أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 29th June,2000العدد:10136الطبعةالاولـيالخميس 27 ,ربيع الاول 1421

مقـالات

الخلط بين المرض والعرض في الدراسات العلمية والنفسية,, ومسؤولية الدولة في هذا العالم
صالح بن سعد اللحيدان
* في تصحيح الخطأ لايمكن القول بالعجلة في تصحيحة على نحو عجول، ولاضرب التهم جُزافاً، وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للخطأ فإنه يكبر بالنسبة للعمد.
ولقد تنوعت طرق الإنسان في الذكاء والأساليب المؤدية إلى الإخلال فيما يريد الإخلال به خاصة إذا لم يُعرف أنه هو مما يولد مزيداً من المحنة التي قد يذهب غيرها فيها مع أنه أصل الخطأ، أو العمد الحاصل، وممايزيد الأمر سوءً تعدد أنواع الوشاية ودهاء وذكاء أصحابها.
ولقد هبت الدراسات العلمية والنفسية والدراسات الاجتماعية للحد من هذه الظاهرة وهذا الخطر لكنها لم تُفلح في الدخول إلى حقيقة المقاصد لدى بعض الناس لوعورة نفسية الإنسان في هذا الحين لاسيما إذا قصد الغاية شراً والاساءة الماحقة.
ولعل الدراسات العلمية تحتاج إلى الموهبة موهبة الدارس وقدراته العقلية وتجرده ونزاهته، والدراسات النفسية تتوقف في غالبها على طابع من حالات الجريمة مما يجتهد فيه الطبيب ونحوه،
ومع أن الإمام إبن قيم الجوزية قد عالج مسألة الفراسة وأنواعها والبينات والقرائن وضرب الأمثلة من النص والأخبار في كتابه العلمي المشهور (الطرق الحكمية) لكن الحال تبقى في حاجة الدراسات العلمية والنفسية إلى الموهبة واكتسابها،ذلك أن الموهبة ذات دور فعال باذن الله تعالى لاختصار دراسة الحالات لما يملكه الموهوب من صفاء ذهن وسرعة بديهة وتأن.
ولست أعني بالموهبة الحنكة والذكاء ومركزية الشخصية، لكني أعني بها حقيقتها حساً ومعنى.
وهذا يختلف عن الدهاء وعمق النظر من وجه بعيد فهذا له شأن وذاك له شأن آخر كذلك على حال تختلف فيها المواهب ومدارك العقول.
ولقد تحرص الدراسات العلمية والنفسية والاجتماعية المتخصصة الدقيقة علىمعرفة حال عقلية ونفسية الجاني وماهو عليه من صورة قد تحوطها النباهة وبعد النظر ولكن هذا يبقى في حال فقر شديد إلى الموهبة.
ففي كتاب (أخبار القضاة) لوكيع بن الجراح وفي (الطبقات الكبرى) لابن سعد وفي كتاب (تذكرة الحفاظ) للذهبي وفي كتاب (اعلام الموقعين) لابن قيم الجوزية رسم المؤلفون هناك آثاراً وروايات وعبراً من حالات متنوعة عن النظر والاستخلاص في كثير من حالات جنائية وأخرى غيرها، وكنتُ أركز علىطلابي في الدراسات العليا على ضرورة التأني وطول النفس وسعة النظر والاستشارة وطول الدعاء لأن هذا مما يولد الموهبة اكتساباً وهذا نجح بعد نظره نظراً تطبيقياً على صورة تخييلية.
ولا ريب أن الموهبة ضرورية في حياة الدراسات النفسية والعلمية وكذلك الاجتماعية، واما الدراسات النفسية فلعلها لم تُفلح في مثل هذا إذ أن أمرها يدور علىدراسة النفس الإنسانية وقدراتها،والمرض وسببه ونتائجه والاجتهاد في طبيعة العلاج، لكنها قد يُستفاد منها كرادف جيد إذا قام بها المسلم الواعي الأمين المتمكن ذو التجربة الطويلة في ميدان استخلاص الدوافع من وراء الخطأ أو العمد خاصة بين: الاقرباء ونحوهم.
والدراسات الاجتماعية لعلها قد ساهمت مساهمة طيبة من خلال المتابعة والبحث في كثير من معرفة: العادات والتقاليد والبواعث والاسباب الاجتماعية من وراء الأخطاء والمشاكل الحاصلة.
وأنت ترى أن علم النفس وعلم الاجتماع لايكاد ينفك أحدهما عن الآخر في مجال دائرة معرفة الطبائع والعادات واسباب بروز بعض الأمراض والآثار في النفس والمجتمع لدى كثير من الناس.
فإذا ما جعلت في الاعتبار ضرورة الموهبة العلمية والتخصص المبكر لها فإنني لا أغفل الدراسات النفسية والاجتماعية على ضرورة مُلحة جداً تعطى فهماً لنفسية الإنسان ذاته ودوافع الخطأ الحاصل بين كثير من الناس خاصة وقد تنوعت أساليب الجناية مابين:
ذكاء.
واحتراف.
وحقد مركز.
ووشاية عميقة مدروسة.
ولقد كنتُ تناولت وغيري حقيقة ماهو حاصل في كثير من بلدان العلم في أوروبا وأمريكا والشرق الأقصى ماهو حاصل من خلال دراسات ميدانية مكثفة مماهو نتيجة خيبة أمل عريضة بسبب افتقار القوم إلى حقيقة العلاج الطبيعي الصالح لكل علة تكون.
ومع وفرة الدراسات النفسية والعلمية والاجتماعية هناك إلا أنني اعجب بسبب إطراد حالات التردي المريرة هناك.
وإذا كان العصر الحاضر يشهد تغيرات ظاهرة في كثير من مجالات الحياة فإنه يجب ان (يُراعى) ضياع بعض الناس في هذه الحضارة.
فلستُ أظن أن الطبيب وسواه ممن هو على شاكلته بكاف لعلاج المرض حتى مع تجدد أساليب طرق العلاج بل ذات الدواء نفسه، لكن يكفي أن يلقي واسع الإطلاع أو المتتبع الجاد لحالات الأمراض النفسية هناك يكفيه مايشهده هذا الحين من تغيرات ظاهرة.
ولقد طرحتُ في كتابي (نقد أصول الشيوعية) وطرح كارليل في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) وجاء في كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) وكتاب (لماذا,, اسلموا) مايُغني المدرك الرزين عن استقصاء كل حال حاصلة من: فراغ ومرض وجنون وذاتية ما يُغنيه ليقف على: العلة والسبب, لقد نقبوا الارض وارتادوا الفضاء وعالجوا الطب لكنهم لم ينظروا ماهو جدير بالنظر ألا وهو أسباب المرض المعنوي والخوف والشك والحقد.
وإذا ادركنا أن المرض العقلي او الخوف مثلاً إنما هما عرضان فقط وليسا مرضين ادركنا حقيقة طالما بحثناها في الحاجة إلى العلاج الصحيح لقطع دابر المرض أصلاً لا العرض.
ولقد برهن واقع الحال أن حالة الفقر الإيماني الصحيح هو العلاج الذي ينشده الإنسان في الحضارة اليوم.
ومن خلال ستين عاماً مضت غطت المصحات النفسية والعيادات النفسية والمراكز غطت كثيراً من بلدان العالم في أوربا وأمريكا، حتى مع وفرة العيش والرفاهية وتطور الصناعة والتقنية.
بل في فرنسا فإن كثيراً ممن يتردد على العيادات الخاصة النفسية هم من جلة المثقفين والأدباء والشعراء.
إن المشكلة تكمن في غياب تلمس علاجات ثانوية لاتُسمن ولا تُغني من جوع إن: الايحاء النفسي والحقن المهدئة والجلسات الكهربائية وتشريح طبيعة المرض عن طريق التنويم المغناطيسي وما يصاحب هذا كله من زيارات متعددة وبث الآمال بالشفاء كله ليس علاجاً إنه عملية جيدة لتبصير المريض بحقيقة مرضه وما يجب أن يكون عليه.
وهذا ماسبب التردي حتى في اصناف كثيرة من أهل الابداع الذين يفقدون حقيقة التوحيد الخالص الصواب.
إن العلاج هو عملية جدّ ذكية مسؤولة مسؤولية تامة بوعي وعلم وأمانة وصدق.
إن العلاج هو مايجب فيه التفريق بين:
المرض، 1.
والعرض، 2.
فما تراه في الحضارة الحديثة من ازدياد في المرض النفسي والمرض العصبي من كآبة واكتئاب وفصام وجنون عظمة ومركزية، وماينتج عن هذا من قطع الآمال والانتحار وتعاطي المخدرات إنما ذلك كله: عرض فقط، وهذا ما كنُت بينته وبينه: كارليل من قبل.
إن اضطلاع العلماء المسلمين من ذوي الباع الجيد في: الآثار وكافة علوم الشريعة وما يكونون عليه من تفتح وعمق وعقلية واسعة على علوم الحضارة الحديثة وآدابها واختراعتها يُشكل حداً فاصلاً للحد من تبلور المرض وانتقاله.
إن سعة العلم بعيداً عن المبالغة والجفاف والتطرف والفهم الخاطىء كل هذا قمن باذن الله تعالى بالحد من نقل الآثار السلبية لحضارة القوم بل والتأثير المباشر في آداب وعلوم هذه الحضارة حتى تسير مساراً صحيحاً.
إن جهود الدول المبذولة بتركيز ووعي لمخاطر المخدرات مثلاً يلزمها معها جهود أخرى كبيرة للحد من أسباب مرض الفكر.
إن جهود (المملكة) والتي تقوم على أسس جدّ عالية من الشعور بالمسؤولية تجاه المسلمين وما تبذله من جهد ومال ودعوة وعلم يحسن أن يلقى هذا عرفاناً لهذه (الدولة) ومؤازرتها، وإدراك جهودها في نشر العلم وحماية الحقوق بمنطق شرعي، إن الانسان مسؤول بنفسه عن نفسه متى ما عقل وميز وبلغ وأصبح مدركاً ما يجب عليه تجاه نفسه واسرته ومن هو حوله بعلم وحكمة وعقل.
إن الحضارة بحاجة إلى مواجهة صابرة مصابرة عاقلة حكيمة بتفتح ومرونة ووعي حتى تنهج النهج المراد لها: فطرة وعقلاً.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved