أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 4th June,2000العدد:10111الطبعةالاولـيالأحد 2 ,ربيع الاول 1421

وَرّاق الجزيرة

ملاحظات تاريخية
1 كتاب تاريخ عسير بين الحقيقة والتزوير!!
فائز بن موسى الحربي
لا يزال الجدل العلمي الحاد قائما بين المؤرخين حول مسألة التاريخ الإسلامي عموما، ومدى حاجته الى مراجعة علمية جادة لإنقاذه من الشوائب والأخطاء والافتراءات التي ربما تكون قد نفذت اليه عبر مسيرته الطويلة الصاخبة من قبل بعض المدلسين والجهلاء وذوي الأهواء الشخصية والسياسية!
وقد احتدم الجدل والنقاش وتباينت الآراء بين فريقين يرى احدهما ان التاريخ الإسلامي بحاجة الى تلكم المراجعة الجادة، بينما يرى الفريق الآخر ان السماح لمثل هذه الدعوة سيؤدي الى التشكيك في تاريخنا وتراثنا وربما تكون تلك الخطوة وسيلة للنيل من تاريخ الأمة وإثارة البلبلة في مصداقيته، وخاصة من اعداء الأمة والمتربصين بها من أبناء جلدتها ومن غيرهم.
ومع انني لا اقبل التشكيك في تاريخنا وبالأخص ما يمس العقيدة وما يرتبط بها من العلوم الشرعية، إلا انني اميل الى رأي الفريق الأول، وأرى ان مراجعة بعض المصادر التاريخية ضرورة علمية، حتى لا نظل إمعة في التلقي، بسطاء في قبول كل ما يرد إلينا من المؤلفات والروايات والأخبار.
وقد اثبتت التجربة التاريخية ان تاريخنا العربي والإسلامي وتاريخنا المعاصر قد دخله الكثير من القصص والأخبار الموضوعة، وها نحن لانفتأ نطلع بين الحين والآخر على نقض ما كنا نتوارثه في السابق على انه حقائق لا يشك احد في صدقها!
والمقصود من هذه المقدمة ان التاريخ لا يخلو من مؤرخين أساؤوا اليه بمحاولاتهم غير الأمينة لفرض تصورات تتماشى مع رغباتهم واهوائهم فظهر على مر العصور من ظنوا انهم أذكى من القراء في عصرهم، وانهم يستطيعون بحيلهم وإيهاماتهم الضحك على المتلقي لايصال رسائلهم المرغوبة وتمرير دسائسهم وأكاذيبهم.
ومما يزيد الأمر سوءا تقصير باحثينا ومؤرخينا وسكوتهم عن تلك المصادر الموضوعة وعدم كشف المؤلفات المصنوعة وفضح اصحابها حتى لا يتجرأ أحد حاضرا ومستقبلا على العبث بالتاريخ والاساءة إليه في ظل سلبية الباحثين والمؤرخين، وفي ظل غياب الضمير لدى أولئك المتلاعبين بأمانة القلم وصدق الكلمة من الانتفاعيين والمتاجرين بالمصادر التاريخية وهم قلة في مجتمعنا بفضل الله.
ولا يفوتني ان اشير الى بعض المحاولات الجادة والجيدة من بعض الباحثين والمؤرخين في الكشف عن بعض تلك المصادر المزورة، وعلى رأس هؤلاء علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر والشيخ البحاثة ابو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري وغيرهما، كما سنعرض اليه بمزيد من التفصيل في السطور التالية.
ومن أهم التواريخ المزورة في عصرنا الحاضر مجموعة من المؤلفات تدور كلها حول تاريخ منطقة عسير وحكم آل عائض على وجه الخصوص ومن أهم المؤلفات:
امتاع السامر بتكملة متعة الناظر، المنسوب لشعيب بن عبدالحميد الدوسري.
متعة الناظر ومسرح الخاطر، المنسوب لعبدالحميد الدوسري.
تايخ عسير المنسوب للحفظي.
المروج الحسان في تراجم الأمراء والأعيان، للحنظلي.
تحفة الأعيان في تاريخ آل عثمان، المنسوب لرامز شكر.
,,, وما شابهها.
اما كتاب تحفة الأعيان فلنا معه وقفة فيما بعد، حيث سنبدأ بالحديث عن الكتب المتعلقة بتاريخ منطقة عسير, وقد سبق وان تصدى الشيخ ابو عبدالرحمن الظاهري مشكورا لكشف حقيقة امتاع السامر وانه موضوع ومثله متعة الناظر، فكتب سلسلة من المقالات المطولة في جريدة الجزيرة (1) فعرى هذين المصدرين تعرية تامة وأحسن صنعا في كشف حقيقتهما.
ولم يكتف الشيخ بذلك، بل أشار الى مناقشاته مع المؤرخين والباحثين المهتمين بتاريخ البلاد السعودية أمثال الشيخ حمد الجاسر والشيخ محمد بن احمد العقيلي والفريق يحيى المعلمي ود, محمد آل زلفة ود, عبدالله بن محمد ابو داهش وغيرهم, وهؤلاء كلهم باستثناء الشيخ حمد الجاسر من المتخصصين في تاريخ جنوب المملكة والمهتمين به، ويكادون يجمعون على ان كتاب امتاع السامر وما في حكمه ليس إلا تاريخا مزورا قام بوضعه شخص او أشخاص متأخرون.
واخيرا فقد قام كل من الاستاذ عبدالرحمن الرويشد والاستاذ عبدالله الحميد بمحاولة جادة لتعرية كتاب امتاع السامر وكشف تزويره بطريقة علمية، وقاما بإعادة طبع هذا الكتاب المزور والتعليق عليه وتوضيح افتراءاته (2) .
غير انني اثناء متابعتي لما كتب حول هذا الموضوع لم اجد ان احدا تطرق للكتاب الذي نحن بصدده وهو كتاب: تاريخ عسير المنسوب لابراهيم بن علي الحفظي, والمزعوم ايضا ان محققه محمد بن مسلط بن عيسى الوصالي البشري الوائلي النزاري!
والكتاب في طبعته الخامسة سنة 1413ه كما يزعم مؤلفه يقع في 400 صفحة من الحجم المتوسط، بغلاف اخضر تتوسطه خارطة الجزيرة العربية، ويبدو انه مطبوع في مصر، بلا اسم مطبعة ولا اسم ناشر!
كما أنني قد اطلعت على نسخة اخرى من الكتاب، يزعم انها الطبعة الرابعة وتقع في 460 صفحة، ولا تختلف عن الطبعة الخامسة إلا باختلافات مصطنعة!
وسوف نستعرض بإيجاز سريع أهم الدلائل على تزييف هذا الكتاب في طبعته الخامسة، فنقول وبالله التوفيق:
أولا: يستفاد من غلاف الكتاب ان صاحبه ابراهيم بن علي الحفظي توفي سنة 1372ه وان محققه محمد بن مسلط توفي ستة 1373ه.
والسؤال هنا هل تكفي سنة واحدة بين وفاة المؤلف ووفاة المحقق لتحقيق كتاب بهذا الحجم والتعليق عيه واصداره؟
اما الشيخ الحفظي فهو علم معروف، لكن الكتاب نسب إليه زورا وبهتانا! واما محقق الكتاب فنكرة في مجال البحث والتحقيق!!
ثانيا: تصدر الكتاب كلمة بعنوان: مقدمة الناشر ، إلا ان كاتبها لم يكتب اسمه كما ان اقتصاب تلك الكلمة يدل على انها كتبت بارتباك وحذر!!
ثالثا: جاء بعد الكلمة السابقة كلمة اخرى بعنوان: مقدمة ناشر الطبعة الرابعة وهذه الكلمة غير مذيلة باسم الناشر، كما انها تماثل الكلمة الأولى في الطول والأسلوب!!
ومما تجدر الإشارة اليه ان أسلوب الكتاب بمجمله هو نفسه أسلوب كتاب امتاع السامر.
رابعا: ورد في الكلمتين السابقتين معلومات ايهامية مفادها ان الكتاب قد سبقت طباعته على النحو التالي:
الطبعة الأولى سنة 1358ه مطبعة الاعتماد بسوق الفجالة!!
الطبعة الثانية سنة 1388ه دار المعرفة بيروت.
الطبعة الثالثة سنة؟؟؟ مطبعة حجازي القاهرة!!
الطبعة الرابعة سنة 1404ه دار الأمان بيروت!!
الطبعة الخامسة سنة 1413ه المطبعة (بدون)!!
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن، لماذا لا يوجد نسخ من الطبعات الثلاث الأولى للكتاب؟ كما انني قد بحثت في فهارس كتاب: معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية خلال القرن الرابع عشر الهجري , فلم اجد أثرا لهذا الكتاب ولا محققه!! وكذلك في فهرس مجلة العرب خلال ثلاثين سنة فلم اجد لهما ذكرا!!
وفضلا عن هذا كله فقد اورد الشيخ حمد الجاسر في مجلة العرب استعراض أهم مصادر تاريخ بلاد عسير ولم يشر الى هذا المصدر (3) .
خامسا: يقول الناشر الذي لم يذكر اسمه في مقدمته التي تصدرت الكتاب، انه كان مدرسا متعاقدا مع وزاة المعارف في تهامة عسير.
والسؤال : متى كانت فترة تعاقد هذا المدرس الوهمي، ولماذا لم يذكرها ولم يذكر اسم المدرسة او حتى البلدة التي كان يعمل بها في تهامة عسير؟
سادسا: ان الناشر لم يذكر اسم الدار التي قامت بطبع الكتاب في مصر، بل ذكر انها احدى دور النشر في بلده.
سابعا: اورد واضع الكتاب في ص 9 ترجمة مسهبة للمحقق، فتكلم عن نسبه، وأطنب في ذكر تاريخ قبيلته ابتداء من القرن الأول الهجري، وعن افخاذها ومن دخل معها من القبائل، ثم تكلم عن نشأة المؤلف ومشايخه، لا انه لا يسند هذه المعلومات الى أية مصدر تاريخي باستثناء ما ذكره في المقدمة من انه نقل الترجمة مشافهة عن اخي المؤلف وهو الشيخ حسن بن علي الحفظي مدير المدرسة السعودية برجال ألمع، وانه نقل ترجمة المحقق عن ابن اخيه: السيد محمد بن احمد بن مسلط المقيم بمدينة ابها!!
ويبقى تساؤلنا: هل هذان الشخصان اللذان روى عنهما المحقق معروفان الآن على قيد الحياة، وهل يصادقان على ما ذكر؟
ثامنا: أورد في ص 11 مقدمة المحقق والغريب ان الأسلوب في جميع الكلمات السابقة متشابه جدا، بل ان التشابه كبير الى حد يثير الشك بين نصوص الكتاب وحواشيه، وكأن المؤلف والمحقق شخص واحد!!
تاسعا: اورد الناشر المجهول في ص 15 ترجمة للادريسي تبلغ 8صفحات تتضمن اخبارا كثيرة ومفصلة، إلا ان الناشر لم يشر في حواشيه لتلك الترجمة الى اية مصادر تاريخية لتلك المعلومات واقتصر في حواشيه على التعريف باسماء المواضع الجغرافية الواردة في تلك الترجمة!!
عاشرا: اورد في ص 23 ترجمة للحفظي شبيهة بالترجمات السابقة من حيث الاسلوب وعدم ذكر المصادر.
حادي عشر: اورد المحقق في هامش ص 29 ترجمة مطولة للغوث موسى بن جغثم بلغت اثنين وعشرين جدا ولكن بدون مصدر، عدا انها عن (طبقات بني عجيل لموسى بن جعفر الحفظي) ولم يذكر شيئا مفيدا عن هذا المصدر وهل هو مطبوع او مخطوط؟ ولا اين هو محفوظ؟ ولا رقم الصفحة ولا غير ذلك! مما يوحي بان هذا المصدر مختلق! ثم اسهب في سرد تاريخ الغوث بحاشية بلغت صفحتين ونصف، تضمنت اخبارا كثيرة عن تاريخ عسير والحجاز واليمن من سنة 945 حتى سنة 1198ه دون ان يشير الى مصدر تاريخي واحد.
ثاني عشر: ذكر في آخر حاشية ص 31 كلاما عن جهل الاخوان بقيمة المخطوطات وانهم اتلفوا كثيرا منها في عسير عام 1338ه وقال ما نصه: (وقد كان هذا التصرف صعبا على أهل العلم، وقد قضى الملك عبدالعزيز وفقه الله على هذه الفتنة في موقعة السبلة لما رأى من جلافتهم وعدم معرفتهم للحق) الى ان يقول: (فلما مكر بهم انقلبوا عليه في هذا العام 1347ه).
اقول: وهذا الكلام فيه تناقض واضح، فأسباب قتال الاخوان معروفة، وقول: هذا العام (1347ه) يناقض انه حقق الكتاب وعلق عليه بعد وفاة صاحبه سنة 1372ه!!
ثالث عشر: ذكر المحقق في هوامش ص 32 اخبارا هامة ومفصلة عن بناء المساجد في منطقة عسير من القرن الأول الهجري الى عصره وأسماء الذين بنوها والذين دمروها والذين جددوها وكل هذه المعلومات لا ذكر لمصادرها؟
كما أورد من تلك الأخبار ان جامع مدينة ابها المسمى ابن فيفا بني سنة 170ه واعيد بناؤه سنة 1289ه بعد ان دمره الأتراك.
والملاحظة هنا هي هل يعيش مسجد لمدة عشرة قرون!! وهل كان الاتراك يدمرون المساجد؟؟
رابع عشر: ذكر حاشية في ص 33 استغرقت الصفحات من 33 حتى نهاية ص 41 وكلها تتكلم عن أخبار مفصلة للدولة الأموية والدولة العباسية وعلاقتهما بمشايخ وقبائل المنطقة وأسماء قوادهم ومشايخ القبائل وأنسابهم، بتفصيل عجيب لم تذكره المصادر المعاصرة للدولة الإسلامية ابتداء من القرن الثاني الهجري الى عصر المحقق! ولم يذكر مصدرا واحدا لتلك الأخبار التي تعود للقرون الإسلامية الأولى.
وكل هذا يكشف لأي خبير بالمصادر التاريخية ان هذا الكلام وضع سخيف وكلام مختلق!!
خامس عشر: اورد في تلك الهوامش الملفقة وبالتحديد في ص 38 عن قبائل مطير كلاما لا مصدر له وربما يغتر به الباحثون المبتدئون الذين لا يميزون بين المصادر الحقيقية والمصادر الملفقة، سواء من أبناء قبيلة مطير او غيرهم.
سادس عشر: ذكر في ص 40 41 اخبارا مبالغا فيها تعود للقرن الخامس الهجري وما بعده لأسر حكمت اليمن، ومنه على حد زعمه بنو زياد وبنو طاهر، وذكر ان التاريخ افرد لتاريخهم كتبا منها: الخمائل النجاد في اخبار دولة بني زياد لداوود بن سليمان العلفي الحربي الأموي المتوفي سنة 578ه وكتاب: العقد الباهر من تاريخ بني طاهر لموسى بن الحسين الابراهيم العجيلي المتوفي سنة 953ه.
ولم يدرك هذا المحقق الوهمي ان مراجع تاريخ اليمن المعروفة والمدونة لدى مؤرخي اليمن في القديم والحاضر لم تشر الى هذين المصدرين المكذوبين!!
سابع عشر: ذكر في ص 42 ان آل بدران في سدير واميرهم سليمان بن فوزان ويوالون آل يزيد في عسير ضد آل حميد وعشائر جميلة من جرم من قضاعة ويوالون كذلك آل يزيد,, الخ.
اقول: وكل هذا الكلام الملفق يحشده المحقق لتضخيم صورة آل يزيد هؤلاء وحكومتهم المزعومة في عسير، وان جميع قبائل نجد تركن اليها وتتبع لها!!
1) انظر: جريدة الجزيرة العدد 7611 الصادر في يوم 12 صفر 1414ه والعدد 7618 الصادر في يوم السبت 19 صفر 1414ه.
2) امتاع السامر بتكملة متعة الناظر، المنسوب لشعيب بن عبدالحميد الدوسري، تحقيق: محمد بن عبدالله الحميد وعبدالرحمن بن سليمان الرويشد، إصدارت دارة الملك عبدالعزيز الطبعة الأولى 1419ه1998م.
3) مجلة العرب، س 10، الربيعان سنة 1396 ص 797.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved