أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 26th May,2000العدد:10102الطبعةالاولـيالجمعة 22 ,صفر 1421

مقـالات

اللغة العربية,, والتطبيق الفعلي
د, مهدي بن علي القرني *
كثيرة هي الأخبار التي تؤلم القلب، وتذكي الفؤاد أسىً وحسرة، وتكثر هذه الأخبار في هذه الأزمان التي ابتلي المسلمون فيها بكثير من المصائب، وويلات من الحروب، والتصفيات الجسدية التي تستهدف في المقام الأول اقتلاع جذور هذا الدين من مظانّة.
ومع هذا، فإن الخير كثيرٌ، وأهله في تزايد مستمر، ولن نعدم أربابه بإذن الله حتى لو صرنا إلى أعظم مما نحن فيه.
ومن الأخبار الجميلة والسّارة ذلكم الخبر الذي يتّصل بلغة هذه الأمة، ولسان بيانها، وعنوان حضارتها؛ إنه أمر الأمير الأريب خالد الفيصل بتطبيق اللغة الفصحى لتكون لسان الطلاب في المدارس النموذجية، وهو قرار رائع كروعة صاحبه، وكم بلغ إعجابي بهذا القرار، وسبب ذلك عدة أمور، منها:
أولاً: أنّ هذا القرار جاء من مبدع يعرف قيمة الكلمة، ويتذوق إبداع الحرف، وينهج منهج الفصحاء والبلغاء، ويقدّر المبدعين ورجالات العلم، وكما قيل: لا يعرف لأهل الفضل فضلهم إلاّ ذوو الفضل.
ثانياً: أنّ اللغة دائماً تنبىء عن ثقافة الامة، وتقدمها الفكري، فاللغة هي وعاء الفكر، ولهذا فان اللغة والفكر يتلازمان، ورقي احدهما رقيٌّ بالآخر، وكذا فإن اللغة عموماً ترقى برقي المتحدث بها، وتخمل وتضعف بخموله وضعفه، ولهذا فان اللغة مظهر من مظاهر الحضارة، وهي تدلُّ علىوضع هذا المظهر، وتحكي صورة واضحة للناظر إليها، وكلما رقت الأمة بفكرها ونضجها رقت لغتها.
ثالثاً: أنّ اللغة رابط من روابط الأمة، فيها يتحقق الاتصال الثقافي بين الأمة على اختلاف أماكنها ولهجاتها وظروفها، فاللغة تمثل عاملاً أساسياً في تكوين الشخصية الأساسية للأمة والمحافظة عليها، وأي انقسام في اللغة يؤدي الى انفصال وانفصام ثقافي؛ لأن اللغة وعاء للثقافة، وتعبير عنها ووسيلة للتفاهم، ولذلك فيمكنها أن تعد وسيلة للتماسك والتلاقي بين أفرادها، كما أنها وسيلة لانقسام الأمة وتفككها.
وقد أصبحت لغتنا ذات فكرٍ ودين، لأنها قد لبست ثوب القداسة وحملت أبعاداً ذات مضمون ديني.
واللغة الفصحى تمثل نقطة المحور التي تلتقي حولها الأمة، وإن تعددت لغاتها، وتباعدت أقطارها فإنَّ المحافظة على اللغة الفصيحة تمثل المحافظة على وحدة هذه الأمة، أما إذا ابتعدت عن هذا المحور فلها حدود ينبغي ألا تتعداها، وإن خرجت عن هذه الحدود ابتعدت عن محورها واصل انطلاقها، وهذا يؤدي بالطبع إلى انفصالٍ وانقطاع بين أبناء الأمة العربية، يعزِل ابناءها بعضهم عن بعض، وعلى هذا فإن تبني العاميات واستخدام اللهجات المحلية في ميدان الدراسة والتأليف والكتابة الأدبية أو الرسمية سيكون أكبر عاملٍ في تقطيع أوصال الأمة العربية، إذ لو تُرك الحبل على الغارب في الانطلاق من القيود المحافظة على هذه اللغة في صورتها الأصيلة لأدى ذلك الى أن يصبح التفاهم بين أبناء الأمة العربية في غاية الصعوبة، ولربما ادى ذلك الى استخدام إحدى اللغات الأجنبية وسيلة للتفاهم، بعد ان ماتت اللغة الفصحى أو انزوت، وياله من عار حينئذ أي عار.
رابعاً: أنَّ اي لغة وطنية أو أجنبية تحتاج لإتقانها إلى تدريس واعتياد متواصل، وإلى اتخاذ أساليب خصوصية سمعية وبصرية تكفل إجادة هذه اللغة، لا ان تبقى نظريات تكتب، أو قواعد تقرأ دون تطبيق, ويجب ألا تتخذ قضية المعامل اللغوية وسيلة هروب من التطبيق والتعويد، فالوسائل التي تعين على ذلك ثرّة في لغتنا، وتراثنا, ومن هذه الأساليب واقواها اثراً قراءة القرآن قراءة سليمة صحيحة، والإكثار من قراءته وبخاصة في مراحل الطلاب الأولى، لأنهم في هذه المرحلة المبكرة قادرون على التأثر السريع، وعلى تنمية الملكة اللغوية السليمة لديهم.
ومن هذه الأساليب: إيجاد المدرّس الذي يستطيع التحدث والتخاطب مع طلابه بلغةٍ سهلة فصيحة، تبتعد عن العاميات واللهجات المحلية ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولن تجدي دراسة النظريات والقواعد مادام ان المدارس تفتقد إلى المعلم الكفء الذي يتحدث ويتخاطب وبخاصة داخل قاعة الدراسة وفق ما يدرس لطلابه.
ومما يجدي في هذا المجال: أن تتسع دائرة الاهتمام بلغتنا، وان يتعدى هذا الاهتمام الى روح الرغبة الوطنية، والحب العاطفي لهذه اللغة، بحيث تصبح ظاهرة في محلاتنا التجارية، وفي مخاطبتنا الرسمية، وياليت ان يتبنى المسؤولون وجود مستشار لغوي في الدوائر الحكومية، وبخاصة ذات الصبغة الكتابية كالمحاكم الشرعية، وكتابات العدل، والبلديات، ووزارة الإعلام وغيرها, وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح، والله ولي التوفيق.
* عضو هيئة التدريس
بكلية المعلمين في بيشة

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved