أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 29th June,2000العدد:10136الطبعةالاولـيالخميس 27 ,ربيع الاول 1421

الثقافية

نهار جديد
من الذي أساء إلى الشعر العربي؟
عبدالله سعد اللحيدان
إذا كان الكلاسيكيون والتقليديّون، منفصلين عن واقعهم، وعن ذواتهم أيضاً، وعن مجتمعاتهم وهمومها، فان الشعراء الجدد، أصبحوا معايشين للواقع الحياتي من حولهم، مرتبطين بذواتهم، يعيشون ويعانون الهموم الانسانية من حولهم، ويعبّرون عمّا يجول في الضمير الانساني الجديد من معانٍ ومشاعر وأحاسيس، وعلى اختلاف قدراتهم وميادين نشاطهم الفنيّ وأساليبهم وسباقاتهم، فقد نتجوا، جميعاً، عن فلسفة إنسانية جديدة تهدف إلى إبداع رؤى جديدة إلى العالم والإنسان، تتلاقى في هذه الفلسفة، فقط أفكارهم واتجاهاتهم، وإن اختلفت طرق التعبير حسب خصوصية كل منهم، مدركين أن حداثتهم وجدّتهم، لا بدّ إن كانوا جدداً وحديثين أن تجسّد مواقف تعكس رؤى جديدة إلى الحياة والمجتمع والإبداع، متجهين إلى الحاضر والمستقبل لا إلى الماضي يطوّرون أنفسهم وإبداعهم، ولينتج عن هذا التطوير والتجديد والإبداع رؤى ومواقف مبتكرة وليست تكراراً لما سبق ولا تقليداً لسياق أو أثر معاصر، ولكنّها معايشة واستشرافية، تجادل الانسان في حاضره فيما هي تطرق له أبواب المستقبل ودروبه الشائكة والغامضة.
ولأن الجدد كذلك، لم يصبحوا ظاهرة فقط والظاهرة سرعان ماتزول ، ولا مجرّد تكرار لما حدث في بعض عصور الانحطاط من إبداع صياغات فنية وألاعيب بيانية تعوّض النقص الفكري والإبداعي والإنساني، ولأنهم خلاصة تجارب وخبرات وثقافات أطلت بوجهها على عصر من أشد العصور اكتنازاً بالمتغيرّات والهزات الحضاريّة والثقافية والإنسانية، فقد أصبحوا نقلة نوعية كبيرة، وأثبتوا أنهم النقلة النوعية الأكبر في تاريخ الثقافة العربية وفي تاريخ الشعر العربي بخاصة ، وكان أن فجّروا أعتى وأقدم المستودعات الثقافية العربية وهو اللغة ، التي تحوّل إبداعهم فيها إلى حركة جديدة قلبت كل المفاهيم السابقة، وأتلفت كثيراً من موجودات هذا المستودع، والتي لم تعد صالحة للاستعمال.
ومع أنها لم تبدع ألفاظاً جديدة، فقد ابدعت صياغات وأساليب تعبيرية وبيانية حديثة ومستقبلية، بل، غيّرت المفاهيم السابقة للبلاغة العربية القديمة.
ولأن الجدد كذلك، فلم يلتفتوا إلى من قال: إنهم شيء غريب ينبغي استئصاله أو محاربته، بل أثبتوا شرعيتهم عبر إبداعهم، وعبر وجودهم الذي فرضه التطوّر والعصر والحياة الجديدة، والحاجة إلى إبداع يُجسّد الحياة اليومية الجديدة ومفرداتها للانسان الجديد.
ولكن، ماذا كان موقف النقد الادبي؟، هذا ما توجّه إلى دراسته وتحديده نقد النقد، أو المعنيّون بدراسة الظواهر الأدبية في شموليتها، نقداً وإبداعاً، عندما عمد بعضهم إلى (رصد مواقف النقد الأدبي إزاء ظاهرة الحداثة الشعرية العربية، وتحديد ما أثاره هذا النقد خلال نشاطاته النظرية والتطبيقية، من تشكّلات وقضايا شعرية حديثة، وبلورة الخلفيات النظرية الموجهة له، فلسفياً واجتماعياً وفنياً، ورؤية مدى تشكّل هذه الخلفيات وتلك المواقف في اتجاهات نقدية منهجية قادرة على فهم أسس الحداثة الشعرية ومرتكزاتها، وحل إشكالية هذه الظاهرة في الشعر العربي الحديث، من خلال اعتماد مفهومات جديدة، تستند إلى رؤية متحررّة متحركة ترى إلى الماضي من منظور عصري، وتحيا الحاضر وتراقبه بدقّة لتكتشف طاقاته الإبداعية حضارياً وثقافياً ومن ثمّ، توجّه ما رأت واكتشفت في خدمة رؤى واستشراقات مستقبلية حرية بالتجدّد والإبداع.
هذا النقد الجديد، عالج مفهوم الشعر وتعريفه، والقصيدة في تشكّلها وأوجه وحدتها، وبخاصة، الوحدة العضوية، والموسيقى الشعرية الوزن والقافية وأنواع الإيقاع ، والنثر الشعري، والقصيدة النثرية، والنص الشعري، موضوعه، ومكوّنات هذا الموضوع وصلته بالموقف، والالتزام، والرؤيا، وبنية اللغة الشعرية، وارتكازها إلى الرمز والصورة والاسطورة) حسب د,خليل أبو جهجه، وكما فعل في دراسته.
ولذلك، سرعان ما لحق النقاد الجدد بكوكبة الشعراء الجدد، قارئين ودارسين ومتأمّلين لأعمالهم، ولأوجه الإبداع والتجديد والإضافة والتجاوز والاختراق والابتكار فيها، وواكبوا تطوّر هذا الشعر عبر مواكبتهم للمبدعين، وفي الوقت نفسه، الذي بقي فيه التقليديون أسرى لعمود الشعر القديم، وأغراضه وقواعده وموازينه، حتى إن أحدهم رأى أن قمّة التجديد ومواكبة العصر، هو السير على الدروب التي سار عليها القدامى وأغراضهم بإدخال بعض الألفاظ والصور العصرية، بينما بقيت الروح الشعرية والإبداعية، والرؤى والمواقف، والعلاقة مع اللغة، وعلاقات اللغة الداخلية نفسها، والتقنيات الفنيّة.
وبناء العمل الفني والأدبي والإبداعي، كل ذلك، بقي لدى التقليديين، أسير قواعد وأعراف وقوانين تم التأريخ لها في القرون الإسلامية الأولى، ولو كان من أرّخ لها يعلم أنها ستصبح قاعدة وقالباً يكبّل الشعر العربي أكثر من عشرة قرون، لما فعل فعلته التي فعلها، فأساء إلى ما هيّة الشعر وجوهره، عندما أصبح ما أرّخ له قواعد أعاقت تطوّر الشعر العربي وتقدّمه أكثر من ألف سنة.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved