أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 15th September,2000العدد:10214الطبعةالاولـيالجمعة 17 ,جمادى الثانية 1421

شرفات

كتب التكوين وصناعة المبدعين
كتب وكلمات,, غيرت مجرى حياتهم
لا يولد المبدع مبدعا، ولا تولد الموهبة من فراغ، فيقف وراء المبدع حصيلة سنوات من الجهد والعمل الدؤوب ومسيرة شاقة ومرهقة مع القراءة والبحث والتأمل وتقليب الأفكار، وفي ظل هذه المسيرة لا يستطيع المبدع نسيان المرتكزات الأساسية فيها خاصة التي شكلت وجدانه الابداعي، ومن دون شك يبقى الكتاب اهم المرتكزات التي لا ينساها الأديب وكذلك عندما يكون الكتاب هو أول ما قرأ، وأول ما وقعت عليه عيناه وحمله وجدانه، وتأثر به في بداية مشواره الابداعي، ومن هنا كانت مبادرة شرفات في البحث عن الكتاب او الكتب التي أثرت في التكوين الثقافي للأدباء وشكلت وجدانهم، وكانت من اهم الابواب التي دلفوا من خلالها الى دنيا الأدب والابداع وكذلك التساؤل الى أي مدى امتد هذا التأثير وانعكس على مشروعم الابداعي خاصة ان اهمية الكتاب لا تقف عند تأثير البداية ولكن يمتد الى باقي مراحل مسيرة الأديب.
مسرحيات أحمد شوقي ثم ديوان المتنبي,, من أوائل الكتب التي جذبت انتباه الصبي خيري شلبي لعالم القراءة والابداع الادبي وشغله هذا العالم الذي انفتح أمامه وأحبه من خلال قراءته لهذه الكتب عن أي شيء آخر، وبعد ان كان لا يلتفت الى الكتب المتراصة في مكتبة ابيه أقبل عليها لينهل منها ما يشاء ويؤكد ان قراءته لشوقي والمتنبي في البداية كان لهما اكبر الأثر في اتجاهه للأدب ومن ثم احترافه للكتابة الابداعية ويقول: كان في دارنا مكتبة خاصة بأبي الذي كانت القراءة بالنسبة له زادا يوميا ضروريا,, معظم كتبه كانت في الأدب والتاريخ والسياسة ومجلة المقتطف ومجلة الهلال وروايات جورجي زيدان ومسرحيات احمد شوقي والمتنبي، وبعد ان كنت لاهيا ومنصرفا عن هذه الذخيرة من الكتب، لا ادري ما الذي دفع بي في أحد الأيام لتناول كتاب من المكتبة لقراءته وكان الكتاب احد مسرحيات أحمد شوقي مجنون ليلى ولم أتركه إلا بعد ان فرغت من قراءته واعدت قراءته كثيرا حتى حفظته عن ظهر قلب ثم قرأت للمتنبي بعد ذلك، في هذه الأثناء رحت أتأمل حال أبي وهو منكب على القراءة فوجدت ان ابي كان خطيبا مفوها وسياسيا وممتلئا بالغطرسة شأن ابناء الأسر العريقة التي جار عليها الزمن فجأة فأصبحت فقيرة فقرا لا يتناسب مع كبريائها وتاريخها، فقد كنا في الظاهر معدودين بين الأسر ذات الأصل الطيب، يعاملنا الناس باحترام شديد وفي الداخل نعاني شظف العيش، وهذه الازدواجية التي تأملتها مبكرا من حياتي ربما هي التي حفزتني للقراءة من اجل المعرفة وهي أيضا ما حفزتني على محاولة الكتابة الأدبية فبعد قراءتي لكل ما في مكتبة أبي بدأت تنتابني خواطر شجنية حميمة تقودني الى تساؤلات مفعمة بالمشاعر التي تغريني بتدوينها على الورق حول التغيرات الاجتماعية التي تلعب بمصائر الناس فترفعهم وتخفضهم كيفما شاءت، وفي البداية حاولت كتابة الشعر فكنت أقضي الليل في ضوء لمبة جاز احاول محاكاة أحمد شوقي وأشعار المتنبي واقرأ في ألف ليلة وليلة والسير الشعبية ثم بدأت في كتابة القصص والروايات والتي تعكس الى حد كبير مدى التحولات الاجتماعية التي كنت قد تأملتها في حال والدي واسرتي وشدني الى هذا التأمل قراءتي لأحمد شوقي والمتنبي ومكتبة ابي فيعود الفضل اليهم جميعا.
أما الأديب الكبير بهاء طاهر فقد شهد تكوينه الثقافي طريقا مختلفا فيقول كانت مكتبة والدي عامرة بكتب التراث والأدب ودواوين الشعر وتفاسير القرآن والأحاديث النبوية حيث كان والدي يعمل مدرسا للغة العربية وفي البداية كنت افتح هذه الكتب ولا افهم شيئا منها إلا ان وقعت يداي على كتابين قرأتهما بحب شديد وهما كليلة ودمنة للفيلسوف الهندي بيديا ترجمة عبدالله بن المقفع، والكتاب الثاني هو مسرحية كيلوباترة لأحمد شوقي ومن خلال هذين الكتابين احسست بشيء غامض وجديد يجذبني اليه، وفي المدرسة الابتدائية بالجيزة اكتشفت روايات الجيب ومن خلالها تعرفت على الأدب العالمي بالصدفة فقد صدر في هذه السلسلة الجريمة والعقاب لدستوفسكي وكنا نقرأها ولا نفهمها إلا انها كانت شيئا مختلفا عن روايات ارسين لوبين وشارلوك هولمز ولكنها كانت تشدنا، بعد ذلك كانت النقلة الثانية في حياتي اثناء المرحلة الثانوية حيث قرأت ابداعات طه حسين وتوفيق الحكيم والمنفلوطي وغيرهم واذكر ان اول رواية قرأتها بالانجليزية هي رواية انا كارنينا لتولستوي وتذكرني هذه الرواية بواقعة طريفة وهي ان صديقي الروائي صنع الله إبراهيم كان زميلا لي في المدرسة نفسها، حيث قال لي انه كان يعتقد انني ارستقراطي لأنني اقرأ بالانجليزية وهو ربما لا يعلم انني كنت افقر الطلاب في الفصل، بعد ذلك قررت ان أقرأ بطريقة منهجية منظمة وذلك اثناء المرحلة الجامعية حيث بدأت مشروعا طموحا للغاية وهو ان اطلع على الثقافة الإنسانية بالترتيب فكنت أقول انه في الستة شهور المقبلة اقرأ الادب اليوناني فاستخرج من الفهارس كل ما يتعلق به سواء في المسرح او الرواية او الشعر بعد ذلك اقفز الى الادب الامريكي ثم الروسي وهكذا ورغم ان المشروع لم يتحقق بالكامل إلا انه افادني افادة كبيرة وساهم بشكل كبير في معرفتي وتكويني الثقافي وساعدني في كتاباتي وخاصة في التعمق الإنساني في جوانب شخصياتي وابطال اعمالي.
مسيرة مرهقة
الأديب يوسف ابورية كانت مسيرته مع الكتاب مرهقة ومضطربة ففي ظل اسرة لم تنفتح على القراءة والتعليم إلا الأخ الأكبر له كان شغف ابو رية يتزايد نحو المطالعة والقراءة وقبلها الرسم فقد بدأ حياته مع الكتابة الأدبية رساما وكان كتاب الأيام لطه حسين هو سبب التحول الكبير في حياته يقول يوسف ابورية: كانت القراءة بالنسبة لي عملية مرهقة في طفولتي فليس في بيتنا مكتبة موروثة ولم اجد سوى كتب اخي الاكبر الذي كان يدرس بالأزهر وكانت الكتب كبيرة وصعبة على الفهم لصبي في سني مثل شرح بن عقيل وغيرها بعد ذلك بهرتني الصورة واكتشفت موهبة الرسم بداخلي وقد بدأ الرسم قبل الحرف ووسط هذا العالم وبينما الوالد كان مشغولا بزراعته بإحدى قرى محافظة الشرقية وكل اشقائي لم يكملوا دراساتهم حتى اخي الأكبر لم يكمل بعد الثانوية الازهرية وبقيت انا الوحيد المتعلم وكان أبي يشتري لي المجلات مثل مجلة سمير ومن خلالها تعرفت على اساتذة الرسم في مصر ولكن في المرحلة الاعدادية كان كتاب الأيام للدكتور طه حسين مقررا دراسيا علينا، وقد غير هذا الكتاب مجرى حياتي فقد ظلت كلماته معلقة في ذاكرتي لفترة طويلة وربما حتى الآن وقد حلمت في هذه الفترة ان اصبح مثل د , طه حسين وقادني هذا الحلم الى قراءة العديد من الكتب وكنت اذهب لشراء كل الكتب التي كان يبيعها بائع الجرائد وكانت حينها كتاب اليوم وكتاب الهلال ومجلة الطليعة وبدأت العزلة والامتناع عن الناس والتفرغ للقراءة وذهبت لعمل اشتراك في دار الكتب في عاصمة الاقليم وكان من الصعب استعارة الكتب في ذلك الوقت فكنت اجلس داخل الدار للقراءة وأدون ملاحظاتي او احفظ الاشعار التي كنت اقرأها وصممت لنفسي فهرسا خاصا للقراءة واختيار الكتب وكانت خطتي ان اعمل مسحا كاملا لجيل الرواد الذين اسسوا كل الأشياء، القصيدة، الرواية، القصة القصيرة، وكنت أقرأ ثمانية كتب في الشهر ودراستها جيدا فقرأت لمصطفى صادق الرافعي، وتوفيق الحكيم، المنفلوطي، سيرة العقاد ولكن ظل كتاب الأيام لطه حسين لا يفارق مخيلتي وقد وضعت نصب عيني ان اكتب رواية مثل الأيام إلا انني لم اكتبها حتى الآن ولا استطيع نسيانها او تجاهل تأثري بها وعلاقتي بها مستمرة حتى الآن.
ومن ناحيته يرى الأديب عبدالتواب يوسف صعوبة تلمس تأثير كتاب واحد على الأديب فهناك دائما مجموعة من الكتب الى جانب الخبرات والتجارب والمصادر المعرفية الأخرى، وعن علاقته مع الكتاب يقول بدأت العلاقة في وقت مبكر حيث كنت في السابعة من العمر وكان في بلدي بني سويف كاتب يدعى مصطفى محمد إبراهيم يطبع قصة كل اسبوع للأطفال وكانت القصة في ذلك الوقت الثلاثينات من القرن العشرين بنصف قرش فكنت أدخر من مصروفي اليومي لشرائها وقد اكتشفت في هذه القصص عوالم اخرى غير التي اعيشها مع اصدقائي بعد ذلك بفترة عرفت الطريق الى مكتبة البلدية الضخمة التي كانت تحتوي على العديد من الكتب التي تحمل الثقافة الإنجليزية وكان أمين المكتبة يجدني كل يوم اجلس أمامها في انتظار ان تفتح أبوابها حتى ترك لي نسخة من المفتاح وفي هذه الفترة قرأت لفوليتر والمنفلوطي والعديد من الكتب الرائعة، وفي المرحلة الجامعية سرت مفتونا بعبدالقادر المازني فكنت اشتري كل كتبه واتذكر ان اسرتي كانت قد ارسلت لي ذات مرة مبلغا من المال كي اشتري بعض الملابس الجديد ولكني ذهبت لشراء كتب المازني حيث انهيت دراستي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعملت في البداية مترجما في إحدى الصحف وكان كل اصدقائي يعرفون حبي للمازني، وفي يوم ما حضر المازني لمقابلة رئيس التحرير الذي اتصل بي على الفور ليبلغني بوجوده، ولم اتمالك نفسي عند رؤيته واخذته بالأحضان فاندهش فحكيت له عن مدى حبي له ولكتاباته وكان ذلك قبل وفاته بقليل، وحتى الآن لا استطيع نسيان تأثير المازني كما لا استطيع نسيان تأثير كتب طه حسين وتوفيق الحكيم والمنفلوطي والعقاد على اتجاههي الأدبي منذ البداية.
آثار ممتدة
ويؤكد الأديب والناقد يوسف الشاروني ان فترة التكوين الاولى هي التي تترك آثارها على المبدع فيما بعد ولا يستطيع نسيانها بمرور الأيام ولا تخلو أعماله الأدبية من أحد الملامح التي تعبر عن الأشياء التي تأثر بها في بداية مشواره وساهمت في تكوينه الأدبي ودخلت في نسيجه الثقافي وبالنسبة لتجربته الخاصة يقول: كنت مهتما منذ الصغر بدروس اللغة العربية في المدرسة وخاصة حصة الإنشاء حيث كنت أكتب موضوعات مسجوعة وقد حببني في ذلك مدرس اللغة العربية ووالدي، فقد كان منزلنا يمتلىء بالكتب التي تخص والدي وكانت سببا مساعدا في تنمية مواهبي مع اشقائي يعقوب الشاروني وهو كاتب أطفال وصبحي الشاروني فنان تشكيلي وكانت مكتبة الاسرة لها دخل كبير في توجيه موهبتنا وفي هذه الفترة قرأت العديد من الكتب ومازلت اذكر منها مجاني الأدب في حدائق العرب للأب لويس شيخون وهو عبارة عن مختارات من الأدب العربي وكتاب كليلة ودمنة ثم قرأت لمعظم الأدباء العرب المعروفين في ذلك الوقت طه حسين والعقاد والمازني وسلامة موسى وترجمات لأشعار طاغور وجبران خليل جبران وكتاب التربيع والتدوير للجاحظ وعيسى بن هشام للمويلحي وكنت أقوم بتلخيص الكتب التي كنت أقرأها وأدرب نفسي على عملية النقد واسميت هذا التلخيص مطالعات في الكتب كما كنت اسارع بتدوين اي انفعال او عاطفة في يوميات اسميتها مدرستي التعبيرية لأنني لم اكن اهتم بأن يقرأها احد غيري فكنت اكتب ما اريد وبالاسلوب الذي اريده وكانت هذه اليوميات مع بداية المرحلة الجامعية لذا ادين بالفضل لكل هؤلاء كما استفدت من اليوميات التي كنت اكتبها في كتابي الاخير بعنوان بين الحلم والتجربة والذي اشير فيه الى جانب من تجربتي الابداعية والنقدية، واؤكد في النهاية ان مكوناتي الثقافية الاولى مازالت تمثل لي معينا خصبا لا ينضب في الكتابة واستند اليها دوما في ابداعاتي سواء القصصية او النقدية.
عثمان أنور

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved