أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 11th August,2000العدد:10179الطبعةالاولـيالجمعة 11 ,جمادى الاولى 1421

عزيزتـي الجزيرة

إلى ساكن الدنيا 2
عزيزي ساكن الدنيا:
ها أنا أُعاود من جديد رحلتي معك لنبحر في خضم بحر هادر وموج متلاطم,, نبحر معا لنرمق العالم ونتأمله سويا ونجعل العالم يرمقنا بعينه المتأملة!!
عزيزي ساكن الدنيا!
قبل ايام كنت معك وبالرغم من ذلك لم ارك ولم ترني! ترى لماذا؟ هل هي الدنيا تجبرنا على ذلك؟ ام يا ترى رحلتنا الغامضة هي من اشهرت سيف الاختفاء في وجوهنا,, تأملت حال الدنيا معك فتعجبت ولكنني تعجبت اكثر من حالك مع الدنيا:


عجيب أمر دنيانا ولكن
عجيب أننا لا زلنا نعجب!

تعجبت من حديثك بدون جدوى وفي نفس الوقت من صمتك القاتل إزاء ما يحدث أمامك اين انت من عالم تسكنه ويسكن اعماقك؟ اين انت من عزيمة صادقة وطموح لا يفتر؟ أين أنت من واقع عقلك ومصداقية حديثك؟ تأمل يا عزيزي حالك واستدرك ما فاتك فخوفي عليك يجعلني امام خيار صعب لا أملك إلا ان اطلب منك النظر في حالك بمصداقية مع نفسك اولاً ثم مع من حولك وقبل هذا وذاك المصداقية مع الله تعالى,.
افتح قلبك للعالم وحينها ستعلم أنك كنت ظالماً لنفسك في حصرك لها في قوقعة تصهر احشاءك وتذيب فؤادك,, افتح قلبك للعالم وستعلم أنك في نعمة بمجرد ان ترى مصائب غيرك فتدرك حينها ان ما لديك من الحزن والأسى اقل بكثير مما لدى غيرك من احزان ومصائب واعذرني يا عزيزي ان لم اذكر لك ما هي تلك المصائب لأن مثلك ممن عاصر الحياة (وعصرته) يدرك تماماً نوعية تلك المصائب ويعلم مالا أعلمه عنها فمثلك مؤمن عاقل أبعد نفسه عن الشبهات وجعل له ذخيرة دنيوية تنفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم,, مثلك احسبه كذلك ولا أزكي على الله احداً,.
يقال (إذا وقع القضاء عمي البصر) هذا طبعا يقال وأنا وإن كتبته إلا اني أخالفه كثيراً فلا يعني هذا الا احسن تصرفي ولا ادري ماذا افعل بل على العكس اسعى جاهدا كي اغتنم ما امامي من فرص بقدر الامكان ولربما تقول أي فرصة تلك التي اغتنمها وانا امام امر لا خيار لي فيه غير أني اقول له: بل عليك انت يا ساكن الدنيا مسؤولية عظمى كيف لا ولربما تكون أنت المعول عليه في انتهاء ذلك الهم المصاحب له فقد تكون أنت ملاذ الكثير وملجأ الكثير وعون الكثير فكن قدوة لهم بحسن تصرفك ولعل اقلها الصبر واحتساب الأجر اما اذا استطعت تدارك ما يمكن إدراكه فأكرم به وأنعم من إجادة وإحسان ولا تجعل همّك غير وجه الله ورضاه ولا تكن كذلك الذي يقول: (ارضهم ما دمت في أرضهم!) بل تصرف بعقلانية وحسب ما يمليه عليك ضميرك وإيمانك لأنك في النهاية ستخرج ب (رضا الناس غاية لاتدرك) المهم هو ان ما تفعله هو الصواب وأحذرك ان تتمادى في الخطأ او تتعالى تكبرا ً على أقرانك فإنك وإن نضج عقلك واكتمل فكرك تظل في النهاية بحاجة لرأي عاقل ومشورة حازم ولا تكن كمن قيل عنه: (الذئب خالياً أسداً) فهذا الذئب يرى نفسه كالأسد قوة وشجاعة وسيد ساحته لأنه توحد بنفسه فجعلها عالياً مثلك تماماً عندما تتوحد برأيك وترى أنه هو الصحيح فقط وما سواه أقل منه فلا مانع إن كان من حولك من ترى فيهم ويرى من حولك او من يخالطهم أنهم اصحاب رأي لا يؤخذ به او ليسوا اهل عقل او ثقة بالطبع اذا كان هذا الرأي رأي ثقة عندها لك الحرية في ان تستبعد آراءهم وتأخذ برأيك السديد الحازم وإني يا عزيزي انصح نفسي قبل ان انصحك بأن تأخذ رأي من جعلته مستودعاً لاسرارك,, أميناً على اغلى وأنفس ممتلكاتك انصحك بأن تأخذ رأي صديقك لأن الصديق سيصدقك حتماً إن كان صديقاً حقاً، فالصديق يا عزيزي ثروة لا تقدر بثمن ولا تقابل بكل اموال العالم وممتلكاته، لأن الصديق ثروة اصبحت من الندرة بمكان في زمن يعاني من قحط في القيم وقلة في الأصدقاء الثقة، لأن الصديق تاج يتزين به الإنسان في كل حين لأنه في كل حين معه ان لم يكن امامه فيكفي ان يكون في قلبه يكفي أنه في عينه,, في عقله وذاكرته,, بل ويكفي انه معه على اوراقه يحافأحسن اختيارك يحمد امرك وتمسك به يتمسك بك اكثر، وأحسن إليه يحبك ويحسن إليك وتذكر (اذا حزّ أخوك فكُل) فالله الله بالثقة بصديقك الحق والحق فقط ومن صَدَقك وأخلص لك وأحسن معاملته معك ومن ادخلته في اختبار فنجح فيه بامتياز مع مرتبة الشرف الاولى!!
ولتعلم يا عزيزي انما الشيء كشكله (فطائر السماء على إلفه من الأرض يقع) اي ان صديقك,, مرآة تعكس شخصك وتوضح شخصيتك فتخير ما بدا لك فإنه سيكون إما معك ديناً ودنيا وإما عليك وكل نتيجة زرعك وإيتاء حقك يوم حصادك!!
عزيزي!! لو باح صمتي لنطق,, عبارة اتذكرها جيدا واستحضرها كثيرا ويعاودني الحنين إليها كلما ادلهم خطب على فؤادي وشل فكري وألجم لساني ,, لا تسلم فكراً شرد ولا قلباً اكل عليه الهم وشرب ولا عيناً بكت من فرط الاسى ولكن,, لا أعذرك البتة عندما لا تطالب بحقوقك,, ألست من سكان الدنيا؟! أليس لك ما لهم وعليك ما عليهم؟! ألست إنساناً ذا عقل ولسان؟! ألست حكيما وليكن على نفسك وتملك مقومات فكر الانسان؟! ألست تملك هذا الجنان وبامكانك ان تهز سلاحك والسنان وتحارب به كل كاذب خوّان؟!إني اقول لك وأنبهك لحرصي عليك وخوفي على مسير حياتك فان العصا قُرعت لذي حلم لأني ارى فيك الانسان الفطن الذي إذا نُبه انتبه وإذا حُذّر حَذِر,, أرى فيك الانسان العاقل الذي يغتنم ما امامه من فرص وما يتاح له من مقومات مختلفة فلربما كانت فرصة واحدة تتاح لك تفتح لك ابواباً كثيرة من ابواب الخير ولعل ما يحضرني هو قول ابن رشيق:


وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه
وأول الغيث قطر ثم ينكسبُ

أي أن أول الغيث قطرات فلعل الفرصة التي تأتيك مرة قد لا تأتيك مرة أخرى فأغتنمها واجعلها لصالحك أو على الأقل اذا لم تستفد منها فاجعل غيرك يستفيد منها ويحقق له بها فائدة مرجوة!
عزيزي ساكن الدنيا!!
عذرا لإطالتي هذه الرحلة ولعلك لا تلمني لأنني سعُدتُ بطيب رحلتي معك اولا ولأن كرمك الحاتمي وصدرك الرحب ثانياً جعلاني أُطيل رحلتي معك متمنياً لك السعادة والطمأنينة وهدوء البال بإذن الله تعالى.
عزيزة القعيضب

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved