أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 6th June,2000العدد:10113الطبعةالاولـيالثلاثاء 4 ,ربيع الاول 1421

مقـالات

المؤامرة
أيديولوجية الغرب في التعامل معنا وإنكارنا لذلك تآمر على النفس
مضواح بن محمد آل مضواح
من ينكر أن أمتنا تتعرض لمؤامرة، وهو من أبنائها، يسلك سلوكا يشبه سلوك الطاووس في غطرسته,, يغري بنتف ريشه الجميل المنقوش، ويجذب اليه أنواعا متعددة من الحشرات، وذلك من باب التآمر على النفس بوعي أو بدون وعي، ومن يعزو اليها جميع مشاكلنا يسلك سلوكا يشبه أو يطابق سلوك المضطرب نفسيا حين يقع ضحية حالة مرضية تسمى الاسقاط فتراه يسقط كل مشاكله وعيوبه على الآخرين.
ان المؤامرة موجودة مهلاً,, سأورد بعض الأدلة ولكنها ليست مسؤولة عن كل مشاكلنا وعيوبنا, فهي تشبه في ما تسببه لنا من مشكلات نظرية رياضية احصائية تسمى الانحدار Regression انحدار الظاهرة ص على الظاهرة س فلو مثلنا ان الظاهرة س هي المؤامرة التي نتعرض لها، وان الظاهرة ص هي مشاكلنا وأزماتنا، فما مدى مساهمة س في حدوث ص أو بلغة رياضية احصائية: ما مدى انحدار ص على س ؟.
وقد تأتي النتيجة في صورة نسبة مئوية منخفضة، أو مرتفعة الى النسبة المشهورة في بعض أقطار العالم الثالث 99,9% , وما ينبغي الاعتراف به دون مبرر مقبول هو أننا مسؤولون عن معظم مشاكلنا في حالة التآمر علينا، ومسؤولون عن كل مشاكلنا خارج اطار تآمر الآخرين علينا، مسؤولون في الحالة الأولى لأننا لم نعط الاهتمام الكافي بتنمية كل شعوبنا تنمية شاملة تنير العقول والبصائر فمن شأن ذلك لو حدث أن يقلل من فرص استغفال الآخرين واحتقارهم لنا، لأن التجارب قد أثبتت ان الدفاع عن كيان أي أمة يكون أجدى نفعا وأمضى سلاحا اذا كان غالبية أفرادها يمتلكون عقولا منفتحة وثقافة مرنة مستنيرة، ومسؤولون في الحالة الثانية لأننا لم نهتم بالجانب الوقائي، ولم نعالج ما استجد من مشكلات وفق الأسس العلمية، ولم نتخلص جميعا من الأنانية والحسد والأحقاد، يضاف الى ذلك طامة كبرى، بالنسبة لنا نحن العرب، وهي انعدام الثقة بين بعض المجتمعات العربية، فقسم من تلك المجتمعات يصرف وقته وأمواله في التآمر على بني جلدته، والقسم الآخر يصرف وقته وأمواله في التصدي لهذه المؤامرات، مضافا اليها مؤامرات الغرب والشرق, من خصائص المؤامرة ان لها وجوه متعددة، ويراد لوجهها الحقيقي ان يبقى سراً بين المتآمرين ولابد أن يكون لها ضحايا، وأهدافها التي حددها المتآمرون يصعب تحقيقها بالوسائل الانسانية المشروعة ولها خيوط كثيرة هي وسائلها.
ومن الأمور ما لا يخطر ببال أحد أن تدخل في نطاق التآمر لبساطتها، ومنها ما يصعب على العقل ان يصدق ان الضمير يقسو الى درجة التآمر عليها,, بذور القمح والقطن، العقاقير الطبية,, ما شأنها بالتآمر السياسي؟ لقد وجد المؤرخون وثائق رسمية تثبت ان الاستعمار الأوروبي كان يعمل على أن تكون البذور الجيدة من نصيب المزارعين المستعمرين في أفريقيا، والمزارعين المحليين الذين يدينون بدين المستعمر، وان تكون البذور الرديئة من نصيب المزارعين الآخرين، وعند المحصول تفسر جودة المحاصيل أو رداءتها بديانات المزارعين فيقولون: ان الله ليس مع المزارعين المسلمين، وغيرهم ممن لا يعتنق دين المستعمرين، فيأتي محصولهم الزراعي سيئا، في حين ان محصول المزارعين المستعمرين ومن يدور في فلكهم جيد ووفير لأن الله معهم, وليس بخاف على أحد طبيعة الهدف التبشيري والاستعماري من وراء هذه المؤامرة، فالمزارعون الذين يحصلون على بذور جيدة ستكون محاصيلهم الزراعية أوفر وأجود وبالتالي ستكون حالتهم المعيشية والاقتصادية أفضل من حالة أولئك الذين تأتي محاصيلهم الزراعية رديئة بسبب حصولهم على بذور سيئة، الأمر الذي يجعلهم في منزلة أدنى، ويبقيهم أسرى العوز واستجداء الآخرين,, وعليهم اذا أرادوا أن يكون الله معهم أن يعتنقوا دين المستعمر وان يوالوه, وتعالى الله عما يأفكون ومثل هذا يحصل في مجال البعثات الطبية الغربية في البلدان المستعمرة، فقد كانت الأدوية تصرف بكميات وأنواع تساعد على تماثل أشخاص محددين للشفاء قبل غيرهم, تحت الذرائع ذاتها، وللأهداف نفسها, وخلال الاستعمار الحديث الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية لم تتغير أهداف المؤامرات وان تغيرت مجالاتها وأساليبها ووسائلها، الا انه اصبح للمؤامرات مرتكزات تتناسب مع متغيرات العصر الحاضر، وأدت نجاحات الغرب في التآمر الى توسيع قاعدة هذه المرتكزات وفق المفاهيم التي تخدم مصالحه، فقلب مفهوم الارهاب حتى لقد أصبحت استقلالية العالم الثالث ومقاومته للارهاب الغربي تفسر على انها ارهابا، وتحولت حقوق الانسان من غاية الى ذريعة,, فالغرب يغض الطرف عن دول تنتهك هذه الحقوق انتهاكات مروعة تتنافى مع كل معنى من معاني الانسانية ويشارك في تلك الانتهاكات لتحقيق مصلحة مادية أو سياسية,, وحين ينوي التدخل في شؤون دولة من الدول لابتزاز ونهب ثرواتها أو توظيفها للتأثير في قرارات تتعلق بمصلحة ينوي ابتزازها، أو يرغب في لوي عنقها باتجاه الغرب لأي غرض من أغراضه فانه يشرع في التحامل عليها واتهامها بانتهاك حقوق الانسان, وحين تصر دولة من الدول على حقها في السيادة الكاملة على كل ما احتواه اطارها المكاني، مثلها مثل أي دولة غربية، أو تتمسك بحقها في تحرير أراضيها ومقاومة أي شكل من أشكال الارهاب أو الاستعمار فان الغرب يخلق لها الأعداء ويتهمها مع كل أصدقائها ومؤيديها بتهديد السلم والأمن العالميين وبخاصة عندما يكون المحتل أو المستعمر غربيا أو آخر ينهج منهج الغرب في حقده وارهابه ومعاداته وابتزازه للشعوب العربية بخاصة,
لقد استخدم الغرب كل هذه المرتكزات لتكون منطلقا لتنفيذ جميع المؤامرات التي تعرضت لها الأمة العربية وتتعرض لها اليوم,, مؤامرات طالت مختلف جوانب الحياة في الوطن العربي وكانت اسرائيل فيها بؤرة التآمر، وتحول بعض المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين الى أبواق للنعيق الاسرائيلي، ولم تخل مناطق أخرى في العالم من وجود لمثل تلك الأبواق,, ولو وقفنا على شفا بؤرة التآمر المنتنة هذه لوجدنا ان اسرائيل قد أدركت انه لا يمكنها ان تهيمن وتحقق أهدافها التوسعية الا بالمؤمرات، وفي ظل المتناقضات والصراعات الدولية والاقليمية,, وأدرك المخططون اليهود أيضا ان اسرائيل تفتقر الى أبسط مقومات البقاء في غياب الدعم الغربي الكامل، وهم لا يضمنون حصول واستمرار هذا الدعم الا حين يوجد خصم قوي للغرب تتوفر له ظروف مكانية وأيديولوجية ذات طبيعة مهددة للمصالح الغربية، وعند ذلك تزداد حاجة الغرب الى اسرائيل وموقعها الاستراتيجي، وقد وقع اختيارهم على الاتحاد السوفيتي لذلك هربوا اليه أسرار التقنية اللازمة لصنع السلاح النووي، ومن جعبة أمريكا,, فقد كانت الأسرار التي هربوها أسرارا أمريكية!,
وبالفعل أصبح الاتحاد السوفيتي قوة نووية عظمى تنافس الولايات المتحدة الأمريكية، وتحول الى شريك للغرب في جميع المؤامرات والمصالح المتأتية عنها، وأصبح العالم كله ميدانا لهذه المؤامرات، واتفقت الدولتان العظيمتان على مجال واسع للتآمر على بعضهما في كل ما هو دون المواجهة الفعلية بين جيشيهما، فحدثت بينهما كثير من المعارك الحربية الطاحنة لم يشترك فيها جندي واحد من الدولتين، وكان وقودها السلاح الأمريكي والسوفيتي، وضحاياها من أبناء الشعوب المغلوبة على أمرها، وغذاؤها الأموال التي تصب في خزانة الدولتين العظميين ثمنا للسلاح والمواقف السياسية الهلامية.
ومع ذلك لم تكن أي منهما تتردد في تقديم العون للأخرى في سبيل ابتزاز أموال الشعوب وثرواتها ضمن اطار تبادل المصالح بينهما، وكانت منطقة الشرق الأوسط والخليج من أكثر مناطق العالم اثارة للاطماع الغربية والشرقية نظرا لما يوجد في هاتين المنطقتين من ثروات طبيعية وبشرية هائلة, وبالتالي فان دول هاتين المنطقتين، من أكثر الدول في العالم تعرضا للمؤامرات والابتزاز، وبسبب ذلك انقسم العالم العربي على نفسه,, قسم ولّى وجهه شطر الكرملن، والقسم الآخر أجبرته الظروف والمؤامرة على اتقاء البيت الأبيض, كانت أمريكا تكشر أنيابها وتسل مخالبها باتجاه الدول الموالية للاتحاد السوفيتي، وكذلك كان يفعل الاتحاد السوفيتي تجاه الدول الأكثر علاقة بأمريكا,, وأصبح العالم العربي بين فكي كماشة، ووجدت الدولتان العظميان ان اسرائيل بموقعها وعنصريتها هي مفصل فكي هذه الكماشة,, أمريكا وبعض دول أوروبا تدعم اسرائيل في عدوانها على الأمة العربية من جهة, ومن جهة أخرى تنصب نفسها حامي حمى الثروات العربية ضد أطماع السوفيات,, والاتحاد السوفيتي يزعم نفسه صديقا للعرب وعدوا لاسرائيل والرأسمالية الغربية من جهة، ومن جهة أخرى يفغر فاه باتجاه الثروات العربية ويشارك في التآمر عليها, وفي هذه الأجواء المربكة لأمتنا قام الاعلامي الأوروبي والأمريكي بصناعة دور لاسرائيل في الدفاع عن مصالح الغرب في دول الخليج العربية والشرق الأوسط بعامة، وطفق الاتحاد السوفيتي يسهم في صناعة هذا الدور وتضخيمه.
كان الاتحاد السوفيتي يمد اسرائيل بعشرات الألوف من المهاجرين على دفعات تتناسب مع ما يستجد له من مصالح، وما يطرأ من مواقف دولية مواتية، بعد ان يخلق الظروف التي تجبرهم على الهجرة الى فلسطين ليستوطنوا في الأرض العربية المحتلة، في الوقت الذي يعلن فيه عن التزامه بدعم القضية العربية بكل الوسائل، فهل تسيير أفواج من المهاجرين الى اسرائيل احدى وسائل هذا الدعم؟!, لقد دأب الاتحاد السوفيتي على تبرير تصرفه هذا بحاجته الى القمح الأمريكي، في حين ان هناك أهدافا أخرى أيضا وراء هذا التصرف، منها هدفان مهمان ويسيران بالتوازي مع حاجته الى القمح:
أ مساعدة اسرائيل على احداث شيء من التوازن الديموغرافي مع دول المواجهة، وتوفير احتياجاتها من العلماء والكفاءات المهنية والفنية المدربة.
ب ابقاء دول المواجهة في حالة قلق مستمر مما يدفعها الى زيادة مشترياتها من الأسلحة والعتاد السوفيتي، واعتمادها النفسي على دعمه السياسي للقضايا العربية العادلة.
ومن يستعيد جزءا من الذكريات ثم يربطها بما حصل من تطورات فلن يجد صعوبة في استنتاج باقي الأهداف التي من أجلها كان الاتحاد السوفيتي يتظاهر بدعم العرب في الوقت الذي يرفع فيه من حدة الظروف التي تزيد في حاجتهم اليه,, وتستمر الأمور تدور في حلقة مفرغة بالنسبة للعرب، وممتلئة بالمصالح السوفيتية والأمريكية والأوروبية، وازداد التفوق العسكري الاسرائيلي حتى تمكنت من الوصول الى عمق الوطن العربي بطائراتها وصواريخها فقصفت حتى المستشفيات والمدارس في دمشق والقاهرة واحتلت مزيدا من الأراضي، وأصبح المحتل الاسرائيلي يتمتع بحقوق المواطن العربي على أرضه بقوة السلاح, كانت دولتا مصر وسوريا في أمس الحاجة لشراء صورايخ سكود متوسطة المدى لردع هذه الغطرسة الاسرائيلية والدفاع عن أراضيها ومواطنيها، لكن الدراسات العسكرية والتاريخية تشير الى ان الاتحاد السوفيتي كان يرفض أي طلب من هذا النوع، وما كان موقفه هذا الا لحماية الجيش الاسرائيلي بدليل انه وافق على بيع تلك الصواريخ لليبيا والعراق واليمن الجنوبي آنذاك، وفق شروط تجعل من المستحيل نقلها الى دول المواجهة تحت أي ظرف من الظروف، هذا ان فكر أحد من المشترين في مثل هذا التصرف, لقد نفذت اتفاقيات تبادل المصالح بين الاتحاد السوفيتي والغرب واسرائيل بدقة عجيبة, وليس أمام أمريكا خيار غير ذلك بعد أن أصبح لها ند يستطيع ان يمد يده وعنقه الى أي مكان في العالم كما تفعل هي، هذا فضلا عن كونه يساعد أمريكا بأطماعه المخيفة من حيث يدري ولا يدري، على ابتزاز كثير من ثروات العالم, كان كل من الشرق والغرب يضاعف الجهود في التآمر على بعضهما، وفي هذا الجانب كان من الواضح أن أمريكا تسعى لالحاق أكبر قدر من الخسارة بالاتحاد السوفيتي فتشكك في نواياه وتشوه صورته في أعين حلفائه وباقي الدول التي ينوي استقطابها، وكان الاتحاد السوفيتي يفعل الشيء ذاته فحول كوبا الى خنجر مسموم في خاصرة أمريكا وعمل على هزيمتها واهانتها في فيتنام، وأفشل مشروعها للهيمنة على شبه القارة الكورية، كانت أمريكا تتوق الى رد هذه الصفعات التآمرية فعملت جاهدة كي يخسر الاتحاد السوفيتي أحد أصدقائه من أقطار المواجهة العربية، وكانت تحلم بخسارته لمصر منذ الخمسينات,, ان ذلك كفيل باثارة الابتهاج الأمريكي الى حد الهياج العاطفي، لأن النفوذ في الشرق الأوسط قد مال نظريا لصالح الاتحاد السوفيتي بسبب عدد وأهمية الدول العربية الموالية له، والقلق الأمريكي من تنامي المد الاشتراكي في المجتمعات العربية يتصاعد، وعلى الجانب السوفيتي فان العمليات الحربية بين العرب واسرائيل أصيبت بحالة خمول مما أدى الى تناقص مبيعاته من السلاح للعرب، غب ذلك يبدو ان الدولتين العظميين قد تآمرتا لاعادة ترتيب أوراق اللعبة بهدف اعادة التوازن بين نفوذهما في الشرق الأوسط، فهناك مؤشرات قوية على ان اسرائيل كانت تحضر لعدوان جديد على سوريا قبل حرب رمضان مباشرة لتحقيق عملية اعادة التوازن تلك وتنشيط سوق السلاح السوفيتي.
أما فرنسا فقد فقدت دورها في الشرق الأوسط آنذاك، ومن الواضح ان العدوان الجديد هذا كان يتضمن صفقة بين فرنسا واسرائيل تحتل اسرائيل بموجبها أراض لبنانية لاعطاء فرنسا دورا عمليا في التآمر على العرب، وهذا ما حدث بالفعل بعد حرب رمضان,, ولم يكن ذلك منحة من اسرائيل لفرنسا، ففرنسا هي الممول الرئيسي للبرنامج النووي الاسرائيلي,, وفي خضم هذه الأحداث يبدو ان الرئيس الراحل أنور السادات قد أدرك نقطة الضعف الأمريكية هذه وفهم لعبة التآمر ضد العرب على حقيقتها فصعر خده للاتحاد السوفيتي وطرد المستشارين العسكريين السوفيت وقد كانوا يتعاملون مع الجيش المصري كما يتعامل صاحب منشأة مع عماله, ومما لا شك فيه ان هذا تصرف لا يمكن ان يقدم عليه الرئيس السادات وهو في منتصف طريقه الى حرب تحرير ضد اسرائيل، التي هزمت جيشه شر هزيمة سنة 1967م وتحتل مساحة واسعة من أرضه، دون أن يكون قد حدث تصور ونظرة مشتركة بينه وبين أمريكا من جهة، وبين أمريكا واسرائيل من جهة أخرى حول ما ينبغي أن تكون عليه الأمور في المرحلة التالية لهذا التصرف المصيري، أو على الأقل قراءة ذكية للأفكار، وتوقعات بارعة لما سيحدث من ردود أفعال أمريكية ازاء هذا التصرف قبل الحرب واثناءها وبعدها، والا كان تصرفه ذلك يتنافى مع ما عرف عنه من فطنة وحصافة عقل، ومما يدعم وجهات النظر السابقة أمران:
1 ان الأحداث والوقائع الحربية على الجبهة الاسرائيلية الجنوبية مع مصر، أثناء حرب رمضان، كانت تسير بسلاسة غير معهودة في الحروب، وكانت التحركات السياسية المصرية والأمريكية والاسرائيلية والسوفيتية، التي رافقت الحرب أو تلتها تسير في تتابع وتناسق يتفق منطقيا مع وجهة النظر هذه.
2 عندما بدأت الحرب كان الثقل العسكري الاسرائيلي متجها الى الجبهة الاسرائيلية الشمالية مع سوريا ولبنان، كما ان احتفالات يوم الغفران لم تكن قد أدت الى مغادرة معظم الجيش الاسرائيلي للجولان كما حدث في سيناء.
3 ان فرنسا لم تعد الى لعبة التآمر في الشرق الأوسط الا بعد ان اجتاحت اسرائيل لبنان واحتلت جزءا من أراضيه,, أما الجبهة الاسرائيلية الشرقية مع الأردن فان الحديث بشأنها في هذا المقام لا يضيف شيئا الى ما اثبتته الأحداث من ضغط أمريكي على الأردن من جانب، وتآمر أمريكي اسرائيلي من جانب آخر بشأن هذه الجبهة.
وأيا كان عدد وطبيعة العوامل التي اعتمد عليها الرئيس السادات في ما اتخذه من قرارات خطيرة فان عمق التجربة، وقوة الارادة، والشجاعة والتصميم، والاستعانة بالرأي الآخر لفهم الأمور على حقيقتها كانت من أهم تلك العوامل فركب زوبعة التآمر الشرقي والغربي وجعل من اسرائيل سرجا لمركبه، وقلب السحر على الساحر، وكسب الرهان على صواب تلك القرارات، فقد استطاع ان يتخلص من كابوس الاتحاد السوفيتي وان يحرر أرضه، وان يضع الاتحاد السوفيتي وأمريكا وأوروبا أمام الأمر الواقع، واستطاع أيضا ان يهزم اسرائيل مرتين: الأولى بالحرب، والثانية بالسلام الذي لا تريده، فاسرائيل لا يمكنها ان تعيش في استقرار مع نفسها أو تحقق أهدافها التوسعية الا بوجود عدو تصرف اليه انتباه سكانها لتشغلهم عن التفكير في أعراقهم وأجناسهم ومذاهبهم، والا تفجرت مشاكل طائفية وعرقية قد تهدد سلامة كيانها على المدى البعيد، وستظل بحاجة الى هذا المخدر طوال القرن الأول من نشأتها على الأقل، وليس هناك ما هو أفضل من استمرار حالة الحرب مع مصر لتحقيق هذه المصلحة الاسرائيلية على أكمل وجه.
ليس من غريب الأمور ان اسرائيل تكسب عندما يكون العالم خاسرا، وتخسر عندما يكون رابحا لأن مصالحها تسير عكس مصالح معظم البشر بسبب طبيعتها العنصرية والأنانية,, فعندما كان الاتحاد السوفيتي موجودا وقويا خسر العالم كثيرا من أمنه واستقراره، في حين ربحت اسرائيل عواطف الغرب بعد ان نجح الاعلام الموجه في اقناع الشعوب الغربية بأن اسرائيل قلعة الصمود في وجه المد الشيوعي، بينما هي في الواقع عاملا من عوامل قوة هذا المد وانتشاره,, كانت اسرائيل ابان الدعم السوفياتي لدول المواجهة ودول جبهة الصمود والتصدي العربية، وتهديده المزعوم لمصالح الغرب في الخليج، تبدو في نظر المجتمعات الغربية حملا وديعا وسط قطيع من الذئاب، فحققت لنفسها دعما غربيا هائلا مكنها من التوسع واحتلال الأراضي العربية، والهيمنة على منطقة الشرق الأوسط عسكريا وسياسيا, لقد قدمت اسرائيل كل ما يحتاجه الاتحاد السوفيتي لابتزاز أموال دول المواجهة وامتصاص ما تدفعه لها الدول العربية المانحة، ومكنت الغرب من ابتزاز معظم الثروات العربية ومكنت نفسها من ابتزاز الشرق والغرب سياسيا وعسكريا وماديا.
وأدى ذلك الى وقوع الدول العربية المانحة لدول المواجهة في صراع وتناقض وجداني خطير,, فهي تدفع فواتير الأسلحة السوفيتية التي من المفترض انها تحقق النصر والصمود العربي في وجه اسرائيل مع علم هذه الدول ان الاتحاد السوفيتي لا يقل عن اسرائيل وأمريكا وأوروبا في تهديده لأمن الوطن العربي برمته، وفي الوقت نفسه يتوجب عليها أن تسدد فاتورة الدفاع الغربي ضد أطماع السوفيت في أراضيها مع علمها ان جزءا مما تدفعه للغرب سيذهب الى اسرائيل من خلال التسليح والمساعدات والهبات والقروض الغربية لها, هكذا كان الاتحاد السوفيتي يؤمن لاسرائيل بريقها في عيون الغرب وينفخ في حجمها بالمهاجرين، ويقدم لأمريكا وأوروبا الذرائع المناسبة لاستنزاف الثروات العربية, وهكذا كانت اسرائيل، ومعها أمريكا وأوروبا، ترد له الجميل بدفع العرب في شراء المزيد من أسلحته بسبب زعزعتها لأمن أمتنا واحتلالها لأرضنا، واعلانها عن مزيد من أطماعها في الوطن العربي، وفي خضم ذلك ابتزت الثروات العربية للشرق والغرب, وحين تفكك الاتحاد السوفيتي كسب العالم أشياء كثيرة، وخسرت اسرائيل كثيرا من بريقها في عيون بعض المجتمعات الغربية، وبدأت أوراقها تحترق، وأخذت تتقزم يوما بعد آخر,, ورحم الله شهيد الحق الملك فيصل بن عبدالعزيز فقد كان له قول مشهور، بل نظرية مهمة تحولت أخيرا الى حقيقة لا ريب فيها، تقول تلك النظرية: ان الصهيونية وليدة الشيوعية , ويلوح في الأفق ان بعض الغربيين بدؤوا يتفهمون هذه النظرية ولو في اتجاهها المعاكس، فأخذوا يتعاملون مع اسرائيل بجدية، فقد ذكرت بعض وسائل الاعلام ان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ضرب بقبضة يده بشدة على طاولة المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين في لحظة كان يوجه فيها حديثه الى أسوأ سلف لأسوأ خلف رئيس وزراء اسرائيل السابق نتنياهو، ولم يكن ذلك يحدث من مسوؤل غربي الا في وجوه العرب قبل تفكك الاتحاد السوفيتي وتضاؤل دور اسرائيل, وليس مستبعدا ان أمريكا قد اقتنعت منذ ما قبل تفكك السوفيت ان من مصلحتها حل القضية الفلسطينية حتى وان لم يكن الحل مُرضِياً لاسرائيل، لكون هذه القضية تسيطر على مشاعر العرب والمسلمين تجاه أمريكا وبريطانيا والغرب عموما، لكن الدور المزعوم لاسرائيل في أي مواجهة مع الكتلة الشرقية آخر نقل هذه القناعة الى المستوى العملي اضافة الى قدرة اللوبي الصهيوني على خلخلة المواقف الأمريكية, ومن المؤكد ان أمريكا ومعها كثير من المجتمعات الغربية، قد أدركت ان هذه القضية مثلب في ما يدعيه الغرب من حرص على المثل والمبادىء الانسانية، بحكم مشاركته في حدوث المأساة، وعندما يقول الغرب ان هذه القضية أهم عنده من قضية الجولان وجنوب لبنان فهو يعني ذلك تماما,, يقول رئيس وزراء بريطانيا السابق ادوارد هيث : ما من شيء بامكانه تحويل موقف العالم العربي من الغرب بصورة أكثر جذرية من مسألة حل القضية الفلسطينية هذا من جانب، ومن جانب آخر فان اسرائيل بدأت تتضخم الى حد يمكنه ان يؤثر على سياسات ومصالح الغرب في دول الخليج العربية وحوض البحر الأبيض المتوسط، بل وأبعد من ذلك,, ألم تهدد في الآونة الأخيرة ببيع الصين طائرة الاواكس أثناء زيارة الرئيس الصيني لها مؤخرا, وما يزيد في مخاوف الغرب هو ان اسرائيل رضعت من ثدي السياسة الغربية، الأمر الذي يجعلها مؤهلة للدهس على رقاب الآخرين في سبيل مصالحها، ومن وجهة نظري انه حتى لو اشترت الصين من اسرائيل ما هو أكثر من تلك الطائرات فان زيارة الرئيس زيمين الى اسرائيل تسير في اتجاه مصلحة العرب على المستوى الاستراتيجي، لأنها تحول دون قيام اسرائيل بتوظيف الصين لتأدية الدور الذي كان يؤديه الاتحاد السوفيتي، فهذه الزيارة تعكس مفهوما مؤداه ان الصين تنظر لاسرائيل والعرب نظرة عامة متساوية، وهذا يحرم اسرائيل فرصة تكرار تجربتها السابقة في كسب تعاطف الغرب حين كان الاتحاد السوفيتي يتظاهر بالعداء والتهديد لاسرائيل ومصالح الغرب في الخليج، والدعم والتأييد لمطالب العرب العادلة,, يقول الرئيس الأمريكي السابق رولاند ريغان: ان المصلحة الأمريكية القصوى في الشرق الأوسط هي الحيلولة دون وقوع المنطقة تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي أو حلفائه الراديكاليين في المنطقة لأن ذلك سيضيق على موارد الغرب من النفط اما منابعه أو على نقاط الاختناق، وهذا خطر يهدد اقتصاديات الدول الصناعية,, ولولا وجود قلعة الحرية والديموقراطية في المنطقة يقصد اسرائيل لما استطاعت الدول الموالية لأمريكا في المنطقة ان تحول انتباه وطاقات الراديكاليين يقصد دول المواجهة والدول العربية الأكثر ارتباطا بالسوفيت بعيدا عنها باستخدام الدولة الصهيونية كمانع صواعق يحميها,, ولذا فان من الحماقة المخاطرة باضعاف أخطر ذخر استراتيجي بقي لنا في المنطقة,, ويكون قد تم التخلي عن حاجز منيع في وجه التوسع السوفيتي بصدد أراض وموارد حيوية لأمننا ولرفاهنا القومي , ويلحظ هنا هدف فرعي الى جانب الأهداف الرئيسية، فالرئيس ريغان أراد أن يدق اسفينا بين الدول العربية وان يوسع شقة الخلاف بينها,, اذن فالمؤامرة عصب السياسات التي تؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة، حتى في ما بينها، والسؤال المهم يقول: ما هي طبيعة وكم المؤامرات التي نتعرض لها؟ فالمؤامرة في الفكر الغربي أضحت ايديولوجية سياسية,, بها يطوعون ويرهبون شعوبنا وأنظمتنا، ويذكون نار صراعاتنا السياسية، ويديمون تخلفنا التكنولوجي، ويكبحون تقدمنا الفكري,, كل ذلك في سبيل ابتزاز ثرواتنا وعقولنا، وسحق هويتنا، وتجريدنا من حقنا في السيادة على أرضنا، وحقنا في استقلال توجهاتنا وقراراتنا,, سأورد على ذلك مثالا أكثر وضوحا,, فقرة واحدة من تقرير أمريكي رسمي حديث وموثق، تقول: ان طبيعة الوجود الراهن للولايات المتحدة في منطقة شبه الجزيرة العربية الخليج يخدم الأهداف الأمريكية بشكل جيد اذا ما كان مفتاح نجاح هذا الوجود هو انه يزيد من احساس دول الخليج بالأمن , وتبدو هذه الفقرة عادية جدا، لكنها في حقيقة الأمر فقرة سياسية صيغت بذكاء واحكام يجعلانها صعبة حتى على التحليل الاستخباري في الدول المعنية، فحين يكشف القناع السياسي الذي غلفت به هذه الفقرة يظهر الوجه والمعنى الحقيقي لها وتبدو كالآتي: ان طبيعة الوجود الراهن للولايات المتحدة في منطقة شبه الجزيرة العربية الخليج يخدم الأهداف الأمريكية بشكل جيد اذا ما كان مفتاح نجاح هذا الوجود هو استمرار وجود مصدر تهديد لدول هذه المنطقة، بحيث يكون مصدر هذا التهديد قويا ومخيفا الى درجة تجعل تلك الدول لا تحس بالأمن والاستقرار الا بوجود القوات الأمريكية الرادعة له , ومن المعلوم ان الاتحاد السوفيتي لم يعد موجودا ليمثل مصدر التهديد هذا، ولكي نظل منصفين وأمينين في تحليل الامور وتقييمها ينبغي الاعتراف ان الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قد نفذتا هذه التوصية بدقة وجدارة فوجدتا البديل في العراق، أما ايران فهناك مؤشرات على انها ترفض أن تكون مطية لتحقيق هذه الاستراتيجية الغربية, فالغرب يسعى ويستمر في سعيه لجعل ايران مصدر تهديد احتياطي يظهر عندما تستنفد المصلحة من مصدر التهديد الحالي، فاذا لم يتمكن الغرب من توظيف ايران لهذا الغرض فانه لن يعدم الحيلة والمكر والتآمر حتى لا تخلو منطقة الخليج من مصدر تهديد لأمنها,,
واليوم نحن أكثر اقتناعا بأننا تعرضنا ونتعرض وسنتعرض لكثير من المؤامرات، فلا تزال هناك مجالات كثيرة وميادين حيوية للابتزاز، ووسائل متعددة للارهاب,, وهناك اكثر من مصدر تهديد وارهاب في مرحلة التحضير الغربي,, شنشنة أعرفها من أخزم.
مضواح بن محمد آل مضواح

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved