أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 4th June,2000العدد:10111الطبعةالاولـيالأحد 2 ,ربيع الاول 1421

وَرّاق الجزيرة

نُور الطرف ونَور الظرف
كتاب النورَين
د, محمد خير البقاعي*
كان المغرب العربي الكبير (ليبيا تونس الجزائر المغرب موريتانيا) يعيش حالة الوسيط بين الدولة العربية الإسلامية في الأندلس وبين مثيلتها في الشرق العربي.
وكانت الأحداث في الدولتين كلتيهما تجد صداها في المغرب، وكان الأدب المغربي يحاول أن يجد لنفسه خصوصية بدت في مؤلفات أعلامه الذين أبدعوا في مجالاتها كلها.
نذكر من هؤلاء الأعلام ابن رشيق القيرواني الحسن بن علي (390 456ه) والحُصري القيرواني إبراهيم بن علي (ت413ه) صاحب كتاب (زهر الآداب وثمر الألباب) الذي يُعُدّ من أمهات كتب الأدب، يشير إلى ذلك الصفدي فيقول: وهو مشهور من أمهات كتب الأدب، صنفه بالقيروان، وجميعه أخبار أهل المشرق وكلامهم ووقائعهم وله مختصر عنوانه (اقتطاف الزهر واجتناء الثمر) صنعه ابو الحسن علي بن محمد بن بري ولا يزال مخطوطا, وللدكتور الفاضل محمد بن سعد الشويعر دراسة مفصلة لكتاب زهر الآداب ومؤلفه بعنوان (الحصري، حياته وأدبه والنقد في كتابه زهر الآداب، ط22، دار عبدالرحمن الناصر للنشر والتوزيع، الرياض، 1984م) والحصري صاحب كتاب (المصون في سر الهوى المكنون) والكتاب مطبوع بتحقيق الدكتور النبوي عبدالواحد شعلان في دار العرب للبستاني القاهرة 1989م، وهو صاحب كتاب (جمع الجواهر في المُلح والنوادر) وهو مطبوع بتحقيق الأستاذ علي البجاوي، دار إحياء الكتاب العربي، ط, اولى 1953.
ومن كتبه الضائعة (الأغاني ومطربات القيان)، وله ديوان شعر لم يصل إلينا أيضاً,,وينبغي ألا نخلط بين صاحب هذه الكتب وبين أبي الحسن علي الحصري الشاعر القدير صاحب القصيدة المشهورة (ياليل الصب متى غده) وإن كان صاحب الكتب ابن خالة الشاعر الضرير، ويرجح الدكتور الشويعر أن ولادته كانت عام 363ه ووفاته عام 431ه، وقد انتهى إلى ذلك الدكتور الشويعر بعد دراسة طويلة ناقش فيها الآراء المختلفة في ذلك وأخذت عنه السيدة لينة أبو صالح هذه النتائج ولخصت بعض مناقشاته مشيرة إلى دراسته الجامعة.
أمّا كتاب (النورَين)، وهي تسمية على طريقة العرب في التغليب فقد قالوا: القمران للشمس والقمر، والعمران لأبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، والأسودان للتمر والحليب، وكان من الشائع قبل هذا التحقيق الذي قامت به السيدة أبو صالح أن الكتاب اختصار ل (زهر الآداب)، كان الأستاذ حسن حسني عبدالوهاب هو الذي اشاع ذلك، وتابعه في ذلك أغلب الباحثين المعاصرين، وقد اعتمدوا في ذلك كما تقول السيدة أبو صالح على الإشارات السابقة لابن رشيق وياقوت والصفدي.
وبعد أن قامت السيدة أبو صالح بتحقيق الكتاب وقابلت نصوصه الشعرية والنثرية بما ورد في (زهر الآداب) تبين لها أن الجزء المختصر من زهر الآداب فيه يشكل حوالي ثلث الكتاب أو أكثر بقليل، ولا يُعَدّ كله مختصراً كما أشار الباحثون, وعلى الرغم من أن الحصري سار في (النورين) على نهجه في (زهر الآداب) فإن الجديد الذي أضافه ممّا لم يرد في (زهر الآداب) كثير جداً، تقول المحققة: ,,, يكفي أن نذكر أن هناك نحواً من 750بيتاً في النورين لم ترد في زهر الآداب، ومعظمها لشعراء من المشارقة الذين لم تنشر دواوينهم بعد، عدا النصوص النثرية والاخبار الكثيرة التي لم ترد أصلاً في الزهر، كما نلاحظ أن عدد فصول كتاب الزهر يقارب 137 فصلاً لم يأخذ الحصري من عناوينها في النورين إلا نحواً من 15 فصلاً فقط، كما أنه زاد فصولاً لم ترد في الزهر .
واعتمدت المحققة في تحقيق كتاب (النورين) على ثلاث مخطوطات حصلت على مصوراتها من مكتبة دير الاسكوريال وغوته والمكتبة السليمانية في استنبول.
فذكرت رقم مخطوطة الاسكوريال ورقم مخطوطة غوته (ألمانيا) ولم تذكر رقم مخطوطة السليمانية بل اكتفت بوصفها واتخذتها أصلاً لكمالها ووضوحها ونشرت لوحات مصورة منها يبدو من خلالها أن رقمها (2945), ولم تنشر كما هي العادة صورا للمخطوطتين الأخريين.
جاء الكتاب مطبوعاً في 455 صفحة، شغلت مقدمة التحقيق 91 صفحة، وشغل التحقيق الصفحات من 93 إلى 395، وشغلت الفهارس وهي ثمانية الصفحات من 396 إلى 455، والفهارس هي: الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والأمثال والأشعار والأماكن والأعلام والمصادر والمراجع ومحتوى الكتاب.
وقد بلغ عدد المصادر والمراجع 150 مصدراً ومرجعاً بالإضافة إلى دورية واحدة, وتنوعت هذه المصادر، التي نُسقت هجائياً (حسب اسم الكتاب)، بين كتاب تراثي وديوان شعري ودراسة حديثة، وتضمن الدراسة لمحة موجزة عن الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في عصر المؤلف, وترجمة الحصري القيرواني ودراسة مؤلفاته، وخصصت لدراسة كتاب (النورين) قسماً خاصاً وصفت مخطوطاته، وتحدثت عن مصادره وعن منهج الحصري فيه وعن أسلوبه في جمع الأشعار والأخبار, وتحدثت عن آراء الحصري النقدية في النورين وشمل ذلك آراءه في مجموعة من القضايا النقدية التي شغلت النقد العربي القديم مثل السرقات الأدبية والطبع والصنعة والقدماء والمحدثين والموازنة واللفظ والمعنى، وعرضت لأحكام نقدية عامة، ثم تحدثت عن أسلوب الحصري في النورين وعن منزلة هذا الكتاب بين كتب الأخبار وبين كتب المؤلف والكتب المغربية وبين كتب التراث المماثلة.
إن ما يمكن أن يؤخذ على هذه الدراسة الجامعة التي بُذلت فيها جهود لا يمكن إنكارها هو تهاونها في التوثيق في بعض المواضع التي تجعل الباحث في حيرة أمام بعض ما تورده المحققة, وأكتفي بمثال واحد: جاء في الصفحة 36: (,,, وبذا يُعَدّ هذا الكتاب كتاب المصون في سر الهوى المكنون أقرب إلى التخصص في موضوع واحد مخالفاً بذلك زهر الآداب والنورين، وقد طبع الكتاب حالياً بتحقيق محمد عارف حسين، كما أن الدكتور الشويعر قام بتحقيقه أيضاً وهو قيد الطبع.
وإذا عاد المرء إلى فهرس المصادر والمراجع فإنه لا يجد فيه أي أثر لطبعة من تسميه محمد عارف حسين، ولم يصدر حتى اليوم كتاب الدكتور الشويعر الذي كان قيد الطباعة عندما كانت المحققة تعد أطروحتها، وكل ذلك ضعف في التوثيق لا يليق برسالة جامعية.
وعندما سألت الدكتور الشويعر، حفظه الله، عن الأمر قال إنه علم بصدور طبعة للكتاب في مصر بتحقيق الدكتور النبوي عبدالواحد شعلان (دار العرب للبستاني القاهرة 1989م) فعدل عن إكمال ما كان قد بدأه من تحقيق الكتاب, أماطبعة محمد عارف حسين فهو لا يعرف عنها شيئاً وقد سألت المهتمين فلم أر من يعرف هذه الطبعة التي لم توثقها المحققة لا في حواشي كتابها ولا في فهرس مصادرها ومراجعها, إن طبعة الدكتور النبوي عبدالواحد شعلان فيها كثير من المآخذ، وفي المخطوطات التي خبرها الدكتور الشويعر زيادة على ماجاء في الطبعة التي لم يتنبه محققها الدكتور شعلان إلى أن أحد أهم مصادر الحصري في هذا الكتاب هو كتاب (الزهرة) لمحمد بن داود الأصبهاني ولنا في ذلك بحث صدر في العدد الثالث من مجلة (جذور) التي تصدر عن النادي الأدبي في جدة.
وقد انتهى بنا البحث إلى العثور على استشارة مفادها أن كتاب (المصون) طبع في مكة المكرمة (مكتبة الطالب) بتحقيق الدكتور حسن ذكري حسن الذي يذكر في كتابه (حديث الحب بين الحصري وابن حزم رؤية أدبية نقدية) مطبعة الأمانة، القاهرة 1409ه /1988م أنه حقق الكتاب ونشره في مكتبة الطالب في مكة المكرمة دون أن يذكر لذلك تاريخاً, وقد سألت عن الطبعة في مكة المكرمة فلم أجدها انظر كتاب حديث الحب,,,ص22 .
أما تحقيق الكتاب فإن السيدة أبو صالح بذلت في ذلك جهداً كبيراً فوثقت وصححت وعارضت وقارنت، وكان كل ذلك يتم ببراعة ودقة.
لقد سبق القول ان هذا الكتاب في اصله كان رسالة جامعية تقدمت بها السيدة ابو صالح للحصول على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة الملك سعود بإشراف الأستاذ الدكتور محمد الربداوي وذلك في العام 1409ه/1989م، وكان يمكنها العودة إلى الرسالة وتوثيق بعض الأمور وتصحيح أخرى في ضوء ما صدر من كتب تراثية في الفترة ما بين الرسالة 1409ه/1989م وصدور الكتاب 1416ه/1996م وأكتفي هنا بمثال واحد: عادت السيدة أبو صالح في تخريج أشعار كشاجم (محمود بن الحسين المتوفى سنة 360ه) الشاعر العباسي إلى طبعة بيروت في عام 1313ه وهي طبعة رديئة يكثر فيها التصحيف والتحريف، ولا تضم شعر كشاجم كله، وقد نسختها طبعة الدكتورة خيرية محفوظ التي صدرت في العراق (1970ه) وطبعة الدكتور النبوي عبدالواحد شعلان التي صدرت عن مكتبة الخانجي في القاهرة (1997م) ولئن كانت طبعة الدكتور شعلان متأخرة عن صدور كتاب (النورين) لقد كان بالإمكان الاعتماد على طبعة الدكتورة خيرية محفوظ، ولو فعلت المحققة ذلك لوجدت أن أبيات كشاجم التسعة عشر التي جاءت في كتابها (ص364366) والتي ترد في ديوان كشاحم طبعة بيروت هي في طبعة الدكتورة محفوظ (ص5557) وأن الخمسة الأولى من هذه الأبيات في شرح المقامات للشربيني (1/300) وقد زادتها الدكتورة محفوظ عن كتاب المصايد والمطارد لكشاجم 263 264 وأن البيتين 12 و15 في اعلام النصر 2/20 والبيتين 12 و18 في نهاية الأرب 10/350 ,
ولو عادت الى الديوان محفوظ المحقق لصححت بعض التصحيف الذي جاء في طبعة بيروت من ديوان الكشاجم وتسلل الى كتابها ومثال ذلك ما جاء في كتابها من قول كشاجم:


كأن غدرانها بالروض محدقة
تعيين ثوب من الموشي معصوب

ولا أجد لقوله تعيين ثوب معنى مقبولا، ولعل الصواب ما جاء في الديوان طبعة محفوظ تحيير ثوب وربما كانت تعيين تصحيف تحبير .
ان ما ذكرناه لا يقلل من الجهد المبذول في تحقيق هذا الكتاب في زمن صارت فيه كتب التراث عرضة للتشويه والسرقة دون وازع أخلاقي سعيا وراء الربح المادي السريع، وفي ذلك خطر على تراث الأمة وينبغي أن يحد الغيورون على ذلك التراث من تلك المجازر التي ترتكبها التقنيات الطباعية في اخراج طبعات مشوهة مسروقة من كتب بذل أصحابها الجهد والمال والعمر في اخراجها وتحقيقها على أحسن وجه.
* أستاذ النقد العربي المشارك في جامعة الملك سعود كلية الآداب قسم اللغة العربية
أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved