أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 21st May,2000العدد:10097الطبعةالاولـيالأحد 17 ,صفر 1421

الثقافية

ضرورته أصبحت ضرورة
المسرح حوار شاق مع النفس والعين عليه لأن لسانه طويل
مشعل الرشيد
* يقول أرنست فشر وهو من أبرز نقاد الفن الاجتماعيين في العصر الحديث: (إن عمر الفن يوشك ان يكون هو عمر الإنسان) ويقول رينيه ورج,, استاذ سيكولوجية الفنون التشكيلية في الكوليج دي فرانس: (ليس الفن لهوا او مجرد ترف، مهما يكن هذا الترف رفيعا، بل الفن ضرورة ملحة من ضروريات النفس الإنسانية في حوارها الشاق المستمر مع الكون المحيط بها,, فإذا صح القول: ألا فن بلا إنسان,, فينبغي القول كذلك ألا إنسان بلا فن)
يقول المصور موندريان بيتر موندريان (عام 1872 1944) وهو رسام هولندي: (ان الفن في جوهره، تعويض عن انعدام التوازن في الواقع الراهن) ويقول: (ان الفن سيختفي عندما تصل الحياة الى درجة اعلى من التوازن)، وهو بهذا يرى الفن وسيلة لايجاد التوازن بين الإنسان والعالم الذي يعيش فيه,, وهي فكرة تحوي اعترافا جزئيا بطبيعة الفن وضرورته ولكن وجود التوازن الدائم بين الإنسان وعالمه أمر مستبعد حتى في ارقى اشكال المجتمع,, ومن هنا نستطيع ان نستنتج حتى من هذا الرأي ذاته ان الفن سيكون ضرورة في المستقبل كما في الماضي,, ومن ثم فإن فن المسرح وهو احد روافد فنون التعبير,, اصبح وجوده ظاهرة حتمية لمجتمعنا العربي التي دخلها هذا النوع من الفنون منذ وقت قصير قياسا بالمجتمعات الأوروبية التي احتضنته كمنبر من منابر التعبير الإنساني التي استطاعت ان تقفز قفزات نوعية مما ساعد على ظهور فنون مختلفة,, بينما نحن في مجتمعاتنا العربية بصفة عامة و منطقة الخليج بصفة خاصة,, اصبحنا متلقين لهذا الفن الوافد الذي جاءنا متأخرا الى ان اصبح ذا ضرورة حيوية بوجوده الحي وذلك بما نراه من اهتمام المسؤولين ونشاط الفنانين,, بدليل تأسيس وإنشاء الكليات والمعاهد والمهرجانات المسرحية في اغلب ومختلف البلدان العربية.
اللسان الطويل
* قال احد النقاد العرب المعروفين: (المسرح لسانه طويل) بما يعني انه يتطرق لموضوعات حساسة قد تمس شريحة اجتماعية لها تأثير قوي في المجتمع,, بما يؤثر بالسالب على العرض المسرحي وذلك من خلال أجهزة الرقابة, وللحقيقة ان المسرح قد فرض وجوده رغم كل المعوقات إلا ان دوره ظل قاصرا نتيجة للظروف الاجتماعية,, مما يحد من انطلاقته الفنية الموضوعية التي تعتبر إحدى ركائزه الهامة,, وقد اصبح المسرح في كثير من الأحيان يلجأ الى التاريخ او الى الرمز البعيد او الى وسائل كثيرة تعتبر تحايلية من أجل تمرير العمل من تحت ايدي الرقابة,, سيان كانت الرقابة حكومية او رقابة ذاتية فرضت على الفنان نفسه من خلال كل الظروف والملابسات التي خلقت كثيرا من المحظورات بحيث اصبح الفنان نفسه رقيبا على ذاته,, ومن ثم تخرج الأعمال عاجزة عن ان تحقق الأهداف التي يتأملها الفنان المبدع,, فتخرج في صورة ملغزة ومطلسمة قد يكون من أثرها معاناة المتلقي في الاستجابة للأعمال المقدمة على المسرح بما يعكس نتيجة سلبية وهي هروب المتفرج من ناحية,, وعزوف الفنان المبدع نفسه عن استمراره بهذا الاسلوب الذي يحد من حركته بالصورة التي ينبغي للفنان ان يريدها.
غسل الأموال بالمسرح
* إذا نظرنا الى الواقع المسرحي العربي فسوف يتأكد لنا أن ما يقدمه المسرح الآن ليس هو الطموح وليس هو المسرح الحقيقي,, بل اصبح مسخا مشوها وبعيدا عن كل ما نحلم به,, اللهم إلا بعض الأعمال الفنية التي يقوم بها قلة من الفنانين,, او الأعمال التي تندرج في اطار المهرجانات وبعد انتهاء الفعاليات المهرجانية يعود المسرح الى ممارسة التجارة والاتجار بالفن من خلال أموال تريد ان تغتسل على خشبة المسرح!!
ونعتقد بأن المسرح بدخوله العالم العربي متأخرا قد بدأ بقلة من الفنانين والمهتمين وفرض وجوده دون توعية من المتلقين,, فأصبح هذا المسرح يشد المتلقي دون قناعة داخلية بأن المسرح ظاهرة حضارية,, والمفارقة هنا تظهر وتتضح بأن الرأي السائد عند المتلقي هو التسلية والترفيه,, اللهم إلا قلة الذين يستشعرون أهمية وجود المسرح,, إذ نجد ان لهم مذاقا خاصا تجاه المسرح,, اذ يعتبرونه أداة فنية ذات اهداف تعليمية وتثقيفية وتنويرية وترفيهية,, وهناك امثلة كثيرة تصادف المهتم المسرحي,, فهو إذا دعا صديقا له ايا كانت وظيفته او مهنته,, لمشاهدة مسرحية ما,, فإن الصديق قد يتعلل بأسباب واهية عن عدم قدرته للحضور ولكن الحقيقة هي ان النظرة مازالت متخلفة.
إذ ينظر الى المسرح او الفنانين باعتبار انهم مشخصاتية وليسوا أكثر من مجال للتسلية,, وهذا هو الخطأ بعينه الذي يشكل معوقا كبيرا لمسيرة المسرح,, إذاً فإن السواد الأعظم من المتلقين لا يعرفون اهمية وجود المسرح على العكس من الإنسان الأوروبي الذي ينظر الى المسرح على انه جزء هام من برنامجه الحياتي,, ذلك لأن الوعي الجماهيري او وعي المتلقي العربي ليس واضحا,, مما يثير الخلافات الحادة بالنسبة للمسرح,, ومن ثم فإن المسرح بدأ في عالمنا العربي من خلال مبدعين ولم يبدأ من خلال متلقيه الذين يشكلون حجر الزاوية للمسرح.
الخوف من الانكشاف
* ان تقييد حرية التعبير وفرض رقابة غير واعية على المبدع جاءا نتيجة عدم تضافر جهود المتلقي مع المبدع في فرض حرية التعبير وفك قيد الرقابة عن اعناق المبدعين, وهذه المشكلة أساسا هي وليدة عدم التخطيط منهجيا وعلميا,, فإنه لم يراع في التخطيط العلمي أهمية وجود الفن,, مما خلق اختلافات وتناقضات في فئات وطبقات المجتمع التي هي بطبيعتها موجودة,, فعندما مثلا يتعرض المسرح الى احدى قضايا انحراف القانون في شخص ما,, فان المتعلقين بهذا القانون يلتفون حول هذا الشخص للدفاع عنه والتأثير على الحكم الصادر ضده رغم انحرافه,, خوفا من الانكشاف ورفع الغطاء عن الخارجين عن القانون والذين يتعظون به ويدعون تنفيذه ومراعاته,, لكن عندما يكون هناك وعي كبير عند المتلقي فإن مثل هذه الأمور لا تثير حساسية ما,.
* إن المسؤولية تجاه الإنسان هي الأخذ بيده منذ طفولته وحتى آخر مراحل تعليمه,, وذلك من خلال التعليم الذي يؤهله لأن يكون إنسانا متعلما,, والتعليم ليس موضوع حشو العقل بالمعلومات فقط,, بل ان الارتقاء بمشاعر واحاسيس ووجدان الإنسان من خلال معلومات فنية ومبرمجة على مدار السنوات المختلفة ضمن مناهج التعليم,, تساعد على التربية التعليمية والفنية,, بما يخلق في النهاية إنسانا متعلما ومتذوقا للفنون التعبيرية,, فوعي وادراك المتلقي لماهية الفن وأهمية المبدع المتعلم الفنان,, ستكون الحالة مناخا طيبا وربما تذوب كل التناقضات الاجتماعية بما يساعد في النهاية على فرض حرية التعبير بصورة عامة.
وهذا لن يحدث على الفور,, ولكن الحاجة تدعو الى الوقت الطويل,, فالفن المسرحي ضرورة هامة ولن يكتمل له الارتقاء والتألق دون وجود المتلقي الواعي والمدرك والمستبصر لآفاق المستقبل الزاهر.
أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved