أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 30th June,2000العدد:10137الطبعةالاولـيالجمعة 28 ,ربيع الاول 1421

أفاق اسلامية

المحافظة على الهوية الإسلامية
د, صالح بن حسين العايد *
حين يقدر للمسلم ان يجوب انحاء العالم، ويلتقي الاقليات الإسلامية سيرى بعينيه ويسمع بأذنيه أخطر مشكلة تواجه المسلمين في بلاد غير المسلمين وهي معضلة الذوبان في المجتمع غير الإسلامي ، اذ لو سلم الجيل الأول من الوقوع في حبائل هذا الغول، فلن ينجو الجيل الثاني أو الثالث إلا من شاء الله.
وخلال تجوالي ولقاءاتي بالاقليات الإسلامية كان السؤال الذي لا أمل من سماعه وتكرار عرضه: كيف نحافظ على هويتنا الإسلامية؟ لقد سمعته في البرازيل وفي امريكا، وفي اليابان، ولعل أطرف شكوى سمعتها كانت في البرازيل حين قام احد الآباء المفجوعين بأبنائه يصرخ لماذا لا تنشئ لنا المملكة العربية السعودية قناة إسلامية تربي أولادنا؟ لقد انحرف أولادنا بسبب التلفزيون,,,
وقد خالطني حينذاك شعوران: أولهما: شعور بالفخر ان بلادي هي بعد الله تعالى محل آمال المسلمين في كل مكان، وآخرهما: شعور بالحزن على ما ينتظر هؤلاء المسلمين من ضياع ومآس.
أما الإجابة على السؤال الكبيبركيف نحافظ على الهوية الإسلامية في بلاد غير المسلمين فأقول فيها:
إن الحفاظ على الهوية الإسلامية يقوم على أربع ركائز:
أولاها: العمل على حفظ النفس.
إن الأصل في كل نفس أنها مسؤولة عن نفسها، والإسلام وإن كان دين الجماعة إلا أن المسلم مطالب أن يبدأ بنفسه:


ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

ولذلك بدأ المولى عز وجل بالنفس قبل الأهل في الحث على الوقاية من النار فقال:
(يا أيها الذين آمنو قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون),.
وحفظ النفس يقتضي النأي بها عن مواطن الزيغ والضلال والريب، وتحصينها بالأعمال الصالحة بالمحافظة على الفروض والواجبات والفضائل، وبالتذكر الدائم للنار والجنة، وتقوية إيمانها بالأدعية والأذكار ومجالسة الصالحين، واستمرار إمدادها بزاد التقوى، وذلك بمواصلة قراءة القرآن الكريم وتدبره، وبمداومة الاطلاع على السنة النبوية الشريفة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبقرع النفس عن الشبهات والشهوات، لأن من تعفف يعفه الله، ومن تقرب إلى الله شبراً تقرب منه المولى عز وجل ذراعاً، ومن تقرب منه ذراعاً تقرب الله منه باعاً، ولاشك في ان حفظ النفس يحتاج إلى مكابدة ومعاناة، ولكن حسب هذه المكابدة أن تكون مخلوفة بأعظم مثوبة وجزاء ألا وهي الجنة.
والمسلم الذي يعيش بعيداً عن مجتمعه الإسلامي ما أحوجه إلى المحافظة على نفسه ودينه، لأن هذه هي الخطوة الأولى في المحافظة على الهوية الإسلامية.
ثانيتها: حفظ الأهل.
ليس ألزم على المسلم بعد محافظته على نفسه وصيانتها عن الضلال من الحفاظ على أهله، لأن الأقربين أولى بالمعروف، ثم إنه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) والأسرة رعية المسلم تلزمه رعايتها ويأثم إذا قصر في القيام بهذه الامانة التي استرعاه الله إياها، وتزداد المسؤولية على الراعي حينما يكون الخطر على الرعية شديداً يخشى معه فناؤها كما هو حال الأقليات المسلمة، ولكن السؤال الملح هنا الذي يتردد على كل لسان بين الأقليات هو:
كيف نحافظ على أسرنا؟
وأقول: إن المحافظة على الأسرة المسلمة بعيداً عن المجتمعات الإسلامية تحتاج إلى جهد جهيد لأن الأسرة المسلمة في المجتمعات الإسلامية تتعاضد مؤثرات كبيرة خارج إطارها في التأثير عليها، وهذا ما يفسر لنا ظاهرة صلاح أفراد في اسر غير صالحة في الدول الإسلامية، لكن الأسرة المسلمة التي تعيش وسط مجتمع غير مسلم يندر فيها وجود تلك الظاهرة، لأن تلك الأسرة المسلمة مهما كان وضعها الإسلامي سيئاً، فما هو خارجها أسوأ، ولذلك وللمحافظة على هوية الأسرة المسلمة لابد من إيجاد مناخين ملائمين: مناخ داخل المجتمع الصغير وهو الأسرة نفسها بأن يعمل راعي الأسرة على صناعة مناخ إسلامي في بيته، ويحصل ذلك في أن يجعل الراعي من نفسه قدوة حسنة لرعيته في التزامه بالإسلام اعتقاداً وقولاً وعملاً وخلقاً وسلوكاً، ثم أن يعمل على تربية أسرته تربية إسلامية بتحسين فعل الخيرات لها وتقبيح اقتراف الموبقات في شعورها، وأن يخصص لأجل ذلك وقتاً لتعليمها دينها، وتهذيب أخلاقها، وقد كان لأحد الزملاء الذين أقاموا في الولايات المتحدة الامريكية تجربة رائعة في ذلك، حيث عود أسرته على الاجتماع بهم كل يوم بعد صلاة المغرب يتلون فيه القرآن الكريم، ويقرأون شيئاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته النبوية، وتحقق لزميلنا هذا وأسرته نجاح باهر في التزام أولاده بتعاليم الإسلام واجتنابهم نواهيه.
أما المناخ الآخر فهو مناخ المجتمع الخارجي بأن تحرص الأسرة المسلمة على أن تكوّن لها مجتمعاً أكبر بأن تستميت في أن تجاور أسراً مسلمة ليصير هذا أدعى إلى تمسكها بدينها، وأن يشد بعضها أزر بعض، وإن لدى إخواننا المسلمين ذوي الأصول الهندية والباكستانية ممن يعيشون أقليات في العالم إن لديهم تجربة فريدة من التماسك بالتزامهم بالتجاور والتواصل بينهم، ولذلك وجدناهم من أطول الجاليات المسلمة حفاظاً على تقاليدهم وعاداتهم وهم في بلاد الغربة.
ثالثتها: حفظ المسلمين:
الإسلام دين الجماعة، والجماعة هي الأساس في الإسلام، ولم يأمر الإسلام بالفردية إلا في حالة الفتن، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة) وقال:(يد الله مع الجماعة)، وقال الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وإذا كان الاجتماع والتوحد واجباً على المسلمين في دولة الإسلام فهو للأقليات أوجب وألزم ليحفظ لهم دينهم، ويجب على المسلمين لتحقيق وجود الجماعة ايجاد المساجد والمصليات، والالتزام بأداء الصلوات جماعة ليقوي بعضهم بعضاً وليزدادوا تمسكاً بدينهم، وليتواصوا بالحق والصبر، ومن دواعي حفظ هوية المسلمين في بلاد غير المسلمين التربية على الاعتزاز بالدين الحنيف قال الله تعالى (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) فيؤدي المسلم صلاته في أي مكان طاهر، وتفخر المسلمة بارتداء حجابها في كل حال لا يأبهان باستغراب مستغرب ولا باستهزاء مستهزئ، لأن وجه الله تعالى مبتغاهما ورضاه هدفهما، وإن الاعتزاز بالدين من خير الوسائل إلى التمسك به بل إلى نشره وتحبيبه للناس، فاحتساب المؤمن في بلاد غير الإسلام ما يلقاه من مكابدة في الالتزام به له فيه أجر عظيم لأنه كالقابض على الجمر.
رابعها: الدعوة إلى دين الله
إن من أعظم وسائل حفظ الهوية الإسلامية في المجتمعات غير الإسلامية دعوة غير المسلمين للدخول في دين الله، لأن الاشتغال بالدعوة خير السبل إلى استقراره في نفوس المؤمنين به، وإن الحرص على إدخال الناس في دين الله يرسخ الاخلاق الحميدة في نفوس الدعاة، ليكونوا قدوة صالحة لمن يدعونهم، وإن اهتداء غير المسلمين للإسلام يشجع أهل الإسلام ويرفع معنوياتهم تجاه استمرارهم على الالتزام بدينهم، وقد رأينا كثيراً ممن يحسن اسلامهم حين يقفون مواقف تضطرهم إلى التعريف بالإسلام والدعوة إليه مما ينعكس إيجاباً فيهم,والله الموفق
* الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved