أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 5th June,2000العدد:10112الطبعةالاولـيالأثنين 3 ,ربيع الاول 1421

متابعة

د, العبيد يخاطب جلسة الأمم المتحدة بشأن النساء
اعتراضات عاصفة على ما تحتويه برامج الأمم المتحدة من ضرر على الأسرة والمرأة
لا ينبغي أن تحاسب الرسالات السماوية على أساس سلوك المنتمين إليها
تنشر الجزيرة فيما يلي مذكرة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أ,د, عبدالله بن صالح العبيد إلى رئيس الجلسة الثالثة والعشرين التي ستعقدها هيئة الأمم المتحدة في نيويورك بشأن النساء والتي سوف تستعرض توصيات ونتائج المؤتمرات الخاصة بالمرأة والتنمية والسكان في الفترة من 37/1421ه الموافق 59/6/2000م
السيد/ رئيس الجلسة الثالثة والعشرين هيئة الأمم المتحدة نيويورك.
تحية وبعد:
فإن رابطة العالم الاسلامي وهي هيئة اسلامية شعبية عالمية تتمثل فيها جميع الشعوب والأقليات والمنظمات الاسلامية، وتتخذ من مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية مقرا لها، تسعى الى تحقيق عدد من الأهداف السامية النبيلة في المجتمعات البشرية وذلك من خلال تعميق القيم الروحية والأخلاقية لدى الانسان، وتنمية طاقاته وقدراته بما يتفق وينسجم والارادة الإلهية، ولذلك فهي ترى أن من أهم واجباتها متابعة كل ما يتعلق بحياة الانسان وكرامته ذكرا كان أو أنثى، كبيرا أو صغيرا، وفي هذا الاطار مثلت الرابطة المسلمين مع جمعيات اسلامية أخرى المسلمين في لجان الجمعيات غير الحكومية التي عقدتها هيئة الأمم المتحدة حول الأسرة والمرأة والطفل والسكان والاسكان، ومن أهم تلك المؤتمرات التي قدمت فيها الرابطة رأي المسلمين مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة عام 1994م والمؤتمر الرابع للمرأة الذي عقد في بكين في سبتمبر من عام 1995م ومؤتمر المستوطنات البشرية الموئل الثاني الذي عقد في اسطنبول في شهر يونيو عام 1996م, وقدمت الرابطة مذكرات لهذه المؤتمرات بينت فيها موقف دين الاسلام الذي يعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار من أعضاء الأسرة البشرية، ويسر الرابطة أن تتقدم الى الجلسة الثالثة والعشرين المنعقدة في نيويورك مذكرة ببعض تلك المواقف مبدية تحفظها على بعض المستجدات والتعديلات غير العادلة التي تبين أن بعض الجهات تسعى الى فرضها على المجتمع الانساني بما لا يتفق مع قواعد العدل والانصاف التي تسعى الأمم المتحدة وفق ميثاقها الى تحقيقها.
السيد رئيس الجلسة:
ان استعراض نصوص الوثائق التي قدمتها هيئة الأمم المتحدة ولجانها المختلفة للمؤتمرات التي ناقشت قضايا الاسرة والمرأة والطفل يكشف عن أخطار بعض المواد في البرامج التي تسعى هيئة الأمم المتحدة لاتخاذ قرارات وتوصيات حيالها.
وهنا أود أن استعرض بعض تلك المواد التي تضمنها برنامج هيئة الأمم المتحدة مما يختلف مع تشريعات الرسالات السماوية سيما الاسلام مشيرا هنا الى أن جميع دساتير البلدان الاسلامية تنص على اعتبار أن مبادىء الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ولذلك كان لابد أن تتقدم رابطة العالم الاسلامي بهذه المذكرة متضمنة الملاحظات التالية:
أولا: إغفال الدين في برنامج هيئة الأمم المتحدة:
ليس من الانصاف القول بأن كل ما يحتويه برنامج هيئة الأمم المتحدة عمل سيء محض أو هدام كله,, بل إن فيه الجيد المفيد والمطلوب، وفيه الرديء الضار وغير المطلوب أبدا ومما يحتاج الى التنبيه اليه والتأكيد عليه أن كل ما يحتويه البرنامج ويبشر به من أفكار ويطالب به من مبادىء جيدة قد جاءت بها الأديان السماوية، ووضحها الدين الاسلامي ودعا اليها، ولذا فهي محل القبول والتأييد بيد أن بعض أصحاب هذه الأديان تجاهلوها وتغافلوا عن نشرها والدعوة للأخذ بها، ولذا فلا ينبغي أن تحاسب الرسالات السماوية على أساس سلوك المنتمين اليها بالحق أو بالباطل.
وأما ما يحتويه البرنامج من أفكار سيئة ومبادىء هدامة وهي خطيرة على الانسانية بصفة عامة وعلى البلاد النامية بصفة خاصة والاسلامية منها بصفة أخص فهي التي قد أثارت عواصف الاعتراضات ضد مؤتمرات الأمم المتحدة وساعدت على كشف الحجم الهائل من الشرور والمضار التي حملتها برامجها الخاصة بالأسرة والمرأة وخالفت بها الأديان السماوية عامة والدين الاسلامي خاصة، وأود هنا أن أسجل مالاحظته رابطة العالم الاسلامي من أن:
برنامج هيئة الأمم المتحدة لم يتطرق الى الدين أيا كان في التأثير على حياة السكان وجوانب التنمية المطلوبة عن طريق استغلال القيم الفاضلة والمبادىء القوية التي تدعو اليها الأديان وتأثير الأديان الواضح على حياة الانسان وما حفلات الموت التي شهدها العالم في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية وأفريقيا من قتل أو انتحار جماعي لا يقره عاقل ليدعو بالفعل الى عدم تجاهل تأثير الدين في النفوس وفي الحياة فضلا عما تشهده من قوافل الحجيج وصيام رمضان وغيره من مظاهر الحياة العامة.
ومن الواضح أن ذلك قد حدث لأن البرنامج يعتمد في مرجعيته على خلفية تستبعد فكرة الأديان، وتقوم على فصل الدين عن حياة وشؤون الانسان، وقد يفهم بحسب ما لوحظ من سلوكيات بعض الجمعيات غير الحكومية والمشاركة في صياغة البرامج المطروحة أنها تعتبر الانسان سلعة سوقية تخضع لقانون العرض والطلب، وليس خلقة إلهية تستوجب التكريم والحماية والصيانة كما نص القرآن الكريم على ذلك بقوله سبحانه وتعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الاسراء 70.
ثانيا: الدعوة لالغاء الميراث
يتضمن المشروع الذي قدمته هيئة الأمم المتحدة لمؤتمر السكان والتنمية في القاهرة عام 1994 أنه ,, يلزم بذل جهود خاصة في مجال التعليم والاعلام للتشجيع على معاملة البنات والأولاد على قدم المساواة فيما يتعلق ب:التغذية، والرعاية الصحية، وحقوق الميراث، والتعليم، والنشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي .
والمسلمون يرون أن كل هذه الأمور نادى بها وشجع عليها الاسلام، ولم يجعلها عقبة أبدا أمام المرأة، بل فيها المساواة التامة بما يحقق للمرأة حريتها وكرامتها ويحفظ للمجتمع حقوقه، والنصوص الاسلامية التشريعية كثيرة ومشهورة، ولا مجال لذكرها في هذه العجالة, ولكن التفاصيل الخاصة بذلك تدعو الى الانحراف بهذه العناوين الجميلة ففيما يتعلق بالميراث مثلا فإن المشروع يعمل على تعديل نظرة الاسلام في قسمة التركة بين الذكر والأنثى، وهذه دعوى مرفوضة شرعا لأنها تلغى تشريعا واردا ومفروضا في قوله تعالى (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) النساء:7، كما أنها تلغي تحديدا من الله تعالى لهذا النصيب لكل من المرأة والرجل حيث يقول تعالى:(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) النساء:12.
ومعلوم أن المرأة قد ترث ما يزيد على إرث عشرة رجال مثلا في بعض الحالات، كما أن الرعاية الصحية والتعليمية الواردة في الفقرة توحي بحرية لا تتقيد بدين ولا نظم محلية بل إن البرنامج يدعو في فقرات أخرى الى حماية المجتمع الدولي لهذه الحقوق وهذا تدخل سافر ليس في خصوصيات ودساتير الدول بل بين أفراد الأسرة.
ثالثا: العمل على هدم الأسرة:
يدعو برنامج هيئة الأمم المتحدة الى التسليم بتغيير شكل الأسرة خلافا لما يدعو اليه دين الاسلام والرسالات السماوية الأخرى حيث أن البرنامج يرى ان عملية التغيير الديمغرافي والاجتماعي الاقتصادي السريع في أنحاء العالم أثرت على انماط تكوين الأسرة والحياة الأسرية، فأحدثت تغييرا كبيرا في تكوين الأسرة وهيكلها، أما الأفكار التقليدية للتقسيم على أساس الجنس للمهام الأبوية والمهام المنزلية فلا تعكس الحقائق والتطلعات الراهة,, .
بل يصرح برنامج الأمم المتحدة أن الأهداف تتمثل فيما يلي:
وضع سياسات وقوانين تأخذ في الاعتبار تعددية أشكال الأسرة, كما يطالب الحكومات أن تقيم وتطور الآليات الكفيلة بتوثيق التغييرات وأن تجرى الدراسات بصدد تكوين الأسرة وهيكلها, وفي هذا ما فيه من العمل تحت هذه العبارات الغامضة المطاطة على تشجيع الاعتراف بالأسر التي تتكون خارج الاطار الشرعي سواء كانت بين رجل وامرأة بدون زواج أو بين رجلين كما هو موجود في بلاد الغرب أو بين امرأتين كذلك، وهذا شيء يتناقض تناقضا صريحا مع الدين الاسلامي الحنيف ومبادئه الرامية لصالح البشر جميعا كما يتعارض مع الأديان المسيحية واليهودية, بل فيه مصادمة لأوامر الله تعالى حيث يقول سبحانه (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)الروم: 21، ويقول عزوجل(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) النساء:1.
فلا سبيل في الاسلام لتكوين أسرة إلا عن طريق الزواج القائم على عقد بين الرجل والمرأة وفق القواعد الشرعية المنظمة لذلك.
كما يناقض المشروع طموحات الانسان الفطرية في الاستقرار بالأسرة الشرعية الطبيعية,, هذا الاستقرار الذي تشير اليه الآية الكريمة (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) الفرقان:74.
كما يقطع على الانسان نيل مرضاة الله تعالى كما في قوله تعالى على لسان الملائكة وهي تدعو لهذه الأسرة التي تكونت شرعيا وعملت على مرضاة ربها (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم) غافر:78, ومخالفة هذا الطريق الذي بينه التشريع السماوي لتكوين الأسرة دمار للأسر وهدم لها وقطع لدابر النسل البشري، ولا يمكن فرضه على المسلمين والسعي في فرض مثل هذه الأمور هو اعلان حرب على المسلمين وعلى دينهم وليس له سند من ميثاق الأمم المتحدة.
رابعا: رفع ولاية الآباء عن أولادهم:
ورد في برنامج هيئة الأمم المتحدة يجب ضمان الوصول الى الخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية والتناسلية بما في ذلك منع حالات الحمل المبكر والتثقيف الجنسي والوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية الايدز وغير ذلك من الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي,, ويجب ضمان سريتها وخصوصيتها بدعم وتوجيه الوالدين، وبما يتمشى مع اتفاقية حقوق الطفل.
وكما هو واضح ففي هذا رفع لولاية الآباء عن الأبناء من خلال الاحتفاظ لهم بالخصوصية والسرية فيما يتعلق بالخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية والتناسلية، بل يطالب البرنامج بدعم وتوجيه الوالدين لأولادهما فيما يتعلق باستعمالهم لهذه الخدمات وهو توجيه يهدف الى رفع ولاية الآباء على أبنائهم وبناتهم من حيث الرقابة الأخلاقية والتربية السوية، وحماية المراهقين والمراهقات عند تعاطيهم الجنس، والاحتفاظ بسلوكياتهم الشخصية في سرية عن آبائهم.
وفي هذا التوجه مخالفة صريحة لروح الشريعة الاسلامية ونصوصها حيث حمل الاسلام الآباء والأمهات مسؤولية كبرى في تربية أولادهم واعدادهم الاعداد الكامل لحمل أعباء الحياة، وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المسؤولية في أكثر من حديث ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها,, , ويقول:أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم: كما يقول صلى الله عليه وسلم :علموا أولادكم الخيرا وأدبوهم .
وقد ركز الاسلام على هذه المسؤولية لدرجة التهديد بالعذاب الأكبر اذا هم فرطوا أو قصروا في رعايتهم وحسن توجيههم لأولادهم حيث يقول سبحانه وتعالى:(يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)التحريم: 6.
وليس من الرعاية التي كلف بها الاسلام الآباء لأولادهم تركهم للشذوذ الجنسي والأمراض الناتجة عنه، بل هو تفريط واضح للمسؤولين، وتعرض علني لغضب الله سبحانه وتعالى، فضلا عن خطره على الأفراد والاسر والمجتمعات.
خامسا: رفع سن الحد الأدنى للزواج:
يرى البرنامج تشجيع الأطفال والمراهقين والشباب، وخاصة الشابات، على مواصلة تعليمهم لتهيئتهم لحياة أفضل، وزيادة امكاناتهم البشرية للمساعدة في الحيلولة دون حدوث الزيجات المبكرة.
كما يدعو الى أن تعمل البلدان على ايجاد بنية اجتماعية اقتصادية، تفضي الى ازالة الترغيب عن الزواج المبكر.
وهذا يعني ان البرنامج يدعو الى رفع سن الراغبين في الزواج، عن طريق محاربة الزواج المبكر لدى الشباب من الجنسين وفي هذا ما فيه من المعارضة الصريحة لتعاليم الاسلام التي تدعو الى الزواج وتحث عليه ما دامت القدرة عليه قد تحققت والاستطاعة قد تيسرت، وفي ذلك يقول تعالى:(وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمانكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) النور:32, ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج .
وقوله صلى الله عليه وسلم:من قدر على أن ينكح فلم ينكح فليس منا , وكان هذا الموقف للشريعة الاسلامية من منطلق الحرص على صالح المجتمع، واعلاء راية العفة والطهارة في ربوعه، وسد منافذ الفساد، واغلاق الثغرات التي يتولد منها الشذوذ الجنسي، ولن يتم ذلك إلا بالعمل على عدم كثرة العزاب والعوانس بين أفراد مجتمع المسلمين، كما أن تأخيره يؤدي الى شيوع الفاحشة، ومن ثم زيادة الأطفال اللقطاء أو اباحة الإجهاض، وضياع الحقوق، وتوقف عجلة الانتاج، وتفاقم المخاطر والمشكلات في المجتمع.
سادسا: إباحة الزنا:
كذلك ورد في برنامج الأمم المتحدة ينبغي أن يكون الهدف مساعدة الأزواج والأفراد على تحقيق أهدافهم التناسلية، واعطائهم الفرصة الكاملة في ممارسة حق الانجاب باختيارهم والمقصود بالافراد غير المتزوجين من الناس.
ومن ذلك تتضح الدعوة الى الغاء القوانين التي تحد من ممارسة النشاط الجنسي الذي هو فطرة وجَّه الاسلام الى الطريق الأمثل لتفريغها وعمارة الكون على أساسها، وقد ورد مثل ذلك في الفقرات 78 من وثيقة مؤتمر السكان والتنمية التي تضمنت أنه ينبغي على الحكومات أن تسهل على الأزواج والأفراد تحمل المسؤولية عن صحتهم التناسلية والجنسية بازالة مالا لزوم له من عوائق قانونية وسريرية وتنظيمية تقف في وجه اكتساب المعلومات والحصول على خدمات وأساليب تنظيم الأسرة.
ومثل ذلك المناداة بحقوق المراهقين الجنسية حيث ينص البرنامج على أنه ينبغي أن تتوفر للمراهقين المعلومات والخدمات التي تساعدهم في فهم حياتهم الجنسية، وحمايتهم من حالات الحمل غير المرغوب فيه، ومن الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، ومن خطر العقم بعد ذلك.
وحول سرية العلاقات، ونتائج الممارسات الجنسية ينص البرنامج على أنه يجب أن تزيل البلدان العوائق القانونية والتنظيمية والاجتماعية التي تعترض سبل توفير المعلومات والرعاية الصحية الجنسية والتناسلية، كما يجب أن تضمن ألا تحد مواقف مقدمي الرعاية الصحية من حصول المراهقين على الخدمات والمعلومات التي يحتاجونها، وفي إنجاز ذلك لابد للخدمات المقدمة الى المراهقين أن تضمن حقوقهم في الخصوصية والسرية والموافقة الواعية والاحترام,, الى غير ذلك.
وهذه دعوة تخالف ديننا وتصادم تشريعاتنا صراحة حيث يقول تعالى:(ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا)الاسراء:32.
كما يقطع الاسلام كل الطرق المؤدية اليه، ويغلق كل المنافذ الموقعة فيه من مثل الاختلاط غير المنضبط بضوابط وتعاليم الدين، والنظرة الآثمة والخلوة المحرمة، والتبرج واظهار المفاتن الى غير ذلك، بل وشرع التعزيرات كما حدد العقوبات المترتبة على ذلك.
ولقد حرص الاسلام على ذلك صيانة للأعراض والأنساب والروابط الأسرية، والعلاقات الانسانية، وحماية الانسان من الانغماس تحت وطأة الرذائل المؤدية الى هلاك الفرد وضياع المجتمع.
وان التاريخ القديم والحديث يوضح ذلك جيدا حيث بلغت الحضارات البابلية والآشورية والإغريقية والرومانية أوج المجد والعظمة كل في حينها، ولكنها سرعان ما بدأت تشيخ وتهرم وتنهار عندما نخر سوس العلاقات الجنسية المحرمة العمياء همم أفرادها وعزائم أسيادها، وانتشرت في مجتمعاتها.
سابعا: إباحة الإجهاض:
ان برنامح هيئة الأمم المتحدة يتحاشى النص على إباحة الاجهاض صراحة بيد أن المدقق يشتم رائحة هذه الإباحة، بل الدعوة الى الاجهاض في مواطن كثيرة من البرنامج.
فعلى سبيل المثال نجد النص التالي: ينبغي أن تكون برامج الرعاية الصحية التناسلية والجنسية مصممة لتلبية احيتاجات المرأة والفتاة المراهقة .
بل نجد ما هو أشد من ذلك معالجة قضايا المراهقين المتصلة بالصحة الجنسية والتناسلية بما في ذلك الحمل غير المرغوب فيه .
وكذلك ينص البرنامج على أنه يتعين على البلدان بدعم من المجتمع الدولي أن تحمي وتعزز حقوق المراهقين في التربية والمعلومات والرعاية المتصلة بالصحة الجنسية والتناسلية وأن تخفض عدد حالات المراهقات تخفيضا كبيرا .
وهذا الاتجاه من البرنامج مناقض لأبسط مبادىء الانسانية ولتعاليم الأديان السماوية ولأحكام الدين الاسلامي .
فجمهور علماء الاسلام يرون أن اسقاط الحمل الاجهاض محرم مطلقا، إذ هو قتل لنفس محرم قتلها، حتى ولو كان الجنين ناتجا عن زنا أو اغتصاب أو غير ذلك إلا اذا كان ذلك الجنين يمثل تهديدا لحياة الأم أو أن الجنين لن يخرج سويا على تفصيل لدى المجامع العلمية الفقهية.
ومن هنا: فلا يجوز في نظر الاسلام اسقاط الجنين الاجهاض تحت مسمى تنظيم الأسرة أو صحة الانجاب أو الصحة الجنسية.
كما لا يجوز اسقاط الجنين بسبب العوامل الاقتصادية القائمة أو المتوقعة، عملا بقول تعالى (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم)الأنعام:191.
وقوله تعالى(ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم)الإسراء:31.
ثامنا: الضلال في معالجة الايدز:
يرى البرنامج أن نسبة الاصابة بالأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي على نطاق عالمي مرتفعة وآخذة في التزايد، وقد ازدادت هذه الحالة سوءا بشكل كبير مع ظهور وباء فيروس نقص المناعة البشرية.
ويرى البرنامج للخلاص من هذه المشكلة أنه ينبغي أن يصبح تشجيع استخدام الواقي الذكري جيدة النوعية، وتوريدها، وتوزيعها بصورة موثوقة عنصرا لا يتجزأ من جميع خدمات الرعاية الصحية التناسلية وينبغي على جميع المنظمات الدولية ذات الصلة ولاسيما منظمة الصحة العالمية أن تزيد بصورة كبيرة من شرائها .
كما ينبغي العمل على اتاحة الواقي والعقاقير للوقاية والعلاج من الأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي على نطاق واسع وبأسعار متهاودة مع ادراجها في جميع قوائم العقاقير الأساسية .
كما ينبغي لدوائر البحوث أن تعمل بالذات على دعم وتعزيز الجهود المبذولة حاليا لايجاد لقاح، ولتطوير طرائق تتحكم فيها المرأة، ومن ذلك مثلا مبيدات الميكروبات المهبلية من أجل الاصابة بفيروس نقص المناعة البشرية .
ان هذه حلول يصدق عليها قول القائل (وداوها بالتي كانت هي الداء) فهي حلول تقر الخطأ وتعالجه بخطأ أشد فحشا منه كما أنها لا تقي الانسان من هذا الداء الوبيل والخطر الداهم، واضافة الى ذلك فهي حلول تخالف الشريعة الاسلامية في العلاج أو الوقاية من هذه الأمراض الناتجة عن شيوع الفاحشة.
ووجه المخالفة يظهر بما يلي:
إن الاسلام يعالج هذا المرض وأمثاله بعدة تدابير شرعها الخالق سبحانه وتعالى ليقي الانسان ومجتمعه من شرورها وهي كثيرة نذكر منها:
* تدابير للوقاية من وجوده أصلا فضلا عن انتشاره حيث يعتني الاسلام باصلاح نفس الانسان قبل كل شيء ويعمر قلبه بخشية الله تعالى عالم الغيب والشهادة ويشعره بمسؤوليته يوم القيامة التي لا يستطيع ان ينجو منها بأية حيلة، وينشىء فيه الميل الى طاعة الله والرسول التي هي أولى مقتضيات الايمان, ثم ينبهه ولا يزال مرة بعد أخرى على أن الزنا والفحشاء من كبائر الذنوب الموجبة لغضب الله تعالى والجالبة عليه العذاب الأليم في الآخرة, ولذا نجد الأمر بغض البصر وحفظ الفرج (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن) النور:3031.
* توضيح أحكام ستر العورات (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن) النور.
* تحشم النساء وعدم تبرجهن واظهارهن لمفاتنهن وزينتهن.
* ( يا أيها لنبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) الأحزاب: 59.
* النهي عن الخلوة بين الرجل والمرأة دون وجود محرم لها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يخلون رجل بامرأة إلا والشيطان ثالثهما).
* النهى عن اختلاط الرجال والنساء دون ضوابط شرعية ولغير ضرورة تستدعي ذلك.
* التنفير من جريمة الزنا ودواعيها (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) الأنعام:151, (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) الإسراء: 32.
* النهي عن مقدمات الزنا ودواعيه والتهديد بعذاب الله تعالى لمن يقترف هذه الكبيرة (ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) الفرقان 6869.
* التنبيه على تطبيق حد الزنا على ما يقترف هذه الجريمة، اذا ما توفرت شروط تطبيقها.
ثانيا:
تدابير للعلاج من هذه الأخطاء اذا ما وقعت حماية للمجتمع من الانهيار بسببها وصيانة للصالحين فيه من الايذاء وتمكينا للبلاد من التفوق والرقي وعدم التخلف والهوان وهي العقوبة التي تتناسب مع هذا الجرم وتردع الذين يميلون الى ارتكابها حتى يرهبوها ويحجموا عنها.
ذلك أن غاية القانون الاسلامي ليس معاقبة الجاني فقط بل تطهير المجتمع مع الجناية ذاتها وعدم التمكين من الاقتراب منها والتعود عليها.
ثالثا:
يأتي دور العلاج الطبي في أفضل صوره التي تتناسب وقيمة الانسان، ولعل هذه التدابير التي وضعها الاسلام لوقاية الانسان من مخاطر الممارسات الجنسية الشاذة والبهيمية ومنها مرض نقص المناعة الايدز بعيدة عن مشروع برنامج هيئة الأمم المتحدة.
وهكذا فالفرق بين علاج الاسلام وعلاج واضعي المشروع لأمراض الممارسات الجنسية المحرمة، وعلى رأسها الايدز كبير، فبينما يجفف الاسلام منابع المرض، ويعالج مصادره، فإن المشروع يحافظ على المنابع ويبقى على المصادر، ثم يدعى أنه يحاصر الآثار بمثل الواقي الذكري وذلك من باب المحافظة على حرية الفرد، في ذات الوقت الذي يدمر فيه الفرد والجماعة والبشرية.
وهذه جريمة لا ينبغي تجاهلها أو المساهمة فيها انقاذا للبشرية عامة من أخطارها، وصيانة للناس بصفة خاصة، وحماية للمسلمين بصفة أخص.
تاسعا: تحديد النسل بسبب الرزق:
يركز البرنامج دون مواربة على أن الدعوة لتحديد النسل والقوانين والتدابير المطلوب اتخاذها لنجاح هذا الهدف هي بسبب الموارد الغذائية الموجودة في العالم والآخذة في التناقص والندرة، وفي هذا اغفال كامل لخالق هؤلاء البشر وتجاهل كامل لقدرته سبحانه وتعالى على رزقهم وعلى تدبير الموارد اللازمة لهم، وفيه كذلك اغفال لدور هؤلاء البشر في انتاج الموارد التي أودعها الله تعالى لهم في هذا الكون وأمرهم باستخراجها وحسن الافادة منها، يقول الله تعالى في القرآن الكريم (الرحمن على العرش استوى له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى) طه: 56.
ويقول العلماء المسلمون في قوله تعالى (وما تحت الثرى) اشارة الى أنه تعالى خبأ تحت تراب كل بلد من الخيرات ما يكفي أهلها أن يعيشوا بسببه في رفاهية من الحياة الى آخر الزمان لو استخرجوه, ومن هنا فالفقر ليس بسبب ندرة الموارد بل بسبب التكاسل من البشر لو يدركون أو بسبب من الطغاة واستبداد الأنظمة.
ويقول سبحانه (الذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) فصلت: 910.
ويقول العلماء المسلمون في قوله تعالى (وقدَّر فيها أقواتها) أي: حدد وأودع في الارض أرزاق أهلها وسكانها من أول الزمان الى آخر دنيا الناس.
وبناء على ذلك يطمئن رب العزة الناس جميعا على أرزاقهم وأنها لن تنقص بسبب كثرتهم أو بسبب مشاركة غيرهم من الخلائق لهم حيث يقول (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) هود:6, وكذلك يقول:(وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم).
ومن هنا فالدعوة لتحديد النسل بسبب ندرة الموارد أو انعدامها أو توقع ذلك مبعثها إما جهل بالله تعالى وبقدرته، وإما انكار لوجود الله تعالى، أو قدرته وكذلك هي تجهيل للناس بأن الموارد الغذائية الموجودة بالفعل في الارض تكفي سكانها مع عدالة التوزيع، وسلامة الاستهلاك.
بل هي تجهيل الناس وتخويفهم حينما يقولون ان عدد سكان العالم في القرن العشرين قد ازداد بما يعادل عشرة أضعاف ازيداده في القرن التاسع عشر وفي نفس الوقت يخفون عنهم ان الانتاج العالمي من الموارد الغذائية والاستهلاكية قد ازداد بأكثر من خمس عشرة ضعفا الى نسبة زيادته في القرن التاسع عشر.
بل هي تجهيل أكثر الناس وتخويف لهم أكثر حينما يخفون عنهم ان الانتاج العالمي الحالي يكفي لتأمين معيشة كريمة لأكثر من عشرين مليارا من البشر لولا الخلل في توزيع الانتاج.
السيد رئيس الجلسة:
إن رابطة العالم الاسلامي إذ تضع لكم هذه الملاحظات على برنامج هيئة الأمم المتحدة فإنها تسعى من خلال وجودها في الهيئة الموقرة كعضو مراقب الى تعاون المجتمع الدولي ومنظماته لتحقيق التكريم العظيم الذي كرم به الله سبحانه وتعالى الانسان، ولتحصين الانسان وحمايته من كافة الشرور والموبقات والحريات المتفلتة التي لا ضباط لها، وتعلمون أن رسالات السماء اشتركت في الدعوة الى حماية الانسان وتكريمه من خلال منهجها في بيان الحلال والحرام، وهذا هو الأصل المطلوب لوضع المناهج والبرامج في هذا العصر وفي كل عصر، فخالق البشر أعلم بحاجاتهم، وكل ما قامت الهيئات الكنسية وعلى رأسها الفاتيكان بجهود مماثلة ينبغي أخذها بعين الاعتبار فلنعمل من أجل حماية البشر من المفاسد والرذائل واختلاط الأنساب ومضار الشهوات الدنيوية الزائلة التي من شأنها تدمير المجتمعات الإنسانية.
ولكم تحياتي

أ,د, عبدالله بن صالح العبيد
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved