Tuesday 11th April,2000 G No.10057الطبعة الاولى الثلاثاء 6 ,محرم 1421 العدد 10057



اقتصاديات الكهرباء
د, زيد بن محمد ا لرماني *

لقد خصصت الدول النامية خلال العقود القليلة الماضية مصادر هائلة لبناء أنظمة الطاقة الكهربائية التي يعتبرها المخططون ضرورية لبناء المجتمعات الحديثة.
وتشتمل النتائج على العديد من الإنجازات الهندسية الرائعة وعلى نمو سريع في توفر الطاقة الكهربائية, ولكن ذلك كان مصحوبا في عديد من البلدان بتخريب البيئة، وتهجير الناس الأصليين، وتحمل ديون أجنبية باهظة.
ولا تتصف برامج الكهربة في العالم الثالث حاليا بصفة الديمومة، وعلى ذلك فإنه من غير المحتمل أن تتمكن هذه البرامج من خدمة أهداف التنمية الأوسع او أن تساعد في بناء مجتمعات تتصف بالاستمرارية، وتعاني بلدان عديدة من الصعوبات المالية ومن الانقطاع المتكرر والمتزايد للطاقة الكهربائية وبدأت أنظمة الطاقة في بعض الحالات تؤثر سلبا على الاقتصاد المتنامي بدلا من أن تدعمه.
ولقد صممت برامج كهربة العالم الثالث إلى حد كبير على نمط مؤسسات الطاقة الكبيرة والمحطات المركزية في البلاد الصناعية.
ولكن الظروف في الدول النامية تختلف عنها في الدول الصناعية إلى حد كبير، فالخبرات الفنية والتقنية، غالبا ما تكون مفقودة، والإدارة أقل نجاعة، كما أن ايصال الكهرباء لسكان الريف الموزعين في مساحات شاسعة هو أكثر صعوبة.
ولعل أهم فرق بين الدول الصناعية والبلدان النامية هو أن معظم مجهودات التوسع في انتاج الطاقة في البلدان النامية ستحدث في المستقبل، فمعدل استهلاك الكهرباء في العالم الثالث لا يزيد على 120 واط للشخص ا لواحد بالمقارنة مع 2,900 واط للشخص في أمريكا، فهناك حوالي 1,7 بليون من سكان الدول النامية يقطن معظمهم الأرياف، ليس لديهم كهرباء على الإطلاق.
ومن ثم، فعلى الدول النامية أن تصمم برامج كهربتها وفقا لاحتياجاتها ومواردها بدلا من اعتمادها على النماذج الغربية، إذ ينبغي أن تبنى هذه البرامج على رؤية واضحة للمستقبل وعلى تقدير واقعي للموارد المالية والطبيعية المتوفرة، وبالرغم من أهمية الكهرباء في التنمية إلا أنه ينبغي وزنها بالمقارنة مع الاحتياجات الأخرى.
يقول خرستوفر فلافن في كتاب أوضاع العالم 1987م : في الماضي جرى تفضيل المدن والصناعات على القرى الريفية، أما في المستقبل، ستحتاج برامج الطاقة في الريف إلى مزيد من العناية والتأكيد.
إن مؤسسات توليد الكهرباء تعتبر من بين أقوى المؤسسات في العالم الثالث، ويعود الفضل في ذلك إلى ضخامة مواردها المالية وإلى استقلالها الذاتي الجزئي ضمن النظام السياسي.
حاليا، تستهلك دول العالم الثالث ستة أضعاف ما كانت تستهلكه قبل عقدين من الزمان, كما أن التطوير السريع لأنظمة ضخمة للطاقة الكهربائية يعتبر إنجازا كبيرا للعديد من الدول النامية, وبالمقارنة مع الدول الصناعية نجد أن الكهرباء تلعب دورا صغيرا في اقتصاديات العالم الثالث.
إن الاستخدامات المنزلية للكهرباء محدودة في معظم الدول النامية، فالعديد من الناس لا يستطيعون شراء ناهيك عن تشغيل الأجهزة الكهربائية ذات الاستهلاك العالي.
كما أن توقعات الطلب المتزايد على الكهرباء في دول العالم الثالث أدى إلى الطفرة الكبيرة الأولى في بناء محطات الكهرباء في الستينيات الميلادية.
وما زالت أنظمة توليد الطاقة في العالم الثالث تعتمد إلى حد كبير على الوقود العضوي بالرغم من أن المحطات المائية هي أكثر المصادر الكهربائية أهمية ونموا في العديد من البلدان.
إن التكاليف الببئية والبشرية لبعض المشروعات المائية باهظة حقا، فبناء السدود الجديدة قد هجر ملايين الناس وغمر الأراضي الزراعية بالمياه.
وقد رغبت بعض حكومات العالم الثالث في زيادة مساهمة الفحم في توليد الكهرباء.
بيد أن تنمية توليد الطاقة بالفحم يلحق أضرارا بالبيئة يفوق ما تلحقه بها الطاقة المائية.
أما الطاقة النووية، التي كانت يوما ما مطمح دول العالم الثالث، قد فقدت مكانتها في العديد من الدول، فالطاقة النووية، للدول النامية ليست معقدة ومكلفة فحسب، بل تتطلب أكثر مما تحتاجه معظم استثمارات الطاقة الأخرى.
حاليا، تبلغ مصاريف كهربة العالم الثالث أكثر من 50 بليون دولار سنويا وفي العادة يجري دفع حوالي ثلث التكاليف بالعملة الصعبة إلى الشركات المنتجة الأجنبية وهو عبء ازداد سوءا بزيادة الفوائد على القروض.
إن استهلاك الكهرباء في معظم الدول النامية منخفض حاليا لكن احتياجات المستقبل كبيرة لدرجة أن استخدام الكهرباء سيستمر في الزيادة حتى لو بقي الاقتصاد على حاله.
حاليا تتفاقم المشاكل المالية للعديد من هيئات توليد الكهرباء.
وفي معظم الحالات تبتلع تكاليف ديون شركات الكهرباء معظم عوائدها علما بأن الإنشاءات تعمل بصورة مستمرة على زيادة اعباء الديون.
ولا تنحصر المشاكل في عدم توفر المال اللازم فقط، فكثير من مؤسسات الطاقة في العالم الثالث قد تعدت قدراتها الإدارية وتفتقر بشكل متزايد إلى الخبرات الفنية التقنية.
وعلى ذلك فإن التقليص الاختياري في ميزانيات الإنشاءات، وتقوية اجراءات الصيانة ورفع الرواتب وادخال أساليب إدارية أفضل أصبحت ضرورية لأي برنامج اصلاح جدي لأنظمة الكهرباء في العالم الثالث.
وللأسف، فلا توجد وصفة سحرية لمشاكل الكهرباء في العالم الثالث، فالاحتياجات واسعة والمصادر المتوفرة قليلة.
لذا، ينبغي أن تخضع المبادرات الجديدة إلى تخطيط فإن مجرد السرعة التي تتم بها الإنشاءات الجارية كاف لتعطيل محاولات التغيير.
بيد أن معظم البلدان النامية لا تستطيع إهمال المشاكل الأساسية اكثر من ذلك.
فالطاقة الكهربائية قطاع كبير ومهم في اقتصاديات العالم الثالث وأي توجه خاطىء في نموه المستقبلي وإدارته، قد يهدد عملية التطور برمتها.
وختاما أقول: ينبغي بذل جهد أقل لتسريع مسيرة توسع الكهرباء، وجهد اكبر للتأكد من أن الطاقة الكهربائية ستسهم بفاعلية وفعالية وكفاءة في مسيرة التطوير.
وقد آن الأوان لذلك!!!
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والاحصاء
- عضو الجمعية السعودية للإدارة

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

لقاءات

منوعـات

نوافذ تسويقية

القوى العاملة

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved