقدر أن أفعل.
تركة ثقيلة هذه التي تركتها، وقد بدا لي للحظة أنني أهل للميراث، ولكن التركة ليست ورثا نقتسمه بل وقفا عليها هي دون غيرها، ولا أحد يستطيع أن يحل محلها.
نعم سأرفض ذلك الرجل زوجها، سأقفل راجعة عن رحلة طويلة لا استطيعها، أنا لي خطوة أخرى أريد ان أخطوها، ولي قلب آخر أريد أن أحياه.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

لقاءات

منوعـات

نوافذ تسويقية

القوى العاملة

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved