أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 29th May,2000العدد:10105الطبعةالاولـيالأثنين 25 ,صفر 1421

الاقتصادية

السعادة والمال,, هل هما مترادفان؟
د, محمد يحيى اليماني *
من التصورات الشائعة في كل المجتمعات أن المال والسعادة متلازمان, وجود أحدهما يعني وجود الآخر, وعلى الرغم من شيوع هذا التصور إلا أنه ليس صحيحا في كل الأحوال فالمال وإن كان أحد أسباب السعادة إلا أنه ليس السبب الرئيسي وبدون شك ليس السبب الوحيد وقد يوجد ولا توجد السعادة وتوجد السعادة وليس بالضرورة أن يكون المال موجودا, ولو سلمنا بتلازم السعادة والمال لكان الأثرياء والأغنياء هم أكثر الناس سعادة وراحة ولكان الفقراء هم أتعس من يعيش على الأرض وينسحب المنطق نفسه على المجتمعات، فالغنية منها ستكون أسعد المجتمعات والفقيرة ستكون على النقيض.
ولو نظرنا الى الواقع لوجدنا أنه ليس من الضروري أن تكون المجتمعات والأفراد الذين يستمتعون بمستويات دخل عالية ضمن الفئات الأكثر سعادة, فعلى سبيل المثال تعاني مجتمعات الدول الصناعية من مشاكل وجرائم تدل بوضوح الى افتقارها وافتقار أفرادها الى أبسط مقومات السعادة بينما تنخفض نسبة هذه المشاكل والجرائم في الدول الفقيرة.
ولو استقرأنا واقع المجتمعات التي كانت تعيش في شظف من العيش سابقا وتحسنت أحوالها المادية لوجدنا أن الزيادة في الدخول لا تعني بالضرورة تحسن مستوى السعادة الذي يعيشه الشخص, ولعل هذا يبرر تمني الكثيرين ممن عاشوا في كلتا الفترتين رجوع الماضي الذي كانوا يشعرون فيه بسعادة وراحة أكبر من حاضرهم, وهم بهذا لا يتمنون عودة شظف العيش، بل يتمنون بقاء نفس مستوى السعادة والراحة النفسية التي كانوا يشعرون بها والتي ذهبت أو ذهب بعضها مع التقدم الاقتصادي والمادي وما صاحبه من زيادة في الدخول, وفي جهة أخرى ربما أدى النمو الاقتصادي المصحوب بدرجة عالية من تركز الثروة والملكية الى شعور الغالبية من أفراد المجتمع بعدم الرضا, فمثلا زيادة دخول فئة بخمسة أضعاف لا يتوقع أن تؤدي الى زيادة مستوى سعادة أفراد هذه الفئة بدرجة كبيرة اذا كانت دخول الأغنياء قد زادت بعشرة اضعاف، فالأمر هنا نسبي, ولذا فإن زيادة الدخول وحدها قد لا تجلب مزيدا من السعادة ما لم تكن مصحوبة بعدالة في التوزيع.
وفي حالة المقارنة بين المجتمعات نجد أن من يعيش في الهند بدخل سنوي مقداره عشرة آلاف دولار أكثر سعادة ممن يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية بنفس الدخل لتدني مستوى الدخل في الأولى وارتفاعه في الثانية, فالأول يعد من الأغنياء والثاني يعد من اصحاب الدخول المتدنية, وربما يكون الشخص من أثرى الأثرياء لكنه يفتقر لبعض مقومات السعادة الحقيقية فيكون أتعس الناس, فإذا كان من الصعب اعتبار الدخل أو الثروة مقياسا للسعادة فما هو المقياس المناسب؟ من المتوقع أن يكون هناك العديد من العوامل والتي تشكل في مجموعها بالاضافة الى الدخل والثروة ونمط توزيعها- مقياسا للسعادة، منها الايمان وطبيعته ومدى اقتناع الانسان بما يؤمن به وتأثير ذلك على حياته اليومية وهذا المعيار أدرك أهميته المسلمون وغيرهم, وكذلك وضوح الهدف من الحياة لدى الانسان إذ إن وضوح الهدف يجنبه التردد والاحباط الذي يشعر به مَن هدفه غير واضح في هذه الحياة.
كما أن من العوامل المؤثرة في مدى سعادة الأفراد والمجتمعات وجود فرص العمل المناسبة التي توفر بيئات عمل مريحة للعاملين تسمح للجادين منهم بالابداع والابتكار, واذا كانت بيئة العمل أحد العوامل المحددة لمستوى السعادة فإن البيئة التي يعيش فيها الشخص لابد أن تكون كذلك, ويقصد بالبيئة هنا المجتمع المحيط بالشخص وماهية الأنظمة والبرامج التي يوفرها لحماية ورعاية أفراده في كل المجالات, وقائمة العوامل طويلة وما ذكر هو للتمثيل لا للحصر.
فإذا كان الهدف الذي ينشده الاقتصاديون هو الارتقاء بمستوى سعادة المجتمعات فمن المنطقي جدا أن يهتموا بالعوامل المؤثرة فيها سواء كانت مادية أم غير ذلك.
* قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved