أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 24th April,2000العدد:10070الطبعة الأولىالأثنين 19 ,محرم 1421

الثقافية

الجواهري
عبد الفتاح أبو مدين
الفصل السادس
أريد أن أقول,, إن الكاتب قد قرر أن يخصص أبوابا لما في شعر الجواهري، فكان أولى بالمؤلف ,,ألا يضيع وقتنا ومساحة صفحات، في سوق النتف لشتى المناسبات,, التي خصص لها أبوابا، ذلك في تصوري، هو منهج الكتابة والتأليف,, عند المؤلفين والمحققين الوعاة للمنهج السوي,,!
إن الفصل السادس من الكتاب,, الذي أمامي، وتبدأ صفحاته من 315 ، خصصه المؤلف ل: التفجع والرثاء,, في شعر الجواهري وإني ألحظ,, أن الشاعر الكبير لم يصنع ما صنع الشاعر أحمد شوقي,, في احتفائه بمصائب العالم العربي، والالتحام برجالاته، حتى إن شعره يكاد ينحصر في بلاده وما حولها، من الشام وفلسطين، على حين أن مكانة الشاعر واسمه كبيران في الوطن العربي, وكان ينبغي أن يهتم بهموم الأمة العربية,, من محيطها إلى خليجها,,! استقراره، قصر اهتماماته,, بهموم الأمة العربية, ونجد أن شاعر النيل حافظ ابراهيم,, قد عني بصناديد الأمة، من صدر الإسلام إلى أن توفاه الله, وكذلك فعل شوقي, ذلك أن في تاريخ أمتنا أبطالاً مجاهدين، قادوا جيوشا، وحققوا فتوحات، حتى وصلت جيوشهم إلى أقصى الشرق، إلى الصين، وغربا إلى المحيط الأطلسي، نصروا الإسلام، فنصرهم الله، كانوا قادة مغاوير صناديد مجاهدين,, من هذه الأمة، التي ينتسب إليها الشاعر والكاتب، وننتسب نحن إليها, وأضرب مثلا بالتتار، الذين دمروا العراق وطن الشاعر وغيروا وجه ماء نهرها بتراث هذه الأمة الزاخر بالمعارف، وتصدى للمغول أبطال من المسلمين فدحروهم، وردوهم على أعقابهم خائبين, هذه الحادثة وأمثالها كثير، ألم تحرك مشاعر الشاعر وهمته,, ليشيد بانتصارات أمته وقادتها,, الذين نصروا الله فنصرهم , وكانوا أقل عدداً وعتاداً، ولكنهم كانوا مؤمنين، فكانوا أعلون، لم تشغلهم الدنيا، ولم يغرهم المال، لأنهم لم يخلقوا لهذا وذاك، تاقوا إلى الأعلى والأسمى والأبقى، فحقق الله لهم ما أرادوا، لأنهم كانوا صادقين، فكانوا مع الصادقين,!
وكنت أتوقع أن أرى من المؤلف,, من واقع الأمانة في الدرس، أتطلع رؤية تعقب من الكاتب عن تقصير الشاعر في حق أمته منذ بزوغ فجرها، لأن اغفال أمجادها من قبل شاعر مبرز نقص ، كنقص القادرين,, الذين عناهم المتنبي بقوله:


ولم أر في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام

ونقرأ في ص 324 ما أشار إليه المؤلف بقوله: امتداد قصائد الرثاء لدى الجواهري إلى خارج حدود الوطن العراقي والعربي , وحين نبحث، فنجد أن ذلك محدوداً جداً، كرثاء الشاعر لغاندي,!
في ص 326 يعقب الكاتب على شعر للجواهري في رثاء جعفر أبو التمن فيقول: إن المنايا تختار الرجال العظام، وهي تتجاوز الخاملين من الكم المهمل من الناس ,, وأتساءل: أهذا اعتراض من الكاتب في شيء لا حق له فيه ولا رأي!؟ إنها الآجال المحتومة، ولو جنح الكاتب إلى الكتاب العزيز، لقرأ فيه قول الحق: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله , إذن,, يجب التسليم لأمر الله وحكمه,!
وفي ص 337 ، وهذا الفصل خصص للرثاء، يقول الكاتب: كما أن هناك اثنتين من قصائد الرثاء تتجاوز الشخصيات العراقية والعربية إلى شخصيات من أقوام أخرى، هم جمال الدين الأفغاني والزعيم الهندي .
كم كنت أود وما تغني الودادة ، لو أن هذا الاستثناء,, توقف عند الزعيم الهندي، ولم يطل العالم المسلم جمال الدين الافغاني، لكان الكاتب دقيق التعبير موفقا، بعيدأ عن نعرة جاهلية!، ماذا يا أستاذ زهدي عن الأفغاني الزعيم المسلم؟, لقد سقت من قبل، خلال هذا البحث، ان الإسلام، وأكرم الخلق عند الله هم الأتقياء, لا عنصرية ولا عرقية، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى: وأنا كلنا لآدم وآدم من تراب , عجبا لهذه النغمة النشاز التي يرددها الأستاذ زهدي في كتابه، وإنها لمحسوبة عليه، وليست محسوبة له,! ولا أريد أن أتوسع في التجنيس، لأني أكره دعاوى الجاهلية,,!
وما أزال أرى التكرار، وأنا أقرأ فصل التفجع والرثاء، ويلاقيني شعر، سبق أن قرأته في معرض حديث الكاتب عن اهتمامات الشاعر وما خص به من أناس, كالشعر الذي قاله الجواهري,, في عبدالمحسن السعدون ,, الذي انتحر، رئيس وزراء العراق سابقاً، في ص 338 .
لا أريد أن أطيل الوقوف عند هذا الفصل، لأن كثيراً مما حواه مكرور ، سبق أن قدمه الدارس,, في صفحات سابقة، فلا حاجة إلى اضاعة الوقت,,! وسأمر سريعاً، وأتوقف عابرا,, أمام ما ينبغي العناية به والتنبيه إليه,,! ففي ص 351 في رثاء الشاعر لعبدالناصر, وخلال هذا الرثاء، يعرج الشاعر على فلسطين، ويذكّر كما يقول الكاتب بدور صلاح الدين الأيوبي، ونحن لسنا أمام مقارنة، بين صلاح الدين وعبدالناصر, فالأول كان مجاهداً في أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فقيّض الله له النصر, والثاني,, كان محارباً، وكانت أصوات أعلامه تردد: نتحدى القدر, فعوقبوا بهزيمة نكراء,, وما ظلمهم الله، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون !
وما زال الكاتب زهدي ، كأن في نفسه شيئا غير قليل من أوضار العنصرية والتفرقة، فيردد اسم صلاح الدين في هذا الموقف الانتصاري الباهر، ويضيف الكاتب إلى اسم هذا المجاهد المسلم العظيم، فيقول: صلاح الدين الأيوبي ، المنحدر من بطون الأكراد,,!
الفصل السابع
في عام 1957، والشاعر يعيش في الشام، ينشئ قصيدة,, يهاجم فيها حكام العراق من البعثيين، فيقول في ص (366):


خزيت بغداد من بلد
كل شيء فيه مقلوب

وأنا اعترض على شتيمة بغداد لأنها وعاء، فما ذنبها، وهذا يشبه قول القائل:


نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا

من حق الشاعر ان يهاجم أعداءه,! لكن ما ذنب الأرض والبلد,, والشاعر ليس جبانا، فيلجأ إلى الكناية والرمز، وهذا ما جنح اليه الكاتب,, في شرحه, ويعيد الشاعر شتيمة بغداد فيقول:


خزيت بغداد ليس بها
مثل هذا الفحل يعسوب

وأعيد القول,, إلى أن الفصل السابع من هذا الكتاب، قد أعيد فيه القول والتكرار، كأن هذه الحال عادة,, لابد منها,! وهذا الفصل عنوانه: السخرية والهجاء في شعر الجواهري , وفي ص (376)، يقول الشاعر في دائرة الهجاء ويقسم بغير الله، وقد تعقبت مثل هذا التجاوز، الذي يهبط الى الشرك:


اقسم بالكافور لا
أقصد شتم العنبر
لأنت فوق البشر
فوق القضاء والقدر

وإني أستغفر الله,, من هذا التطاول,! ومرة اخرى، كان ينبغي الا ينقل إلينا الكاتب هذا العبث، بل يدعه في ديوان قائله وحسابه على الله تعالى.
وينقل الينا الكاتب,, هجاء الجواهري ل:أرشد العمري ، ويثني على قوله ب رحمه الله إذن لماذا نقلت إلينا هذه المكروه؟ ومطلع هذا الهجاء يضحك, يقول الشاعر:


تركوا البلاد وأهلهنّه
لخيال مسعور بجُنه

وعجبت من تعليق الكاتب على بيت من هذا الهجو والعبث، فيقول المؤلف: (يشير الشاعر هنا الى الوظيفة السابقة لأرشد العمري، باعتباره أمينا للعاصمة مسؤولا عن نظافة الشوارع وعن صحة المستهلكين فيما يشترون من الباعة عدا كونه مسؤولا ايضا عن الفنادق والعاملين فيها ومعظمهم من المسيحيين واليهود إلخ,, وأسأل ما هي الغرابة في هذا؟ إنها طبيعة وظيفته,, من مواطنين أو مقيمين، شيء طبعي جدا، فماذا ينكر الكاتب، وهو قد اقحم,, المسيحيين واليهود,! أقول: ما هي الغرابة؟
الفصل الثامن
يختص هذا الفصل بالشكوى والانتصاف، كما اشار الكاتب, ونقرأ هذا البيت من قصيدة الشاعر الميمية:


وكم من خمول لاح في وجه مترف
وكم من نبوغ شع في عين عادم

ويشرح الكاتب في الهامش، ص 399 ، ان العادم، هو المعدم, لكني أرى ان الشاعر قد اخطأ، والكاتب يتستر عليه, ذلك ان العادم اسم فاعل ، وان المعدم اسم مفعول، فكيف يحل أحدهما محل الآخر!؟ وسياق البيت يتطلب اسم مفعول معدم , وكأني بالكاتب يشير,, ان غض الطرف، ولكني لست من نمير !.
ونقرأ البيت,, في ص 400 ، من قصيدة للشاعر عن أبي العلاء، وفيه ما يؤكد انحراف الشاعر، فيقول الجواهري:


لكن بي جنفا عن وعي فلسفة
تقضي بأن البرايا صُنّفت رتبا

ويعلق الكاتب، عن مواقف الشاعر السياسية ، واتهامه باعتناق الشيوعية ، بما أسماه الاتجاهات الحزبية المتواجدة , والمتواجدة ، تعبير خاطئ لأنه من الوجد ، ولو قال الموجودة,, لأصاب,! وموضوع الاتجاهات الحزبية لا أريد الوقوف عنده اليوم، غير ان سياق هذا البيت الذي سقته فيه رفض لما قدره الخالق سبحانه وتعالى، الذي نجده في الكتاب العزيز، في قوله تعالى: (أهم يقسمون رحمة ربك، نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا، ورحمة ربك خير مما يجمعون), لكن الشاعر لا يميل إلى قبول حكم الله وتقديره، فيقول: إن به جنفا، أي ميل، وسمى تقدير العزيز الحكيم فلسفة وهو انحراف ماركسي,, رغم ان هذا المذهب موات من الجوع والفقر المدقع للخلق، وحرمان قاتل من كل متاع الحياة,! والشاعر لا يريد ان تكون الخلائق رتبا، وإنما شيوعية حمراء محرومة,!
وأقرأ العجب فيما ساقه الكاتب، في (402)، تعليقا على قول الشاعر:


يملك الزارع ما
يزرع لا عبدا يُسام

وهو من قصيدة ستا لنيغراد ، ويذكر أن تولستوي ، الكاتب الروسي الشهير وزع اقطاعيته الخاصة على الفلاحين، بحثا عن تحقيق العدالة ، ويضيف الدكتور زهدي رأي صاحبه الجواهري، الذي يدينه,, بأنه من أنصار الشيوعية ودعاتها، فيقول زهدي: إذ يرى الجواهري أن هذه الأحلام لم تتحقق بصورة كاملة إلا في النظام السوفيتي , سبحان ربي!, وأسأل الكاتب قبل الشاعر,, الذي رحل: أحق هذا؟, وهل نظام السماء وعدل الخالق سبحانه وتعالى القائل: (ولا يظلم ربك أحداً)، ليس فيهما عدالة؟ إذن أنظمة الإسلام العادل,, التي هي من عند الله، لم تحقق ما حققه النظام الشيوعي، الذي أعطى الأرض لزارعيها ! إن الجواهري يتجاهل بل ينكر عدل الإسلام في كل شيء، لأنه تحول الى رجل أحمر والعياذ بالله , وهل عند الروس حقوق لشعبهم او شيء من حياة إنسانية؟ لا شيء من هذا، ولا قيمة للحياة الآدمية هناك! بل ولا حياة البتة,, تليق بالإنسان الذي كرمه خالقه، في قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات .
ويقول الجواهري:


يا تولستوي ولم تذهب سدى
ثورة الفكر ولا طارت هباءا
يا ثرياً وهب الناس الثراءا
قم ترى الناس جميعا اثرياءا
قم تجدهم مالكي غِلّتهم
من على عهدك كانوا الإجراءا

وأسأل كم عدد من أسعدهم هذا المفكر الكبير؟, ولا أمل السؤال: وهل ما ساقه الشاعر الجواهري,, وفق شرح المؤلف: ان تلك الأحلام لم تتحقق بصورة كاملة إلا في النظام السوفيتي ! إنني استبعد تجاوزات قدرة فرد، يُزعم أنه أسعد بعض مواطنيه، إن صح القول وصحت الرواية، وأردد قول الحق: كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ، وحتمية هذا الادعاء,, تعني أن الشعب السوفيتي أسعد شعوب الأرض، حسب زعم شاعر يقول زورا وبهتانا، وينسب الشيء إلى غير أهله,!
وحول دفاع الجواهري عن المرأة، وتعليق الكاتب بما اسماه: المساواة الحقيقية مع أخيها الرجل , ورب قائل يسأل: المساواة في ماذا؟ وماذا يعني قول الكاتب: من الانتصار لحقوق المرأة وآدميتها وإذا قبل ذلك العصر الجاهلي، فأنا أؤيد ذلك، لكن اليوم,, ماذا يعني بحقوق المرأة وآدميتها، ما هي الحقوق الضائعة لها، وهي تتمتع بحقوقها التي شرعها الله في كتابه العزيز؟ أما آدميتها فهي مصونة، لأنها قوية وصلبة، وليست متخاذلة ولا مستضعفة ولا هينة، ولا مهينة، إنها واثقة من مكانتها، والأدلة والشواهد امامي كثر,, ومن أهم المزايا أنها تعلمت وهذا من حقها، وبالتعليم وقوتها وكيدها، وإن كيدهن عظيم,, بلغت أربها، ولست حاسدا لها، ولكني أريدها أن تذكر نعم الله عليها فتشكرها، وألّا تكفر بالعشير, أما أن:


تحكم البرلمان من أمم الدنيا
نساء تمثل الأقطارا

كما قال الجواهري في ص (405)، فذلك ليس من دور المرأة ولا عملها!
وحول الأم فالأمهات، ص(407)، نقرأ هذا البيت، في ص (408):


وليس رضيع صدرك بالمجاري
وليس ربيب حجرك بالمضام

إنني أرى الكاتب السيد زاهد ، يلتمس الأعذار للشاعر حتى في أخطائه، ويجنح الى تفسيرات من عنده، مما لا يحتملها المعنى، فهو يقول في الهامش عن المضام: يقصد بها الذي يقر على الضيم وليس الواقع تحته,, مما يوحي به معنى الكلمة , وهذا تخريج لا يساعد عليه سياق البيت ومعنى (المضام), والاستاذ زهدي,, تطوعا منه يحمل الاشياء ما لا تحتمل، وهي افتراضات مرفوضة، لأنها خاطئة وباطلة,! ويقول الشاعر، في ص (410):


ولا تقل ترة تبقى حزازتها
فهم على اي حال كنت قد وتروا

وشبه جملة: على اي حال كنت تعبير ليس شعريا والتكرار الحشوي,, الذي أشرت إليه آنفا، كأنها عادة، اصيب بها المؤلف، فأنا قد صادفت تكرار,, عنوان وابيات عن دجلة الخير , والكلام على هذا النمط,, يدعو الى الملال، ويتهم القارئ الكاتب، بأنه لا يراعي وعيه وإدراكه، وكأنها غفلة من الكاتب، دفعت إليها عادة غير محببة، لأنها اسراف، والإسراف منبوذ في حالات ومواقف كثيرة! فدجلة الخير تسير معنا عبر صفحات الكتاب، وأنا الآن في ص (419),
وهذا فرض ثقيل وممقوت، يأباه الذوق والحس، والشعراء والكاتبون، يفترض فيهم أنهم أولو حس وذوق، ولكنهم أخياف في ذلك ودرجات,! إنني أكره المبالغة، لأن فيها تجاوزا، وشيئا من عبث، والكتابة الحقة الجادة، تتطلب دقة وكياسة وقدرة، وإذا خلت من ذلك,, اصبحت ثقيلة لا يعوّل عليها، لأنها لا تحترم القارئ الجاد الواعي: انظروا الى قول الكاتب، في ص (421)، وذلك,, في تعليقه على قصيدة الشاعر، التي عنوانها أرح ركابك أنشأها الشاعر,, حين سئم الغربة والترحال، ويترك منفاه، ويرتاح من الكبد,, والقصيدة قوية، ومن قصائد الشاعر الجياد وشعره المتميز, والتعبير الذي فيه معاناة، سواء كان شعرا ام نثرا، طالما واتته القوة والتجويد، لأنه صادر عن انفعال، مرده قوة، فيكون الطرح متميزا,,, نابضا، لأنه تصور لحالة، دفعت اليه إرادة، لا تصبر على الرتابة والضعف والاستخذاء, ومرد ذلك قوة وقدرة,,! يقول الشاعر:


أرح ركابك من اين ومن عثر
كفاك جيلان محمولا على خطر
كفاك موحش درب رحت تقطعه
كأنّ معبرّه ليلا بلا سحر
بحسب نفسك ما تعيا النفوس به
من فرط منطلق أو فرط منحدر
أناشد أنت حتفا صنع منتحر
ام شابك أنت مغتراً يد ,,.
أم راكب متن نكباء مطوّحة
ترى بديلا لها عن ناعم السُرر
خفض جناحيك لا تهزأ بعاصفة
طوى لها النسر كشحيه فلم يطر

ان تدفق حماسة الكاتب,, دفعه الى القول، تعليقا على معطيات هذه القصيدة القوية، في نسيجها ومعانيها وأغراضها، قوله: إن أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه قارئ لهذه القصيدة أن يخلد الى الهدوء، إذ هو بازاء عاصفة قرّت إزاءها النسور طاوية أجنحتها متهيبة من الطيران الخ, كتابة انفعالية، واتهام لقارئ واع, وكنت أوثر ان يكون تعليق الكاتب الطف,, من تعبير فيه تجهيل لقارئ، يفترض فيه الوعي والحرص والقدرة والادراك، اما القارئ الخامل فلا يعبأ له، غير ان منهج الدرس، ليس أسلوب الإثارة والاتهام,! ولعل الكاتب انفعل بالقصيدة، وهو نفسه يشكو الأين والغربة والتشرد، وقد نعذره، لكنا ونحن في حال درس، فإن ذلك يدعو الى التوازن، ورجحان الرأي قبل غيره من سبل الاندفاع والحماسة,, في غير المتحفّز الثائر,, بالروائع، يضاف إلى ذلك طموحه, وان رفضه جرّ عليه الحرمان والعنت الذي أصبح فيه، وهو ناتج من طبعه وقلقه وهمومه,,!
ونقف على ما ألمح به المؤلف، فيما قال الاستاذ حسن العلوي في كتاب ألفه عن الجواهري، وما مر بالشاعر من حرج في حياته، واشار الى قول الشاعر عن احمد شوقي، ص (426):


وسط القصور العامرات
وبين قائمة الزهر

ولم تعجبني كلمة (قائمة)، فهي مبتذلة،و ليست شاعرية، إذاً: الجواهري,, يريد أن ينال حظوة,, كحال شوقي، والرأي عندي,, أن شوقي، اضطر في مراحل عديدة من حياته نتيجة تغيير الخديوي والظروف السياسية بعد منفاه، فهادن وساير، فحفظ بذلك نفسه وكرامته, أما الجواهري,, علّه لم يستطع ان يروّض نفسه، وقد غلبه طبعه الصراعي,, وجره الى خصومات فدفع الثمن من استقراره، فبقي منبوذا ومحروما ومشردا,,! ونراه يندب حظه العاثر، فيقول في ص (427):


حييت بندمان و,, فغاظني
بأني ما ملكا حُبيت ولا قصرا
ولو بهما متعت ما زلت ساخطا
على الدهر إذ لم يحبني حاجة اخرى

والشاعر يعلن,, أنه لو نال ما اراد، لبقي (ساخطا)، ذلك أنه لم ينل حاجة او حاجات,, لم يفصح عنها,! فهل كان يريد الخلد، وهو مستحيل،,,! ولو أن الشاعر صانع وهادن، وسمع مقولة ابن أبي سلمى، لأراح واستراح، غير أن طبعه قتالي، لا يجنح الى السلم والمداراة، ولكنه العنف الذي لا يهدأ، يقول زهير:


ومن لم يصانع في أمور كثيرة
يضرس بأنياب ويوطا بمنسم

والشاعر قلق النفس، وقد تعب من العناء، وأجهده السرى، فنراه يردد في ص (428):


ذممت مقاما بالعراق وعلني
متى اعتزم مسراي أن أحمد المسرى
لعلي أرى شبرا من الأرض خاليا
كفاني اضطهادا أنني طالب شبرا

ونقرأ في ص (430),, وصف المؤلف شاعره،بأنه قد استقر نهائيا على القمة الشاهقة للشعر العراقي بل والعربي ، وقد لا نختلف معه حول مكانة الجواهري في الشعر العراقي المعاصر، لكني لا أسلم بقوله عن موقعه: الذي لا يضاهيه فيه أحد في تاريخ الشعر العربي الحديث , وهذا الرأي أو الحكم عليه تحفظ, فهذه الفرادة, لا يمكن ان يوصف بها واحد، لأن الشاعر كغيره، لا يجيد في كل ما يقوله، فكيف يعطيه الكاتب ما لا يستحق، ولا يقبله الدارسون والنقاد!؟ هذه أحكام عاطفية,, لا يؤبه لها،و هي ارتجالية، وأعجب من قول الكاتب، وهو يقول ما لا يملك ولا يضمن، وهي شطحات شاعر وقول شاعر يرتجل، وهو يردد إعجابه بشاعره، وان الأمة لابد مكرمة ذكراه عام (2900) للميلاد في المهرجان الألفي لميلاد شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، كما فعلت للمعري والمتنبي , وكلمة (لابد)، وهم وعبث! ونسأل: من اعطى الكاتب الحق في أن يصدر هذه الأحكام جزافا؟ وهل ستبقى الحياة 900 سنة اخرى؟ ثم كيف نجزم بأن الجواهري شاعر العرب الأكبر؟ عواطف وأحكام مرتجلة أملاها الهوى، وقد تكون هناك عوامل اخرى لا علاقة لها بالمعايير الأدبية,! لا تدخل في موازين الدرس المتقن,, والأحكام التي يحتج بها!
واضحكني قول الشاعر الجواهري، في ص (431):


تطاول القاع حتى استقعرت قمم
واستأسد الغي حتى استنوق الرشد

ونحن لا نعرف إلا استنوق الجمل, فكيف يستنوق الرشد؟ يمكن ان يختل ويغيب، أما ان يوصف بحكم الجواهري، فإنه ضرب من الهلام! وأعجبني قول الشاعر:


وما برح العراق محك صبر
يطاق بارضه غير المطاق

وندم الشاعر الجواهري، على قصيدته، التي قالها يوم تتويج الملك فيصل الثاني، ولعل مرد ذلك,, ان خصومه استغلوا هذا الموقف، حتى إن الشاعر اسقطها من ديوانه، وسماها النكسة ، و البلية ، والهاوية ، وزلة العمر , والذي أراه أن لا تثريب على الشاعر فيما صنع، لأنه من طبيعة الشعر, مدح رمز البلاد، والتهنئة بمناسبة التتويج للملك،, وأنا مع الكاتب، نختلف مع الشاعر في هذا التراجع، ومرد ذلك,, أن ذم خصومه له أثر في نفسه، حتى إنه رأى ما صنع سقطة وزلة، وما أطلقه عليها من أوصاف حزينة، كأنه وقع في كارثة لا توبة منها ولا غفران, والذي كان جزءا من الحياة ومن التاريخ الوطني!
واتجاوز الفصل التاسع ، المختص ب:السانح والبارح في شعر الجواهري, ذلك أنه كان ينبغي ان يوجه لطلاب المدارس الثانوية، او أولى تمهيدي,, في الجامعة بكلية الآداب، وليس محل هذا النمط من الشعر هنا,, في هذه الدراسة، التي لم تكن دراسة بمعناها الدقيق, ذلك ان هذا الباب يخرج عن توجه الدراسة، التي لم تكن دراسة بمعناها الدقيق, ذلك ان هذا الباب يخرج عن توجه هذا العرض,, الذي عني به المؤلف، عن شعر الجواهري, إذ لسنا في فصل مدرسي,, حول أمر النقائض والقرائن وما إليهما, وكان الأجدر بالمؤلف ان يخصص فصلا,,, يتحث فيه عن القوة والضعف والتجديد والابتكار,, عند الشاعر الكبير، او يفند ما تحدث به ذلك الكاتب العراقي,, سليم طه التكريتي عن الشاعر,, والتناقض في حياته، وما لاقى من جراء ذلك من عناء, والقارئ سوف ينصرف عن هذا الحديث,, الذي لا يعنيه، لأن موضعه كما قلت فصل مدرسي! إذ ماذا يهم قارئ، حين يقرن شاعر,, أي شاعر بين فعلين مضارعين، مثل: تبتغي وترتجي، أو بين لفظين: المطمع، المطلب, وهذه اللوحات او الالواح التي يسوقها الكاتب,, ليملأ بها فراغات في فصل!! ذلك ان اللوحات,, تحتج الى قاعة,, تعرض فيها، ليراها الزائرون إذا أرادوا، أو كان الأمر يعنيهم,! ولقد امتد الحديث الى الاستشهاد بآيات من الكتاب العزيز,,! وأسأل: ما الدافع إلى ذلك؟ لا أدري,,!
وبعد :
فلعلني قد بلغت أربي,, من هذه الوقفات,, مع هذا الكتاب، الذي جاءني بتكليف,, أن اقرأه، ثم استخرج منه,, ثلاثة أو اربعة محاور ، لتدارسها، واختيار من يتحدث عنها، في لقاء يحدد ذلك,, في منتدى,, يشارك فيه دارسون ومؤلف الكتاب، ولكن لم يتح لي ما طلب مني، لشواغلي، وعقد الملتقى ولم احضره، وحين أنجزت وقفاتي مع كتاب الجواهري ، آثرت نشره منجما عبر (الجزيرة)، ليقرأه من شاء, وأعلن استعدادي الدخول في حوار مع مؤلفه، أو من يعن له ذلك,, بعقلانية وموضوعية، وصولا الى كلمة سواء, وارجو أن يتاح لي قراءة شعر الجواهري، والوقوف معه، متأملا ودارسا، ومتمعنا في جيده ورائعه, وكذلك الصور الجمالية فيه، وما انتابه الضعف، وذلك شأن أي شاعر، يخطئ ويصيب، يعلو ويهبط,, ومن يدعي في فن من فنون الحياة الكمال,, فقد انزلق بغروره,, ومن دفعه هوى الى ان يلبس غيره وشاح الريادة والتفرد,, فقد جنى على نفسه ومن عنى,, ذلك ان الذي يعمل، يصيب ويخطئ، لأنه بشر خطاء,.
والله المستعان.
جدة - في 14/11/1420ه
20/2/2000م

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved