أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 8th May,2000العدد:10084الطبعةالاولـيالأثنين 4 ,صفر 1421

محاضرة

الأسرى والمنفيون السياسيون من الجزيرة العربية أثناء فترة الحكم العثماني
د, محمد بن عبدالله آل زلفة*
نشرنا في عدد امس الحلقة الاولى من هذه المحاضرة، وها نحن ننشر في عدد اليوم الحلقة الثانية والأخيرة منها.
وفي عام 1879م اغتيل الشريف الحسين، وتم ملء منصبه من قبل الباب العالي بشخص لم يكن سوى الشريف عبدالمطلب وللمرة الثالثة وسرعان ما اتضح جليا ان هذا العجوز المتمرس، قد كان اكبر سنا بكثير من ان يستطيع تسيير دفة الامور في الحجاز بصورة ملائمة، وبالتالي فقد صار عبئا على العثمانيين، وكانت النتيجة أن تم خلعه في عام 1882م، واستبدل به الشريف عون الرفيق الذي كان بمنفاه في استانبول.
وفي عام 1907م تم تعيين الشريف الحسين بن علي شريفا لمكة، وآخر الاشراف الكبار اميرا في الوقت الذي كان فيه بالمنفى في استانبول.
وفي عام 1916م، عندما ثار الشريف الحسين ضد العثمانيين، قاموا بتعيين الشريف علي حيدر حفيد الشريف عبدالمطلب وآخر أمير من فرع ال زيد أو آل غالب - كما اصبحوا يعرفون - اميرا على الحجاز وقد كان الامير الأخير خلال فترة الحكم العثماني، وقد اتخذ من المدينة المنورة مقرا لامارته بدلا عن مكة حينما اصبحت خارج نطاق الحكم العثماني بعد ثورة الشريف الحسين بن علي.
وبعد حوالي اقل من عقد من الزمان لاحقا تم ارسال الشريف الحسين نفسه الى المنفى، في قبرص هذه المرة من قبل البريطانيين حيث ظل بها لحين وفاته.
وبعد اقل من سنتين لاحقا كان ابنه علي الذي خلفه في امارة مكة قد تم اجباره هو ايضا على مغادرة الحجاز وهو بالتالي يعتبر آخر حكامها من الهاشميين.
وأخيرا دعنا نعود الى المرحلة الاخيرة من حكم محمد علي في الجزيرة العربية، والى آخر مواجهة بين قواته والعسيريين.
كان ذلك عندما شن العسيريون هجوما مباغتا ضد قوات الباشا التي كانت متمركزة في بلاد غامد وزهران، الواقعة على الحدود التي تفصل عسير عن الحجاز, وقد كانت محصلة هذا الهجوم حدوث هزيمة تامة ومنكرة لعسير, فقد نجم عن تلك الهزيمة التي عرفت بمعركة رغدان (المكان الذي وقعت فيه) اسر ما يزيد عن (1000) من رجالهم، معظمهم من قبيلة رجال ألمع بما فيهم بعض زعماء العشائر، وكان هؤلاء قد اخذوا معتقلين سياسيين, اما بالنسبة لمن عداهم، فقد تم الاحتفاظ بهم كاسرى حرب في جدة، ومع ذلك وفي خلال سنة واحدة فقط وقع احمد باشا، القائد المسؤول عن قيادة القوات المصرية، في فخ عسيري، بسبب فشله في سحب جيشه الذي كان متمركزا في المنطقة الحدودية المذكورة اعلاه, ونتيحة لتطويق جيشه الجهات كافة، وسهولة التغلب عليهم، فلم يكن امامه الا توقيع اتفاق مع الامير عائض بن مرعي امير عسير, وطبقا لذلك تم الافراج عن اسرى عسير الذين كانوا بجدة (27) , اما بالنسبة لأولئك السجناء السياسيين الذين كانوا في معتقلهم بالقاهرة منذ عام 1254ه، فقد تم اطلاق سراحهم هم ايضا، وعادوا الى موطنهم، وقد حدث ذلك في شهر (عاشور) محرم 1257ه فبراير 1841م.
أما هؤلاء الزعماء السياسيون المنفيون فهم كل من الشيخ عبدالعزيز احمد الغامدي وهو كبير شيوخ غامد، والشيخ محسن بن جعال من شيوخ غامد البارزين وجمعان بن راشد كبير شيوخ زهران وآخرون غيرهم لم نستدل على اسمائهم (28) .
الأسرى والمنفيون من عسير
لم تقم اي منطقة من مناطق الجزيرة العربية بتحد سافر وواضح ورافض للنفوذ الاجنبي الممثل في الحكمين المصري في عهد محمد علي باشا، والعثماني الذي خلفه مثلما قامت به منطقة عسير في المقام الأول، ثم تأتي نجد في المقام الثاني.
وكان كل من محمد علي والدولة العثمانية يدركان منذ المحاولات الاولى لبسط نفوذهما على الجزيرة العربية ان هذين الاقليمين هما قطبا الرحى والصخرة الصامدة في وجه كل محاولة لتثبيت نفوذ اي منهما، ولذا فقد حرصا منذ الوهلة الاولى لتدخلهما في اوضاع الجزيرة العربية عام 1811م على ان يعملا بكل جد للفصل بين الاقليمين او المنطقتين، لأن في ذلك ما يسهل عليهما تحقيق مآربهما العسكرية والسياسية وما شكلاه من ثنائي رائع وصمود خالد في مواجهة الخصوم، والعارفون بتفاصيل تاريخ هاتين المنطقتين يعرفون ما اعنيه، ولذا فلن اطيل في شرح تاريخ المقاومة لابناء هاتين المنطقتين في مواجهة الغازي الغريب.
وفي الجزء الاول من هذه الدراسة أوضحنا جوانب من امثلة حية لعظمة التضحية المتمثلة في ما قاساه ابناء هاتين المنطقتين من قتل وأسر ونفي وتدمير للمدن بلغت الذروة في تدمير الدرعية تدميرا شبه كامل، واستشهاد الاعداد الكبيرة دفاعا عن وطنهم،واسر ونفي المئات الى خارج اوطانهم وفي هذا الجزء من الدراسة احاول القاء الضوء على مرحلة حاسمة من تاريخ منطقة عسير ودورها الكبير في التحدي والتصدي لكل محاولة عثمانية في بسط حكمها المباشر على تلك المنطقة حيث ظلت ولمدة اثنتين وثلاثين سنة امارة مستقلة بكل ما يعنيه الاستقلال من معنى، ودفعت الثمن غاليا في سبيل الحفاظ على ذلك الاستقلال، حينما اضطرت للدخول في مواجهات مستمرة مع العثمانيين الذين بسطوا نفوذهم على ولايتي الحجاز والسواحل اليمنية، واصبحت عسير تشكل حاجزا صعبا بين هاتين الولايتين العثمانيتين، بل كانت طوال هذه الفترة تشكل خطرا على النفوذ العثماني في ولايتيه المذكورتين.
في عام 1871 بلغت المواجهة بين العسيريين والعثمانيين ذروتها، حينما اقدم الامير محمد بن عائض على غزو الحديدة عاصمة الولاية العثمانية في اليمن، في محاولة اجتثاث النفوذ العثماني من تلك المنطقة نهائيا.
ولكن الدولة العثمانية بما توافر لها من قوة عسكرية برية وبحرية مدربة على النظام الاوروبي الحديث حينما اخذت الدولة باصلاح حال مؤسستها العسكرية، واستفادتها من فتح قناة السويس 1869 التي أمكن من خلالها وصول قواتها محمولة بحرا مباشرة الى السواحل العسيرية، فقامت بدفع ما يصل تعداده الى تسعة عشر الف جندي مدرب الى السواحل العسيرية بقصد القضاء على هذه الامارة المشاكسة واستفادت من المناخ السياسي الاقليمي والدولي الداعم للدولة العثمانية, وقد تمكنت من القضاء على هذه الامارة، وقتل اميرها وتدمير العديد من مدنها وقراها، وفرض حكمها المباشر على ارض عسير رغم شراسة المقاومة الوطنية التي لم تهدأ طوال الحكم العثماني لهذه المنطقة الذي امتد الى نهاية الحرب العالمية الاولى.
ولتخفيف حدة المقاومة اقدمت على نفي عدد من كبار قادة وزعماء عسير، كما أسرت ما يزيد عن اربعمائة من خيرة المقاتلين ونفتهم الى اصقاع مختلفة من ارجاء الامبراطورية، وخاصة الجهات المتاخمة للحدود الروسية، وقد انقطعت اخبار هؤلاء المنفيين واصبحوا في عداد شهداء الواجب الوطني.
أما الأحد عشر زعيما وهم:
(1) سعيد بن عايض (شقيق أمير عسير المقتول).
(2) عبدالرحمن بن محمد بن مفرح.
(3) أحمد بن محمد بن مفرح.
(4) لاحق بن أحمد الزيداني.
(5) علي بن لاحق الزيداني.
(6) فايز بن غرم العسبلي.
(7) علي بن غرم.
(8) احمد الحمفظي عبدالخالق.
(9) علي بن ابراهيم.
(10) علي بن طالع.
(11) ناصر بن معتق.
ومعهم ما يزيد عن خمسين فردا من ابنائهم وزوجاتهم فقد صدرت الاوامر بنفيهم نفيا ابديا طبقا لما ورد في إحدى فقرات حيثية امر النفي ما نصه (,,, ولذلك فقد اضحى من الضروري ابعادهم كي لا يتخذوا من وجودهم وسيلة في وقت من الاوقات لعرقلة الاصلاح والاستقرار المنشود وعدم تجويز عودتهم، بل قطع علاقاتهم عن مجتمعهم,, بالكلية,, واقرارهم بالسكن في طرف ديار الروم (روم ايلي) (29) .
غادر هؤلاء القادة والزعماء، ومنهم الامير سعيد بن عايض شقيق الأمير المقتول تحت حراسة مشددة من ميناء الشقيق على السواحل العسيرية، وكان ضمن الاسرى الشيخ احمد بن عبدالخالق الحفظي الذي سبقت الاشارةاليه، وهو قاضي منطقة عسير ومن اسرة علم انجبت العديد من العلماء والشعراء والمفسرين والادباء, والشيخ احمد شاعر مطبوع يقول الشعر سليقة صور مراحل رحلة الاسر في نص شعري جميل ونص ادبي منثور جميل ايضا، وتعد تلك النصوص الشعرية أو النص الادبي وثيقة تاريخية هامة.
وكانت ابنته زوجة لاحد الاسرى البارزين من اسرة السبعلي شيخ مشائخ بني شهر قد مرض طفلها ومات في البحر، ولم يكن هناك بد من رميه في البحر كعادة من يتوفى في البحر، فحزنت الام حزنا شديدا واصيبت بالجنون.
وصل الاسرى الى استانبول بعد عناء وصفه الشيخ الحفظي في منظومته واسكنوا في قلعة السلمية والتي تعد اكبر القلاع العسكرية في استانبول الى الآن في الطرف الأسيوي من استانبول, ووضعوا فيها تحت الحراسة تمهديا لنقلهم الى منطقة في بلاد البلقان, وفي مدينة (يانية) عاصمة البانيا حينذاك بعد التشاور مع واليها حول تحديد اقامتهم والذي اجاب على برقية حول هذا الخصوص ببرقية قال فيها:
(إنه يمكن ان يفرز من بعض المزارع السلطانية بعض الارض الصالحة للتوطين في محيط يانية، وتمهيدا لهذا وريثما يتم الاعداد التنفيذي له, يتم اسكانهم على الفور في المكان المسمى والقائم (إصلا حخانة) = اي دار الإصلاح الاجتماعي مؤقتا (30) .
,, فتداول عدد من المسؤولين في استانبول ومنهم وزير الحربية ما اقترحه والي يانية واستحسنوه, ولكن ظهرت مشكلة اخرى وهي طريقة الانفاق عليهم الى ان يتأقلموا مع حياتهم الجديدة ويصبح لهم دخل ثابت يعيشون منه.
رأى المجتمعون ان تقوم الحكومة في ديارهم ببيع املاكهم وتكوين اموالهم وارسالها لتسلم الى ايديهم ليتصرفوا فيها بحرية (31) .
اما ما يتعلق بنقلهم الى (يانية) فقد قررت اللجنة المذكورة وبالتشاور مع وزيري الحربية والمالية ان تقوم الترسانة العامرة باعداد باخرة لتنقلهم تحت نظارة موظف مكلف وان تكون اجرة الاركاب مؤمنة من (مال الخير) وتخصيص مبالغ متفاوتة للرؤساء والافراد لتكون مدار معيشة يومية في حدود 255 قرشا للرؤساء وكل واحد من الافراد 10 قروش,, وان يستمر الامر في المحافظة عليهم قبل الاسكان وبعد التوطين كيلا يفر أحد منهم (32) .
مكث هؤلاء الزعماء في الاسر ما يناهز الست سنوات منهم من مات، ومنهم من تزوج وأنجب أولادا، وقد قام الشيخ الحفظي بفتح مدرسة لتعليم ابناء المنفيين اضافة الى ما ألفه من اعمال كثيرة اهمها تفسيره للقرآن الكريم في مجلدين ضخمين مازالا مخطوطين، تم العثور على الجزء الأول محفوظا في مكتبة جامعة استانبول وكان قد اهداه الى السلطان عبدالحميد عشية توليه مقاليد الخلافة، والكثير من الاشعار ومعظمها قصائد يتغنى فيها بوطنه وابناء وطنه, ومنها ديوان ألفه في مدح الجيوش السلطانية اثناء حروبها مع الصرب والروس المؤيدين لهم، والتي كانت تدور رحاها في المناطق التي لا تبعد كثيرا عن مكان اسرهم.
بمجيء السلطان عبدالحميد الى السلطة من خلال حكومة إصلاحية تحت رئاسة المصلح العثماني الكبير مدحت باشا اعيد النظر في مسألة الاسرى, فصدرت الإرادة السلطانية بالافراج عنهم، رغم ما بذل قبل ذلك من محاولات كثيرة من التوسل والوساطات في طلب اطلاق سراحهم، خصوصا من شريف مكة عبدالله بن محمد بن عون، لانه كان ضمن الأسرى اثنان من اسرة العسبلي القادة البارزين من بني شهر، وهما اخوال الشريف، وقد رفضت كل المحاولات، الى ان جاء عصر الإصلاح والحريات التي اعلنها مدحت باشا.
وكان من ضمن المستفيدين من عصر حكومة الاصلاح وإعلان الدستور ومنح الحريات اضافة الىاسرى عسير الشيخ راكان بن حثلين الذي اطلق سراحه متزامنا مع اطلاق سراح اسرى القادة العسيرين.
قصة هؤلاء الاسرى وحياتهم في المنفى لا نستطيع ان نغطيها في هذه العجالة انها بحاجة الى معالجة اكثر عمقا اذا ما توفر الوقت الكافي.
من الزعماء البارزين في عسير الشيخ حسين بن علي بن مشيط شيخ قبيلة شهران المعروفة والذي رأت الحكومة المحلية في عسير انه كان مصدر قلق، بل يشكل خطرا على الاستقرار في المنطقة نتيجة لتنامي نفوذه لدرجة فرض ضرائب خاصة به، والتفاف قبيلته وبعض القبائل الاخرى حوله, فعقدت مجلسا لمحاكمته, وقد قرر المجلس ضرورة ابعاده وأوصى بذلك بكل إصرار، ورفعت التوصية الى الصدارة العظمى التي أيدت ابعاده وطلب الصدر الاعظم من السلطان الموافقة، وصدرت الارادة السلطانية بتاريخ 22 محرم 1300ه بالموافقة على ابعاده الى خارج المنطقة وكان ضمن الاقتراحات ان ينفى الى حيث كان رفاقه من الزعماء العسيريين اي الى بلدة (يانية) في ألبانيا, لكن خفف الحكم فيما بعد بابعاده الى الحديدة المدينة اليمنية المعروفة (33) .
لا اعتقد ان قائمة المنفيين من منطقة عسير تقف عند هذا الحد، إذ انه كلما حدثت حادثة وما اكثرها تلك الحوادث المتعلقة بمطالبة الناس من التخلص من ادارة فاسدة اوحاكم ظالم يذهب ضحية تلك المطالبات ضحايا يكون جزاؤهم اما القتل أو النفي.
والأمر يحتاج الى دراسة موسعة, وكما سبق أن ذكرت فإنه لا يمكن معالجة الموضوع في لقاء واحد.
المنفيون من أهل جدة
في عام 1274ه اندلعت في مدينة جدة فتنة بين بعض سكانها وبين القنصل الانجليزي كان سببها أن أحد تجار جدة، ويدعي صالح جوهر كان له مركب بحري يحمل العلم الانجليزي، فأبدله بالعلم العثماني، فغضب القنصل لهذا التصرف، وذهب بنفسه الى المركب، وانزل العلم العثماني، ويقال إنه لم يكتف بانزال العلم، بل داسه بقدميه وقال في حق الدولة العثمانية كلاما غير لائق, فغضب اهل جدة لهذا التصرف من القنصل فقادوا مظاهرة الى بيت القنصل، ويدعى المستر بيج Page وقتلوه، وقتلوا بعض أجانب أوربيين آخرين, فكانت ردة فعل بريطانيا أن أمرت احدى بوارجها بضرب مدينة جدة بالمدافع، وكان ذلك في اليوم الثالث من ايام التشريق, فهرب الكثير من اهل جدة خوفا على أرواحهم الى مكة.
وحاول الوالي نامق باشا وهو من الولاة المشهورين معالجة الأمر من خلال المحادثات مع قائد البارجة أو المركب الحربي، فلم يرض باقل من تقديم المتسببين في القتل للمحاكمة، وتشكلت لجنة ثلاثية عثمانية بريطانية فرنسية أرسل أعضاؤها من العواصم الثلاث للتحقيق، واتفقوا على إصدار الأحكام بحق المتسببين, تراوحت بين الإعدام والنفي والسجن.
والذي يهمنا هنا ما يتسق مع موضوع ورقتنا هذه، وهو ما يتعلق بالمنفيين, اما الذين حكم عليهم بالاعدام فهم عبدالله المحتسب وسعيد العامودي من ابرز اعيان جدة، ونحو اثني عشر نفسا من عوام الناس الذين وقع منهم القتل (34) .
اما الذين صدر بحقهم النفي فهم كل من شيخ السادة وقاضي جدة بعضهم مؤبدا وبعضهم الى مدة مؤقتة، ومن هؤلاء المنفيين من مات في منافاه، اما الذين عادوا فهم الشيخ عبدالقادر شيخ قاضي جدة، والشيخ عمر بادرب، والشيخ سعيد بغلف, ومن الذين توفوا في المنفى كل من السيد عبدالله باهرون، والشيخ عبدالغفار، والشيخ يوسف باناجة رحمهم الله جميعا (35) .
هذه جوانب من تاريخ اشخاص ضحوا بأنفسهم من اجل معتقداتهم واخلاصهم وحبهم لاوطانهم، ظلت هذه الجوانب المشرقة من تاريخ رموز التضحية الوطنية مجهولة، أو ربما انها لم تكن من القضايا الجديرة بالاهتمام في نظر البعض.
لعلنا من خلال هذه المحاولة نفتح بابا لدراسة الجوانب المختلفة لتاريخ مجتمعنا، ومنهم هؤلاء الرموز الذين لهم في اعناقنا دين، ادنى صور تسديده ان نتذكرهم وندعو لهم.
وأحب ان أشير في الختام الى انه من المستحيل ان احيط بكل ما تعرض للأسر أو النفي من كل انحاء جزيرتنا العربية، خلال فترة الحكم العثماني وبالتحديد فترة القرن التاسع عشر في هذا البحث المحدود له عدد صفحاته ومدة زمنية قصيرة لقراءته في الندوة التي اعد لها.
أرجو ان أتمكن من ايفاء الموضوع حقه في مناسبة اخرى وإن لم أتمكن أكون قد فتحت الباب للباحثين الشباب لإكمال الموضوع من بعدي.
الملحق رقم (1)
الوثيقة رقم: 19698 من تصنيف خط همايون من وثائق ارشيف رئاسة الوزراء استانبول.
حضرة صاحب السعادة والمكرمة اخي
السيد العزيز صاحب الحمية
سبق أن اومأنا وذكرنا لسعادتكم بالمناسبة ان ولدنا صاحب العطوفة ابراهيم باشا والي جدة على وشك ارسال جميع أتباع عبدالله بن سعود كبارا وصغارا, وشيخ أتباع من يقال لهم المرابطون (*) .
وقد جاء في رسالة المشار اليه الواردة الاخيرة، المؤرخة في 20 ربيع الأول سنة 1234ه انه بعث وسير عددا مقداره ثلاثمائة وخمسون من الرجال والصبيان والعبيد والنسوان من آل سعود وآل الشيخ مع سعادة الحاج اسماعيل اغا احد رؤساء بوابي المقام العالي والمراسل الخاص السابق لولدنا المرحوم طوسون باشا وانه بصدد ارسال عدد آخر مماثل.
ووصل المرقومون الى القاهرة عن طريق السويس يوم تاريخ رقيمتنا هذه، وجاء الى حديقة شبرا عدد من كبارهم وعقلائهم يتراوح بين الثمانية والعشرة اشخاص فقابلناهم ووقفنا على جميع احوالهم ونظرا لان اكثر هؤلاء من المعلولين والطاعنين والصبيان والنسوان وقد جيء بهم من مكان بعيد كالدرعية فقد اسكناهم حاليا داخل القاهرة في ظل مكارم الخليفة وخصصت مصاريفهم اليومية واتخذت اسباب استمالتهم كما ينبغي وسيعامل هؤلاء ومن سيجيء مستقبلا بما تصدر به الارادة العالية الكريمة.
فعندما يكون ذلك قرين علم سعادتكم بمنه تعالى، نأمل التفضل بابلاغ الباب العالي واقع الحال واشعارنا بما يصدر به الامر والارادة في هذا الشأن.
20 رجب سنة 234.
ختم
محمد علي
** الهوامش:
(1) نشر هذا البحث في مجلة العصور.
(2) انظر تفاصيل المواجهات الأولى والصعوبات التي قوبلت بها حملة طوسون بن محمد علي لدى جيوفاني فيناتي الذي اشترك بنفسه في هذه المواجهات، في كتابه, ترجمه إلى العربية د, محمد بن عبد الله آل زلفة، في طريقه للنشر.
(3) الوشي والطراز في فتح الحجاز, لمؤلف غير معروف، مخطوطة في مكتبة جامعة كمبريدج تحت رقم (Ms. Add 278)، مكتبة جامعة كمبريدج.
(4) محمد بن عبد الله آل زلفة، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتأثيرها على مقاومة بلاد عسير ضد الحكم التركي المصري 1811 1840، رسالة ماجستير.
(5) جورج ستيت، أمير الجزيرة العربية، لندن 1948م، صفحة 25 Jeorge Stitt, Aprince of Arabia, London, 1948p 25
(6) الوشي والطراز في فتح الحجاز (Ms, F. 16), انظر تفاصيل قصة اسر البطل بخروش بن علاس في رسالة الماجستير للباحث بعنوان Ibn Abdel - Wahhab,s Call and its imbact on the Asir Resistance io turkish - Egyptain Rule, 1811 - 1840, Kansas univ 1979
(7) تاميزيه, رحلة في جزيرة العرب، المجلد الثاني، صفحة 357, ترجمة محمد بن عبد الله آل زلفة، مطابع الشريف، الرياض 1415ه.
(8) محمد, م, يحيى زبارة, نيل الوطر، القاهرة 1350/ 1931م، المجلد الثاني، صفحة 52.
(9) توفي الشريف احمد في القاهرة عام 1253ه/ انظر: محمد العقيلي، صفحة 542.
(10) محمد علي الى السلطان، 15/ رمضان 1234ه, د, أ, خط همايوني رقم 19694.
(11) انظر قائمة اسماء ابرز الأمراء من آل سعود الاسرى وعدد مرافقيهم في الملحق رقم (1).
(12) ذكر الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ، محقق الطبعة الرابعة من عنوان المجد في تاريخ نجد لعثمان بن بشر، اسماء المنفيين من ابناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب مؤسس الأسرة ، هم: عبدالله، علي، إبراهيم، وبالإضافة الى ذلك ذكر اسماء احفاد المؤسس، انظر: ابن بشر، المجلد الأول، صفحة 431: وانظر كذلك: اسماء اسرى آل الشيخ ضمن البيان الذي وردت به اسماء أسرى آل سعود في الملحق (1).
(13) ذكر محمد علي باشا في خطابه الى محمد نجيب افندي وكيله لدى الباب العالي المؤرخ في 20 رجب سنة 1234ه ان عدد من بعث بهم ابنه ابراهيم من الأسرى من آل سعود وآل الشيخ يقدرون بحوالي 350 أسيراً، وانه بصدد إرسال عدد آخر مماثل.
(14) محمد علي الى السلطان، 24 رجب/ 1234 ه خط همايوني، رقم 19698 (أ) ارشيف رئاسة الوزراء استانبول.
(15) وصل الإمام عبد الله بن سعود الى القاهرة في 18 محرم / 1234ه، أكتوبر 1818م.
(16) السير إدوارد كريسي، تاريخ الأتراك العثمانيين، لندن 1878م، صفحة 494, راجع ايضا آر, بايلي وايندر، المملكة العربية السعودية في القرن التاسع عشر، نيويورك 1980م، صفحة (20).
(17) وكان معه عدد محدود من رفاقه الذين أعدموا معه يرحمهم الله جميعا.
(18) للمزيد من التفاصيل حول المعارك التي دارت رحاها في المنطقة الواقعة جنوب الرياض (بما فيها الدلم) انظر: التقرير المفصل المرسل من خورشد باشا الى محمد علي بتاريخ 14/ شوال/ 1254ه, إف, أو (F.O) 78373، وابن بشر، المجلد الثاني.
(19) ابن بشر، وتقرير خورشد باشا (الحاكم المصري لنجد) الى محمد علي فيما يتعلق بفيصل, وكلاهما يذكر ان اسم ابن عم فيصل على اساس انه عبد الله، ولكن في رسالة مرسلة من عبد الله هذا الى احد كبار المسؤولين (الأرجح أن يكون مصريا) واسمه تحديدا اسعد بيه قام بتوقيع اسمه الا وهو عبد المحسن بن ابراهيم, ارشيف رئاسة الوزراء، مسائل مهمة (حرمين)، جدة رقم 2433، لفة رقم13, انظر رسالته في الملحق رقم (2) حيث ورد في هذه الرسالة أخبار عمن بقي في مصر من الأسرى السعوديين.
(20) من خورشد باشا الى محمد علي، 21/ محرم/1255ه الموافق 6/ ابريل/ 1839م، الأرشيف القومي المصري، ملف رقم 267 (عابدين) رقم (8)، حمرا، رقم 44.
(21) كان الأمير خالد بن سعود من ضمن الاسرى بعد تخريب الدرعية، وكان شابا صغيرا تعلم في مصر وأمَّره محمد علي باشا على نجد بعد اسر الأمير فيصل، ثم أطيح به من قبل الأمير عبدالله بن ثنيان، ثم عاش في المنفى بعد ذلك في مدينة جدة الى حين وفاته.
(22) راجع: الالتماس المقدم من الأمير عبدالمحسن بن إبراهيم إلى أسعد بيه، 5 جمادى الأولى/ 1259ه، طالبا فيه السماح للمذكورين اعلاه بالعودة الى موطنهم، ارشيف رئاسة الوزراء، مسائل مهمة، حرمين (جدة) الرقم 2433 - لفة رقم 13.
(23) حدث ذلك في شعبان 1297/ يوليو 1880م وكان يحمل لقب باشا، واعطيت له ميدالية من قبل السلطان عبد الحميد، وفي رمضان 1300ه/ يوليو 1883م خصص له راتب شهري قدره (50,000) قرش، راجع الوثيقة رقم 65387 Irade Dahiliyye( إرادة داخلية) راجع ايضا الوثيقة رقم 70899، ارشيف رئاسة الوزراء، إستانبول.
(24) راجع: محمد آل زلفة، عسير في عهد الملك عبدالعزيز ودورها السياسي والاقتصادي والعسكري، ج1، ص (174 175) الفرزدق 1415ه، الرياض.
(25) انظر تفاصيل قصة الإفراج عن الشيخ راكان من أسره في بلدة نيش بصربيا حاليا، وتقع على بعد 200كم شرق بلغراد في بحث كتبه معد هذه الورقة بعنوان الحقيقة التاريخية بين الوثيقة والخيال الشعبي حقائق حول اسر الشيخ راكان وعودته من اسره, نشرت في مجلة التوباد التي تصدرها جمعية الثقافة والفنون السعودية.
(26) ابو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري, العجمان وشيخهم راكان بن حثلين،دار اليمامة، الرياض، 1403ه/ 1983م صفحة (170).
(27) راجع محمد آل زلفة، عسير وعلاقتها بالإمبراطورية العثمانية، 1840 1872م, رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة كمبريدج.
(28) راجع: وثيقة بتسجيل الأحداث خلال الفترة ما بين 1193ه/ 1779م و1257ه/ 1841م، تأليف حسن بن صالح، أعدها كاتبها بناء على طلب الشيخ عبدالعزيز الغامدي في تلك السنة نفسها التي عاد فيها من منفاه في مصر, وهذه الوثيقة التاريخية للأحداث محفوظة بمكتبة سعد البركي الخاصة بالباحة.
(29) من الصدر الأعظم إلى السلطان وثيقة رقم 1701 وتاريخ 18 جماد الأولى 1288ه إرادة داخلية، أرشيف رئاسة الوزراء، إستانبول.
(30) المصدر السابق.
(31) المصدر السابق, وقد استثني من بيع كامل أملاكهم في ديارهم لأولئك الذين خلفوا وراءهم أولاداً أو اقرباء.
(32) المصدر السابق.
(33) من الصدر الأعظم إلى السلطان, وثيقة رقم 47097 وتاريخ 22 محرم 1300ه، إرادة داخلية، ارشيف رئاسة الوزراء، إستانبول.
(34) أحمد زيني دحلان, أمراء بلاد الحرم، ص 369 الدار المتحدة للنشر، بيروت, (د,ت).
(35) المصدر السابق، ص 370.
(*) يقصد بالمرابطين آل الشيخ.
* أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر
بجامعة الملك سعود وعضو مجلس الشورى
أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved