أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 4th May,2000العدد:10080الطبعةالاولـيالخميس 29 ,محرم 1421

الثقافية

مسرح الأحساء من نوح الجمعان,, العيني والعيان
محمد العثيم
لا يوجد بين المسرحيين من يهمش دور الجمهور في العرض المسرحي سواء كان نخبويا أو جماهيريا سياحيا تجاريا اوحتى تهريجيا,, القضية على الدوام تكمن في طريقة إمساك العصا من الوسط بمعنى جذب الجمهور من خلال قيمة جمالية وثقافية.
إمساك العصا من الوسط ليس بالأمر السهل فقد تراوحت طريقة العروض الجماهيرية بين القص واللزق وبين التهريج اللفظي وبين من يخلط المحسنات مما يأخذ بهوى مشاهد العرض وقد ينسى الفنان في سياق لهوه القيم الفنية والجمالية.
كل هذا يسهل لمن يعرفون جسد العرض ويسطحون الذوق والفكر العبور الى عالم الفن والإبداع من باب التهريج وهذا ما يبعد بعض الفنانين المتميزين لعدم الدخول من أبواب الجماهيرية ترفعا عن الهبوط والتزاما بقيم قد تضعهم في قائمة المتهمين بانهم من المقيمين نخبوي في الأبراج العاجية للثقافة.
نوح الجمعان وفريقه المسرحي الذي قاده احمد النوه كان في الحقيقة يستطيع امساك العصا من وسطها حيث تأرجحت بعرض جماهيري عميق الرسالة والفكرة وكان من تأليف الكاتب عادل الخميس .
هذه مقدمة للتجربة المسرحية المتميزة التي قدمها المخرج والممثل الجمعان, للجمهور ضمن فعاليات مهرجان المسرح في الجنادرية,, وهي اجمالا تعطي الانطباع بالتماسك الفني والقوة في الإعداد لولا انه اعتراها بعض الإسراف في التواطؤ الجماهيري الذي لا مبرر له الا اعتقاد المسرحيين السعوديين أن مسرح الجنادرية يضيق بالجد وهذا ما قاد المسرحيين الى التنادي على هذه الفكرة في اكثر من عمل وأجمل ما في هذه المسرحية انها محصلة تجربة وخبرة في المسرح والجمهور ولها اسلوبها الخاص تمثيلا وعرضا,, والمسرحية تأتي في الباب نفسه الذي تحدثت فيه الاسبوع الماضي وهو محاولة التصالح مع الصالة جماهيريا وإغفال المسرح النخبوي,, الا ان العرض ورغم الكثير من الاعتراضات كان يحمل قيما في جماليات صراع الخير والشر قدمت جماليات القبح الذي يقتل نفسه من خلال الطمع من جدولة خطاب مطروقة في الكوميديا اللفظية ولكن في سياق سرد فعل ناجح بأسلوب حيوي حصل على تفاعل جماهيري تحسده عليه كثير من المسرحيات التي عرضت في موسم هذا العام.
والنص كما اشرت يأخذ فكرته الأصلية من رجل يصيب الناس بالحسد والعين وما يلبث ان يجد المسألة مربحة فيستثمر طاقته ويوظفها للطالبين والزبائن فيتكرر الزبائن من مختلف الأهواء الى ان يأتيه رجل يطلب منه ان يصيب قريباً من اقرباء العيان نفسه بالعين بعد ان فاز بالمنصب فيعميه الطمع ويصيب اعز مخلوق لديه.
والحكاية تعود لتكرر القول ان الطمع يحيق بأهله وان الحاسد مصاب بشره وضرره يقع في نفسه والحكاية كما ترون تعمم قضية قبح الأذى وانعكاسه لتؤكد جمال الخير من قبح الشر.
وقد لقي هذا العرض استجابة واحتفاء من جمهور المسرح ويرجع ذلك في المقام الأول الى استطاعة الممثلين تقديم تقنية رائعة ومستوى اتصالي كبير كان يحرك الصالة لصالح العرض مثل مايسترو محترف وبخطوات رائعة وكان على رأس الفريق التمثيلي الممثل احمد النوه الذي اتضحت عليه تجاعيد التجربة المسرحية من مسيرة ما يزيد على ربع قرن كان دائماً يسهم بالمسرح ويقدم عطاء متواصلاً.
الجهد الإخراجي المميز للفنان نوح الجمعان الذي برزت موهبته في تقديم عرض نظيف في معطياته (السينوجرافية) وناعم في التتالي السردي(الدرمتوريا) جعل العمل يمر رشيقا دون ان تطرف للمتابع عين او يعتريه ملل.
والحقيقة ان الرؤية بدأت تتضح لي حول الكثير من النقاط التي صعب علي الحديث عنها في هذا العمل بعد العرض مباشرة ومنها ان العرض قريب الى حد كبير من العروض السياحية في الكويت ومصر وهي عروض تحاول بقدر الإمكان التملص من العروض النخبوية التي لم تعد تستقطب جمهورا ولكن هذا العرض يختلف بتقديم قيم انسانية وجمالية في التفريد البنائي للشخصيات التي تمايزت وهي قدرة تجعلنا نشد على يدي الجمعان وزملائه وقد كانت للجمعان خلال العرض اكثر من حالة احلالية للطقس المسرحي المعتبر في ماهية المسرح منها الطقس الختامي المميز حين يصيب العيان شره.
قد نتفق ان الفكرة مسرحية من الدرجة الأولى ومفهومة السياق من اللحظة الأولى يتداخل فيها الممثل مع الجمهور او مع ممثلين في الصالة,, لكن نوح الجمعان اغرقها بأساليب التشويق التي كما قلت موهت على جوانب كثيرة من الهدف الاخلاقي للعرض,, بل عشقت الشين مشددة افكار كثيرة للنص تعشيقا قويا لمجرد التسلية احيانا دون ان تضيف المنلوجات والديالوجات اي جديد الا المباشرة وصرفت المستمعين عن العمل لأنها اخذتهم بايحاء الأعمال المسرحية المقتبسة او القريبة منها وهذا احد اخطاء المسرحيين الكبرى يوم يتعاملون مع الإيحاء الوجداني من خلال فكر أو اغانٍ ذات جماهيرية سابقة فتقطع العمل وتجيره للأثر الوجداني السابق أو المسموع اصلا.
وكنت اتمنى ان لا تسرف كثير من المسرحيات بهذا الاتجاه لأن المسرحيين لن يجعلوا المسرح مجموعة اكولاجات من القص واللزق وجمع النقائض مقرونة لبعضها كما حدث في اعمال كثيرة هذا العام، ولاانقص بذلك من تميز هذا العمل ولا من قوة تجربة الجمعان لكني اردته ان يكون اشارة في السياق.
من جانب لايمكن إهمال ذكر قدرة المخرج نوح الجمعان وتميزه في تفريد الشخصيات التي قدمت عرضا حيويا في كل اجزاء العمل.
اخيرا ربما يرى بعض المسرحيين الذين عالجنا اعمالهم قلة المجاملة في طرح الرأي لكن كما ذكرت في اول هذا الحديث اننا تعاملنا مع مسرح المنطقة الشرقية من مسبار رؤية يختلف عن التعامل مع المسارح المستجدة لأننا نضع في الاعتبار ان المشاركين خبرات كبيرة وعلى ظهورهم حمل من المسرح مسؤولون عنه.
*اعتذار:
سبقني قلمي الى القول بأن مسرحية (حرك تبلش) قد عرضت في سلطنة عمان في مهرجان الفرق الأهلية الخليجية في المقال السابق,, وكان الأمر قد اختلط علي فأنا لم أر مسرحية المغني فرج فحسبت ان مسرحية حرك تبلش هي التي عرضت لأن المسرحيتين تزامنتا انتاجا.
من ناحية ما قدم من انطباعات حول حرك تبلش فلا يتأثر رأيي بهذا الخطأ الشكلي لأني حضرت مسرحية حرك تبلش للأستاذ عبدالعزيز العطا الله التي اخرجها السماعيل وكتبت عنها في العدد الماضي كما فهمتها.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved