Tuesday 11th April,2000 G No.10057الطبعة الاولى الثلاثاء 6 ,محرم 1421 العدد 10057



وعلامات
فرح بحزن,!
عبد الفتاح أبو مدين

كنت انظر الى وجه تلك الأم، فأرى الحزن يغمرها، والدموع تنثال,, في يوم زفاف ابنتها, وهذه الحال، تتزاحم فيها الفرحة بالحزن, وللحزن سحابة أشبه بسحابة المطر الرمادية، رغم ان الغيث فيض من الله، ورحمة للأرض والناس والأنعام.
والأم اكثر حزنا في مثل هذه المناسبة، ولاسيما بالنسبة للابنة المفارقة,! ذلك ان الابن طليق، يزور ويعوج متى شاء، والبنت غير ذلك، لانها مرتبطة بصاحب القرار والرغبة,! والحنان خصيصة في القلوب، تتدفق في مثل هذه المواقف، لأنه يصدر عن عاطفة جياشة، ومشاعر,, تهتز بتدفق، ساعة الجيشان، كان بها ألسنة,, تعبر عن حال نفس، اضطربت وشجت وحنّت، وخافت وفزعت، فبكت، لأن البكاء تعبير عن كوامن خفية, ولأن في الفراق بعدا واحداث فراغ، بعد تعايش في قرب, فتكون الصدمة,, التي تهز الكيان، فتفقد أنيسا وجزءا من نفس,, ذات وئام وحنان ومشاعر رفّافة، لا تطيق البعد، ولم تألف الفراق وآلامه وأحزانه,!
وقالت زوجي، ان الأم الفرحة الحزينة، قضت ساعة في حجرة ابنتها تبكي، وهي ترى حولها فراغا، كان حافلا بحياة وحركة وأنس,, لنحو عقدين, ثم فجأة، كان الانتقال، وخلت الحجرة من قاطنتها، وبعد المجاور، الذي يتدفق حياة وحيوية وصوتا,!
كنت أتأمل تلك الصور، وأقرأ خطوط الحزن، وأرى تلك الموجة المتراجعة، تردد في النفس الكليمة، فتحدث فيها ألما مبرّحا، واضطرابا,, يغشيه ماجدَّ في الدار,, من وجد، وكأنه هم حل، وانغمس في النفس، لأن الفراق في كل صوره، ولاسيما عندنا نحن الشرقيين، ذلك اننا ذوو ايلاف، وحياة اجتماعية، يعروها الاضطراب,, مهما كان واقع الانفعال، حتى المفرح، فانه ينعكس,, في صورة ألم، لأنه يهز النفس فتضعف، وتخفق، وتتحول الى طاقة من المشاعر، سريعة التموّج والتأثر,, لما يحل بها ويتغشاها، أعني النفوس ذات الشفافية والرقة والوداعة والحنو والوجد,!
كانت الصورة أمامي حزينة، وكنت أتأثر بما أرى، وينتابني ألم، لأني أحس,, بما ينفعل في تلك النفس الرؤوم من عناء في داخلها، ومن قوته ودفعه، يتدفق الى المحيا، فلا يستطيع صاحبه، ان يكبته، وأن يحبسه، لأنه أقوى منه، وأكثر تأثيرا وقوة وعبئا,!
انها النفوس,, التي تضطرب لما يحل فيها، ولأن الحياة أغيار، فان التأثير الذي يغزو النفس الرقيقة، وخاصة الأم، سرعان,, ما ينعكس في أعماقها أي قوى تواجهها، لأنها قاهرة، وقاسية، ولاسيما ما يهز العاطفة,, التي تنفعل بأي موقف، يفضي الى فراغ وبعد، من خلال ما يضطرب في الحياة من تغيرات طبعية وتلقائية وفجائية,!
لقد كان يدور في نفسي كلام، يصلح أن يكون قصة، لو أنني سارعت به الى القرطاس، من خلال تلك اللمحات العابرة، والصورة المضطربة,, التي رأيت, غير انها هدأ انفعالها,, بمرور أيام,, لا تتجاوز 18 يوما,!
ان اللحظات المفاجئة بالانفعال، تحرك النفس المستقبلة لمثل هذا الحادث، لتنطبع فيها حالة من التأثر، تتحول الى نسيج تصوري، لا يخلو من ابداع وروعة، لأنه انعكاس,, في انفعال نفس، تستقبل ما ينداح أمامها، فتهتز لما ترى وما تسمع كذلك، وان كانت الرؤية أعمق أو أشد عمقا!

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

لقاءات

منوعـات

نوافذ تسويقية

القوى العاملة

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved