أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 18th May,2000العدد:10094الطبعةالاولـيالخميس 14 ,صفر 1421

الثقافية

سرديات
القصة القصيرة في الجزيرة العربية (4)
د, عبدالعزيز السبيل
إذا كانت سرديات الماضية اعتبرت الستينات (الثمانينات الهجرية) هي مرحلة النضج الفني للقصة القصيرة في منطقة الجزيرة العربية، فإننا في مرحلة السبعينات نجد أن القصة القصيرة تسير في أحد مساراتها بامتداد المرحلة السابقة، وهي القصة التقليدية في بنائها معتمدة على السرد بالدرجة الأولى، ومركزة في موضوعاتها على القضايا الاجتماعية، بطريقة تصوير الواقع بالدرجة الأولى دون رؤية فنية ذات أبعاد متعددة.
أما المسار الثاني، فهو يمثل ذلك الاتجاه الذي ارتبط بشكل مباشر بالتحولات التي حدثت للقصة القصيرة مع بداية السبعينات في بعض الأقطار ذات التجربة الأسبق, وهذا حدث بشكل ملحوظ في البحرين وتجارب محمد عبدالملك وخلف أحمد خلف وأمين صالح وعبدالله خليفة وعبدالقادر عقيل بعض من الشواهد، والأمر نفسه حدث في الكويت على يد عدد من الكتّاب أمثال سليمان الشطي وسليمان الخليفي وإسماعيل فهد إسماعيل الذين يعدون مؤسسي فن القصة القصيرة في الكويت.
أما في اليمن فقد برز في تلك الفترة عدد من الكتّاب منهم عبدالله سالم باوزير وسعيد عولقي ومحمد المثنى, إضافة إلى واحد من أبرز كتّاب القصة، أعنى زيد مطيع دماج، الذي ودعته اليمن قبل أشهر حيث انتقل إلى رحمة الله تاركاً وراءه انتاجاً قصصياً وروائياً متميزاً.
وفي المملكة يصور الدكتور منصور الحازمي اختلاف مفهوم القصة عند بعض جيل السبعينات، بأنها لم تعد تعنى بالبيئة المادية أو الواقع الحسي، بل باللحظات الشعورية والمواقف النفسية المتوترة, ولم تعد تهتم بالمشاكل الاجتماعية اهتماماً مباشراً، بل بما قد تعكسه هذه المشاكل من أحاسيس ذاتيه غامضة.
أما الأمثلة على هذا النوع من القصص فقد جاء في كثير من المجموعات القصصية ويمكن ذكر ثلاث مجموعات سبقت الإشارة إليها في سياق آخر, هذه المجموعات هي مجموعة محمد علوان الخبز والصمت (1397/1977)، ومجموعة جار الله الحميد أحزان عشبة برية (1399/1979)، ومجموعة المرحوم إن شاء الله عبدالعزيز مشري موت على الماء (1399/1979).
هذا التحول في أسلوب الكتابة والمعالجة جاء نتيجة لعدد من الظروف، منها المزيد من الوعي، والتأثر بما يحدث في الأقطار المجاورة، ثم بالتالي التحول الاقتصادي الذي حدث في المنطقة بشكل مفاجئ، لم يكن من السهل استيعابه.
ولعل الأمر لا يختلف كثيرا عما حدث في أقطار عربية أخرى, فبالنسبة لتجربة مصر في هذا الإطار يعلل سمير حجازي ظاهرة التحول في القصة القصيرة بأنها تأتي نتيجة الأزمات الثقافية والتحولات الاجتماعية غير المحتملة ، التي أدت إلى إحساس الكاتب بالاغتراب، الذي أوجد نوعاً من التوتر النفسي، مما جعله يتخذ من القصة القصيرة وسيلة للتعبير؛ لأنها تتميز ببعض الخصائص الفنية, فهي تقوم على تصوير موقف معين من زاوية معينة، بطريقة تميل إلى الانكماش، وتعتمد على الجمل الوصفية الدقيقة ، التي تصور الواقع الداخلي والخارجي بطريقة تهمل عنصر الزمن وتسلسل الحوادث، والكاتب يصور لنا هذا الموقف بلغة الشاعر المرهف , ولعل هذا الرأي يقترب إلى حد كبير من واقع القصة القصيرة في عدد من البلدان العربية مع اختلاف نسبي في الفترة الزمنية التي تمر بها، لكنها غالباً حدثت بين عقدي الستينات والسبعينات, ومنطقة الجزيرة العربية جزء من ذلك.
وحين الحديث عن القصة القصيرة، نجد أن ثمة إشكالية تتصل بمفهوم هذا الفن لدى مبدعيه, وهذا أمر لا يخص هذه المنطقة الجغرافية فقط, فثمة تفاوت كبير من حيث المستويات الفنية، الأمر الذي يمكن الميل معه إلى أن كثيرين من الكتّاب يعتمدون على خبرتهم القرائية والإبداعية في إطار هذا الفن دون أن يكون هناك وعي كامل بتقنيات وخصائص هذا الفن الذي وصفه أحد نقاده (بيتس) بقوله إن القصة القصيرة أشبه ما تكون بالسائل الذي ينزلق بين اليدين.
ومن الواضح من خلال التفاوت الكبير بين مستويات الإبداع أن عدداً من الكتّاب والكاتبات يملك رؤية ويود التعبير عنها، فيتجه نحو القصة القصيرة، لأنها ظاهريا تبدو عملا سرديا يمكن دخوله، دون وعي أن ثمة مفاهيم وتقنيات لهذا الفن، ويجدر بالمبدع أن يكون على دراية تامة بها.
ولعل سؤالا يتم طرحه في هذا الاطار، يتصل بالعلاقة المباشرة بين الإبداع وبين دراية المبدع بمفاهيم الفن الذي يبدعه! وبطريقة أخرى ماذا سيفيد تحديد مفهوم القصة القصيرة بالنسبة للمبدع؟ وهو سؤال مهم يتركز حول العملية الإبداعية نفسها, وهنا يجدر التأكيد على مسألتين أساسيتين, الأولى تتمثل في أن الدراية النظرية وحدها لن تخلق مبدعاً أو إبداعاً, الثانية، أن الكاتب الذي يظل أسيراً للتنظير الإبداعي، لن ينتج إبداعاً, إن المبدع يجب ألا تحده قيود نظرية، ويتوقع منه أن يكون أكبر من العروض ، وفوق تحديد مسالك ودروب الفن, لكن ذلك يجدر ألا يحدث إلا بعد أن يكون المبدع على وعي بأساليب ونظريات وتقنيات فنه الإبداعي، وعلى دراية بدهاليز فنه وخباياه وبالتالي تملك ناصيته.
ودعا للمشري
ودّعت القصة المحلية هذا الأسبوع أحد أبرز المخلصين لها, وإذا جاءت الإشارة آنفا إلى مجموعته الأولى موت على الماء فإنها تعد مرحلة انطلاق الإبداع القصصي عند المشري، أطل فيها على المجتمع من خلال نادي الرياض الأدبي, وقد قدمها للقراء صديق المشري ورفيق دربه الشاعر علي الدميني من خلال رؤية نقدية متميزة, وتقف سرديات هنا لتقدم خالص العزاء للدميني وإلى أصدقاء المشري وذويه، وإلى كل قراء السرد، الذين سيتجهون أكثر من ذي قبل إلى عطاءات المشري السردية (ست مجموعات قصصية، وست روايات)، لمنحها مزيداً من الاهتمام قراءة ونقداً، ولعل ذلك يمثل جزءاً من الوفاء بحق المبدع عبدالعزيز مشري رحمه الله، الذي أهدى مجموعته الأولى للغرباء، الذين تنتحر خطواتهم على سواحل الصمت .

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved