أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 10th September,2000العدد:10209الطبعةالاولـيالأحد 12 ,جمادى الثانية 1421

وَرّاق الجزيرة

(إمَّرَةُ) أتعبت الباحثين، وما زال الكلام عنها يتجدد
عبدالله بن محمد الشايع
يحلو لطالبي العلم والمعرفة الكلام عن الكتب ومؤلفيها، وعن النساخ والوراقين, وقد أحسنَت صنعاً جريدة الجزيرة عندما أفردت صفحة من صفحاتها باسم وراق الجزيرة ويقيني ان هذه الصفحة ستكون محل اهتمام كتابها وقرائها، ولعلها تكون مجالا لإسهام العلماء والمربين في معالجة العزوف عن قراءة الكتب وأخبارها نتيجة لما جدَّ من وسائل أسهمت في صدود الكثيرين عن الكتاب وقراءته.
أقول هذا بمناسبة قراءتي في الطبعة الجديدة لكتاب (المناسك، وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة) للحربي, وقد صدر في طبعته الجديدة حاملا بالاضافة إلى اسمه السابق اسماً آخر هو (كتاب الطريق) للقاضي وكيع طبقاً لرأي الدكتور عبدالله ناصر الوهيبي.
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على ان شيخنا حمد الجاسر يحرص على ارجاع الامور إلى نصابها عندما تتبين له الحقيقة، وهذا شيء يشكر له.
ويا حبذا لو أن شيخنا حمد (ألبسه الله رداء الصحة والعافية) أعاد النظر في صنو هذا الكتاب وهو كتاب بلاد العرب الذي نسبه إلى الحسن بن عبدالله الأصفهاني بينما نسبه الدكتور صالح العلي للأصمعي باسم جزيرة العرب .
ومع أني أميل إلى رأي الدكتور صالح العلي إلا ان شيخنا حمد له مبرراته التي عول عليها في نسبته للاصفهاني, على ان هذا لا يمنع ان يعيد الشيخ حمد الجاسر النظر في هذا الموضوع من قبيل المحافظة على الامانة العلمية, ومن يقرأ في كتاب بلاد العرب يدرك لأول وهلة ان مؤلف الكلام الوارد فيه عربي المولد والمنشأ، لأنه يصف الطرق والأماكن وصفَ من أحفت قدميه وأخفاف ناقته حزون وقفاف نجد وما جاورها.
وهذا الوصف المتناهي في الدقة أليق بالأصمعي ممن بعدت داره عن هذه البلاد, ثم ان كثيراً من الكلام الوارد في كتاب بلاد العرب يبدأ بكلمة قال فمن الذي قال يا ترى؟!.
هذا مما يدل دلالة واضحة على أن واضع هذا الكتاب نقل من كتاب آخر لم يسمه ولعله كتاب جزيرة العرب للأصمعي, ولكنه وصل إلينا بثوب جديد هو كتاب بلاد العرب .
فيا ليت شيخنا يعيد النظر أيضا في هذا الكتاب مثلما اعاده في كتاب المناسك وان كان لي من ملاحظة أثناء قراءتي العابرة للطبعة الأخيرة من كتاب المناسك أو الطريق فهي:
إقدام شيخنا حمد الجاسر على الحذف والاضافة في هامش صفحة (342) في تعليقه على إِمَّرَة أحد منازل طريق حاج البصرة, حيث حذف ما يلي:
(,,, ولعلهما موضعان، وها هنا ما قدمناه، وأورد يا :
أَلا هل إلى عيش بإمرة الحمى
وتكليم ليلى ما حييت سبيل) انتهى.
وقد يكون الدافع لهذا الحذف أمر جَدَّ لشيخنا إما انه اتضح له ان ضبط كلمة إمرة بكسر الهمزة أو فتحها تعني مكاناً واحداً، أو أن الحذف تم لإفساح المجال للإضافة الجديدة في آخر سطر من التعليق، وهي: (على أن أحد الباحثين يرى أن الاسم لجبل متالع، فهي آبار ومنزل، وليست جبلاً), انتهى.
** التعليق :
أقول لست أدري ما هو الدافع الذي ألجأ شيخنا حمد لهذه الاضافة عند اعادة طباعة الكتاب، وكان بودي انه أبقى التعليق على ما هو عليه، لان موضعي إِمَّرة ومتالع ليسا الموضعين الوحيدين اللذين استعصى على الشيخ تحقيقهما فهناك أماكن اخرى لم يتمكن من التعرف على تحديد أماكنها بدقة, مع أنه لم يدخر وسعاً في التوصل إلى تحقيقها، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.
ولعل هذين الموضعين إمرة ومتالع شغلا فكر شيخنا ردحاً من الزمن حتى جاء من حقق مكانهما التحقيق الصحيح وفرق ما بينهما فاستصوب الشيخ هذا التحقق فأثبت هنا ما يفيد انه توصل إلى التفريق بينهما وأن متالعاً جبل، بينما إِمَّرَة آبار ومنزل.
أفلا يجدر بشيخنا حمد ان يعزو هذا التحقيق إلى من قام به بدلاً من أن يفهم القارئ انه هو الذي توصل إلى هذا القول.
فهل كان الشيخ يعرف مكان متالع وإِمَّرة قبل هذا؟!!
أقول: لا لم يكن يعرف, ويدل على ذلك ما قاله في كتبه الأخرى سواء كانت تأليفاً أو تحقيقاً:
1 قال صاحب كتاب بلاد العرب في صفحة (386): (ومُتالع، وهو جبل عظيم قريب من إمَّرَة الحِمى,,,).
علق الشيخ حمد على كلمة متالع بقوله:
(,,, ومتالع المذكور هنا ليس معروفاً).
2 وقال في صفحة (436) من كتابه نظرات في كتاب تاج العروس :
(,,, وهذا الوصف لمتالع ينطبق على الجبل الذي يسمى الآن أُمَّ سُنُون وهو يقع إلى الغرب من إِمَّرة على مسافة كيلين اثنين بمنطقة هجرة دُخنَةَ ، وهذا هو متالع بني عميلة، وهو متالع غَنيّ,,, إلى أن قال : وفيه ماء كان يجري من عين تدعى الخرارة), انتهى.
أقول :
في قوله الأول لم يكن متالع معروفاً لديه، أما في القول الثاني فرجح ان الوصف ينطبق على هضبة أم سنون .
ولعل شيخنا أخذ بتحديد صاحب معجم بلاد القصيم حينما حقق جبل متالع على انه هذه الهضبة, فإذا كان الأمر كذلك فإنه يجدر بالشيخ حمد أن ينسب القول لقائله بغض النظر عن كون هذا التحديد صواباً أم خطأً.
وفي رأيي أنه تحديد غير صائب، فليست هضبة أم سنون هي جبل متالع العظيم, فمن أين لهذه الهضبة العطشى وجود عين خرارة وأوشال جارية وهي التي قصدها الشاعر صدقة بن نافع العُمَيلي بقوله:


وهل تَرجِعَن أيَّامُنَا بِمُتَالِعِ
وشربٌ بِأَوشَالٍ لَهُنَّ ظِلالُ

هذا بالنسبة لرأي الشيخ حمد حول جبل متالع أما رأيه عن إِمَّرَة ذات الكيد العظيم التي استحوذت على مسمى جبل متالع فأخفته عن طالبيه فيقول عنها:
1 قال وهو يتكلم عن السِّتار في صفحة (234) من كتابه نظرات في كتاب تاج العروس :
(ويقع جبل إمَّرة غرب جبل خزاز، ويشاهد رأي العين من هجرة دُخنَة الواقعة شرقه في صفح خزاز، كما يشاهد من هجرة الشبيكية الواقعة جنوبه في سفح جبل سواج، وجبل إمَّرَة جبل ململم صغير يقع بقرب درجة العرض 27 / 25 ه ودرجة الطول 27 /43 ه تقريباً), انتهى قوله.
2 وفي صفحة (298) من الكتاب نفسه قال وهو يتكلم عن جبل كِير :
(,,, يقع شمال جبل إِمَّرَة الواقع غرب جبل خزاز، والجبال الثلاثة تتراءى,,,).
3 وقال في كتابه نظرات في المعجم الكبير صفحة 105:
(وإِمَّرَةُ من المواضع التي لاتزال معروفة، ولعل من أسباب شهرتها وقوعها على طريق الحج البصري الذي بقي مسلوكاً عصوراً طويلة, وهي جبل مستطيل من الجنوب إلى الشمال في وسطه واد، وفي شرقيه ماء عليه نخل,,, وموقع إمرة في الجنوب الغربي من القصيم، بين بلدتي دخنة والشبيكية في الوسط بينهما يشاهد جبل إمَّرَة من كل واحدة منها رأي العين,,, واسم إمرة قديماً يطلق على الجبل وعلى الماء وعلى الموضع الذي يقعان فيه، وهذا كثير في المواضع، ولهذا اختلفت عبارات المتقدمين في تعريفها، فبعضهم يقول ماء، وبعضهم يعدها منزلاً من منازل الحجاج، ومنهم من يسميها جبلاً وكل هذا صحيح, وتقع إِمَّرَة بقرب خط الطول 56 /43 ه وخط العرض 20 /25 ه ), انتهى قوله باختصار.
** التعليق :
في أقواله الثلاثة عن إِمَّرَة نص على أنها جبل ففي الأول قال: إن إمرة جبل ململم صغير، وفي قوله الثلث قال عنها: إنها جبل مستطيل من الجنوب إلى الشمال في وسطه واد.
وهذا الجبلان يختلفان حجما وموقعا يدل على ذلك اختلاف احداثية موقع كل منهما.
والواقع أن إِمَّرَة ليست جبلاً كما قال شيخنا، وإنما هي آبار ومنزل للحاج فقط والجبال متنحية عنها.
أما عن قول الشيخ حمد من أن عبارات المتقدمين عن إمرة مختلفة، وأن منهم من يسميها جبلاً فأقول ليس هذا بصحيح فالأوائل نصوصهم واضحة ولم يقل أحد منهم إنها جبل، فكل أقوالهم تنص على انها مورد ماء ومنزل من منازل الحج البصري.
أما ما يسمى الآن بجبل امرَة فهو جبل متالع المسكين الذي استحوذت عليه إِمَّرَةُ في غفلة من الزمن، وعندما جاء شيخنا يبحث عنه لم يجده فقال: إنه غير معروف!!!
ولعلي عندما جئت إلى المكان قبل سنوات لأحقق جبل أو هضب متالع ذا العين الخرارة والأوشال الجارية قسوت كثيرا على إمرة فما كان منها إلاَّ أن جرجرت أذيالها خانسة إلى مكانها الصحيح وحجمها الطبيعي جنوباً من هذا الجبل الذي حجبته عن الأنظار ردحاً من الزمن, وقد أصبح الآن يطاول الجبال الأخرى بقنانه العالية على أنه جبل متالع وليس إِمَّرَة .
وإذا رغب القارئ الاطلاع على تحقيقي لهذين الموضعين فليرجع إلى كتابي الأول من سلسلة نظرات في معاجم البلدان وتحقيقي لهما هو الذي حمل شيخنا حمد الجاسر سلمه الله لأن يقول:
(ولقد وقفت كثيراً عند رأي الأخ ابن شايع حول إِمَّرَة واستصوبته).
قال هذا في مستهل رده علي في مجلة الفيصل العدد (217) الصادر في شهر رجب عام 1420ه، وذلك عندما نقضت تحقيقه لماء طُوَيلع المشهور، حيث ثارت حفيظة شيخنا فاختلطت عليه الأمور كما اختلطت عليه النصوص الواردة بشأن إِمَّرَة وقد أورد في رده أموراً لم يكن بودي أنه قالها، ومناقشتها ليس هذا مجالها:
وأقول: ليست شيخنا عندما استصوب رأيي حول إمرة ذكر هذا صراحة عندما حذف وأضاف في هامش صفحة كتاب المناسك الذي مَرَّ معنا في بداية كلامنا هذا، حيث قال في إضافته عن إمرة :
(على أن أحد الباحثين يرى ان الاسم لجبل متالع، فهي آبار ومنزل وليست جبلاً).
وقل لي بربك، ماذا تفهم من هذه الإضافة الجديدة!!
فإذا كان القصد من ذلك عدوله عن آرائه السابقة فلماذا لم يصرح باسم هذا الباحث وفي اي مطبوعة قال رأيه حتى يتمكن القارئ من معرفة الخطأ من الصواب في تحديد هذا الموضع.
أما مجرد الاشارة إلى ان أحد الباحثين قال رأياً يخالف رأياً آخر دون تحديد المرجع فهذا ليس من الاسلوب العلمي في شيء.
ولعلي أتساءل فأقول: هل الاعتراف بالوقوع في الخطأ من الصعوبة إلى هذه الدرجة؟!!
وقبل أن أختم كلامي أحب أن أقول: لا يظن ظان أنني بما قلته هنا أقلل قدر شيخنا حمد الجاسر، فمكانته العلمية محفوظة في صدور الجميع, فهو هرم كالطود لا ينقص من قدره تدحرج حجر صغير لأنه كما قال الشاعر إسماعيل صبري عن أهرامات مصر:


لم يأخذ الليل منها والنهار سوى
ما يأخذ النمل من أركان ثهلان

هذا ما عَنَّ لي قوله، وبالله التوفيق.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved