أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 4th June,2000العدد:10111الطبعةالاولـيالأحد 2 ,ربيع الاول 1421

الاقتصادية

مسؤولية الفرد في إيجاد فرص العمل
د, مسعد بن عيد العطوي
إن الفرد هو حجر الأساس في بناء المجتمع, فكلما كان الحجر صلدا أو كان الطوب مصنعا تصنيعا قويا اضحى البناء قويا متماسكا، وكلما كان التخطيط للبناء سليما ملائما اجتماعيا صار البناء اكثر قبولا وأكبر فائدة، وكذلك من متطلبات بناء الفرد ان يبنى بناء سليما قويا في دينه وعزيمته وإرادته، ومنهجيته وجسمه وكلها تؤدي الى قوة تفكيره الذي يحصد المجتمع ثماره, فمن واجباتنا ان نعد الفرد لفحوى مقولة: توكل وأعمل ولا نعد أفرادا تتواكل وتكسل، فالرسول صلى الله عليه وسلم استعاذ من الكسل والخطل اللذين يؤديان الى الهم الذي تكررت استعاذة الرسول وصحابته منه، لكننا حين نلج الى واقعنا العملي نصطدم بأن الفرد العربي والإسلامي من أقل أفراد الأمم إنجازا وإبداعا، فلا شك ان هذا الأمر طارىء فهو لم يقتد بعمل اجداد العرب ومصارعتهم لحياة الصحراء، ولا بأسلافه من المسلمين الأولين الذين يبدع الفرد منهم في أعماله التي يقتات منها، ثم يدلف الى مجالس العلم، وهو متأهب الى الجهاد معهدا مؤنته الحربية فلم يكن كلّا على أمته، اما ما نحن فيه من تهميش للفرد وضعف في تكوينه فإن هذه قضية اجتماعية كبرى معاصرة ازعم ان لها دورا في تخلفنا، والأمر هذا يحتم على المجتمع بكافة شرائحه ان يجيل النظر ويستقصي أسباب المشكلة التي أخلت بتكوين الذهنية الفردية، وقصرت به عن الإبداع، وأرجح ان من مسببات ذلك فقدان المعادلة الفكرية التي ننميها في الفرد.
فتكاد أن تكون المعادلة الفكرية تضمحل في بناء الفرد العربي والمسلم في زمننا المعاصر، فالفرد العربي لا يحمل توجيها فاعلا مؤثرا يدفع به الى الإبداع في جميع مسارب الأعمال المتطلبة منه لذاته أو لأمته, وهو ايضا يعايش واقعا لم يلامسه بمكوناته الضرورية للفرد، فأسلوب الحياة في فرديته وجمعيته لم يكتشف النواحي الشعورية والمنهجية الفكرية والعملية التي تنغرس في كيان الفرد، فتدفعه بعزيمة قوية للعمل المشحون بهاجس الانتاج المتفوق، بل في هذه القضية نجد ان المعادلة فيها نقص فتارة يسيطر الاندفاع الفكري لكن بلا منهجية ولا عمل فردي لصالح بناء الذات منهجا وعملا وإنجازا وإبداعا تقنيا، وإنما يتشكل الفكر في تنظير تغلب عليه المثالية ولو استمد صاحب هذا التنظير عمله من منطلق الإسلام لأصبح مخلصا ومتفانيا في العمل ليحصد الأجرين، بل نحن نتساءل عن فردية طالب العلم هل ينطلق في قراءته وطلبه للعلم من صفاء النية الإيماني، وهل يحمل المبتعث هذا الهاجس فيعود مشحونا بالانتاج العملي راجيا رضا الله اولا ثم استصلاح واستثمار الخيرات، مقتبسا من الحضارة التي وفد اليها ما هو مفيد، وعروضه للواقع ام انه يحمل النقد الجارح، ويختفي منه العامل الفاعل، وتكثر معاذيره وما أكثر المعاذير لمن ارادها.
أما ثنائية الثقافة فانها نابعة من سطحية التكوين الذهني للفرد، وعدم تعمقه وتلبسه بالتوجيه الرباني يقابل ذلك ويوازيه سطيحة الانتقاء من الثقافة الوافدة، فينبهر بما لم يمحص ولم يتبصره عقليا مليا، فيكون الفرد مذبذبا ولو استلهم الفرد مكوناته الذهنية الدينية بوعي لما انحجب عنه الفكر السليم المتلقى من موارد المعرفة المعاصرة ولاصطفى منه الخير، لكن التسطيح من المعرفة من سائر مصادرها، وفقدان الوعي الفاعل صيّر الفكر متأرجحا.
وليس هذا خاصا بفرد او شريحة دون فرد او شريحة سواء كان مبتعثا ام لم يخرج من دائرة المكان لأن اقتباس الثقافة ميسور بوسائلها التي يهطل وابلها على كل قطر في العالم,فأين الفرد منا من رائد صناعة السيارات الياباني الذي بنى خبرته بالتجارب اليدوية في مواتير العربات، واخذت العزيمة تحدو له وتواصل مع صناعة السيارات ثم عاد الى بلده مبدعا مورثا إبداعه لأمته، أما نحن فنبتعث لمهنة ما ويعود لنا صاحبها مفكرا لا عاملا، وربما يتطاول بعضنا بعدم وجود البيئة وهذه من المعاذير الواهية, وهناك في كل بلد قليل من الذين تطوروا من حرف يدوية صغيرة، فأعرف من كان يعمل عاملا لاستخراج بعض القطع من السيارات الخربة فاذا به يصبح له شأن في قيام صناعة الورش الاصلاحية، إن الفرد منا اتكالي يريد من المجتمع ان يحفل به، ويبني له مصنعا، ويتعهد المجتمع له بإزالة كل عقبة مستقبلية.
ومن مكونات هذا التسطيح الفكري الذي يدلف الى تهميش فكر كل فرد، هو كيفية التعليم في جل بلادنا العربية والإسلامية فإن فلسفته تقوم على التنظير الفكري ومعتقدات التطبيق العملي بل فلسفة ان العلم يهدف الى العمل, ونحن لو نظرنا في عالمنا العربي لهالنا كثرة الأفواج العاملة من البلدان الخارجية، وكم روعتنا كثرة البطالة الوطنية في سائر الأقطار العربية وثالثة المبهرات ان أفواجا من المتعلمين ينتظرون العمل الحكومي، ومن المروعات البطالة المقنعة في البلاد الإسلامية، فلو كانت هناك دراسات احصائية لاكتشفنا ضحالة العمل وقلة الانجاز وندرة الإبداع, ومن أمثلة ذلك وفرة المتعلمين والمتعلمات بلا عمل في دول الخليج مع وجود مئات الآلاف من الوافدين في اعمال يدوية لا يعد تعلمها أياما معدودة كأعمال الحياكة الرجالية والنسائية فأين إبداع الرجل فيما يخص الرجال؟ وأين إبداع المرأة فيما يخص النساء، هذه جزئية من كم كبير يتطلب عمل المرأة والرجل، ومع ذلك نشتكي من البطالة.
لا ضير ان توجد مؤسسات تعليمية عليا لكن الأهم إيجاد مراكز تدريبية مهنية كي تؤهل للعمل، فمن اسباب الفشل هو ان ينخرط المتخرج من الثانوية او المتوسطة في بعض الأعمال بلا تدريب وتوجيه فكري، ويحضرني عملية الوطنية التجارية في الأسواق فإن الاندفاع كشف عن فشل بعض الشباب، ولو عملنا مركزا توجيهيا لمدة شهر قبل التمكين من العمل لكان مساعدا لهم في مسيرتهم.
أليس واقعنا يوحي بأن نتعلم للاستهلاك بل استهلاك المنتج الخارجي فيما ان كثيرا من الأفراد في الغرب او الشرق يتعلمون فإذا رأى بعد الجامعة ان لا ميدان عملي لتخصصه سرعان ما يتعلم مهنة جديدة يكسب بها معاشه.
إن الفرد صورة للمجتمع بل هو المكون لمجتمعه وما دام ادركنا واقعنا الفردي والاجتماعي، الذي تولد عنه ضحالة تكوين التنمية والتطور في بلادنا الإسلامية علينا اولا تحديد المشكلة الكبرى التي تكمن في بناء الفرد، فكثير من الأفراد لا يدركون مسؤوليتهم التي توجب عليهم العمل لضروريات الحياة في بناء الروح الإيمانية، وحماية الحياة الذاتية له، وبناء العقل وتكوين المال وحمايته، ومسؤوليته عن نسله وتلك هي ضروريات دأب المنظرون على إناطتها بالدولة، وذلك حق لا مراء فيه، غير انه هناك واجب على الفرد من جوانب التحصيل والتمكين وتنمية هذه المفاهيم والقيم وتطور حياته وماله، وبعض جوانب الحماية ولا يتعارض مع مسؤولية الدولة الشمولية والكلية، مع أن النظام العالمي المعاصر أخذ يحول مسؤولية أمن الفرد وماله على صاحبه.
ان الحالة المعاصرة توجب علينا بلورة الفكر الواقعي، الذي يعدنا ويدلف بنا الى الواقع الإجباري ومنها تشعب مسؤولية الفرد، فعلى كل فرد تنمية ذاته الفردية مستعينا بوالديه وأسرته أولا ثم بالاعتماد على ذاته، فيتواصل مع ما يجب ان يزداد إيمانه, وتكون لديه المقدرة الفعلية ليتعظ ويعتبر من كتاب الله وسنته ولا يكون ذلك إلا بالوعي الفكري والعملي مقترنين فهما من العبادة ولبها.
وعلى الفرد ان يبني عقله وينتشله من التسطيح وان تكون له القدرة كيما يقطف ثمار الفكر للعمل النافع من موجات الفكر المتشابهات والمشتبهات وإن يودع عقله منهجا قادرا على التمحيص.
ثم أليس على كل فرد ان يبني مالا من عرق جبينه وكدح عمله ولا يكون ذلك إلا بتهيئة فكر الفرد وبعقلية متأملة ثم باستيعاب للمعرفة والوعي بها ثم تحفزه عزيمته ويتأهل كي يجوب عباب المنافسة البشرية المريرة.
ثم أليس من واجب الفرد ان يبني اسرته بناء دينيا، وعقليا وعمليا، ولا يكون ذلك إلا بالفكر العقلي العملي الذي يستوعب مصادر التربية الدينية والاجتماعية المفيدة والعملية البناءة.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved