أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 28th August,2000العدد:10196الطبعةالاولـيالأثنين 28 ,جمادى الاولى 1421

مقـالات

لا تينية الحرف العربي
أتاتورك يطل من جديد عبر الانترنيت
د, علي بن شويل القرني
من منا لا يعرف مصطفى كمال اتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة، وهو الذي سلخ تركيا من جلدها الاسلامي بتطبيق العلمنة الصارخة في بناء مؤسساتها المدنية، وانتزع تاريخها وتراكماتها من التراث العربي الذي ظل جزءا من منظومتها الفكرية لقرون عديدة، بما في ذلك طمس الحرف العربي واستبداله بحروف لاتينية تواكب رغبته آنئذ في أن تدخل تركيا الحديثة في منظومة الدول الأوروبية، بادعاء أن الحرف العربي غير قادر على تعليب الثقافة التركية وتصديرها الى الخارج، واستيعاب مكتنزات العلوم والمعارف واستدراجها الى الداخل التركي,,, وكان ذلك بعد أن تخلى عن فكرة الخلافة الاسلامية عام 1924م، وما تبعها من جهود لتقويض الهوية الإسلامية داخل المجتمع التركي المسلم,.
ويدور حاليا نقاش بنفس التفكير والمستوى على نطاق بعض المثقفين وشرائح من الجماهير وربما باستحياء في هذه المرحلة لاستبدال الحرف العربي في اللغة الفارسية بحروف لاتينية تواكب العصرنة والتقدم الحديث، ضمن جهود خفية تدفع بصغائر المثقفين ومروجي الثقافة الغربية لأن يتم في ايران البلد المسلم ما حدث قبل ستة وسبعين عاما في تركيا بخصوص التحول الحرفيللغة اللاتينية والحضاري للثقافة الغربية ,.
ولكن ماذا عنا نحن العرب ولغتنا العربية؟ من خلال تاريخنا الطويل، تعرضت اللغة العربية لحملات مشابهة من بعض التيارات الفكرية، وانبرى والحمد لله من أبناء هذه اللغة أشخاص وقفوا ضد تيارات الاستبدال اللاتيني للحرف العربي، وفكر التغريب الطامس لثقافتنا الاسلامية العربية والأصيلة,, وتظل لغتنا شامخة باذن الله مهما تكالبت عليها الظروف والأزمانانا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون , ولكنا نظل دائما امام تحديات جديدة للتشويش على نقاء هذه اللغة ووصولها المباشر في الشكل والمعنى الى كل من يقرأ ويكتب ويستمع ويتأمل, وآخر معاول الهدم الحقيقي للغة العربية، وربما ما قد يكون أخطر تحرك في تاريخ هذه اللغة على الاطلاق العام هو ما يحدث حاليا على شاشات الانترنيت، ممثلا ليس في العامية القطرية والمناطقية لكل بلدان العالم العربي، ولكن في الكتابة باللاتينية والتخاطب عبر الحرف الاجنبي بين أبناء الوطن العربي,.
وفر الانترنيت منافذ عديدة للحوار والنقاش عبر مختلف قنواته العديدة وأوعيته المتنوعة لكافة شعوب وثقافات ولغات العالم، بما في ذلك بطبيعة الحال أبناء العالم العربي من شرقه الى غربه، وعبر جالياته المتناثرة في كل قارات العالم وبمختلف دوله شرقا وغربا شمالا وجنوبا,.
ولهؤلاء الذين يودون أن يوجدوا فيما بينهم لغة تخاطب ووسيلة تفاهم تكون عبر أجهزة حاسوبية لا يتوافر لها في أكثر الاحيان الدعم العربي شرائح حاسوبية للغة العربية ، كما لا يتوافر لكثير من المشاركين لغة انجليزية عالية المستوى تكفي للتفاهم عبرها للحوارات والمناقشات، فما كان الا أن أوجدت هذه الفئة طريقة سهلة تغطي ثغرات التقنية الحاسوبية من ناحية، وتلبي احتياجات فئات غير قادرة على الفهم والتخاطب باللغة الانجليزية او لغات اجنبية من ناحية أخرى,, وكان الحل الذي فرضته هذه الظروف أن تتحول اللغة العربية المنطوقة الى كلمات بحروف لاتينية يتم من خلالها التخاطب والحوار بين أبناء العالم العربي في كافة أنحاء العالم,, فاذا اردت أن أقول مثلا أنا من الكويت أكتب بالحروف اللاتينية: ana men alkuwait وكلمة مش مهم تتحول الى muhtmuhim الخ,, والأخطر في كل هذه العملية أن الحاجة استحدثت بديلا عن الحروف العربية الأصيلة التي لا تجد مثيلا لها في اللاتينية أرقاما لاتينية تسد مكان تلك الحروف، واصبحت تمثل حروفا متعارفا عليها تكفي لمعرفة الكلمة العربية المقصودة,, فمثلاً حرف العين يمثله رقم 3، وحرف الطاء يمثله رقم 6، وحرف الحاء يمثله رقم 7، وحرف الصاد يمثله رقم 9، ونفس الأرقام يوضع فوقها علامة لتعني الحروف العربية المنقطقة الغين والطاء والحاء والصاد ,, الى ماهناك من تغطية لحروف العربية الأخرى من خلال اضافة عنصر الرقم اللاتيني لسد الثغرة التي كانت تواجهها الحروف اللاتينية عند نقل حروف اللغة العربية اليها,.
وعلى سبيل المثال عندما أريد ان اقول:الحياة أكتب al7ayah ، وطارق تتحول الى 6arlg ، وصحافة تتحول الى 97AFH ,,, الى آخره من الكلمات الأخرى,.
والفاجعة أن المتابع لمثل هذه الحوارات عبر الياهو مثلا يلاحظ سرعة الحوار والتفاهم الدقيق للمعاني بين المتخاطبين، ولربما انها اذا لم تكن احيانا بأسرع من التخاطب باللغة العربية فهي في نفس المعدل، مما يشير الى التمرس والمقدرة على استيعاب هذه اللغة الجديدة,.
إننا الآن في مرحلة جديدة من التحول المجتمعي الى عالم الانترنيت، فقد أخذ الانترنيت يدب في حياتنا، ويتكرس في مؤسساتنا، ويُزرع في كياناتنا الحية، ويصبح هو محك التقدم ومعيار العصرية ونموذجا لشخصية القرن الحادي والعشرين,, والدخول الى عالم الشبكة الدولية لم يعد خيارا بل حتمية اقتضتها تحولات العصر، ودينامكية العلاقات الدولية، ومتطلبات التخاطب والاتصال والاعلام بين الشعوب والمؤسسات والمجتمعات والدول,, وهاهي مفاجآت الانترنيت تتبدى لنا من زوايا وأبواب لم نكن لنتوقعها ابدا، وعبر خلفيات وابعاد لم تكن في الحساب اطلاقا,, وهذا لا يعني انني ضد الاستخدامات الراشدة للانترنيت، بل انني أرى أنه لغة العصر ووسيلة التخاطب القادمة، ولربما يمكن الجيل القادم من اختصار الوقت والجهد في عمليات التعلم الشاملة في مختلف مجالات العلوم والمعارف، وتطبيقات العصر والحياة,, ولكن امام المعطيات الجديدة التي تمثل خطورة بالغة على لغتنا العربية وثقافتنا الاسلامية، نقف مندهشين امام انقلاب التقنية على الثقافة المحلية وسطوة العصر على سيادة اللغة,, فماذا ترانا فاعلين؟ وأخشى ما أخشاه فعلا أن نبدأ قصة اتاتورك في تركيا العشرينيات، وايران التسعينيات من حيث لا ندري، فينشأ بيننا وحولنا جيل جديد يستبدل حروف لغتنا العربية بحروف أجنبية، ويتضاءل استخدام الحرف العربي مع مرور الوقت,, وكلنا يعرف ما لهذا من خطورة على مستقبل لغتنا وثقافتنا، وعلى تأسيس جيل جديد من ابنائنا وبناتنا,, فلنفكر بصوت مسموع في هذا الشان المهم.
ملاحظة:
في مقال العدد الماضي عن العراق مرة أخرى,, كعكة البيرثدي لفخامة الرئيس ,, حدث خطأ مطبعي عند صف الموضوع عن مسافة الحدود بين الكويت والعراق فقد ورد أنها 2888كم، والصحيح هو 288 كم,, لاحاطة قارئنا العزيز.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved