أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 4th May,2000العدد:10080الطبعةالاولـيالخميس 29 ,محرم 1421

الثقافية

أجنحة الكلام
الحياة في حاشية صغيرة,,,!
ريمة مبارك
الفارق بين الذين يحيون الحياة وبين الذين يعيشونها، كالفارق بين الحياة ذاتها وبين الموت,, خوض الحياة، حياة، فعل يؤثر فيها بالإيجاب أو حتى بالسلب والمرور بها، عيشاً، شكل من أشكال المحو، ادعاءٌ أو نفاق أو خديعة أو هو استسلام مهين، وتذرع يلتمس التبريرفي وهم الادعاء,, هؤلاء الذي يرسمون على وجوههم الجهامة أو صرامة زائفة يواجهون بها الناس أو المواقف هم الأكثر جدارة بالرثاء وهم الأشد إحساساً ومعرفة إن واجهوا الذات بوطأة الخذلان,.
أليس الفن من زاوية جانباً آخر من هذا الادعاء؟
تلك الألوان،تستلهم في تشكيلاتها وهج الحياة وإبهارها دون أن تعرف الأسباب، وتستعين من الطبيعة بحركة الظل واندلاع النور، ترسم الأشكال على غرار ما تسترق العيون، وتمسك بالصدى من صراخ الأصوات، ثم لا تلبث أن تكون في نهاية المطاف غير وهم يحاكي الحياة ولا تقدم عوضاً عنها أو بديلاً، لا تفسر سراً من أسرارها ولا تجلو حقيقة، لا تعين على احتمالها ولا تعزي عن وجع الفقد فيها، تعجز عن أن تضعنا في مجابهة الحياة، أو أن تدلنا على اتجاه القرار,, تلك الألوان بهذه المواصفات أليست كادعاء الجهامة فوق وجوه هزلية؟!
انفلات الكلام موزوناً أو مقفى، مضيعاًبين النحيب أو الغناء يتلذذ بفتح الجراح المدعاة فاغرة لكل من يصب فيها الملح، أو يبسط للريح أجنحة بلا رياش إلى ممالك الوهم والمحال بلا طائل أو يستعرض في الذات الشاعرة قدرة الإبهار ببهلوانية الوثب في الهواء والقفز فوق تقاليد الشعر، وجمال الصياغة وبهاء الصورة، اندلاق الكلام على هذا المنحى أليس كادعاء الجهامة فوق هزل الوجوه وخواء النفس وغفلة الضمير؟!
مطارق الأحكام النقدية، تهوي بسلطة القانون وتشديدات المدارس والاتجاهات، دون أن تفسح في الصدر أي سانحة لرحمة الاجتهاد وشرف المحاولة ادعاء آخر بصرامة الملامح فوق وجوه تعيش الحياة ولا تحياها، مع أنها الأكثر إدراكا لخواء الرأس وفراغ الصدر,.
الذين يحيون الحياة ويعيدون صياغتها من حين إلى آخر على النحو الأجمل هم الذين يوسعون التاريخ بفيض الأحداث، والذين يعيشون الحياة هم الذين يتولون التعليق والشرح لتلك الأحداث في أفضل حالات البذل، أو يدعون قدرة الممالأة والمحاكاة في أسوئها دون محاولة لتحديد الموقع من حركة الأيام ودورة الأرض ومسار الزمن,.
كأننا هكذا نضع المخترعين لأدوات التقنية في المكانة الأهم من المبدعين لجمال وهم الفن والحافظين لمساراته من التردي والانفلات من النقاد وهو تصور لا يجول بذهن مجنون، وإنما نعرف من دروس التاريخ، أن الفن الحقيقي هو الذي فتح نوافذ الممكن أمام جموح المبتكرين بدءاً من ليوناردو دافنشي إلى فيرن أو غيرهما، ونعرف ان العرب قد حققوا انتصارات القبائل بالشعر وأن جويا قد أسهم في جلاء المحتلين بلوحاته، وأن هناك من وجه الحياة إلى الانخراط في عصر علمي وصناعي جديد كالبرخت دورر وأن كوليريدج قد غير في الحياة اتجاه الذائقة إلى شكل جديد للإبداع، وأن إميل زولا ورفاقه من كتاب الرواية قد أحلوا قناعات جديدة للجمال شكلت فلسفته قروناً تالية وأن إليوت وباوند وفرجينيا وولف قد شغلوا الفكر الإنساني حتى اللحظة بحداثة تستلهم في كل زمن حداثته، وأن أمثال هؤلاء جميعاً هم الذين يثرون في الإنسان رأسه وقلبه، وهم الذين كانوا يحيون الحياة وتركوا لنا دوراً ثانوياً في أن نعيشها وإلا فأين من كل ما أنتجه الفن لدينا اللوحة الفريدة المعادلة حتى للموناليزا، أو القصيدة المساوية لبيت واحد من أبي الطيب، أو الدراسة النقدية التي سعى إليها واحد من الغرب البعيد أو الشرق القريب؟، نتساءل عن عمل واحد ينقلنا من المرور بالحياة عيشاً إلى الخوض فيها حياة، ولو في حاشية صغيرة.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved