Tuesday 11th April,2000 G No.10057الطبعة الاولى الثلاثاء 6 ,محرم 1421 العدد 10057



في حديث لـ الجزيرة بمناسبة اليوبيل الفضي لتأسيس غرفة التجارة العربية البريطانية,, الأستاذ عبدالكريم المدرس:
نسعى لئلا تكون الدول العربية مجرد أسواق للصادرات البريطانية

أجرى اللقاء : ابراهيم معروف
قبل ربع قرن انطلقت غرفة التجارة العربية البريطانية في قلب مدينة المال العاصمة البريطانية لندن، محاولة جريئة لاختراق مجرى تيار كان يندفع باتجاه واحد مصدرا كل شيء لبلداننا العربية، محولا إياها إلى سوق استهلاكية، لا رأي لها إلا عندما تطلب احتياجاتها، وفي وقت أخذت فيه معالم تطورات اقتصادية وتجارية تأخذ موقعها في بلادنا العربية، نمت الحاجة إلى تأكيد الذات في الميدان التجاري التبادلي، وتعزيز الهوية الوطنية للاقتصاد النامي, والتجارة كعنصر أساسي في هذا المسعى، كان لابد لها من ذراع تمتد نحو أوروبا تحمل معنيين، أحدهما صداقة بين الشعوب، وأخرى للعمل، فكانت المحاولة تحديا في وقته، وبدا للبعض أنها محاولة خاسرة في ظل هيمنة الدول الكبرى وسيطرتها على مقاليد التجارة، وهي عملية ما زالت قائمة وتكتسب ابعادا أكبر في ظل العولمة, غير ان المحاولة استمرت وتركت بصماتها على أوجه مختلفة، ازدياد نمو التبادل التجاري، وظهور معارض عربية في بريطانيا، وانطلاق حوار مستمر في شؤون التجارة بين ا لعرب والبريطانيين, على أن ذلك أثار أسئلة عديدة مهمة ومقلقة في البيت العربي من حيث أهليته وإمكانية تصديه للمباراة الجارية بين المصالح التجارية للطرفين, وإذا كانت بعض الحالات الفردية قد انجزت مهماتها التجارية وأكدت حضورها على المستوى الدولي فإن الأمر يختلف في نظر الأوربيين إذ أنهم يضعون العرب جميعاً بموقع واحد، ولذا من المهم التصرف معهم على أساس واحد أيضا ومن خلال منظمة تفهم لغتهم.
وحين تنطلق تلك المنظمة من قلب لندن، تحمل كل مشاعر وهواجس العرب، فأنها جديرة بالرفد والدعم من المؤسسات العربية ذات العلاقة, هنا في هذا اللقاء الذي خص به السيد عبدالكريم المدرس صحيفة الجزيرة بلقاء لا نقول إنه واف نظرا للحالة الصحية التي مر بها، ورغم ذلك كان كريما في إتاحة هذه الفرصة لنا لإلقاء ضوء على نشاط الغرفة طيلة هذين العقدين والنصف من عمر الغرفة، متمنين له شخصيا ولنشاط الغرفة العربية البريطانية كل تقدم وخير.
* انطلقت غرفة التجارة قبل ربع قرن، كيف تقيِّمون حصيلة هذه الفترة، وما هي أبرز المحطات التي تسجل لعمل الغرفة تاريخيا؟
انطلقت غرفة التجاربة العربية البريطانية منذ ربع قرن تقريبا، بهدف تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بين العالم العربي والمملكة المتحدة، متخذة التجارة طريق الصداقة شعارا لها, واعتبرت الغرفة العربية البريطانية منذ نشأتها بمثابة نقطة متقدمة في قلب أوروبا تتابع وتراقب وتجمع كل ما هو جديد في عالم التجارة والاقتصاد والتكنولوجيا وتنقله إلى الغرف العربية في الدول العربية، ومؤسسات القطاعين العام والخاص ورجال الأعمال في العالم العربي.
وفي خلال الربع قرن تمكنت غرفة التجارة العربية البريطانية من ترسيخ وجودها كمؤسسة عربية عالمية رائدة في لندن، التي تعتبر مركزا عالميا للاقتصاد والأعمال, وفي خلال هذه الفترة شهدت الغرفة تطورات عالمية وأوروبية وعربية هائلة، وتفاعلت مع هذه التطورات وواكبتها, حيث عاصرت الغرفة تطور التضامن الأوروبي، من السوق الأوروبية المشتركة إلى المجموعة الأوروبية، ثم إلى الاتحاد الأوروبي, وحملت كل مرحلة من مراحل التطور في التضامن الأوروبي تغيرات كبيرة، وانعكست على أسلوب الممارسات التجارية بين الدول الأوروبية وباقي دول العالم التي تمثل الدول العربية جزءا منها, وشاهدت التغير في آليات اتخاذ القرارات، وانتقال بعض صلاحيات اتخاذ القرار من الحكومات الوطنية في العواصم الأوروبية ومن بينها لندن إلى المفوضية الأوروبية ومنظمات الاتحاد الأوروبي في بروكسيل.
كما شهدت الغرفة ولا تزال تشهد التطورات في النظام الاقتصادي العالمي، وإنجاز أهم دورات مفاوضات التجارة العالمية، وهي: دورة أورجواي، وقيام منظمة التجارة العالمية، التي تتولى تنظيم ووضع قواعد التجارة العالمية وتسوية المنازعات بين أعضاء المنظمة.
وكان على الغرفة أن تطور نفسها باستمرار لمواكبة هذه المتغيرات واطلاع الغرف والمؤسسات العربية ورجال الاعمال العرب عليها وعلى كيفية التعامل معها.
فعلى الصعيد المحلي في بريطانيا نجحت الغرفة في بناء علاقات وثيقة من التعاون مع الأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاعين العام والخاص، انعكس أثرها على تحقيق المزيد من التعاون والتبادل التجاري بين بريطانيا والعالم العربي، وإزالة أي عقبة أو سوء فهم أولاً بأول.
وبعد انتقال جزء من صلاحية اتخاذ القرارات إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، كان من الحكمة أن تبني الغرفة معابر بينها وبين تلك المؤسسات، بما يعود بالفائدة على الجانبين العربي والأوروبي، وفي هذا الصدد أصدرت الغرفة العديد من الدراسات والتقارير عن الاتحاد الأوروبي، وهيكله، ومواقع اتخاذ القرارات فيه، حتى يكون رجل الأعمال العربي على إحاطة كاملة بآليات الاتحاد، ومن ثم يتبنى الأسلوب المناسب للتعامل معها.
ونظمت الغرفة زيارات لوفود عربية إلى مقر المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، وفي مقدمتها زيارات لوفود من الغرف التجارية والقطاع الخاص من دول مجلس التعاون الخليجي.
وعندما تبنت إحدى عشرة دولة العملة الأوروبية الموحدة اليورو أصدرت الغرفة تقريراً تفصيليا عن ا لعملة الجديدة وتأثيراتها، وتم توزيع هذا التقرير على نطاق واسع في الدول العربية.
كما قامت الغرفة بنشر تقرير مفصل أيضا عن منظمة التجارة العالمية، تضمن اتفاقيات المنظمة/ الجات، وكيفية التعامل مع هذه الاتفاقيات، ووزع هذا التقرير على نطاق واسع في الدول العربية، إلى حد أن بعض الدول العربية، ومن بينها جمهورية مصر العربية التي طلبت وزارة الاقتصاد فيها التصريح لها بإعادة طبع وتوزيع هذا التقرير لما فيه من معلومات قيمة تفيد رجال الأعمال، وستواصل الغرفة حملة التوعية بالمنظمة واتفاقياتها، وذلك من خلال نشر أهم ما يدور في إطارها من الأمور التي تعني الدول العربية, هذا، بالإضافة إلى نشر بحوث عن أهم الاتفاقيات ذات الأثر على التجارة العالمية للدول العربية، مثل اتفاقيات الإغراق، والإجراءات المضادة للإغراق والدعم، والإجراءات المضادة للدعم وغيرهما.
وقامت الغرفة بطبيعة الحال بإجراء التعديلات اللازمة في هياكلها لمواجهة المتغيرات.
* التجارة طريق الصداقة, إلى أي حد حققتم تكافؤاً في التعامل التجاري؟
إن العملية التجارية مرتبطة دون شك بالاحتياجات والقدرات الإنتاجية والتصديرية, وهذه الأمور تختلف باختلاف الدول العربية, فهناك دول عربية لديها ما تصدره إلى المملكة المتحدة، خصوصا ما هو من منتجات الطاقة والمواد الأولية، وبعض منتجات الصناعات التحويلية، وتستورد من المملكة المتحدة السلع الرأسمالية ومستلزمات الإنتاج، فالتوازن أو الميزان التجاري في هذه الحالة يتوقف على مدى حاجة كل طرف من الطرف الآخر، وغالبا ما يكون الميزان التجاري متوازنا أو يميل قليلا إلى صالح بريطانيا, وهناك دول تغلب وارداتها على صادراتها، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يكون العجز كبيرا في الميزان التجاري.
وتقوم الغرفة من جانبها بتنمية العلاقات والتعاون التجاري في الاتجاهين، بحيث لا تصبح الدول العربية مجرد أسواق للصادرات البريطانية, ولمعاونة المصدرين العرب على التصدير وزيادة صادراتهم كوسيلة لتضييق العجز في الميزان التجاري العربي البريطاني قامت وتقوم الغرفة بما يلي:
أقامت مركزاً لتنمية الصادرات العربية في عام 1997م وزودته بالإمكانات التي تمكنه من معاونة المصدر العربي, وقام المركز بإصدار نشرة إرشادية للمصدرين العرب، وعقد ندوات حول تنمية الصادرات في 18 بلدا عربيا, بالإضافة إلى نشر فرص التعامل بين المصدرين والمستوردين العرب والبريطانيين في مطبوعات الغرفة.
إقامة معارض للمنتجات العربية في لندن، حيث أقامت الغرفة أكثر من عشرين معرضا وأسبوعا عربيا، كان من أبرزها معرض صنع في السعودية الذي أقيم في صالات معرض أوليمبيا في لندن في عام 1993م، وأنجزت خلال فترة المعرض وبعده مباشرة عقود تجارية وصفقات تجاوزت العشرين مليون جنيه استرليني، كما أقيم أيضا معرض الخليج وبريطانيا 1994م في قاعة المعارض في أوليمبيا عام 1994م وحقق نجاحا كبيرا.
تتولى إدارة المعلومات في الغرفة ومركز تنمية الصادرات العربية الإجابة على استفسارات الشركات ورجال الأعمال العرب والبريطانيين.
الترويج للمنتجات العربية في المطبوعات المختلفة للغرفة.
تزويد الشركات البريطانية بقوائم بالمصدرين العرب للسلع المختلفة.
إحاطة الشركات ورجال الأعمال العرب والبريطانيين بالتعديلات المستخدمة في قوانين العمل في بريطانيا والدول العربية، وإطلاع كل من الجانبين على الفرص المتاحة لكل جانب لدى الجانب الآخر.
ولا شك أن هناك تحسنا مستمرا في الميزان التجاري العربي البريطاني، بفضل جهود الغرفة، وجهود الأجهزة المختلفة المعنية في الدول العربية، وأيضاً بفضل توفر منتجات بجودة عالية من انتاج الصناعات العربية الحديثة.
* لماذا اختيرت بريطانيا كمقر للغرفة العربية البريطانية، وهل كان هذا الاختيار موفقا بعد هذه التجربة؟
إن النجاح الكبير والإنجازات التي حققتها الغرفة خلال 25 سنة لخير إجابة على هذا السؤال، وخير برهان على أن الاختيار كان موفقا، بل وموفقا للغاية, فلندن هي عاصمة المال والأعمال، وحي المال والأعمال السيتي من أكبر المراكز المالية في العالم, ونجد أن معظم المنظمات والشركات العالمية والدولية والمتعددة الجنسيات لها وجود في لندن، فلندن الاختيار الأول لمعظم الأعمال والمنظمات, ويجب ألا ننسى العلاقات التاريخية الوثيقة بين بريطانيا والمنطقة العربية, هذا، بالإضافة إلى أن بريطانيا تشارك العالم العربي في جزء كبير من يوم العمل ففرق التوقيت بين بريطانيا والدول العربية يتراوح ما بين 13 ساعات في الغالب, وكان الحضور العربي القوي في بريطانيا من بين العوامل المشجعة لاختيار لندن مقرا للغرفة، خاصة وأن هناك غرفة عربية فرنسية في أهم ثاني عاصمة أوروبية بعد لندن وهي باريس, وطالما أن الغرفة غرفة تجارية عربية بريطانية مشتركة فاختيار لندن كان أنسب لأهمية وجود الغرفة كما ذكرت من قبل كمركز متقدم في قلب أوروبا، تنقل منه كل ما هو جديد من معلومات وتكنولوجيا إلى العالم العربي.
* كيف تقيمون الميزان التجاري البريطاني العربي في ظل متغيرات الأزمة المالية الآسيوية ومضاعفاتها؟
الميزان التجاري العربي البريطاني يتأثر بالاحتياجات الفعلية للجانبين والقدرات على التصدير والاسيتراد، وهذه تتأثر بعوامل كثيرة منها التغيرات التي تطرأ على القدرات التنافسية والتصديرية والاستيرادية، فارتفاع الجنيه الاسترليني مثلا قد يعوق الصادرات البريطانية لأنها تصبح أغلى من صادرات الدول المنافسة وانخفاض العملة البريطانية يكون له أثر ايجابي على الصادرات البريطانية.
وارتفاع أسعار النفط يزيد من القدرات الاستيرادية للدول العربية وبصفة خاصة دول الخليج العربية وانخفاضها يقلل من تلك القدرات, هذا، بالإضافة إلى أن إقامة صناعات محلية في الدول العربية تحل محل المستورد يعتبر من العوامل الإيجابية التي تؤثر على الميزان التجاري، كما أن لزيادة الصادرات العربية أثرا ايجابيا أيضا, لذلك أقامت الغرفة مركز تنمية الصادرات العربية لتحفيز الصادرات العربية إلى بريطانيا وسائر أوروبا,إن اجمالي التجارة المنظورة بين بريطانيا والدول العربية يصل إلى نحو 10 مليارات جنيه استرليني سنويا، تمثل الصادرات البريطانية إلى العالم العربي نحو 70% والواردات من العالم العربي نحو 30%, وبلغ متوسط العجز السنوي في الميزان التجاري العربي البريطاني 4 مليارات جنيه خلال السنوات الأربع الأخيرة.
* في ظل العولمة وطغيان موازين القوة الجديدة في العلاقات الدولية، كيف ترون دور الشركاء العرب والبريطانيين في التعامل مع هذه الحالة وتحدياتها؟
إننا نضم أصواتنا دائما إلى أصوات المنادين بإقامة تكتل اقتصادي عربي، يواجه التكتلات الاقتصادية العالمية، ويتباحث من مركز القوة في مفاوضات التجارة العالمية، تماما كما يفعل الاتحاد الأوروبي, لا يمكن للاقتصادات الصغيرة أن تواجه منفردة الاقتصادات الكبرى, وهناك برنامج لتحقيق إقامة السوق العربية الحرة الكبرى في عشر سنوات اعتبارا من يناير عام 1998م، وهذا امر مشجع، بالرغم من أنه يعني أن الدول العربية ستظل تتفاوض بصفة منفردة خلال فترة التحولات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد العالمي، وشروط التجارة التي يتم الاتفاق عليها سوف تحكم التجارة العربية لأجيال قادمة, لذلك فقد سرني أن أسمع من بعض أصحاب السعادة وزراء الاقتصاد والمالية العرب أثناء اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي في فبراير الماضي اسمعهم يطالبون باختصار مدة إقامة منطقة التجاربة العربية الكبرى إلى خمس سنوات بدلا من عشر، لأن مثل هذا الاختصار سيكون مفيدا ويوحد كلمة العرب خلال السنوات القادمة الهامة.
إن منظمة التجارة العالمية بالرغم من أنها أقيمت بمبادرة من القوى الاقتصادية الكبرى، ربما لخدمة مصالحهم إلا أنها في إطار لوائحها يمكن أن تخدم كافة الدول صغيرها وكبيرها إذا صممت الدول النامية على مواقفها وحماية مصالحها كما حدث في سياتل في نوفمبر الماضي.
إن اتخاذ القرارات في منظمة التجارة العالمية يكون دائما بالتفاوض واتفاق الآراء وليس بالتصويت من أول الأمر، ويكون التصويت في حالة الفشل في التوصل إلى اتفاق، والتصويت يكون صوتا واحدا لكل دولة عضو، بصرف النظر عن حجم نفوذها أو اقتصادها، وليس هناك حق النقض للدول الكبرى، كما أن هناك عشر دول عربية أعضاء في منظمة التجارة العالمية، وهناك دول أخرى تتفاوض للانضمام، ويحتمل أن يصبح معظم أعضاء جامعة الدول العربية أعضاء في منظمة التجارة العالمية خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة, والتعامل من داخل المنظمة خير من الشكوى والاحتجاج من خارجها, وللمملكة المتحدة مواقف ايجابية في مساندة طلب الدول العربية في الإنضمام إلى عضوية منظمة التجارة العالمية.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

لقاءات

منوعـات

نوافذ تسويقية

القوى العاملة

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved