أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 29th July,2000العدد:10166الطبعةالاولـيالسبت 27 ,ربيع الثاني 1421

منوعـات

يارا
يارا قبل الإجازة (2)
عبدالله بن بخيت
كتبت مرة عن الكتب التي تباع في السوق السوداء قبل سنوات طويلة فوصلني عدد من الرسائل مصدرها عدد من الدول العربية يطالبون بأن أدلهم على الأماكن التي يمكن ان يحصلوا فيها على الكتب غير المتوفرة في الأسواق المحلية في وقتنا الحاضر ولا سيما الروايات المشهورة.
فكرت كثيراً في مناقشة هذه القضية بطريقة بناءة ولكني لم أعرف بعد ما هي هذه الطريقة البناءة فحاولت أن أحدد الطريقة غير البناءة حتى أستطيع على ضوئها أن أعرف الطريقة البناءة ولأني لم أعرف بعد ما الفرق بين الطريقة البناءة والطريقة غير البناءة أجّلت الموضوع وبالتالي تراجع واحد من أهم العناصر التي كنت أتمنى أن تكون من مكونات يارا.
فعرض الكتب المقروءة والشعبية كان واحداً من أولوياتي، مع أني وفيت إلى حد وقدمت عدداً من الكتب إلا أن ما قدمته لم يكن كافيا حسب النسبة التي حددتها وهي 10% من مجموعة مقالات يارا في السنة، فمن غير المعقول أن أنصح بقراءة كتاب ثم يذهب القارئ للسوق ولا يجده, هذه قضية سبق أن طرحتها ولا أريد العودة إليها دون توفر أفكار جديدة في الموضوع، فليس لدي في هذه المسألة إلا اقتراح واحد وهو أن تسمح وزارة الإعلام في كل دولة عربية بنزول كل الكتب إلى الأسواق، فالقوة الوحيدة القادرة على تحديد قيمة الكتاب وأهميته أو سحبه من التداول هي الرأي العام.
لا أعرف حتى الآن لماذا تغيب الرواية تحديداً عن السوق السعودي، هل يعود السبب لتجار الكتب؟ كنت أتمنى دائماً أن تنتشر قراءة الروايات في المملكة فهي أفضل مادة أدبية يمكن أن تساهم فيما يمكن أن أسميه ثقافة الوعي الذاتي.
الرواية هي افضل كتاب يمكن أن تقرأه بعيداً عن التحيز، ولكني ألاحظ أن كثيراً من القراء يعاملون الرواية كما لو أنها كتاب يحمل أفكاراً يريد التعبير عنها ومن ثم تصديرها للناس، وأظن أن هذه الفكرة السيئة عن الرواية جاءت أساسا من الثوريين الذين كانوا يرون أن الأدب يجب أن يحمل رسالة وبذلك أصبحت الرواية تحمل شيئاً من الريبة والبث الأيدلوجي فتوسع البث الأيدلوجي على حساب الفن حتى دخلت الرواية منطقة الكتب المحرمة، على أساس أنها سلاح مفيد في الحروب الفكرية.
قرأت رواية مائة عام من العزلة للكاتب الكولمبي غارسيا ماركيز أكثر من عشرين مرة وحتى الآن وأنا أقرأها بين حين وآخر، ولم أصل بعد للرسالة التي يريد الكاتب إيصالها للناس غير المتعة والجمال, والشيء الطريف في الأمر أن معظم كتّاب الرواية ليسوا من طبقة المثقفين ولا ينتسبون لفكر معين يريدون التعبير عنه ولا أعرف أي كاتب رواية كبير له أي قيمة سياسية أو فكرية، فنجيب محفوظ مثلاً لم يخض في حياته كلها في قضايا سياسية أو فكرية ولم ينتسب لأي حزب، ولكن تأثير المثقفين الحزبيين (من الجانب الآخر) لوث الفن كما لوث الحياة كلها وجعلها مشبوهة، فالمهندس والطبيب والخباز والصحفي وغيرهم أصبحت تقاس أعمالهم بالالتزام الثوري أو الأيدلوجي , فالضغوط السياسية التي مارسها الثوريون على الناس جعلت المهن رهينة للتوجه السياسي وأيدولوجية الدولة.
أتذكر في احد أعمال الكاتب التشيكي ميلان كونديرا نموذجا للتحويل القسري للتفكير الايدلوجي, في إحدى قصصه كتب كونديرا: أن مهندساً ذهب لبريطانيا لحضور مؤتمر هندسي عادي وعندما عاد من المؤتمر إلى بلاده قرأ صدفة في إحدى الصحف ان مهندسا حضر مؤتمراً في لندن أعلن انشقاقه وقرر البقاء في الغرب, لاحظ المهندس أن الخبر ينطبق عليه فاضطر إلى أن يذهب إلى مقر الجريدة ليستوضح الأمر فقال له المحرر أن الخبر وصل من مصدر سري وعليه أن يذهب للبوليس ليصحح الأمر، فذهب للبوليس ولكن البوليس لم يستطع أن يقدم له أي شيء وطلب منه ان يذهب للمخابرات لأن مثل هذه الأخبار تأتي من هناك, وهكذا دخل في دوامة من المراجعات ليثبت براءته من التهمة الشنيعة, وبمجرد اتصاله بالمخابرات بدأ يلاحظ أنه أصبح مراقباً من البوليس السري, فداخله الخوف الحقيقي وعرف أن مصيره بات في كف عفريت, وأمام الخوف الشديد وفي مواجهة القوة الخفية التي تهدد مصيره اضطر أخيرا أن يهرب من البلاد ويصبح منشقاً بالفعل, فالمهندس رغم أن عمله بعيد كل البعد عن العمل السياسي تخلى عن دوره الطبيعي, وإذا كان المهندس لم يستطع أن ينجو من التلوث السياسي فالكاتب لا شك أكثر عرضة لهذا التلوث، فطبيعة عمل الكاتب المتصلة بالجماهير تجعله ينخرط بالطيب أو بالقوة في العمل السياسي والأيدلوجي أو موضوع للاتهام حتى أصبح تقييم الكاتب يعتمد على كمية البث السياسي والايدلوجي في كتاباته.
في وقتنا الحاضر بعد أن زالت النظم الثورية أو أنها انحصرت في الكفاح من أجل البقاء دخلت الأسواق العربية روايات حقيقية كان يجب ألا تغيب عن أسواقنا أبداً, أعتقد ان وزارات الإعلام في كثير من الدول العربية عليها الآن مراجعة أولوياتها وأدائها وأن تستبدل الرقابة التقليدية بأسلوب جديد يقوم على متابعة توجهات الرأي العام بحيث يكون الكتاب في السوق ثم تتابع ردود أفعال المثقفين عليه وعلى ضوء ذلك تقرر سحب الكتاب أو بقاءه, فلن يقرأ الكتاب عند نزوله السوق سوى المثقفين ,, والمثقفون سيقرؤون الكتاب سواء سُمح بنزوله إلى الأسواق أم لا.
لمراسلة الكاتب
Yara4me @ yahoo.com

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved