أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 25th May,2000العدد:10101الطبعةالاولـيالخميس 21 ,صفر 1421

الاقتصادية

بلغت 1,125 مليار ريال
إمبراطورية وهمية تضم 50 شركة في ثلاث قارات تتسبب في خسائر 20 بنكاً في الشرق الأوسط
بواليص الشحن المزورة وتجاهل تحذيرات المكتب البحري الدولي زادت من حجم التسهيلات البنكية
* بقلم : أحمد منير فهمي*
تنحصر مهمة البنوك عالميا في استثمار أموال المودعين استثمارا ممتازا وآمنا، فهي مسؤولة عن هذه الأموال، وتلتزم بمراعاة منتهى الحذر في هذا الاستثمار، وهو ما يعرف في الاصطلاح العالمي بقاعدة: الالتزام بالعناية الواجبة Due Diligence واذا أهملت البنوك في القيام بهذا الالتزام فانها تواجه المسؤولية عن تعويض العملاء عما لحقهم من أضرار، وما فاتهم من كسب، في حالة اختلاس هذه الأموال او تحويلها تحويلا غير مشروع الى خارج البنوك، وثبوت ان سبب نجاح هذه الجرائم عدم دقة البنك في التدقيق في المعاملات التي تمر عبر قنواته المختصة، فضلا عن تعريض سمعة البنك للخطر.
وقد ورد في التقارير الدولية انه حدثت خسائر 300 مليون دولار 125,1 مليار ريال أصابت عشرين بنكا في الشرق الأوسط، بسبب عدم قيام البنوك بالعناية الواجبة, وقد تبين ان هذه الخسائر الفادحة من عمل مجموعة شركات احتيال تدعى Solo Industries، وان صاحب هذه الشركة خلق نظاما تجاريا متعددا ووهميا مكونا من 30 الى 50 شركة في ثلاث قارات، ليخلق وهما انه صاحب امبراطورية اقتصادية كبرى، وكان الظاهر انها شركات قانونية ومشروعة تقوم بأنشطة التوريد، وتخليص الشحن Frejght Forwarders.
وقد تبين ان هذا المحتال انشأ شركته في دولة عربية أولا، على أساس انها منتجة لسبائك الالمنيوم، ثم افتتح شبكة كبرى من الفروع في انحاء العالم.
سيناريو الغش
كانت الشركات التي انشأها المحتال تصدر مستندات شحن مزورة، مع اقدام المحتال على خلق مجموعة وهمية من المشترين والبائعين، ثم استخدام هذه المستندات المزورة كأدوات لصرف قيمة الاعتمادات المستندية ووسائل الدفع الأخرى.
وقد انخدعت البنوك في هذه المظاهر الخداعة، واصبحت تعتقد بمتانة مركز شركة Solo ماليا، وكان يستخدم الأموال التي يربحها من جرائمه في سداد مديوناته.
وكان للمحتال نشاط جنائي متقن، ومن ذلك ان والده كان يملك شركة في بومباي، ساهمت مساهمة فعالة في الأنشطة الجنائية له.
وقد تزايدت ثقة البنوك في شركة Solo، وأخذت تزيد في حجم التسهيلات الائتمانية للمحتال، دون تدقيق في المستندات ولا القيام بجمع معلومات عن هذا العميل، الذي استطاع بذكائه الخارق ان يقنع البنوك بأنه صاحب امبراطورية كبرى، مستعينا بمئات المستندات المزورة والصادرة عن الشركات التي استخدمها في ثلاث قارات.
نشرة مكافحة الجريمة التجارية الدولية CCB يناير 2000,, ص 1 مقال: Andy Holder تعليقا على تحقيق المكتب البحري الدولي IMB في هذا الجرائم .
مؤشرات الاحتيال التي تجاهلتها البنوك
في عام 1991م طلب من مكتب IMB التدقيق في بوليصة شحن، فثبت انها مزورة، وكانت خاصة بشحنة في عام 1990م عن حاويتين سعة 20 قدما تحمل سبائك من معدن القصدير المفروض انها متجهة من منطقة الخليج الى مدينة بومباي حيث توجد شركة والد المحتال، وتبين ان الشحنة لا وجود لها اصلا.
وفي عام 1994م اكتشف المكتب نفسه عددا من البوالص الخاصة بشركة Solo كانت مزورة، ثم ضبطت مجموعة أخرى من البوالص المزورة في عام 1998م, وقد اصدر المكتب البحري الدولي IMB مذكرة تحذير تتضمن هذه المعلومات من هذه الشركة في نشرته السرية الى الاعضاء، ولكن لم تهتم البنوك بهذا التحذير، واستمرت تمول شركة المحتال، رغم ذكر تفاصيل المستندات المزورة التي ضبطت خلال هذه السنوات.
وقد اقدم المحتال على تغيير نشاطه فجأة من توريد المعادن منخفضة المستوى الى توريد سبائك الفضة الفاخرة ومعدن القصدير المركز والمتميز بمقاومة الحرارة العالية، وهو امر كان يجب ان يثير الشك لدى البنوك، لأن ذلك غير ممكن واقعيا,, وبالتالي، فقد نجح المحتال في اقناع البنوك بأسطورة القرون الوسطى المشهورة بعالم الكيمياء الذي زعم قدرته على تحويل المعدن الى ذهب.
نشرة مكافحة الجريمة التجارية الدولية يناير 2000 المرجع السابق ص 6 .
وقد ثبت من تحقيقات IMB ان بوالص شحن خاصة بالحاويات قدمت للبنوك، ولم تذكر فيها ارقام الحاويات، ورغم ذلك اجازتها البنوك، مما بيّن جهل المختصين بفحص المستندات أو استهتارهم، حيث يقضي العرف الدولي في النقل بالحاويات ضرورة ذكر ارقامها في المستندات, وكان يجب ان يثير هذا الوضع الشك لدى البنوك.
وقد تبين من تحقيقات المكتب البحري الدولي ضبط 900 بوليصة شحن مزورة منسوبة لشركة Solo، ويرى المختصون بالمكتب ان هناك بوالص اخرى مزورة موجودة لدى بعض البنوك الصغيرة التي لا ترغب في اذاعة هذه المعلومات خشية ان تضار سمعتها.
المرجع السابق ص 6 .
ويرى المكتب البحري الدولي ان هناك اتجاها في البنوك بالاهتمام بالتحري عن العملاء الجدد، وعدم اضاعة الوقت في التحري عن العملاء القدامى والتدقيق في معاملاتهم على أساس انهم عملاء معروفون وتثق فيهم البنوك ثقة تامة، ومن هؤلاء العملاء المعروفين الموثوق فيهم شركة : Solo، وهي ثقة على غير أساس، مع غض النظر عن الأخطاء والعيوب في المستندات.
المرجع السابق ص 7 .
توجيهات للبنوك على هدي القضية المعروفة
يتعين على البنوك تطبيق قواعد الالتزام بالعناية الواجبة عند استثمار اموال عملائها ومن الخطأ الفادح بناء الثقة بعميل بناء على مركزه الظاهر، فقد يكون هذا المركز مزيفا كما حدث في هذه القضية الكبرى التي أصابت فيها البنوك العشرين في الشرق الأوسط خسائر فادحة بلغت 300 مليون دولار.
ولا يصح ان تكون الثقة في العملاء القدامى عمياء، بل يجب ان تكون مبصرة، ولا يصح التدقيق في معاملات العملاء الجدد وعدم الاهتمام بالتدقيق في معاملات العملاء القدامى، فهذه ثغرة استغلها هذا المحتال، ونجمت عنها خسائر فادحة, وقد اوصى المكتب البحري الدولي بضرورة التدقيق في معاملات العملاء القدامى ولو كانوا معروفين لدى البنك باستقرار معاملاتهم، وذلك بفحص عينات عشوائية من هذه المعاملات دوريا، وان يكون هذا التدقيق ربع سنوي.
المرجع السابق ص 7 .
وكان يجب على كل بنك كانت له معاملات مع شركة Solo ان يهتم بما يصدر عن المكتب البحري الدولي من تحذيرات، حيث تبين ان بعض هذه البنوك لا تزال ترى ان هذا المحتال بدأ نشاطه شريفا، ثم انزلق الى الاحتيال، عندما ساءت أحواله التجارية، رغم اكتشاف النشاط الجنائي الواسع الذي ارتكبه.
المرجع السابق ص 1 .
ومن واجبات البنوك ان تطبق قاعدة العناية الواجبة بالنسبة لعملائها في القاعدة المستقرة عالميا وهي: اعرف عميلك Know your Client، بمعنى انه يجب على كل بنك ان يكون يقظا في التحري عن نشاط العميل ولو كان عميلا قديما بالبنك ومثال ذلك اهمال البنوك تغيير نشاط المحتال فجأة الى الاتجار في المعادن الثمينة بعد ان كان يعمل في المعادن منخفضة المستوى, ومتى علم البنك ذلك فيتعين عليه التحري فورا بمختلف الوسائل عن حقيقة هذا الاتجاه المريب، وذلك بواسطة الهيئات الدولية المعنية مثل المكتب البحري الدولي ومكتب مكافحة الجريمة التجارية الدولية: CCB وغيرهما.
واذا شعر البنك بالشك في عمليات عميل، فعليه ان يتعاون مع الهيئات الدولية بالابلاغ عنه، حتى تحذر البنوك الأخرى من التورط معه.
وقد تبين ان بعض البنوك لما احست بالشك في المحتال، اكتفت باقفال حساباته وتكتم الأمر.
المرجع السابق ص 1 .
وعلى البنوك تعيين أكفأ موظفيها في ادارات التجارة الخارجية، من ذوي الخبرة في الاعتمادات المستندية ومستندات الشحن ووثائق التأمين، حيث رأينا ان مستندات شحن بالحاويات لم تدون فيها أرقام الحاويات فقبلها البنك ولم يتنبه لها الموظف المختص.
ومن أوجه عدم الفهم التي شهدناها عمليا في بعض الشكاوى التجارية، ان البنك قبل بوليصة شحن قدمت اليه، رغم ان اسم السفينة دون في البوليصة بحروف مختصرة مثل: C.B.5، بينما انه طبقا لقواعد الشحن البحري الدولية المستقرة ان بوليصة الشحن البحري يجب ان يدون فيها اسم السفينة كاملا وليس بالرموز، مما يدل على عدم اتقان من فحص المستند للقواعد الدولية، حيث ان هذا عيب رئيسي في المستندات يجب على البنك وقف قبول المستندات عند اكتشافه.
وبالنسبة للتعاملات الدولية الكبرى مثل حالة شركة Solo، يجب ان تحرص البنوك على تكليف الهيئات الدولية بالتحقق من شحن البضاعة فعلا ومن صحة المستندات، وضمن هذه الهيئات IMB، وكذلك شركة اللويدز للمعاينة البحرية، وجدير بالذكر ان عمولة المعاينة التي لا تتجاوز نسبة واحد في الألف من قيمة البضاعة لا تتناسب مع خسائر بالملايين نتيجة الغش الذي وقعت البنوك ضحية له.
توجيهات للإدارات الداخلية بالبنوك
توجد في كل بنك له وزن، ادارة لتوظيف الأموال، وادارة للمراجعة الداخلية, ووظيفة الادارة الأولى التحقق من ان منح القروض وفتح الاعتمادات للعملاء هو استثمار آمن وسليم, وتدلي هذه الادارات برأيها في مذكرة تفصيلية بعد بحث المركز المالي للعميل وسمعته في السوق، ومدى جدية أعماله، وضمانات البنك، وتشاركها في هذا العمل الأخير الادارة القانونية بالبنك.
وتقوم ادارة المراجعة الداخلية برقابة تنفيذ جميع الأعمال المصرفية بالبنك للتحقق من سلامتها.
وعلى هدي ما عرفناه من الخسائر التي لحقت بعشرين بنكا، نوجه عناية المسؤولين عن ادارة توظيف الأموال في كل بنك بالقيام بواجبها في التزام العناية الواجبة بالنسبة لجميع العملاء القدامى والجدد، وعدم الاكتفاء بالسمعة السابقة للعميل، والتحقق من جدية عملياته وحقيقتها.
ولا يصح لهذه الادارة الانسياق وراء استعجال الادارة العليا للبنك، تأثرا بسمعة العملاء القدامى، بل عليها ان تقدم رأيها واضحا، لتضع الادارة العليا أمام مسؤوليتها على هدى البيانات الدقيقة التي تقدمها عن العميل، لأن الادارة العليا في هذه الحالة ستدرك الخطورة في منح التسهيلات للعميل.
ويتعين ألا يقتصر عمل ادارة المراجعة الداخلية بالبنك على مجرد المراجعة اللاحقة على تنفيذ العمليات المصرفية، بل يجب ان يكون هناك مراجعة مسبقة للأعمال المصرفية الهامة ذات الحجم الكبير، مثل عمليات تلك المنشأة، حتى تساهم ادارة المراجعة الداخلية بجهدها في عرض الحقائق أمام الادارة العليا للبنك.
ولا يرد على ذلك بأنه ينتج عن ذلك البطء في العمليات المصرفية، فقد تبين ان الاستعجال والتأثر بسمعة العملاء قد ألحق خسائر بالملايين بعشرين بنكا في الشرق الأوسط والصحيح ان تقوم هاتين الادارتين بعملهما بسرعة، ولكن مع منتهى الدقة، باعتبارهما صمام الأمن الذي يحول دون اضاعة مدخرات المودعين بالخفة التي رأيناها في هذه القضية.
* مجلس الغرف السعودية

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved