أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 1st June,2000العدد:10108الطبعةالاولـيالخميس 28 ,صفر 1421

مقـالات

وماذا بعد أن أرحل ,, ؟!
د, فهد حمد المغلوث
في الوقت الذي نناضل فيه من اجل وجود خدمات للاطفال التوحديين الذين تتزايد اعدادهم يوماً بعد يوم، وفي الوقت الذي نناضل فيه من اجل ايصال اصواتنا لمن يهمهم الامر كي يعوا حجم مشكلة الطفل التوحدي ومعاناة اسرته الشديدة جراء عدم وجود خدمات خاصة لطفلهم اسوة بغيره من ذوي الاحتياجات الخاصة الآخرين، وفي الوقت الذي بدأنا نجني ثمار هذا الجهد المبارك الكبير والمضني الذي بذله اولياء امور الاطفال التوحديين واولئك المؤمنون بعدالة قضيتهم الانسانية ووجاهتها من خلال الوعي المتزايد بهم وتفهم وضعهم,.
في هذا الوقت بالذات الذي بدأنا نجد فيه الاعلام بكافة وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية يتعاطف مع قضية الطفل التوحدي ويتفاعل معها، في هذا الوقت نجد من يقول بأن ما يثار حول التوحد في الاعلام في الفترة الاخيرة ماهو الا تضخيم اعلامي مبالغ فيه، وان التوحد مرض نادر ولا يحتاج الى هذا التضخيم!
ترى ما معنى هذا الكلام؟ وبماذا نفسره؟ وهل نكتفي بأنه مرض نادر كما يقولون علما انه اضطراب ولم يعد نادراً كما كان يعتقد البعض ومن يتابع آخر الاحصائيات العالمية يلاحظ ان نسبة الاصابة بالتوحد الكلاسيكي هي 45 حالات في كل 10,000 مولود بينما النسبة تصل الى 1519 حالة اسبيرجر Asperger اي التوحد المصاحَب بكفاءة عالية.
وهذه بالمناسبة نسب عالية تحدث في جميع المجتمعات ومن جميع الطبقات الاجتماعية دون تمييز ولا يجب ان نتجاهلها او نعتقد بمبالغتها.
اما كونها نادرة كما يقول البعض، فلأنها لم تكن معروفة سابقاً وليس هناك من تشخيص دقيق لها حيث ان الكثير من الاطفال التوحديين كانوا يشخصون على انهم مختلون عقلياً سيما وان من احدى خصائص التوحد ارتباطه باضطرابات نمائية اخرى وتخلف عقلي.
اما الآن وفي ظل الوعي، فان الوضع لم يعد كما كان، فالحالات المخفية بدأت تظهر للسطح رغم شح التشخيص او غيابه في حالات التوحد لدينا, ومن يعمل من هذه الفئات واسرها يدرك بالفعل حجم المعاناة المتزايد والحالة النفسية المتعبة التي يعيشها اولياء الامور, ومن يده في النار غير الذي يده في الماء!
وكوني احد المختصين بمثل هذه الفئة الغالية، دعوني اصور لكم معاناة الاسر مع اطفالهم التوحديين، كيف يعيشون؟ وبماذا يفكرون؟ كيف ينامون؟ وما طموحاتهم واحلامهم وامانيهم؟! ان كانت هناك بقية منها!
لنأخذ مسألة النوم، انها قمة المعاناة، فهذا الطفل التوحدي المسكين لا ينام بسهولة، واذا نام فتحت طقوس نمطيه يومية مملة، يتناوب عليه الاب والام ريثما ينام.
خذ مشكلة الصراخ والنوبات المزاجية الحادة التي لا يعرف اولياء الامور التعامل معها او سببها ومع ذلك فهم يعايشونها يومياً!
خذ التحكم في السلوك الصعب الذي يجعل الكثير من اولياء الامور يشعرون وكأنهم فاشلون محبطون لا حول لهم ولا قوة!
خذ معاناة الخروج من المنزل بالطفل والاحراجات التي يسببها لهم وخذ معاناة تغيير المكان او البيئة او السفر وماذا يحدث خلاله!
بل خذ مسألة اطعام الطفل التوحدي وكيفية ادخاله لدورة المياه بل حتى في الباسه الملابس، ولكم ان تتخيلوا ان الطفل من هؤلاء قد يصر على لباس واحد لاسبوع أو اكثر لانه لا يحب التغيير فقد يصر على لباس الصيف في الشتاء والعكس دون ان يشعر وهكذا وماذا اقول لأقول؟ رغم ان كل حالة تختلف عن الاخرى والمشكلة ان الاعداد تتزايد والخدمات غير موجودة! وان وجدت فصعب الحصول عليها والوصول اليها لانها مكلفة وليس كل شخص قادرا عليها وانت تتحدث عن ولي امر لديه طفل توحدي واحد، فما بالك بمن لديه طفلان؟!
ان المشكلة الحقيقية التي تشعر بها وتلمسها من خلال تعاملك مع هؤلاء الاطفال واولياء امورهم في ظل عدم وجود مراكز خدمات هي ان ولي الامر من هؤلاء اصبح يؤرقه هاجس واحد مهم وهو: ماذا لو رحل عن الدنيا؟ ماذا لو توفاه الله واخذ امانته؟ فما هو مصير هذا الطفل التوحدي المسكين هل سيتحمله افراد اسرته الباقون؟ وهل سيحظى بالعناية التي كان يحظى بها في وجوده معهم؟ وكيف يتعاملون مع هذا التفكير ومع تلك التساؤلات المتعبة، كيف؟
انها مشكلة بالفعل خاصة اذا وصل هذا الطفل او الطفلة الى مرحلة المراهقة الحرجة بكل مافيها,, تغيرات جسدية ومزاجية وعاطفية فمن سيقف بجانبه، من سوف يرشده ويعلمه؟ وبالذات تلك الفتاة المسكينة، التي لا تعرف ماذا يجري لها من تغييرات في مراهقتها، فتراها في حالة يرثى لها في فترات معينة من الشهر, ترى من سوف يتحملها غير امها، واذا لم تكن امها موجودة، فمن سوف يعتني بها؟
دعونا يا اخوة واخوات نضع انفسنا في نفس الوضع، كيف ستكون حياتنا؟ والله ان الانسان منا اليوم لا يطيق نفسه من جراء امور صغيرة جداً، فما بالك بحياة متعبة وشاقة كهذه؟! ولكننا لا تستطيع ان نقول سوى جزاء الوالدين الجنة باذن الله.
انني ادعوكم دعوة صادقة للتقرب من هؤلاء الاطفال عن قرب عيشوا عالمهم، انظروا كيف يتصرفون؟ شاهدوا عن قرب معاناة الام وهي تهدىء من روع الطفل، لاحظوا كيف تسايره، شاهدوا توتر الام وانزعاجها من كونها لم تفهم لغة طفلها التوحدي ولم تفهم ما يريد رغم عيشها معه سنين؟ ومع ذلك لا تستطيع ان تستمتع بأمومتها الحقيقية معه كونه يرفض حتى احتضانها له!
أليس صعبا ان يكون ابنك او اخوك او اختك بحاجة لك ولا تستطيع ان تقدم له يد المساندة رغم انك معه تحت سقف واحد؟
أليس من ابسط حقوق اولياء الامور ان يطالبوا بخدمات معقولة لاطفالهم التوحديين لتخفيف جزء من العبء عن كاهلهم.
إبكِ ان شئت، اخرج الدمعة من عينك دون تردد، فقط لتشعر بعمق معاناة غيرك ولتشكر ربك على ما انت فيه من نعمة الصحة.
ترى أليس اجحافاً بعد ذلك كله ان يأتي من يقول بان ما يثار حول حجم التوحد لا يحتاج لكل هذا الضجيج؟ ان هذا كثير وكثير جداً.
ان ما يطالب به اولياء الامور هو خدمات لاطفالهم التوحديين فهل هذا كثير في بلد تعودنا منها الكثير؟
همسة
آهٍ يا قرة عيني!
آهٍ يا طفلي الغالي!
آه يا جزءاً مني!
ماذا تراني اقول؟
* * *
اعلم انك غير طبيعي.
طفل توحدي,.
هكذا أُخبرتُ,.
وهكذا ووجهتُ,.
وهكذا كانت البداية
رحلة مع المعاناة,.
رحلة خوف وقلق!
رحلة ترقب وحيرة!
فمن اجلك يا عمري,.
* * *
ضحيت بكل شيء
كنت احلم به
تخليت عن كل طموح,.
كنت اتوق اليه,.
مارست كل الادوار,.
ما اعرفه وما لا اعرفه,.
* * *
من اجلك يا عمري,.
ومنذ سنين طويلة,.
تغير نظام حياتي,.
لم اعرف للنوم طعماً,.
لم اعرف للراحة معنى,.
حياتي كلها سفر,.
لم يعد يهمني,.
سوى ان تكون بقربي!
اخاف عليك من كل شيء!
* * *
ورغم هذه السنين,.
ما زلت ابحث عن الأمل!
ما زلت اتعلق بخيوط الوهم!
اجرب كل الحلول!
من هنا وهناك!
ابحث عن دواء,.
في اي مكان!
من اي شخص!
* * *
ورغم هذه السنين,.
ما زلت اشعر
انني على عتبات البداية,.
لم اغادر مكاني!
لم اصل لشيء!
تخيل!
* * *
رغم هذه السنين
اشعر بأنني تائه
في الدروب,.
كجندي جرب كل الحروب,.
ولم يخرج منها
سوى بصور فظيعة,.
تدمي القلوب!
او ذكريات حزينة
تزيد ألم الندوب!
* * *
ما يخيفني يا بني,.
عندما افكر فيك
ما يقتلني حينما اراك,.
هو ذلك المستقبل المجهول,.
كيف سيكون معك
ترى,.
ماذا تراك فاعلا بعدي,.
حينما ارحل عنك بعيداً,.
الى حيث لا رجعة؟!
حينما اغادرك,.
الى حيث لا عودة؟!
هل ستحس بغيابي عنك؟
هل ستدمع عيناك من اجلي؟
حينما ترى صورتي؟
حينما تسمع اسمي؟
هل ستترحم علي
كما يفعل كل ابن,.
لامه وابيه؟
* * *
ترى,.
من سيواصل المسيرة من بعدي
من سوف يعتني بك بعدي
وهل سيكون مثلي
حنوناً عليك؟
متفهماً لك؟
والى متى؟
وان لم يكن,.
فما هو مصيرك؟
حيث لامكان يؤويك
ولا خدمات تقدم لك!
ولا اناس تقدر
حجم معاناتك
او تعترف
بأنك موجود!
* * *
ما يحزنني حقا,.
انني وانا اخاطبك,.
وانا ابث اليك همي,.
وانا افتح لك قلبي
وانا انقل لك احساسي,.
وانا امسح الدمع من عيني,.
انك لست هنا!
لست معي!
لا تدري!
لانك توحدي!
في عالم آخر
* * *
بل ما يحزنني اكثر,.
اني في الوقت الذي احدّق فيك
اضع عيني في عينيك,.
اجدك,.
تنظر للمجهول,,
تتلفت حولك,.
تتساءل باستغراب!
وكأنك تقول:
هل تقصدني انا يا ابي؟!
وهل تحدثينني يا امي؟!
يالهفة قلبي عليك!
ويا شدة حبي لك.
* عنوان البريد الإلكتروني:
fhmaghloth @ yahoo. com

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved