أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 11th August,2000العدد:10179الطبعةالاولـيالجمعة 11 ,جمادى الاولى 1421

عزيزتـي الجزيرة

دخول الجني في الإنسي وصرعه إياه ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة
عزيزتي الجزيرة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد:
اطلعت على ما دونته صحيفة الجزيرة في عددها 10168 في يوم الإثنين الموافق 29/4/1421ه من ربيع الآخر تحت عنوان الجن,, والاشاعات للأخ محمد بن عبدالله الفوزان وقد تحدث في مقاله عن الجن وانهم لا يؤثرون على الإنسان تأثيرا حسيا ولا يضرونهم ضررا جسديا فقال والاعتقاد انهم يضرون ضررا حسيا او يؤذون اذى جسديا وان لهم سلطانا قويا على بني آدم فيه خطر عظيم على عقيدة المسلم فكيدهم لا يتعدى الوسوسة .
وقال في موضع آخر اما مس الشياطين للإنس فهو ثابت في الكتاب والسنة ولا احد من المسلمين ينكره ولكنه مس لا يؤذي البدن ولا النفس والعقل ولكنه طريف يطوف بالإنسان .
وقال في موضع آخر اما دخول الجن في جسد الإنس والسيطرة عليه واصابته بالمرض والتحكم في عقله والتكلم بلسانه فهو قول باطل ليس عليه دليل من الكتاب ولا من السنة بل ان الادلة المتواترة تنفي وقوعه والعقل السليم والمنطق المحسوس وسنة الله في خلقه تؤكد عدم صحة حدوثه وقد اجمع علماء الامة على ان الشياطين ليس لهم على بني آدم سلطان قهر وارغام .
وقال في موضع آخر اما قول الرسول صلى الله عليه وسلم ان الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم فليس معناه انه يدخل في جسده فيؤذيه ويصيبه بالمرض الجسدي والنفسي ولكن وسوسته خفية وخطيرة ولطيفة تجري مع الدم في عروق من تولاه وانقاد له أ,ه.
وقد فسر الكاتب الآيات المتعلقة بذلك ولم يسندها الى اي مرجع من مراجع التفسير المعتبرة وكذا شرح الحديث السابق لم يسنده الى مرجع من مراجع شروح السنة النبوية.
ثم نفى هداه الله دخول الجن في جسد الإنسان واصابته بالمرض والتكلم بلسانه وابطل ذلك مستدلا بأدلة متواترة على حد قوله ولكن لم يذكر منها دليلا واحدا يصحح به كلامه، ثم نقل الاجماع من علماء الامة ان الشياطين ليس لهم على بني آدم سلطان قهر وارغام ولم يسند هداه الله الى من نقل هذا الاجماع من العلماء المحققين, وبعد هذه المقدمة ادع المجال لعلمائنا الاجلاء في الماضي والحاضر لبيان الحق ودحض هذه الشبهة حتى لا يلتبس الامر على الاخوة القراء الذين اطلعوا على مقال الاخ محمد الفوزان والذي راح هداه الله يشرق ويغرب وفات عليه كلام العلماء الاجلاء في هذه المسألة:,
قال شيخ الإسلام ابن تيمية وجود الجن ثابت بالقرآن والسنة، واتفاق سلف الامة، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق ائمة اهل السنة وهو امر مشهور محسوس لمن تدبره، يدخل في المصروع ويتكلم بكلام لا يعرفه بل ولا يدري به، بل يُضرَب ضربا لو ضُرِبَه جمل لمات، ولا يحس به المصروع، وقال عبدالله بن احمد بن حنبل قلت لأبي ان قوما يزعمون ان الجني لا يدخل في البدن الإنسي، فقال: يا بني يكذبون، هو ذا يتكلم على لسانه (1) .
وفي كتاب طبقات اصحاب الإمام احمد: سمعت احمد بن عبيد الله قال: سمعت أبا الحسن علي بن احمد بن علي العكبري قدم علينا من عكبر في ذي القعدة سنة 352ه قال: حدثني ابي عن جدي قال: كنت في مسجد ابي عبدالله احمد بن حنبل فأنفذ اليه المتوكل صاحبا له يُعلمه ان له جارة تصرع وسأله ان يدعو الله لها بالعافية، فأخرج له احمد نعل خشب بشراك من خوص للوضوء، فدفعه الى صاحب له وقال له: تمضي الى دار امير المؤمنين وتجلس عند رأس هذه الجارية وتقول له يعني الجني، قال لك احمد أيما احب اليك، تخرج من هذه الجارية، او تُصفع بهذه النعل سبعين؟ فمضى إليه وقال له مثل ما قال الإمام احمد فقال له المارد على لسان الجارية: السمع والطاعة لو امرنا احمد ألا نقيم بالعراق ما أقمنا به، انه اطاع الله ومن اطاع الله اطاعه كل شيء، وخرج من الجارية وهدت ورزقت اولادا فلما مات احمد عاودها المارد فأنفذ المتوكل الى صاحبه ابي بكر المروزي وعرفه الحال فأخذ المروزي النعل ومضى الى الجارية فكلمه العفريت على لسانها لا اخرج من هذه الجارية ولا اطيقك ولا اقبل منك، احمد بن حنبل اطاع الله فأمرنا بطاعته (2) .
قال ابن القيم رحمه الله الصرع صرعان: صرع من الارواح الخبيثة الارضية وصرع من الاخلاط الرديئة، والثاني هو الذي يتكلم فيه الاطباء، في سببه وعلاجه (3) .
والصرع ثابت بالكتاب والسنة والاجماع وكلام اهل العلم والعقل.
اولا: من الكتاب:
قال تعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس .
قال القرطبي (4) : في هذه الآية دليل على فساد انكار من انكر الصرع من جهة الجن، وزعم انه من فعل الطبائع وان الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس .
قال تعالى ان الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون .
قال ابن كثير في تفسيرها (5) ومنهم من فسر بمس الشيطان في الصرع ونحوه: ثم ذكر حادثة المرأة التي كانت تصرع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثانيا: من السنة:
1, أخرجا في الصحيحين من حديث عطاء بن ابي رباح قال: قال ابن عباس: ألا أريك امرأة من اهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء اتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: اني اصرع، واني اتكشف فادع الله لي، فقال: ان شئت صبرتِ ولك الجنة، وان شئت دعوتِ الله يعافيك، فقالت: اصبر, فقالت: إني اتكشف فادع أن لا اتكشف فدعا الله لها .
قال في الفتح (6) : واخرج البزار وابن حبان من حديث ابي هريرة شبيها بقصتها ولفظه: جاءت امرأة بها لمم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله, فقال: ان شئت دعوتِ الله فشفاك، وان شئت صبرتِ ولا حساب عليك، قالت: بل اصبر ولا حساب عليّ .
وعن البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة انها قالت: اني اخاف الخبيث ان يجردني، فدعا لها، فكانت اذا خشيت ان يأتيها تأتي استار الكعبة فتتعلق بها .
2, عن صفية بنت حيي رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم , متفق عليه.
واخرج مسلم في صحيحه ان رسال الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مولود يولد الا يمسه الشيطان فيستهل صارخا، الا مريم وابنها لقول أمها اني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، صحيح مسلم.
واخرج مسلم عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تثاءب احدكم فليمسك بيده فإن الشيطان يدخل .
ثالثا: من كلام السلف في اثبات الصرع.
قال ابن القيم: وشاهدت شيخنا (7) يرسل الى المصروع من يخاطب الروح التي فيه ويقول: قال لكِ الشيخ اخرجي فإن هذا لا يحل لك فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه، وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب فيفيق المصروع فلا يحس بألم وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا (8) .
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ما نصه: هل يجوز للذي يعالج المرضى بقراءة القرآن ان يضرب ويخنق ويتحدث مع الجن؟,.
الجواب: هذا وقع شيء منه من بعض العلماء السابقين مثل شيخ الاسلام ابن تيمية يرحمه الله فقد كان يخاطب الجني ويخنقه ويضربه حتى يخرج اما المبالغة في هذه الامور مما نسمعه عن بعض القراء فلا وجه له, (9) .
وسئل فضيلته: هل للجن تأثير على الإنس؟,.
الجواب: اما تأثيرهم على الانس فإنه واقع أيضا فإنه يؤثرون على الإنس، اما ان يدخلوا في جسد الانسان فيصرع ويتألم، واما ان يؤثر عليه بالترويع والايحاش وما اشبه ذلك, (10)
وقد اطال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله الحديث حول هذا الموضوع تحت عنوان رسالة في ايضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من انكر ذلك , (11)
فبعد أن ذكر سماحته قصة البوذي الذي اسلم على يديه، وقصة معارضة الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم وقصة ابي هريرة مع الشيطان الذي كان يحثو من الطعام قال سماحته: ثبت في الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ان كل إنسان معه قرين من الشياطين حتى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ان الله اعانه عليه فأسلم فلا يأمره الا بخير، وقد دل الكتاب والسنة واجماع الامة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه اياه، فكيف يجوز لمن ينتسب الى العلم ان ينكر ذلك بغير علم ولا هدى بل تقليدا لبعض اهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة.
ثم ذكر سماحته كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس .
قال ابو جعفر بن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية ما نصه يعني بذلك يخبله الشيطان في الدنيا وهو الذي يخنقه فيصرعه من المس يعني من الجنون.
وقال البغوي في تفسير الآية المذكورة ما نصه لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس اي الجنون، يقال مس الرجل فهو ممسوس اذا كان مجنونا.
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: دلت هذه الآية على فساد انكار من انكر الصرع من جهة الجن وزعم انه من فعل الطبائع وان الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس.
وكلام المفسرين في هذا المعنى كثير، من اراد وجده، وقال الإمام احمد: وليس في ائمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع ومن انكر ذلك وادعى ان الشرع يكذب فقد كذب على الشرع وليس في الادلة الشرعية ما ينفي ذلك أه.
وفي العصر الحاضر: (12) اعترف بعض الاطباء بالصرع الذي سببه الارواح وانصبت دراستهم على هذه الظاهرة المتميزة في كثير من الاحيان وكانت دراستهم على اساس انها من تأثير الارواح الخبيثة، وليس على اساس انها حالات عصبية كما يفسر ذلك الكثير من الاطباء اليوم, يقول كارنجتون عضو جمعية البحوث النفسية الامريكية عن حالة المس: واضح ان حالة المس هي على الاقل حالة واقعية لا يستطيع العلم بعد ان يهمل امرها، وما دامت توجد حقائق كثيرة مدهشة تؤيدها، وما دام الامر كذلك فإن دراستها اصبحت لازمة وواجبة لا من جهة الاكاديمية الجمعية التي يلتقي فيها العلماء فقط، بل لأن مئات من الناس وألوفاً يعانون في الوقت الحاضر من هذه الحالة، ولأن شفاءهم يستلزم الفحص السريع والعلاج الفوري واذا ما نحن قررنا مكنه المس من الوجهة النظرية انفتح أمامنا مجال فسيح للبحث والتقصي ويتطلب كل ما يتطلبه العلم الحديث والتفكير السيكولوجي من العناية والحذق والجلد أه.
وأخيرا يجب ان نعي ونعلم ان من جملة اسباب الصرع انه يكون نوع ابتلاء من الله جلّ وعلا، فالله سبحانه وتعالى بحكمته يبتلي الخلق بأنواع المصائب، والصرع من جملتها, قال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون وعلى من ابتلي بذلك وان كان صالحا ان يصبر ويحتسب الاجر والمثوبة من الله مع بذل الاسباب المشروعة للعلاج,ارجو ان يكون فيما كُتب ونُقل كفاية ومقنع لطالب الحق ونسأله سبحانه وتعالى بمنّه وكرمه ان يمنّ علينا جميعا بإصابة الحق في الاقوال والاعمال انه سميع قريب مجيب؟.
محمد بن عبدالله الشائع
المعهد العلمي بمحافظة شقرا
الهوامش:
1, مجموع الفتاوى لابن تيمية 24/376.
2, آكام المرجان في احكام الجان بدر الدين الشبلي 114/115.
3, الطب النبوي ص190، 191 دار الوعي حلب,
4, أحكام القرآن 3/355.
5, تفسير القرآن العظيم 2/279.
6, فتح الباري لابن حجر 10/115.
7, يعني شيخه ابن تيمية.
8, الطب النبوي ص193 تحقيق د, عبدالمعطي قلعجي.
9, مجلة الدعوة عدد 1456 25 ربيع الأول 1415ه.
10, بتصرف من مجموع فتاوى ابن عثيمين 1/157 159 برقم 115.
11, لمراجعة الرسالة كاملة يرجع لكتاب فتح الحق المبين ص285.
12, عالم الجن والملائكة, ص83

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved