أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 29th September,2000العدد:10227الطبعةالاولـيالجمعة 2 ,رجب 1421

مقـالات

الاستهلاك وأجراس الخطر؟
د, زيد بن محمد الرماني
شهد المجتمع الغربي، في أعقاب الحرب العظمى الثانية عهدا من الرخاء والوفرة، تحول فيه الاستهلاك الى فلسفة وأسلوب حياة سائد, بل ان أحد مفكري ذلك الوقت ويدعى فيكتور ليبور دعا الأمريكيين الى ان يتخذوا من الاستهلاك وسيلة لخلاص الروح وتحقيق الذات.
ووجدت تلك الدعوة استجابة واسعة، بل إنها تعدت حدود الولايات المتحدة الأمريكية الى عدد من مجتمعات الدول الصناعية، فأصبح الاستهلاك صبغة للحياة فيها، وتسللت القيم التي أفرزها تزحزح القيم الاجتماعية التقليدية الراسخة في تلك المجتمعات.
بل ان اليابانيين استبدلوا بعض قيمهم الموروثة بقيم استهلاكية جديدة، فأصبحت بنود الحكمة الثلاثة لديهم هي: التلفاز الملون، وجهاز تكييف الهواء، والسيارة.
لقد جاءت الاستجابة من الأغنياء الذين تزايد عددهم، فقد أصبح الفرد من الطبقة الوسطى أغنى من جده الذي عاش في مفتتح القرن العشرين بمقدار أربع مرات ونصف، وهكذا صار يعيش في نفس العالم، بليون انسان في رغد ورفاهية وبليون آخر عند حد العوز.
يقول الدكتور رجب سعد السيد في كتابه أجراس الخطر : لقد وصل مصروف الجيب للطفل الأمريكي الواحد الى 230 دولارا سنويا، وهو مبلغ يفوق الدخل السنوي للفرد بين نصف بليون من فقراء العالم.
ولقد كانت لهذه الموجة الضاربة من السلوك الاستهلاكي تبعاتها على البيئة، فقد جارت على الموارد الطبيعية، من غابات وتربة وماء وهواء، وأساءت الى المناخ العام للأرض.
وقد شهد العالم طفرة هائلة في التقدم التقني وارتفاع الدخل الفردي ورخص المواد الخام، وانخفاض أسعار المنتجات وأدى ذلك الى ارتفاع مذهل في مستوى الاستهلاك تؤكده الاحصائيات.
فمنذ منتصف هذا القرن تضاعف متوسط الاستهلاك العالمي للفرد الواحد، من النحاس والطاقة واللحوم والصلب والخشب مرة واحدة، بينما تضاعف متوسط استهلاك الاسمنت كما تضاعف عدد مالكي السيارات أربع مرات، وتضاعف استهلاك البلاستيك خمس مرات والالومنيوم سبع مرات.
وبصفة عامة، فان الأمم الصناعية تستهلك ثلثي صلب العالم، وأكثر من ثلثي انتاج الألومنيوم العالمي وكذلك الحال بالنسبة للنحاس والرصاص والنيكل والقصدير والزنك، وأربعة أخماس الطاقة.
ومنذ عام 1950م، استهلك سكان العالم من السلع والخدمات ما يعادل ما استخدمه البشر منذ فجر التاريخ الانساني.
وقد وصلت عدوى الاستهلاك الى بعض المجتمعات الفقيرة.
واذا افترضنا ان تعداد المستهلكين المسرفين بليون واحد من سكان العالم، فان ذلك يمثل عبئا شديدا على الأرض، فبين هؤلاء البليون مستهلك مسرف يوجد أغنى خمس تعداد البشر، ويسيطر هذا الخمس الأغنى على 99% من الرؤوس النووية الحربية.
ان اسراف هؤلاء المستهلكين من سكان الأرض في مادة طبيعية مثل الخشب، يتضمن حفزا الى اقتطاع مزيد من أشجار الغابات.
ولا ينبغي ان يفوتنا ان لكل نشاط اقتصادي أعباءه البيئية التي تثقل او تخف بتأثير ثلاثة عوامل: حجم التجمع البشري المستفيد من هذا النشاط ومتوسط الاستهلاك، ودرجة تقدم التقنية المستخدمة لتوفير الاحتياجات والخدمات لأفراد التجمع البشري.
يقول ألن شين في كتابه How Much is enough الجدير بالملاحظة ان المجتمع الأمريكي يتقدم السباق في ثلاثة أنواع من السلوك الاستهلاكي: النقل والمواصلات والغذاء والمواد الخام.
وتبدو صورة السباق في النوع الاول، وعند قاعها بليون انسان من سكان العالم لا يعرفون من وسائل المواصلات سوى أقدامهم.
تقول بعض الاحصاءات ان 20% من الأسر في أمريكا تمتلك ثلاث سيارات أو أكثر، وان 9% من السيارات الحديثة مكيفة الهواء، وهذا يعني عبئا اضافيا على حساب استقرار المناخ العالمي.
وحسب احصائيات أخرى للبنك الدولي تبين ان ثمة 360 مليون انسان يأكلون طعاما غير صحي وثمة تعقيدات بيئية غير ظاهرة مرتبطة برفاهية الغذاء في العالم المتقدم، اذ ينتقل الكثير من أنواع الطعام المتميز على حساب الطاقة المستمدة من الوقود الأحفوري.
وثمة بليون انسان معدم، يعيشون خارج المدن ويعتمدون في حياتهم على الخامات المحلية في بيئاتهم الفقيرة، فلا يزيد استهلاكهم اليومي عن نصف كيلو جرام من الحبوب وكيلو جرام من خشب الوقود.
وبصفة عامة، فان ربع سكان العالم، الذين يعيشون في الدول الصناعية الكبرى يزيد استهلاكهم في بعض المواد الأولية عن استهلاك دول العالم الثالث كما يلي: في الورق 15 مرة، وفي الصلب 10 مرات وفي الوقود 12 مرة.
ويرتبط السلوك الاستهلاكي في مجتمعات الوفرة بما يمكن ان يسمى بالاهدار Throwaway حيث أصبحت عمليات التعبئة والتغليف صناعة ضخمة، كما تزايد الاعتماد على السلع التي تستخدم لمرة واحدة ثم تهدر أو تهمل.
هكذا يجري الاستهلاك في عالمنا، ويجر وراءه الأمراض التي تصيب البيئة وأجسام المستهلكين أنفسهم ونحن لا ندين كل مجتمعات الوفرة، أو بمعنى آخر، كل أفرادها، فثمة من يملكون القدرة على الاختيار المناسب من أجل حياة بسيطة خالية من المتاعب الصحية والبيئية وان كانوا يمثلون القلة.
وهنا، يرد سؤال مهم: ما الذي يدفع الكثير الى الاستهلاك بشراهة؟!
هل لأن البشر، بطبعهم لا يقنعون بما لديهم كما أكد أرسطو ان جشع الانسان لا يرتوي أم ان السبب يرجع الى ان الأحفاد اغنى من الأجداد؟
والاجابة عن كل من السؤالين بنعم، لا يجب ان تجعلنا نغفل حقيقة وجود قوى أخرى دافعة الى تنشيط الرغبة في الاستهلاك، بصورة غير مسبوقة.
لقد تضاءلت قيمة الفضائل مثل الاستقامة والاتقان وتراجعت كمعيار للمكانة الاجتماعية ليحل محلها جميعا مؤشر واحد يحترمه الجميع هو المال.
وللأسف، فقد أثبتت استقصاءات عدة ان الاتجاه الاستهلاكي غير قادر على اشباع كل حاجات الانسان، فالسعادة مثلا، تأتي مرتبطة بعوامل أخرى أبرزها الحياة الأسرية المستقرة، والنجاح في العمل، وراحة البال، والصحة الجيدة والصداقة,, فاذا غابت هذه العوامل، لجأ الانسان الى الاستهلاك ليضفي على نفسه احساسا بالتميز والقدرة.
ولا يجب ان نغفل قوة الاعلان وسحره، فقد أصبحت صناعة الاعلان واحدة من أسرع الصناعات نموا.
ومن ثم، فليس غريبا، اذن، تحت تأثير هذا السحر المستمر ان يصبح الشراء ثقافة عامة ومتعة عند نسبة 96% من الشباب.
وطغى الاعلان، حتى على توجهات ربات البيوت، وأصبحن يسعين الى الطعام السابق التجهيز والى المنظفات عالية القدرة والى سلع عديدة تجد طريقها الى وعاء القمامة فور الانتهاء من استخدامها,, وهكذا تتحول ربة البيت من وحدة اقتصادية أساسية الى عامل سلبي التأثير على البيئة.
وبعد، فهل يمكننا مواجهة جاذبية السلوك الاستهلاكي وكبح جماحه؟ ان الاجابة عن هذا السؤال بنعم، يمكن ان تتحقق اذا التزم المستهلكون بقاعدة ذهبية تقول: من حقنا ان نحصل على احتياجاتنا، ولكن ليس على حساب مستقبل أبنائنا وأحفادنا .

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved