أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 15th August,2000العدد:10183الطبعةالاولـيالثلاثاء 15 ,جمادى الاولى 1421

عزيزتـي الجزيرة

البداوة والحضارة عند الصويان وابن بخيتان وابن خلدون
عزيزتي الجزيرة,.
اعتاد الدكتور سعد بن عبدالله الصويان ان يكون بدعا في كثير من مراحل مساره الاكاديمي، فقد بدأ المرحلة العليا من دراساته في تخصص لم تجد جامعة الرياض الملك سعود موقعا له في مناهجها ولا كلياتها، وبقي الحال حتى التحق بقسم الاجتماع, وقد قام خارج الجامعة بالتنظير في العامية وما علق بها من فكر لا يرقى الى وعي المجتمع الاكاديمي والساحة الفكرية للوطن، هذا امر والآخر ان الدكتور الصويان عمد الى تناسي او تجاهل دور الجامعات في بناء الوعاء الفكري للاجيال التي تتخرج منذ ما يزيد على نصف قرن والاسهام في تكوين خطاب فكري سعودي ويعكس الوضع الثقافي التعليمي، وربما جاز القول أنه قد نصب نفسه داعيا للعامية بما كرّس نمط البداوة في التفكير والتدبير، ولعل من اطلع على بحثه في دراسته للدكتوراه يعجب كيف أمضى الدكتور سعد سنوات من عمره في بعثة دراسية يكتب عن الشعر النبطي باللغة الإنجليزية، ولعل ترجمة ما دوُّن من شعر بدوي نبطي الى الانجليزية قد تم بلغة بليغة اذا ترجمت مرة اخرى الى العربية فإنها تأتي بما يقابلها من اللغة الصحيحة، وهنا فالحال أمام الاساتذة الامريكيين والجامعة سهل وتام وفقا للأصول المنهجية لبحوث الدراسات الإنسانية.
لم يتبدل في الحال شيء في المجال الاكاديمي فقد استمر الدكتور الصويان استاذا في الجامعة ولم تتبدل او على الاقل تتطور منهجية التفكير فما برحت طروحاته عامية وموغلة في التقاط بعض ما تحفل به كتب التراث والاستماتة في معاونة كل متحدث بالعامية.
واعيذ اخي سعد ان يكون مغترا بمدائح العوام والأميين على حساب اصالته في الارومة والعلمية كما يفترض,انا أقدره واحترمه ولا اتفق مع طروحاته العامية، اختلاف منهج وفكر، ولم يحدث وأتمنى ألا يحدث أي خلاف للود والاحترام المتبادل, لقد نشر الدكتور الصويان سامحه الله مقالة غريبة عجيبة في صحيفة الجزيرة الاحد 6 جمادى الأولى 1421ه تحت عنوان البداوة والحضارة,, المفهوم الخلدوني بادئا بفقرة هي ليست عامية اللغة هي السبب الوحيد وراء رفض الشعر النبطي، السبب الآخر هو ان هذه اللغة مسكونة بالبداوة، ورفض الشعر النبطي رفض لقيم الصحراء التي يستلهمها وحياة البادية التي تشكل مادته الفنية، وهذا الرفض وان اتخذ شكل الصراع بين الفصيح والعامي تحكمه جدلية الصراع الازلية بين البدو بثقافتهم الشفهية والحضر بثقافتهم الكتابية، وانتصار الثقافة الكتابية على الثقافة الشفهية يعني في نهاية المطاف انحسار البداوة وقيمها أمام الزحف المدني المدجج بالتكنولوجيا والايديولوجيا وادوات الكتابة ، وأنا في واقع امري في حيرة أمام هذا، فلا استطيع ان ألغي من عقلي ما تعلمته ودرسته في مناهج البحوث العلمية في مجال دراسات العلوم الإنسانية والعلمية، او صلتي وانتمائي للبداوة وفق منظور ابن خلدون رحمه الله في تعريفه للعصبية بأنها ثمرة النسب، ولا اقبل ان اتلقى هذا القول من استاذ جامعي يعلم ان اي تقرير مثل هذا غير مقبول دون سند مرجعي ثابت في دراسات سابقة او مدعوم ببحث علمي توصل الى حقيقة التقرير سواء بالتجريب او الاستبيان، واجد سببا ثالثا يدعوني للرفض ألا وهو ان ما تكوَّن لي من بناء معرفي تراكمي عقيدة وفكرا وانتماء لا تقبل بمثل هذا الخلط العجيب, واظن بما يوصلني الى اليقين ان معي كثر في هذا النهج، ولا اعتقد ان أحداً ايا كان موقعه يستسيغ القول ان انتصار الثقافة الكتابية على الثقافة الشفهية يعني في نهاية المطاف انحسار البداوة وقيمها أمام الزحف المدني المدجج بالتكنولوجيا وادوات الكتابة , واجدني قبل الدخول في مناقشة ما طرحه اقرر انني احبذ وارحب بكل ما يؤدي الى انتصار الثقافة الكتابية على الشفهية والقضاء على كل ما له صلة بالعامية ايا كانت هذه العامية في بلادنا.
اقول هذا لأن في انتصار الكتابة نفي للجهالة فقد بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره للناس، ولا يظهر الدين للناس إلا معرفة الكتابة التي هي مفتاح القراءة مصداقا لقول الحق تعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ، ثم تأسيا بقول الله جلا وعلا : اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق, اقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم, علم الإنسان ما لم يعلم .
ولعلي اتوقف تمهيدا للعودة وهنا فالعود احمد، اتوقف لأرى ما هي البداوة التي يرى فيها الدكتور الصويان انها سبب انتصار الكتابة!!!,جاء في لسان العرب لابن منظور ما يلي: والبدوة والبادية والبَداوة والبِداوة: خلاف الحضر، والنسب إليه بدوي، نادر ،وبَداوي وبِداوي، وهو على القياس لأنه حينئذ منسوب الى البداوة، قال ابن سيده لا يعرفون غير بَدَوي، فإن قلت ان البداوي قد يكون منسوبا الى البدو والبادية فيكون نادرا، قيل: إذا امكن في الشيء المنسوب ان يكون قياسا وشاذا كان حمله على القياس اولى لأن القياس اشيع واوسع, وبدا القوم بدواً اي خرجوا الى باديتهم، وقيل للبادية بادية لبروزها وظهورها، وقال الليث: البادية اسم للأرض التي لا حضر فيها، وكل شيء اظهرته فقد ابديته, قال ابو منصور: البادية خلاف الحاضرة والحاضرة التي يحضرون المياه وينزلون عليها في حمراء القيظ فإذا برد الزمان ظعنوا عن أعداد المياه وبدوا طلبا للقرب من الكلأ، فالقوم حينئذ بادية بعدما كانوا حاضرة: وفي الحديث: من بدا جفا، أي من نزل البادية صار فيه جفاء الاعراب، وقوله في التنزيل وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب ، اي اذا جاءت الجنود والاحزاب ودوا انهم في البادية، وقال ابو زيد: هي البداوة والحضارة، بفتح الباء وكسر الحاء، والبداوة: الاقامة في البادية انتهى النقل على لسان العرب لابن منظور.
ولا اعلم السر خلف اعتساف المعاني والدلالات لمقولات العربي الفذ عبدالرحمن ابن خلدون عن البدو والبداوة، انا جد معجب ومحب لابن خلدون ولا اتفق مع مرثياته للعرب وعدم صلاحهم لاقامة الدول والعمران، فقراءة الحالة النفسية له كرجل تمرس في ممارسة السلطة والعزل منها والخلافات التي عصفت بالمغرب العربي في عصره كلها امور لا يجب اغفالها وما اثرت به في نظرة ابن خلدون لمسببات الترف المؤدي لزوال العمران.
ألا يكفي الدكتور الصويان تحضرا وبعدا عن العامية البادية في كل عمل فكري له رغم اناقته وحضارية تعامله وحديثه، ان فداء الاسرى في بداية دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام كان تعليم الكتابة للمسلمين؟! وان كتبة الوحي كانوا من اجلاف العرب الذين تحولوا الى الطبع المدني الحضري فسادوا الدنيا واخرجوا العباد من عبادة البشر الى عبادة رب العباد,, هل يريد الدكتور الصويان طمس ادوات الكتابة حتى لا تموت الامية والشعر النبطي؟.
ولقد شفى نفسي وابرأ جرح ما قال به الدكتور الصويان، ما كتبه البدوي الانيق والشاعر العميق الغور والمشاعر والشعور معيض بن علي البخيتان في مقال له بجريدة الندوة يوم الثلاثاء 8 من شهر جمادى الاولى الجاري تحت عنوان العامية وتواريخ العامية، ومعيض عندي رجل له محبة وتقدير ولا يمنع ذلك وجود التباين في الرؤى، لقد كانت بداية مقالة ابن بخيتان بردا وسلاما مقارنة بمقال الدكتور الصويان، ومما قاله ابن بخيتان من الامور التي لا يختلف عليها ان قطاعا مهما من الجزيرة العربية قد ارتمى في احضان العامية وجعلها خطابه شعرا وتمثلا وتذكرا وكأنها الحصيلة التي منها واليها يعود، ومن المؤسف عليه ان من بين هؤلاء نخبة كان من الممكن ان يفكروا ويتحاوروا وينتجوا وفق النظام وما تقتضيه اللغة العربية وان يعوا ان تعلمها وتقدمها عبادة وان حياة الإنسان محدودة وسيجازى, أما مسألة ان اللغة الفصيحة السليمة قد تكفل الله جل جلاله بحفظها في كتابه العزيز فهذا صحيح ولكن ما دام انك تعلم ان الله جل جلاله قد انزل كتابه المحكم بهذه الوسيلة وكانت المعجزة الخالدة حيث تنزلت الآيات وفق اساليبها وبلاغتها واعجازها وتعلم انها قبل ذلك قد تكون كسائر اللغات حتى صارت وعاء مميزا للقرآن والسنة وبهذا خلدت لا شائبة في انفرادها فلماذا تروي وتنظم وتقص على الخلاف وتريد ان تفرض العامية السائبة الممزقة؟؟!!، ويستمر الرجل معيض البخيتان في المتح من عذب الرواء فيقول: والخطاب هنا لكل المغالين والمروجين وتلاميذ العامية الذين رأوا بأم اعينهم نتيجة هذا الشطط والتشرذم الذي قضى عليه المؤسس الملك عبدالعزيز ولو لم يكن هذا الاحتفاء والتعميم للعامية لذبلت تلك الامور ولكان التفكير اسمى وارقى.
محمد بن ناصر الياسر الأسمري

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved